السبت، 21 أغسطس 2010

حقوق الانسان والاخلاقيات

حقوق الإنسان والأخلاقيات *
الدكتور محمد محجوب
أستاذ الفلسفة بجامعة تونس - المنار
* نص المحاضرة التي ألقاها الأستاذ محمد محجوب يوم الجمعة 10 ديسمبر 2004 أمام سيادة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي، بقصر الجمهورية بقرطاج، بمناسبة احتفال تونس بالذكرى 56 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
**************
سيادة الرّئيس الموقّر،
اسمحوا لي في البداية أن أعبّر لكم عن أصدق مشاعر الامتنان لما حبوتموني به اليوم من شرف إلقاء هذه المحاضرة بين يديكم، بمناسبة احتفال تونس السّنوي المتجدّد بذكرى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. واسمحوا لي أن أجد في هذا التّشريف ما يتجاوز شخصي ليمتدّ إلى زملائي الجامعيين الذين يعرفون مدى رعايتكم لهم وحرصكم على مكانتهم ومكانة الجامعة في منظومة التّنمية التي رسمتم لوطننا العزيز.
سيادة الرّئيس الموقّر،
لا يكاد اليوم يخلو جدل سياسي ولا نقاش عامّ من تعريج على مسألة حقوق الإنسان، عرضا وتقييما، نقدا وتأسيسا، أو تحليلا ومقارنة. ولا غرابة في ذلك فحقوق الإنسان تاج الفضائل وقمّة الرّقي الخلقي والحضاري الذي بلغته الإنسانية عبر مسار تاريخي طويل ومن خلال تضحيات بطولية ستظلّ محفوظة في ذاكرة الشّعوب على مدى الأزمنة.
ولكنّ حقوق الإنسان، من جهة أخرى، باتت كذلك من أوكد القضايا وأشدّها راهنية، أمام المشهد العامّ الذي يبدو عليه عالمنا اليوم، والذي ليس أقلَّ عناصره ما تولِّده الحروب والنزاعات من العنف، وما يطرحه تفاوتُ التّنمية بين الشعوب والأمم من فواجع الفقر وفقْد الكرامة الإنسانية، بل ما ينجم في صلب العولمة الشاملة من قضايا الضَّيْم الذي تُدخله ثقافةٌ على أخرى، وخاصةً على أصحاب ثقافة أخرى، لا بفعل فضل هذه على تلك، بل بفعل توفّر الأداة والآلة لهذه ونُدرتها ونقصانها لدى تلك. فالكلُّ يعلم اليوم، أنْ لا فضل لثقافة على أخرى، وأنّ كلَّ الثقافات إنما هي منظوماتٌ وأنساقٌ من التعامل مع العالم، لا يزداد فضلُها إلا على قدر اتساعها لمعرفة غيرها، والاستفادةِ منه، وانفتاحها عليه تفاعلا أساسُه الاحترام المتبادل. بل إنّ حقوق الإنسان قد دخلت كإشكالية، منذ أمد غير قصير، إلى قلب مخابر البحث العلمي ولاسيما أشدِّها تخصّصا وتوغّلا في المعرفة، تلك التي قد يُظن بها أنْ لا علاقة لها بمسائلِ حقوق الإنسان : فما تطرحه اليوم المعالجات الجينية، والممارسات التّطبيبية، إنما هو في صميم الحقوق الأصلية للإنسان، تلك التي تتّصل بكونه إنسانا، مجرّدَ إنسان.
لذلك فإنّ المرء، إذا ما قلّب النّظر في المسألة ونشَد استقصاءها واستيفاء أبعادها، وجد أنّ الإنسان الذي يُقصد، في الأصل، بالحقوق في عبارة "حقوق الإنسان"، إنما هو الإنسان في جميع أبعاد إنسانيته، تلك التي تتأتّى من كونه إنسانا، أعني نفسا إنسانية، ومن كونه اجتماعيا، أعني ملتقى الأوضاع والأدوار، ومن كونه سياسيًّا، أعني مواطنا، ومن كونه ثقافيا حضاريا، أعني متمثِّلا للعالم فيما يُعرف برؤى العالم. فثمّة ضربٌ من البنية الشمولية للإنسان لعلّها هي المقصودَ الأصلي، أعني المقصودَ الأقصى، بحقوق الإنسان. وإنّ هذا المقصودَ الأقصى الذي يجمع أبعاداً لا نفرّق بينها إلا إجراء للتّحليل، واصطناعا للمنهج، إنّما هو المشار إليه في العبارة اليونانية "إيثيقا"، التي باتت تعرّب اليوم إلى "الأخلاقيات".
فيبدو لي أنّ أوّل معاني الإيثيقا، وهو المعنى الذي سنّه لنا الإغريق، وأنصت إليه العرب والمسلمون من بعدهم أيما إنصات، إنما هو هذا المعنى الجامع الذي سؤْلُه ومطلوبه مَقامُ (séjour )الإنسان في العالم، ومنزلتُه منه، أو كما أصبحنا نقول اليوم، كرامتُه ضمنَه. لذلك مثلا يفرّق أبو نصر الفارابي بين العلم المدني والعلم الإنساني1، جاعلا هذا الأخير علم الغاية من الوجود الإنساني، أي علم المنزلة والمعنى، وجاعلا من الأوّل علم الأدوات التي تُنال بها تلك الغايةُ. فكأنّما علمُ مقامِ الإنسان هو مصدرُ التّشريع أعني أنّه مصدرُ سَنّ القوانين التي بها يُحقَّق ذلك المَقام. ولكنّ الأهمّ في أثناء ذلك إنما هو أنّ تشريع القوانينِ وسنَّها إنما يخضع لغاية المَقام اللائق بالإنسان. فلعلّ الحاصل من ذلك أنّ القوانينَ والتّشريعاتِ إنما تُشتقُّ اشتقاقا من أساسها الإيثيقي، أعني أساسَها المعياري ، ألا وهو ما ترتئيه مجموعةٌ ما من البشر لنفسها مَقاما لائقا بها محقّقا لكرامتها.
إنّ هذا المصدر الأقصى للقوانين هو الأفق المعياري الذي يرنو إليه كلّ تشريع جدّي، أعني كلَّ تشريع يريد لنفسه أن يكون ذا مشروعية. وحتىّ إذا ما أصبحنا اليوم نتحدّث عن إيثيقات كثيرة، أو عن أخلاقيات كثيرة، فبهذا المدلول الذي يجعل كلَّ نسق من التّشريعات أو القوانين أو القواعد، في مجال من المجالات، مُلزما بأن يكون مشتقّا أو مترتّبا عن مستوى من النّظر أرفع منه، وهو مستوى المعنى، الذي يحفَظُ القوانين من أن تكون مجرّد أوامر، ويحمِلُها على أن تكون متوافقة مع المثل الكبرى التي تتبنّاها المجموعة بوصفها تنتمي إلى الإنسانية. فالأخلاقيّات هي إذن مرجَعيات التّشريع، لأنها قبل ذلك مرجعياتُ الإنسان المحدِّدةُ لمعنى وجوده ولمثله العليا. ذلك أنّ القوانين التي شأنُها أن يأتمر بها الإنسانُ ، إنما تكتسبُ طابعها الإلزامي من كونها هي ما يرتضيه الإنسانُ لنفسه وفقا للصّورة التي يترسّم بها مَقامه. فأصل التشريع هو الحريةُ، ولما كان الأمر كذلك، فإن الأخلاقية، كما يقول الفيلسوف المعاصر بول ريكور ( Paul Ricoeur )، ليست إلاّ السّعيَ إلى إعادة بناء كلّ الوسائط التي تربط بين الحرّية بما هي نقطة الانطلاق، والقانون، بما هو نقطة الوصول.
سيادة الرئيس الموقّر،
إنّ المرجَعيّة التي تحدّد أخلاقيّة التّشريع في تونس تتّسم بجملة من الخاصّيات جمعت شمول الرؤية إلى أصالةِ المنهل، وحداثةِ التوجّه، وانسجامِ العناصر. فلا شكّ أنّ ديننا الإسلامي الحنيف بما يحتويه من القيم الكونية الخالدة، المعليةِ من شأن النّفس الإنسانية والمشرّفة لقدْرها، يمثّل إحدى هذه المرجعيات التي ما انفكّ العهد الجديد يستلهمها في نسق الأخلاقيات التي يؤسّس عليها تشريعاته، مصداقا للآية الكريمة :"ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيّبات وفضّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"2. ولا شكّ كذلك أنّ المرجعيّة الفلسفيّة المستنيرة التي رسّخ أسسها زعماء الفكر ولاسيما في المغرب الإسلامي، ركيزةٌ من ركائز التشريع وأفقٌ من آفاقه ليس أقلَّ أعلامها عبد الرحمان بن خلدون الذي مثّلت مقدّمتُه الشهيرةُ عودةً تأمّلية، أي إيثيقية، على النّفس وعلى التّاريخ تقوم شاهدا على المقام الذي ارتآه الإنسان لنفسه، أعني المقام الذي يحدِس التّاريخَ والعُمران إحداثيتين محدِّدتين، إن لم نقل معياريتين، لكلّ فعل3.
ولكنّ أفق الأخلاقيّة التي تؤسّس رؤية الإنسان لوجوده قد ارتفع واتّسع عندما بادر الفكر الإصلاحي التّونسي إلى إرادة التّحديث، مبادَرَةً غير مسبوقة، فإنّه هاهنا أيضا قد رسم مَقاما جديدا للمعنى يقرن قَدامة الأصل بحداثة المعرفة : ولقد كاد يؤلّف منهما منهجا جديدا ذاتيا تلقائيا لولا عوارض التّاريخ. إلى ذلك نهضت الدّولة الحديثة إبّان الاستقلال، وقد أدركت غاية الحرّية استقلالا عن "السيطرة الأجنبية"4، ولكن بذلك اضطلع العهد الجديد اضطلاع الإنجاز والفعل، بعد أن أدرك أنّ معنى الحرية ليس استقلالا عن الطغيان الأجنبي، إلا ليكون لتوّه تحرّرا من قيود الضرورة والفقر، ومن غمامات التعصّب والدّغمائية، وأنّ تحقيق كرامة الإنسان في كلّ مجالات وجوده رهينُ رؤيةٍ شموليةٍ ناجعة، لا تريد رفع الحرج بإقرار حقوق صورية اسمية. فإن الحقّ الحقيقي قدرةٌ جماعيةٌ على ممارسة الحقّ، ومغادرةٌ لدَرَك الضّرورة التي تحوّل الحقوق إلى إمكانات جوفاء. لقد وضع العهد الجديد في صياغته لمشروعه عناصرَ رؤيةٍ منسجمة ائتلفت من تلك الرؤى المتعاقبة، وصهرتها ضمن تصوّر حريص على الحاضر، متلفّت صوب المستقبل، غير زاهد في الماضي.
لذلك فإنّ مفهومَ حقوق الإنسان، ونسقَ حقوق الإنسان في عملِ التّغيير مرتبطٌ بالإقدار على ممارسة الحقوق، وهو لذلك حاصل رؤية تريد، بقدر ما تحصّل وسائل الإرادة. هكذا فهم العهد الجديد رسالته : عملا على التّحقيق. وهكذا ائتلفت عناصرُ الأخلاقية التي تقوم عليها رؤية تونس الجديدة لحقوق الإنسان بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثّقافية والسّياسية: فَمِن عناصرها أنّ مقام الإنسان لا يمكن أن يكون مقام كرامة إذا ما هو كان في خصاصة واحتياج. ومن عناصرها أنّ مقام الإنسان ليس مقامَ كرامةٍ خارج الروابط الإنسانية الحضارية الحقيقة. ومن عناصرها المعرفةُ، والثقافةُ، وعقليّةُ التّسامح والتّضامن عبارةً عن التّسامي الرّوحي والرّقي الخلقي. ومن عناصرها أيضا أن الإنسان الذي يُقصد بالحقوق لا يستثني المرأة والطفل، بل يشمَلهما ضمن تناظر حقيقي مولّد للتّوازن، محرّك للهمم ومكوّن للأمل.
إنّ النّاظر في الإعلانات والمواثيق الدّولية لَيجدُ أنّ التّمشّي التونسي إنما ينخرط في صميم المقاربة الأممية التي أقرّت الحقوقَ الاجتماعيّةَ والاقتصاديّةَ والثّقافيةَ في تلازم مع الحقوق السّياسية والمدنية، والتي اندرجت ضمن أفقِ الأخلاقية العامّة لحقوق الإنسان، هذه الأخلاقيّةِ التي حدّدتْها ديباجةُ الإعلان العالمي "إقرارا بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامةٍ أصليّة فيهم، ومن حقوقٍ متساوية وثابتة، إقرارا يشكّل أساس الحرّية والعدل والسّلام في العالم" وتوقا من البشر إلى الأسمى، أي إلى "عالم يتمتّعون فيه بحرّية القول والعقيدة وبالتحرّر من الخوف والفاقة" وإيمانا مشترك المضمون "بكرامة الإنسان وقدْره، وبتساوي الرجال والنّساء في الحقوق" وعزما "على النهوض بالتقدم الاجتماعي وبتحسين مستويات الحياة في جوّ من الحرية". فما تحدّده هذه الدّيباجة إنما يقوم مقام "الأخلاقية الأساسيّة" بل مقام الأخلاقية التّأسيسية التي تحيل عليها كلُّ بنيةٍ تشريعيةٍ متناسقةٍ.
ولكنّ اعتزازَ تونس بعناصر هويّتها الخالدة، تلك التي تُطاول بها الكونيةَ التأسيسيةَ لكلّ تشريع، قد دفعها إلى إثراء هذه المرجَعيةِ العامّة والمشتركة بأنفَس ما لديها من القيم الذاتية الرّاسخة في صميم كيانها الروحي : لذلك فإن تعديل الدّستور الذي استفتيتم فيه الشّعب، يا سيادة الرئيس، في ماي 2002 ، قد أضاف إلى مبادئ الأخلاقيّة الكونيّة العامّة أنّ الدّولة التّونسيّة "تعمل على ترسيخ قيم التّضامن والتّآزر والتّسامح بين الأفراد والفئات والأجيال". فضمانُ حقوق الإنسان الذي جاء به تعديل الدّستور في فصله الخامس، والذي أكّد على شموليّة مبادئ تلك الحقوق وكونيتها وتكاملها وترابطها، قد انخرط ضمن بنية تأويليّة لهذه الكونية فصّلت الكرامة الأصليّة للإنسان "تضامنا وتآزرا وتسامحا"، فأدرجَ بذلك الأنموذجَ الذاتي التونسي في قلب الكونية الموضوعية التي نقيس بها اليوم إيقاع العالم. وإنما حفظًا لهذه الكرامة الأصلية، وصَلْتُم سلسلة الخير التي احتوت عهد الأمان (1857)، ودستور أفريل 1861، ومنع الاسترقاق ( 1846 )، ودستور دولة الاستقلال(1959)، فجدّدتم قانون الجمعيات، وأصدرتم قانون الأحزاب السياسية(1988)، وطورتم مجلة الصحافة، ومجلة الإجراءات الجزائية (2002)، والمجلة الجنائيّة، ومجلّة الأحوال الشّخصية، وأحدثتم صندوق ضمان النّفقة وجراية الطّلاق(1993)، وأصدرتم مجلّة حماية الطفل(1995)، وقانون نظام السجون(2001)، ومنح الإعانة العدلية(2002)، وقانون التعويض للموقوفين والمحكوم عليهم الذين تثبُت براءتُهم (2002)، إلى غير ذلك.
سيادة الرئيس الموقّر،
منذ سنة 1979، تساءل المفكّر الألماني هانس جوناس ( Hans JONAS )، في كتابه الشهير "مبدأ المسؤولية : أخلاقية للحضارة التكنولوجية"، عمّا آل إليه التّقدم العلمي والتكنولوجي :"لقد انقلب وعد التقنية الحديثة إلى وعيد. فإخضاع الطبيعة التي كانت مسخرة لتحقيق السعادة الإنسانية إنما أدّى، بنجاحه المشطّ الذي بات يمتدّ اليوم إلى الطّبيعة البشرية ذاتها، إلى أعْتـى التّحديات التي يواجهها الكائنُ البشري بفعل عمله. إن هذه الوضعية الجديدة غيرُ مسبوقة . . .، وما أضحى الإنسان اليوم قادرا على فعله، . . . ليس له نظير ضمن تجربته السّابقة. . .، فأخلاقيّتنا التّقليدية لم تعد تُرشدنا إلى معايير الخير والشرّ التي يجب أن نُخضِع لها ما استحدثناه من ضروب التّحكم في الطبيعة وما يمكن أن نبتدعه منها بفضل ذلك التحكم. إن الأرض الجديدة ... التي غزوناها بتكنولوجيا طلائعية ما تزال أرضا بكرا من كلّ نظريّة أخلاقية"5.
إذا كانت الأخلاقيّة التّأسيسية لحقوق الإنسان أخلاقيّة عامّة تتّصل بتصوّرنا عن الإنسان، وهو التّصور الذي تعاضدت لتشكيله، كما نرى، مرجعياتٌ متشابكةٌ منها الكوني الإنساني ومنها الذاتي الدّيني ومنها الخلقي الاجتماعي، فقد ظهرت منذ بداية الستّينات، ولاسيما بالقارّة الأمريكية أوّلا، ثم بأوروبّا، تساؤلات عديدة وملحّة تريد ربط الأخلاقية العامّة التي تمثلها حقوق الإنسان، ومبادئَ الكرامةِ الأصليةِ والجدارةِ القصوى للذات الإنسانية بضروبٍ جديدة من السّلوكات الخاصة بالأفراد والتي تستدعي بدورها أخلاقياتٍ مخصوصةً. وقد ساعد على بروز مثل هذه الإشكاليات ما حتّمه التطور العلمي والتكنولوجي من الحيرة التي جعلت الفرد مهموما بمعنى فعله في وضعية محدّدة، لا يبدو أن التطوّر العلمي قد قرأ حسابا لتعييرها والحكم عليها، فضلا عن كونه لم يقرأ حسابا لظهورها إطلاقا ( مثْلَ القيمة الخلقية للاستفادة الاستشفائية من زرع عضو من الأعضاء، أو العلاقة الخلُقية بين الألم الكبير واليأس من الشفاء، أو مختلف وضعيات الصحة الإنجابية، أو معرفة أثر المحددات الجينية على المستقبل الصحي والنفسي للإنسان، إلخ.). فهذه الوضعيّات الجديدة تطرح على الفرد واجب التروّي، تروّي كل لحظة، وواجبَ عودة النفس على نفسها، فيما بات يذكّر بالموقف السّقراطي القديم الذي لا ينقطع فيه الإنسان عن مراجعة النّفس ومخاطبتها ومشوَرتها في كل حين.
إن هذه الحيرة كما نرى، تعبّر عن أمنية يمكننا صياغتها في هذا السؤال :كيف يمكننا أن ندفع العلم والبحث العلمي والممارسات المدقَّقة في إطارهما، بحيث نضمن على الأقلّ عدم تضاربهما مع المبدإ العامّ لكل سيطرة على الطبيعة : أي تحقيق السعادة الإنسانية ؟
فيبدو الأمر كما لو أنّ الأخلاقيّة العامّة التي كناّ أشرنا إليها تفرز بدورها أخلاقيات محدودة مخصوصة، كلّ منها، بجهة من جهات الممارسة الجديدة. فإذا كانت الأخلاقية العامّة للكرامة الأصلية للإنسان وللجدارة القصوى للذّات البشرية أفقا مبدئيا لحقوق الإنسان في تفاصيلها، فإن الأخلاقيات المخصوصة التي تتعلّق كلّ واحدة منها بجهة من جهات الممارسة الإنسانية، تتّخذ من حقوق الإنسان ومن التّصورات المرافقةِ لها مبدأ عامّا لها.
لذلك أصبحنا نتحدّث اليوم عن أخلاقيّات "تطبيقية"، أو "مطبّقة" : هي تطبيقية أو مطبّقة، في معنى أوّل، لأنّ أحكامها، أعني القوانين التي تُسنّ ضمنها لتنظيم ممارساتها، تطبيقٌ لمبدئيتَها العامّة القائمةِ في كرامة الإنسان وحرمته. وهي تطبيقية أو مطبقة في معنى ثان، لأن أنموذج التّشريع فيها لا ينطلق من العام إلى الخاص، وإنما هو دراسة الحالة في فرادتها المخصوصة، وإفراز الحكم من الحالة الفردية تلك. إن النّظر الأخلاقي ضمن هذه الأخلاقيات الخاصّة قد بات يحتكم إلى معيارية المسؤولية، وهي المعيارية المتأتّية من تساؤل الإنسان عن عاقبة الفعل واستتباعاته. "فالأمور"، ضمن هذه الأخلاقية "بعواقبها"، وذلك هو معنى المسؤولية التي اغتنى مفهومُها فمرّ من المسؤولية عن البشر الآخرين (وهو معنى الكونية الكانطية) إلى المسؤولية عن الطبيعة كلِّها وعن الأجيال اللاّحقة خصوصًا. إنّ ما حدث ضمن التّفكير الأخلاقي هو، بصفة لافتة، إدراج بعد الزّمن ضمن التّفكير: فالعبرة لم تعد بحقيقةٍ ثابتةٍ أزليةٍ فقط، بقدر ما أصبحت أيضا بحقيقة يُعَدِّلُها الزّمان. إنّ السيطرة على الطبيعة اليوم لابدّ أن تعتبر أن عين تلك الطبيعة ملكٌ لأجيال لاحقة، وأنّ فعل الإنسان في تلك الطبيعة اليومَ يُسأل عن عاقبته أي عن نتيجته واستتباعاته.
فكأنّ مجال الحرّية الذي يطلق العنان للبحث النّظري والمخبري يبدو محاطا بمطلب التّعقّل الذي يحكِّم مبدأَ المسؤوليةِ والمعنى. وفي هذا السياق بالذّات برزت الأخلاقيات المخصوصةُ والتي يمكن أن نذكر منها على وجه الخصوص أخلاقيات البيوإيثيقا ( Bioéthique )، حيث تقوم هذه الأخيرةُ على نقطة التقاطع بين الممارسات العلميةِ والتقنيةِ المحضة من جهة، والإشكاليات المعياريةِ والخلقيّة التي تطرحها هذه الممارساتُ من جهة ثانية. ويمكن تلخيص الإشكالية التي يطرحها هذا التقاطع في السؤال التالي: هل كلّ ما يمكن إنجازُه تقنيا مشروعٌ خلقيا ؟ فالأمر يتعلّق إذن بمدى تعارضِ الممكنِ "العلمي/التقني" الذي ينزَعُ نحو اللانهاية، لأنّه محكومٌ فقط بمنطق الاكتشاف والاستزادةِ من المعرفة وإرادةِ السيطرةِ على الطّبيعة، مع الممكنِ "الخلقي/الإيثيقي" الذي منطقُه هو منطق المتاحِ خلقيًّا، وحدُّه هو مبادئُ كرامة النّفس الإنسانية.
إن التّقدم الذي حقّقته المعرفةُ الطبّيةُ، تقدّم مذهِلٌ.وليسَ أقلَّ مظاهر هذا التّقدم ما بات اليوم متاحا من المعالجات التطبيبية والجراحية التي شكَّلت تحولا نوعيا في معالجة حالات كانت تعدّ يائسةً ، ومن الهندسة الوراثية، التي جَعَلت بأيدينا مفتاح التّحكُّم في الجينات البشرية تحكُّما يتراوحُ إمكانُه بين المعالجةِ والاستشفاء من جهة ورسمِ خارطة المجين البشري ( génome humain ) من جهة ثانية، مع ما قد يُطمع فيه هذا الرسم من إغراءات التنقية والاستصفاء والتمييز. ومن المعلوم أن هذه الأدوات الجديدة تطرح جملة من الأسئلة والقضايا مثّلت مدار تفكير معمّق في صلب اللّجان الدّولية المختصّة، فضلا عن كونها تمثّل موضوع جدل فكري علمي لا يقلّ عمقا بين المهتمّين على اختلاف مشاغلهم من أطبّاء ممارسين وباحثين مخبريين ومفكّرين فلاسفة، إلخ6.
سيادة الرئيس الموقّر
لقد كان سياق حقوق الإنسان هو الإطار الذي طرحت ضمنه هذه المناقشات، مما ينزّل معياريّة القضايا التي طرحتها ضمن الأخلاقيّة العامّة لهذه الحقوق. وهو ما يعني خاصّة أن منطق حقوق الإنسان يمتدّ امتدادا كاملا إلى مجال البيوإيثيقا. ففي تناولها لقضايا المجين البشري ذكّرت اللجنة الفرعية لتطوير حقوق الإنسان و حمايتها، وهي اللجنة المنبثقة عن لجنة حقوق الإنسان بمنظمة الأمم المتحدة7، بما كان عبّر عنه الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس ( Jürgen Habermas ) من خشيته أن يؤدي الخلط بين الطبيعي فينا و"المعالج" إلى تشويش فكرتنا الإيثيقية عن أنفسنا، إذ لا قِبَل للإنسان بأن يتحمّل أن تكون حياته ومستقبله محددين جينيّا، مع ما نعلم من مدلول ذلك بالنسبة إلى حرّيته، حيث لا يمكن للفرد أن يظلّ مؤمنا بحرّيته إذا كان مستقبله ومآل أفعاله معلومَيْن له من قبلُ. فثمّة ضرب من الحقّ الأساسي لكل فرد في أن يكون مستقبله غير محدد.
إنّ مطلب الحرّية ومفهوم الحرّية، باعتبارهما حقّا أصليا للإنسان، هما اللّذان يمليان هنا هذا الحذر الأخلاقي من هندسة وراثية، هي مع ذلك علامة تقدّم علمي مدهش.
بل إنّ علم الوراثة، على عظمة الفتح الذي أتاحه للإنسانيّة ابستيمولوجيًا، يمكن أن يُستخدم لغايات لاأخلاقية أصلا، من جنس التّعقيم القسري، أو التّصفية الجماعية أو التّنقية النسلية، ذلك أنّ رسم خارطة المجين البشري لابدّ أن يصاحبه إطار إيثيقي محيط. ولعلّ أبرزَ عناصرِ هذا الإطار الأخلاقي أنّ المجين الإنساني ليس ملكا للإنسان بما هو فرد، وإن كانت بنيته وخارطته حاضرين في كل فرد. فكما أنّ بعض المعالم الأثريّة قد بلغت من الدّلالة للإنسانيّة قاطبة، ما يجعلها ملكا للبشريّة بأكملها رغم كونها في هذا البلد أو ذاك، وكما أنّ أعماق البحار ملك للإنسانية جمعاء، فكذلك المجين البشري ملك للإنسانية جمعاء، ممّا يجعله خارج طائلة التملّك الخاصّ، وخارج دائرة الاستعمال غير المشترك. إنّ هذه الفكرة من أرقى ما بلغه التفكير الإنساني في مجال الأخلاقيات. فإن اشتراك كل فرد، من جهة كونه بشرا، في معطيات المجين البشري لا تسمح له مع ذلك باستخدام خاص لخارطة ذلك المجين. إنّنا هاهنا لعلى مشارف فكرة رفيعة ودقيقة. فالمجين البشري هو بمثابة الوديعة التي استُودعت في كلّ واحد منّا. ولكنّنا في صوننا لها، كأنما نصون الطبيعة برمّتها في طبيعتنا الخاصّة. إنّ هذا الإقرار ليدعم أيما تدعيم فكرة حقوق الإنسان الأساسية : أنّ حرية الإنسان الفرد وكرامة الإنسان الفرد هي كرامة الإنسانية ككل. وهذه قيمة تتفق حولها الأديان في جوهرها، مثلما دلّت على ذلك الآية الكريمة : "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"8. إنّ النفس الإنسانية وديعة تراث الإنسانية فينا، وليس لنا أن نتصرف فيها كما لو كانت ملكا خاصا. ومن هنا فإنّ إحياء النفس، وصونها، إنما هو برٌّ بالإنسانية وإيفاءٌ بأمانتها.
ولكنّ الأخطار التي تشير إليها الهندسة الوراثية متعدّدة ومتنوّعة : فهي تذهب من التّأثير على البنية الجينية للإنسان إلى الاستنساخ ولاسيما الاستنساخ الموجّه نحو غايات توالدية. وتطرح هذه المخاطر عدّة مشاكل مبدئيّة : فعلى مستوى المنهج لابدّ من التّساؤل عن مدى أخلاقيّة التجريبات المخبرية. وعلى مستوى النّتائج والاستتباعات لابدّ من التّساؤل عمّا يمكن أن ينجرّ عن تحكّمنا في الجينات وتأثيرنا عليها من النّتائج بالنّسبة إلى الأجيال اللاّحقة. أمّا على مستوى الموضوع، فلابدّ من التّساؤل عن مدى احترامنا لوحدة النّفس البشرية وكرامتها وحرمتها وحقوقها عندما نخضعها إلى تجارب الهندسة الوراثية أو عندما ننشر معطياتها، وبخاصّة إذا علمنا أن عدم حفظ سر المعطيات الخاصّة يمكن أن يكون معبرا لضروب من التمييز الجيني قد تتجلّى بعضُ آثارها في تضاربها مع أخلاقية أخرى، أعني أخلاقية المعاملات الاجتماعية، ولاسيما عندما يتعلّق الأمر برفض تأمين الأشخاص أو بتعطيل تشغيلهم أو بما شابه ذلك مما يمكن أن يترشّح له الأفراد من الأوضاع الاجتماعية ( statuts sociaux ) التنافسية بسبب ما قد يُعرف عنهم من "العيوب" الجينية (وفي تونس،ومثلما نعلم، فقد تضمّن التّعديل الأخير للدّستور في جوان 2002، وفي فصله التاسع على وجه التحديد، تأكيدا لمبدإ حماية المعطيات الشّخصية، تدعّمت به حقوق الإنسان أيما تدعيم لاسيما وقد جعلت هذه الحماية مبدأ دستوريا علويا).
ومع ذلك فإنّ نفس المبادئ الخلقية التي تملي علينا إحاطة البحث العلمي والمعالجات الجينية بأقصى ما يمكن من الاحتياطات، تملي علينا في نفس الوقت ضرورة صيانة حرّية البحث العلمي وعدم إحباط طموحه ولاسيما عندما يكون في صالح المجموعة الإنسانية. لذلك فإن حرّية البحث العلمي تبدو هنا على أقصى درجات التّناسب مع مدى أخلاقيّة استعمال نتائجه. إنها في كلمة واحدة حرّية خلقية.
سيادة الرئيس الموقّر،
ضمن هذه المرجعيّة، ومن ثقافة حقوق الإنسان الشّموليّة، ومن حداثة التّوجه العلمي الكاشف، ومن جدّية الاعتبار الأخلاقي المتيقّظ، ومن رصانة المسؤوليّة عن الأجيال اللاحقة، نزّلتم موقف تونس من الأخلاقيّات، فجعلتموه متناغما مع نداءات المجموعة الدّولية، مستجيبا لراهن الأسئلة المطروحة عليها :
فنظّمتم قانونيا في سنة 1991 طبقا للمقتضيات الخلقية العليا عملية أخذ الأعضاء البشرية وزرعها وذلك خاصة بإعادة تأكيد مبدإ الحرمة الجسدية للإنسان وبتنزيه عملية التبرع بالأعضاء عن كل شائبة تجارية.
وجاء إحداثكم التّشريعي للّجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية منذ سنة 1994 حيث كلفتموها على وجه الخصوص "بوضع المبادئ الكبرى التي تمكن من التوفيق بين التقدم التكنولوجي" في ميادين البيولوجيا والطب والصحة من جهة "والقواعد الأخلاقية والقانونية والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان والواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي" من جهة ثانية
وأكدتم حسّ تونس بمسؤوليتها على الأجيال القادمة من خلال تكريس الحقّ في بيئة سليمة ضمن سلسلة من الإجراءات المتراوحة بين إرساء نظم تنمية غابية ملائمة وبين مقاومة التلوث الصناعي، مرورا بالمحافظة على المآلف الطبيعية للموارد البيولوجية
وأسّستم على نحو رياديّ قانون حماية المعطيات الشّخصية، وهو القانون الذي تمثّل نداءات المجموعة الدّولية بخصوص مجمل الإشكالات التي تطرحها المعالجات الوراثية تمثلا كاملا، واستحضر مبادئ الأخلاقية التأسيسية التي جاء بها التّعديل الدستوري لجوان 2002 .
سيادة الرئيس الموقّر،
إنّ الدّرس المؤكّد الذي يمكن استخلاصه من استعراض قضايا الأخلاقيات في أفق حقوق الإنسان هو أنّ حقوق الإنسان منظومة متكاملة شاملة ومترابطة. ولكنّ المرء، أمام ما يشاهده يوميّا من التّمييز بين مبادئ حقوق الإنسان أو مُراتبتها في بعض البلدان لا يملك إلا أن يتساءل هل يمكن الاطمئنان إلى منظومة في حقوق الإنسان لا تتحرّج أن تقبع شريحةٌ هامّةٌ من المجتمع في بعض البلدان في أدنى مستويات الفقر ؟ وهل يمكن الاطمئنان إلى منظومة حقوق الإنسان حين يغيب حسّ المسؤولية على الأجيال القادمة وعلى مصير الكوكب بفعل الاستغلال غير البيئي، غير الحذر وغير المتيقّظ للموارد الطّبيعية، بل حين يبلغ الأمر حدّ رفض معاهدات دولية لحماية الأرض من عواقب تلوّث فيه هلاك الإنسانيّة. وهل يمكن لمجموعة بشرية ما أن تطمئنّ إلى التزامها بحقوق الإنسان حين تزدوج معاييرُها في معاملة البشر، وحين لا تبالي بأوّل حقوق الإنسان، أعني الحق في الحياة والحرية على أرضه.
إنّ المقاربة التّونسيّة لمبادئ حقوق الإنسان التي قامت على أساس كونية هذه المبادئ وشموليتها وترابطها، والتي ترفض التّمييز بين تلك الحقوق، إنما تتفاعل بنفس الرّوح مع مبادئ الأخلاقيّات، وتتمثّل في حكمة مبدأ المسؤوليّة استيعابا لعنصر الزمان وحفظا، من مُنطلق تلك المسؤولية، لحقّ الأجيال القادمة. فلعلّ في ذلك بعضَ ما يشير إليه العنوان الذي اخترتموه لبرنامجكم الانتخابي : "تونس الغد ". فشكرا لكم يا سيادة الرئيس.
*******
1 الفارابي، أبو نصر، تحصيل السعادة، دار الأندلس، بيروت، 1981 ، الفقرة 16 ، صص. 61 - 62.
2 الإسراء 17، الآية 70.
3 قد يكون من المفيد جدّا إعادة قراءة مقدّمة ابن خلدون وفق هذا المنظور التأويلي الذي يفتح نظرنا على أنّ معنى "الفعل" (وهو المقصود من وراء كامل إشكالية "حقيقة الخبر") إنما يتحدد وفق الإحداثيتين الجديدتين المجدّدتين اللتين جاء بهما عبد الرحمان بن خلدون: الزمان، والاجتماع. فوراء إشكاليات الصدق الكذب، ووراء أبعاد المسألة التأريخية وأبعاد الاكتشاف الخلدوني لعلم العمران، سؤال لاشك أنه أساسي لأنه جذري : ما هو جوهر الفعل ؟ إن انخراط السؤال الخلدوني ضمن أفق ماهية الفعل وماهية العمل هو الكفيل بإخراجه من تقاليد المسالة الابستمولوجية التي طالما حصر ضمنها، والتي تُفتح في أحسن الأحوال على مسائل العلوم الإنسانية المعاصرة وكأنها "ما قبل تاريخ" لهذه العلوم. إنّ معاصرة ابن خلدون لنا إنما تحصل من تطارحنا معه لمسألة الفعل، ولاسيما لتأويلية الفعل، التي باتت اليوم قضية السّاعة ضمن الأخلاقيات عموما.
4 دستور الجمهورية التّونسية لسنة 1959 ، التوطئة.
5 جوناس، هانس :
JONAS, Hans, Le principe responsabilité, une éthique pour la société technologique, trad.fr. par J. Greisch, Paris,Flammarion, 1990, pp. 15-16
6 انظر مثلا في هذا الخصوص كتاب السيد جويل دو روزناي، مغامرة الكائن الحي، ترجمة د. أحمد ذياب، المنظمة العربية للترجمة، توزيع دار الطليعة، بيروت، 2003 ، وخاصة القسم الثالث منه : إلى أين تمضي الحياة ؟ صص. 199 - 266 .
7 انظر التقارير العديدة لهذه اللجنة، مثلا تقريرها عن حقوق الإنسان والمجين البشري، الدورة 56 ، أو ورقة عملها عن حقوق الإنسان والبيوإيثيقا، الدورة 55 ، أو تقرير الأمين العام عن نفس هذه المسألة ، الدورة 59 ، إلخ.
8 المائدة ، 5 ، الآية 32

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق