الأحد، 24 أكتوبر 2010

فلسفة الصدمة العالمية التي أحدثها نشر وثائق سرية على موقع "ويكيليكس" الإلكتروني

فلسفة الصدمة العالمية التي أحدثها نشر وثائق سرية على موقع "ويكيليكس" الإلكتروني

(الإباحية الجنسية بين الصادية الأمريكية والمازوشية العربية)

لا يكفيهم ذبحنا بل ينشرون الوان ذبحنا في وسائل الاعلام الجماهيري التي اصبحت تدخل كل البيوت ، لا يكفيهم مضاجعتنا بل ينشرون الوان مضاجعتنا ليعرفها من هب ودب ، فوق الارض وتحت الشمس ، " عورة " امريكا تشهر في وجه " الانسانية " قاطبة ولا تستطيع كل قوى الارض على الاقل( اضعف " الايمان" ) سترها ، لا يستطيعون دعوة امريكا لذبحنا في السر ومضاجعتنا في السر لانهم في هذه الحالة سيكونون ارهابيين يدعونها الى السر والكتمان وهو ما يحرمها من لذة النشر والتعري وكشف افخاذ جرائمها ونهود دمائها ومؤخرات نتنها بل انهم سيتناقضون مع ابجديات الديمقراطية التي تقوم على نشر الغسيل الوسخ وصور الموتى الابرياء الذين لا يعرفون حتى مكان امريكا على الكرة الارضية فما بالك باسلحة الدمار الشامل اى عالم الذرة او العالم الميكروسكوبي والحال ان وعيهم لم يستوعب بعد العالم الماكروسكوبي.
ان الآخر او الشبيه بامريكا رغم انه يعلن الخصوصية والاختلاف واللقاء والحوار الخلاق والتعاون بين الشعوب لم يعد يدعو الانا الامريكي الى الاخفاء بل يطلب منه التعذيب بل نشر التعذيب لانه لا يشعر بانيته وحقيقته الا بالذبح والقتل ، لا يتلذذ الا بتعذيبه ونشر الوان تعذيبه بين الناس ذلك ان في اشتغال الناس زيادة في كمية ونوعية اللذة ، انها قمة الاستلاب او الاغتراب يقول هربرت ماركيز في كتابه " الانسان ذو البعد الواحد " : " يصبح مفهوم الاستلاب اشكاليا عندما يتماهى الافراد مع وجودهم المفروض عليهم ، ويجدون فيه تحقيقا وتلبية . وهذا التماهي ليس وهما ، وانما هو واقع.ومع ذلك فان هذا الواقع لا يعدو هو نفسه ان يكون مرحلة اكثر تقدما من الاستلاب . لقد اصبح موضوعيا تماما ، وباتت الذات المستلبة مُستوعبة في وجودها المستلب."( ص 46-47 ترجمة جورج طرابيشي).
بناء على هذه الصورة التي تقوم على جدلية التلذذ بتعذيب الاخر من جهة وطلب هذا الآخر ( الفاقد لمقومات الآخر اذ هو مجرد موضوع مفعول به) للتعذيب كي يتلذذ بتعذيب نفسه يمكن الحديث عن ثورة اللاوعي الامريكي ضد العرب وثورة اللاوعي العربي ضد نفسه فأمريكا (الصادية) تتلذذ بتعذيب العرب( المازوشية)
في علم النفس نميز بين الصادية والمازوشية وهي اشكال من الامراض النفسية وتعبيرات عن شخصيات غير سوية او مرضية الاولى تتلذذ بتعذيب الاخرين والثانية تتلذذ بتعذيب ذاتها
معالم التلذذ الامريكي بتعذيب الاخرين:
- نشر صور صدام حسين مقيدا ومعذبا ومختبئا وهو الرمز العربي بامتياز للمقاومة نظريا وعمليا
- الاعلان ان اسلحة الدمار الشامل كذبة وان الحرب في العراق قامت على اساس هذه الكذبة والكل يعرف نتائج هذه الكذبة على ارض الواقع سحق العراقي ارضا وعقلا وتاريخا الخ...
- نشر صور التعذيب في ابو غريب والوان التعذيب النفسي والجسدي من قبل دولة أتت "لتحرير العراق"؟؟؟
- نشر صور جنود امريكان يمارسون الجنس مع نساء عراقيات والاعلام يتحدث عن استقبال للجنود بالزهور والحلوى
- نشر افلام جنسية لعراقيات مع جنود امريكان وكل العالم يعرف ان المراة العراقية اكثر نساء العرب تحررا وتعلما من قبل المارينز الامريكي
واخيرا وليس اخرا نشر وثائق عن تدمير البلاد والعباد ....من خلال نشر وثائق سرية على موقع "ويكيليكس" الإلكتروني.
وما خفي كان اعظم دون ذكر ما تقوم به اسرائيل الاخت الرضيعة لامريكا ( رضعا وتشبعا من العنصرية والتلذذ بممارستها ، رضعا وتشبعا من القتل والتلذذ بممارسته والجهر به امام الناس لاشباع هذه الرغبات المكبوتة)
=) كل هذه التناقضات ليست عفوية وانما عنصر من عناصر الاستراتيجية الامريكية التي تختص بشن حروب على البسيكولوجيا العربية أي محاولة تحطيم اللاوعي العربي الذي ينبني اساس على مناهضة امريكا الى لاوعي ينبني اساسا على عشق مرضي وهو الطلب الهستيري للامريكي، تحطيم المضامين الكلاسيكية للاشعور واستبدالها بمضامين حديثة تدور حول جلد الذات المتواصل وعشق الضحية لجلادها والاخطر من ذلك ان هذا المسار النفسي اللاشعوري الشاذ الخاضع الى مبدا الحتمية يمكن ان تتغير فيه الاسماء دون ان تتغير المضامين أي ان الرغبة في جلد الذات تصمد وتبقى رغم تغير قوى الواقع مثلا من سيادة امريكا الى سيادة أي دولة اخرى في العالم.
في مقابل ذلك ان اشكال التلذذ بتعذيب الذات من قبل هذا الاخر العربي الفاقد لمقومات الاخر لا تحصى ولا تعد وفي كل المجالات فاغلب ما يقوم به" الانسان " العربي اليوم تعبير عن اشكال من الهروب للنسيان والتلذذ بما يدمره ويفقده انسانيته لان الاشكالية اصبحت تكمن في طلب ما هو سلبي والانسجام كل الانسجام مع المستبعد والمرفوض والهامشي فليس" الانسان" العربي غبيا او احمقا ليعتقد ان امريكا قدمت لتحريره انه يعرف اشد المعرفة انها اتت لاستعماره وليس غبيا او احمقا ليصدق ان صدام حسين كان ديكتاتورا انه يعرف اشد المعرفة صدقية هذا الرمز العربي والاسلامي والانساني ( مثله مثل كل احرار العالم ) لكنه يجد متعة وراحة واطمئنانا في الهروب بفعل تراكمات نفسية تاريخية.... وان نشر هذه الوثائق عن العراق ما هي الا مساهمة في مراكمة هذا التراث النفسي الذي يقهر العربي ويزيد في التباس وتعقيد فعل التحرر وليست هذه الوثائق بداية نهاية المجازر او بداية نهاية الكشف عنها وانما تتنزل في اطار استراتيجيا امريكية تسمى استراتيجيا الصدمة والترويع من اجل تعقيد وتهميش كل امكانيات التحرر وتمزيق بسيكولوجيا الانسان العربي الممزقة اصلا فالتجزئة والتفتيت والتشظي لا تمس الارض فقط والعقائد فقط انما تمس النفسية ايضا. يراهنون على خلق لاوعي مجزا أي تشتيت الطاقات الجنسية العربية المكبوتة حتى لا تنفجر على الامريكي وانما تنفجر على ذاتها.
يقول ثيودور ادورنو في مؤلفه ( نماذج نقدية: " الاراء،الاوهام،المجتمع") ان البشر لا يشعرون بانتمائهم لبرج الثور او العذراء لكونهم اغبياء الى حد يجعلهم يطيعون اوامر صحف تسلم ضمنيا بانه من الطبيعي جدا ان يكون لذلك دلالة ما ، بل لان هذه القوالب الجوفاء والتوجيهات الحمقاء التي توضع من اجل فن عيش يكتفي بإرشادهم الى ما ينبغي فعله فتيسر عليهم لا محالة ولو ظاهريا الاختيارات التي يجب القيام بها وتخفف ولو وقتيا شعورهم بالغربة عن الحياة او بالأحرى غربتهم عن حياتهم ذاتها ."
وختاما ، ان هذه" الظاهرة" ( لانها تكررت اكثر من مرة وهذا دليل على كونها ليست حالة شاذة وعلى كونها قصدية) تستوجب الى جانب هذه المقاربات الصحفية لها مقاربات اخرى تستند على مرجعيات علمية بسيكولوجية وسسيولوجية وفلسفية وثيولوجية الخ ... لننتقل من المواقف الوثوقية و الريبية منها الى مواقف نقدية .

السبت، 23 أكتوبر 2010

جدلية الانية الانسانية بين الوعي واللاوعي

*) تصدع الانية الانسانية ومخاطر الوجود مع الغير

*) جدلية الانية الانسانية بين الوعي واللاوعي

النص/ السند: الرّجة بول ريكور
اللحظات المنطقية لتفكير الكاتب او مسار تفكيره:
إن اللقاء بالتحليل النفسي يرج رجة هائلة من تكون في الفينومينولوجيا والفلسفة الوجودية وفي سياق التجديد في الدراسات الهيغلية وفي البحوث ذات المنحى اللغوي . إذ لا يتعلق الأمر بالمساس بهذا الموضوع أو ذاك من مواضيع التفكير الفلسفي وإعادة النظر فيها، بل إن كل المشروع الفلسفي هو المستهدف في ذلك . فالفيلسوف المعاصر يلتقي بفرويد غير بعيد عن نيتشه ولا عن ماركس ، فيقف ثلاثتهم أمامه أقطاب الظنة وكاشفي الأقنعة. وينشأ مشكل جديد وهو مشكل زيف الوعي ومشكل الوعي باعتباره زيفا. ولا يمكن أن يظل هذا المشكل مشكلا مخصوصا من بين مشاكل أخرى إذ أن ما ينبغي إعادة النظر فيه بوجه عام وجذري إنما هو ما يبدو لنا، نحن معشر فلاسفة الفينومينولوجيا، مجال كل دلالة، وأساسها، بل أصلها، وأعني الوعي . وينبغي أن يبدو لنا ما كان أساسا، في معنى ما، حكما مسبقا، في معنى آخر، هو الحكم المسبق للوعي .

=) اللقاء بالتحليل النفسي واثره على الفينومينولوجيا والوجودية والدراسات الهيغلية والبحوث اللغوية
=) الرجة في صلب الانية الإنسانية نتيجة نشأة مشكل جديد وهو زيف الوعي

وهذا الوضع شبيه بوضع أفلاطون في كتابه : ( السفسطائي )، فقد بدأ برمينيديا ، مدافعا عن ثبات الوجود، غير أنه اضطر، بعد ذلك ، بسبب لغز الخطأ والظن الخاطئ ، لا فقط إلى الإقرار باللاوجود باعتباره واحدا من " الأجناس الكبرى " فحسب بل وخاصة إلى التصريح بأن " مسألة الوجود غامضة غموض مسألة اللاّوجود " ؛ إن المرء ليضطر إلى الاكتفاء بمثل هذا الإقرار فيقول : " إن مسألة الوعي غامضة غموض مسألة اللاوعي ".

=)المماثلة بين مسالة الوجود واللاوجود في الفلسفة القديمة مع افلاطون بالتحديد ومسالة الوعي واللاوعي في الفلسفة المعاصرة مع الفينومينولوجيا بالتحديد
=) غموض الانية الانسانية من غموض مسالة الوعي وغموض مسالة اللاوعي

إنما هذا النفس المشوب بالظّنة إزاء ادعاء الوعي معرفة ذاته منذ البدء هو باب الفيلسوف ، يدخل منه ، لينضم إلى الأطباء النفسيين والمحللين النفسيين . فإذا كان لزاما علينا، آخر الأمر، أن نسلم بتلازم الوعي واللاوعي ، وجب قبل ذلك اجتياز صحراء الإقرار المزدوج : " لا أفهم اللاوعي انطلاقا مما أعرف عن الوعي ، و لا حتى مما قبل الوعي " . ثم مباشرة : " ما عدت قادرا حتى على فهم الوعي " تلك هي المزية الكبرى لما هو الأبعد في مناهضة الفلسفة وما هو الأبعد في مناهضة الفينومينولوجيا لدى فرويد، وأعني وجهة النظر الموضعية و الإقتصادية مطبقة على مجموع نشاط الجهاز النفسي ، كما يبدو لنا في مقاله الشهير المتعلق بالميتابسيكولوجيا وقد خصصه للحديث عن اللاوعي .

=) التسليم بتلازم الوعي واللاوعي وهو مكون من مكونات اطروحة الكاتب ( طرافة او اضافة الكاتب مقارنة بتقليد فلسفي وتقليد علمي في تحديد الانية الإنسانية اما انطلاقا من الوعي او انطلاقا من اللاوعي

و لا يمكن أن نتبين مسائل تغدو فينومينولوجية من نوع : كيف علي أن أعيد التفكير في مفهوم الوعي وأعيد صياغته حتى يغدو اللاوعي الأخر بالنسبة إليه ، وحتى يكون الوعي متسعا للأخر الذي ندعوه هنا اللاوعي ، إلا انطلاقا من هذه الحيرة الفينومينولوجية المقضة.

=) السؤال الاول ومراجعة الوعي

أما السؤال الثاني فهو : كيف يمكن ، من جهة أخرى، أن ننقد - نقدا بالمعنى الكانطي - أي التفكير في شروط الصلاحية وفي حدود ها أيضا - ما يتعلق " بالنماذج " التي على المحلل النفسي أن بقيمها وجوبا إذا ما رام البرهنة على اللاوعي ؟ وهذا ما يجعل إنشاء إيبستمولوجيا التحليل النفسي مهمة متأكدة إذ ليس بوسعنا الاكتفاء بالتمييز بين المنهج والمذهب ، كما كان عليه الأمر منذ عشرين سنة، فنحن نعلم اليوم أن " النظرية " في العلوم الإنسانية، ليست إضافة عارضة لأنها " جزء من تركيب " الموضوع نفسه ، بل هي " مكونه الأساسي ". فلا ينفصل اللاوعي بما هو واقع عن النموذج الموضعي و النموذج الطاقي و النموذج الإقتصادي ، وهي النماذج التي تحكم النظرية. " فما وراء علم النفس "، إذا ما استعرنا عبارة فرويد نفسه ، هو المذهب ، إن شئنا، غير أنه المذهب بما هو قادر على أن يجعل إنشاء الموضوع ممكنا. فالمذهب هنا هو المنهج .

=) السؤال الثاني ومراجعة اللاوعي

و السؤال الثالث ، بعد مراجعة مفهوم الوعي التي فرضها علم اللاوعي ، وبعد نقد " نماذج " اللاوعي ، يدور على النظر في إمكانية قيام أنثروبولوجيا فلسفية قادرة على الاضطلاع بجدلية الوعي و اللاوعي . وفي إطار أية رؤية للعالم و للإنسان يمكن تصور هذا الأمر ؟ وما عسى الإنسان حتى يكون مسؤولا عن التفكير تفكيرا سليما وقادرا على الجنون في آن واحد ؟ وحتى يكون مجبرا، بما فيه من إنسانية، على مزيد الوعي وقادرا على أن يندرج في سياق موضعي وفي سياق إقتصادي، من حيث أن " شيئا ما يحركه " فأية نظرة جديدة لهشاشة الإنسان - بل للمفارقة القائمة بين المسؤولية و الهشاشة - يقتضيها فكر ارتضى أن ينزاح عن مركزية الوعي بالتفكير في اللاوعي ؟

=) السؤال الثالث ومراجعة الانية الانسانية

بول ريكور سجل التاويلات
التحليل:

1)اللقاء بالتحليل النفسي وأثره على الفينومينولوجيا والوجودية والدراسات الهيغلية والبحوث اللغوية

الرجة /اعادة النظر / اعادة النظر بوجه عام وجذري/نشاة مشكل جديد / زيف ../ ما كان اساسا اصبح حكما مسبقا/ وضع اشيه بالعلاقة بين افلاطون والسفسطائي وحضور الغموض/ وجوب التسليم بعد اجتياز صحراء( دلالة الصحراء المتاهة والتيه واللامحدود والامتداد والغموض والصبر ...)
=) هذا النص مسكون بهاجس النقد والنفي او السلب ومطلب التاسيس ويسلم بانجازات فلسفية وعلمية تمثل ارضية لمطلبه فلولا انجازات فلسفة الوعي وانجازات العلم لما كانت هذه الحيرة الفلسفية / الفينومينولوجية المقضة

=)المسلمات الاقرار بعلمية هذا العلم والانطلاق منه لبناء فلسفة جديدة =) العلاقة الوطيدة بين الفلسفة والعلم وهي علاقة تاريخية =) كلما كانت هناك تطورات علمية كلما كانت هناك تطورات فلسفية في النظرة الى الانسان والمعرفة والقيم
*) نقطة التقاء الفينومينولوجيا والوجودية والدراسات الهيغلية والبحوث اللغوية :حقيقة الوعي =) تاسيس الانية الانسانية على هذا المفهوم مهما كانت المناهج المستخدمة والخاصة بكل فيلسوف
*) نقطة التقاء فرويد ونيتشة وماركس او اقطاب الظنة وكاشفي الاقنعة : زيف الوعي

عندما تؤسس الفينومينولوجيا المعرفة والوجود والقيم والمقاصد والمعنى على مفهوم الجسد الخاص او الذات المتجسدة / الوعي المتجسد/ الكوجيتو المتجسد حيث يكون الفعل بنية قصديّة تعكس الانصهار التام بين النفسي والجسدي و عندما تعتبر الوجوديّة ان خصوصية كينونة الانسان تستمد من حيث انه يدرك عن وعي من هو ومن سيكون وماذا يريد ان يكون فالانية الانسانية بما هي مشروع تتاسس على الحرية والارادة والمسؤولية أي عندما يتمسك سارتر مثلا بالذاتية في مواجهة كل محاولات اعلان نهايتها ( ليست الذاتية الميتافيزيقية الديكارتية وانما ذاتية توجد في وضعيات اجتماعية وتاريخية تشدها للاخرين في مقابل ذلك يقوم التحليل النفسي باكتشاف كوجيتو جريح حيث الانا المسكين محاصرا بقوى هي اسياد قساة فتنتزع منه السيادة وتستحيل مهمته مقتصرة على ادارة الصراع بين دوافع الهو وممنوعات الانا الاعلى وهو ما يؤدي الى كبت الرغبات التي تشكل مضمون اللاشعور/اللاوعي فلا سبيل اذن الا الى اعتبار ان الانا لم يعد سيدا في بيته أي اعلان ثورة بسيكلوجية على كل التصورات التقليدية للانية الانسانية التي تاسست على الوعي وانشاء تصور علمي جديد للانية الانسانية يؤسسها على اللاشعور
و هنا، يلتقي فرويد مع ما يسمّيهم ريكور بفلاسفة الظنّة أو كاشفي الأقنعة: نيتشه و ماركس.
نيتشه يدعو، في مجال الفلسفة، إلى التّعامل مع الأفكار و الحقائق و القيم الدّينيّة و الأخلاقيّة لا بما هي تعبّير عن جوهر فكري بل بما هي تعبير على إرادة جسديّة. و هذه الإرادة، إما أن تكون إرادة قويّة تنادي بقيم الانتصار للجسد و للحياة و للصّيرورة أي قيم الاسياد و إما أن تكون إرادة ضعيفة و منحطّة تعلي من قيم الرّحمة و التّعاطف و التّسامح و التّنسّك و الشّفقة إلى غير ذلك من قيم العبيد.
الفلسفة، هنا، جنيالوجيا تدع سطح الوعي الظّاهر و تهتمّ بالتّفتيش في الأصل لأجل تقييمه. " فأن نتفلسف و في أيدينا مطرقة، كما يقول نيتشه، يعني أن ننصت إلى أنين الجسد ".
ماركس ذاته، في كتاباته، يتخلّى عن مبدأ أولويّة الوعي، و يقرّ بأسبقيّة الوجود الاجتماعي على الوعي. فهذا الأخير، من حيث هو نتاج اجتماعي ( فنّ، أسطورة، دين، حقوق، علم الخ...)، ليس أساسا و لا مصدرا و لا أصلا يمكّن من تحديد الواقع التّاريخي والاجتماعي فليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم الاجتماعي وإنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم.
يلتقي فرويد، في مجال التّحليل النّفسي، مع هذا التّقليد الفلسفي، الذّي يمثّله نيتشه و ماركس، و ذلك في إطار التّوجّه نحو التّخلّي عن مفهوم الوعي واستبداله بمفهوم اللاوعي.


*) اللقاء بين أقطاب الظنة وفلاسفة الوعي ، اللقاء بين الوعي كحقيقة والوعي كزيف ، بين موقف يؤسس الانية على الوعي وموقف يقر بزيف الوعي في تحديد الانية ويستبدل مفهوم الوعي بمفهوم اللاوعي( فرويد)
=) هذا التناقض في تناول الانية الانسانية هو مبرر الحديث عن رجة لا تكمن في الخطاب الفرويدي الذي يؤسس للاّوعي ويستبعد الوعي من الانية الانسانية ( حضوره اكثر من غيابه) او الخطاب الديكارتي الذي يؤسس الوعي ويستبعد غيرية الجسد واللاوعي والعالم والتاريخ في تحديد الانية وانما تكمن في اللقاء بين هذه الخطابات المتناقضة حول الانية الانسانية=) ازمة الانية الانسانية = الرجة = الحيرة وهذا المازق لا يتعلق بالوعي فقط او باللاوعي فقط وانما ينشا من العلاقة بينهما =) بلغة اخرى اذا استمعنا الى كل هذه الخطابات ما الانية اللانسانية؟
ان تطورات العلوم الانسانية التي جعلت من" الانسان" موضوعا او ظاهرة قابلة للدراسة وما يستوجبه ذلك من فصل بين الذات والموضوع أدت الى القطع مع تصورات قبل علمية ( فلسفية ودينية ) وارساء تصورات علمية: من الانسان الجوهر الى الانسان البنية، من الذات الواعية الى بنية من العلاقات سواء كانت اقتصادية او لسانية او نفسية ، من الجواهر الى البنى ، من الميتافيزيقا الى العلم =) هذه التحولات العلمية استوجبت السؤال عن الانية الانسانية ومطلب انتروبولوجيا جديدة ليست من جنس الانتروبولوجيا الكانطية التي تتاسس على الوعي وانما انتروبولوجيا تستثمر انجازات العلم في مقاربة الانساني او الانية الانسانية واهم انجاز علمي في العصر الحديث هو اكتشاف اللاوعي ( مضامين جديدة لان المفهوم وجد في الفلسفة والادب) . ان اكتشاف اللاوعي مثل ثورة في مجال معرفة الانسان( كما مثل اكتشاف الكوجيتو ثورة في المعرفة والوجود ) وهذه الثورة البسيكولوجية تضاهي الثورة الكوبرنيكية والثورة الداروينية وهي ثورات مثلت اهانات لكبراء ونرجسية الانسان الذي توهم طيلة قرون من الزمن التعالي والسمو والسيادة والحال انه لم يعد سيدا حتى في بيته
=) الثورة البسيكولوجية هي ثورة ضد الثورة ، ثورة علمية ضد ثورة فلسفية وهي ثورة الكوجيتو ضد السكولاستيكية بما فيها من فلسفة ودين وعلم وخرافات واساطير
مسار هذه اللحظات الفكرية: بداية من القرن 17 وعي =) لاوعي =) مراجعة الوعي واللاوعي طلبا لكلي انساني على صعيد الانية الانسانية تنهض به انتروبولوجيا جديدة
2)المماثلة بين مسالة الوجود واللاوجود في الفلسفة القديمة مع افلاطون بالتحديد ومسالة الوعي واللاوعي في الفلسفة المعاصرة مع الفينومينولوجيا بالتحديد
يقوم الاستدلال بالمماثلة على بيان ان العلاقة الموجودة بين واقعتين يمكن نقلها من مجالها الى مجال العلاقة بين واقعتين اخريين وبشكل عام ورمزي يمكن القول ما يوجد بين ( أ ) و ( ب ) من تماثل في العلاقة يمكن نقله الى العلاقة ( ج ) و ( د ).=) ان علاقة كذا بكذا مماثلة الى كذا بكذا.

**)عناصر المماثلة في العلاقة الاولى ودلالتها:
*)وضع افلاطون في كتاب السفسطائي:
1) الاقرار بثبات الوجود
2) الإقرار باللاّوجود
3) التصريح بان مسالة الوجود غامضة غموض مسالة اللاوجود
السبب : الاضطرار نتيجة لغز الخطا والظن الخاطئ

**) عناصر المماثلة في العلاقة الثانية ودلالتها:
*) وضع من تكون في الفينومينولوجيا و يلتقي بالتحليل النفسي
1) الاقرار بالوعي
2) الاقرار باللاوعي
3) التصريح بان مسالة الوعي غامضة غموض مسالة اللاوعي
السبب : الاضطرار " ان الفرد ليضطر" نتيجة لغز الخطا والظن الخاطئ
=) كما بدا افلاطون برمينيديا يقر بثبات الوجود بدا الفينومينولوجي " ديكارتيا" يقر بثبات الوعي (( فكرة الثبات أي النقطة الثابتة التي يبحث عليها ديكارت والشئ الثابت( الانية تفيد الثبات) الذي يصمد امام الشك)) . كما ان احراجات السفسطائي اضطرت افلاطون الى اعادة النظر بوجه عام وجذري من الاقرار بالاوجود الى التصريح بغموض الوجود واللاوجود كذلك ان احراجات التحليل النفسي واقطاب الظنة عامة اضطرت الفينومينولوجي من الاقرار باللاوعي الى التصريح بغموض الوعي واللاوعي.
3) التسليم بتلازم الوعي واللاوعي
لا تناقض بين الوعي و اللاّوعي ، شرط أن نجتاز "صحراء الإقرار المزدوج :
- الإقرار الأوّل : "لا أفهم اللاّوعي انطلاقا ممّا أعرف عن الوعي - و لا حتى ما قبل الوعي- " أي الإقرار بقطيعة بين الوعي واللاّوعي .
- الإقرار الثاني : "ما عدت قادرا حتى على فهم الوعي" أي يصبح الوعي غامضا إذا انطلقنا من اللاّوعي .
بمعنى أنّ على الفيلسوف الفينومينولوجي الذي ينفي التناقض بين الوعي و اللاّوعي و يقرّ بالتلازم بينهما أن يجتاز القول بالقطيعة بينهما ، تلك القطيعة التي توحي بها وجهة نظر فرويد الموضعية و الاقتصادية
غير أنّ الإقرار بتلازم الوعي و اللاّوعي و اجتياز صحراء الإقرار المزدوج بالقطيعة بينهما لا يمكن أن يتحقّق بالنسبة إلى فيلسوف الوعي بصفة عامّة و بالنسبة إلى الفيلسوف الفينومينولوجي بصفة خاصّة إلاّ إذا اضطلع بالمراجعات التالية :
1) مراجعة مفهوم الوعي في علاقته باللاّوعي : كيف عليّ أن أعيد التفكير في مفهوم الوعي حتى يتّسع ليستوعب داخله الاَخر الذي هو اللاّوعي ؟ و بالفعل فإنّ ريكور لا ينظر إلى اللاّوعي على أنّه نقيض الوعي بل على أنّه الاَخر الذي بإمكان الوعي أن يتّسع فيستوعبه
2) مراجعة التصوّر الفرويدي للاّوعي : ما هي حقيقة اللاّوعي الفرويدي ؟ ما هي قيمة النماذج التي يعتمدها فرويد للبرهنة على وجود اللاّوعي ؟ هل يمكن أن نميّز بين المذهب و المنهج ؟ هل للاّوعي وجود فيزيائي حقيقي كما توحي بذلك النماذج الفرويدية أم أنّ "المنهج هنا هو المذهب" ؟ أي أنّ ريكور يتشكّك في التصوّر الواقعي الساذج للاّوعي تمهيدا للرّبط بين التحليل النفسي و الهرمينوطيقا
3) مراجعة التصوّر التقليدي لانية الانسانية : إلى أيّ مدى يمكن إنشاء أنتروبولوجيا جديدة تقوم على جدلية الوعي و اللاّوعي وتقرّ في الآن نفسه بهشاشة الإنسان و مسؤوليته ؟ (نتبيّن هذه الهشاشة من خلال النموذجين الموضعي و الطاقي) . في نظر ريكور لا تناقض بين التحليل النفسي و الحرية . يقول ريكور : " ما يريده فرويد هو أن يوسّع المريض مجال وعيه بامتلاك المعنى الذي كان غريبا عنه ، و أن يحيا بكيفية أفضل ، و أن يكون أكثر حرّية ، و إن أمكن أكثر سعادة"
المكاسب:
- مشكل الوعي (يمكن الحديث عن تصورات فلسفية وعلمية مختلفة حول الوعي) ومشكل اللاوعي يمكن الحديث عن تصورات فلسفية وعلمية مختلفة حول اللاوعي ) ومشكل اللقاء بينهما ( الرجة او الحيرة الفينومينولوجية المقضة )
- المراجعة النقدية للانية الانسانية بالاستناد الى انجازات فلسفية وعلمية وتجاوز العلاقة الصدامية بين الوعي واللاوعي
- جدلية الانية والغيرية اساسها جدلية الوعي واللاوعي وهي منظومة احداثية جديدة من اجل التعمق في فهم الكلي الانساني
- ان اساس الانساني بين الوحدة والكثرة لم يعد الوعي او اللاوعي وانما جدل الوعي واللاوعي وهو ما مثل نقطة تحول في مقاربة الانساني استثمارا للتناقضات التي تشق الانية الانسانية بفعل هذه الاكتشافات الفلسفية والعلمية

السبت، 16 أكتوبر 2010

تصدع الانية الإنسانية ومخاطر الوجود مع الغير

تخطيط لمسالة الانية والغيرية

1) التحديد الماهوي للانية الانسانية

ا) الانية كنفي لغيرية الجسد

النص السند: الحكمة في معرفة النفس ( افلاطون)

ب) الوعي بالذات في استقلال عن غيرية العالم والاخرين

النص السند:في ماهية الانسان ( ديكارت)

2) الانية بما هي انفتاح على الغيرية

ا) في تاريخية الانية

النص السند: الاساس التاريخي للوعي(ماركس)

ب) الانية بما هي حضور جسدي

النص السند:وضعية الانا في العالم ( مارلوبونتي)

ج)حضور الاخر كشرط للانية (البينذاتية)

النص السند:الوعي بالذات يستوجب الوعي بالاخر(هيغل)

3) تصدع الانية الانسانية ومخاطر الوجود مع الغير

ا) تصدع الانية

النص السند1: مفهوم اللاشعور فرود ( كتاب الفلسفة القديم)
النص السند2: الرجة بول ريكور ( كتاب الفلسفة القديم)

ب) مخاطر الوجود مع الغير

النص السند:هل الغير صديق ام عدو؟( ادغار موران)





الدرس :3 ) تصدع الانية الإنسانية ومخاطر الوجود مع الغير

ا) تصدع الانية الإنسانية

النّص/السّند: انية الحياة النفسية
ها إن الناس جميعا أو يكادون، يتفقون على إكساب كل ما هو نفسي سمة عامة تعبر عن جوهره ذاته، وهذا أمر غريب. هذه السمة الفريدة، التي يتعذر وصفها، بل هي لا تحتاج إلى وصف، هي الوعي. فكل ما هو واع نفسي، وعلى عكس ذلك فكل ما هو نفسي واع. وهل ينكر أمر على هذا القدر من البداهة ؟ ومع ذلك فلنقر بأن هذا الأسلوب في النظر قلما وصّح لنا ماهية الحياة النفسية إذ أن التقصي العلمي يقف ههنا حسيرا، ولا يجد للخروج من هذا المأزق سبيلا. (...) فكيف ننكر أن الظواهر النفسية خاضعة خضوعا كبيرا للظواهر الجسديُة، وأنها على عكس ذلك تؤثر فيها تأثيرا قويا ؟ إن أرتج الأمر على الفكر البشري، فقد أرتج عليه يقينا في هذه المسألة، وقد وجد الفلاسفة أنفسهم مضطرين لإيجاد مخرج، إلى الإقرار على الأقل بوجود مسارات عضوية موازية للمسارات النفسيّة ومرتبطة بها ارتباطا يعسر تفسيره (...) وقد وجد التحليل النفسي مخرجا من هذه المصاعب إذ رفض رفضا قاطعا إن يدمج النفسي في الواعي . كلا، فليس الوعي ماهية الحياة النفسية، وإنما هو صفة من صفاتها، وهي صفة غير ثابتة، غيابُها أكثر بكثير من حضورها.

(...) ولكن يقي علينا أيضا أن ندحض اعتراضا. فرغم ما ذكرناه من أمور يزعم فريق من الناس أنه لا بجدر بنا أن نعدل عن الرأي القائل بالتماهي بين النفسي والواعي، إذ أن المسارات النفسيّة الني تسمى لا واعية قد لا تكون سوى مسارات عضوية موازية للمسارات النفسية. ومن ثمّ فكأنّ القضية التي نروم حلها لم تعد إلا مسألة تعريف لا طائل تحتها (...) فهل من باب الصدفة المحض أننا لم نصل إلى إعطاء الحياة النفسية نظرية جامعة متماسكة إلا بعد أن غيّرنا تعريفها ؟

وفوق هذا علينا أن نتجنّب الاعتقاد بأن التحليل النفسي هو الذي جدد نظرية الحياة النفسية هذه .(...) فقد كان مفهوم اللاشعور يطرق منذ أمد طويل باب علم النفس، وكانت الفلسفة كما كان الأدب يغازلانه، ولكن العلم لم يكن يعرف كيف يستخدمه. لقد تبنى التحليل النفسي هذه الفكرة، وأولاها كل عنايته وأفعمها بمضمون جديد. ولقد عثرت البحوث التحليليّة النفسيّة على خصائص للحياة النفسيّة اللاواعية لم تكن قبل ذلك متوقعة، وكشفت بعض القوانين التي تتحكم فيها. ولسنا نقصد من ذلك أن سمة الوعي قد فقدت من قيمتها في نظرنا. فما زال الوعي النور الوحيد الذي يسطع لنا ويهدينا في ظلمات الحياة النفسية. ولما كانت معرفتنا ذات طبيعة مخصوصة، فان مهمتنا العلمية في مجال علم النفس ستتمثل في ترجمة المسارات اللاواعية إلى مسارات واعية حتى نسد بذلك ثغرات إدراكنا الواعي.

الكاتب : فرويد
" مختصر في التحليل النفسي "


تمهيد:
الانساني يحيل على الوعي المتعالي والمستقل تمام الاستقلال عن الجسد وهذا المفهوم للانساني او الانية الانسانية يعكس انعزالا عن الغيرية سوى تمظهرت عبر الجسد او العالم او التاريخ على خلاف هذا التصور الماهوي / الميتافيزيقي الذي يجعل من الجسد غيرية مثله مثل بقية الاشياء الملقاة في هذا العالم فان التصور الفينومينولوجي مع مارلوبونتي يستعيد ما استبعدته الفلسفة الكلاسيكية وشيّأه العلم الا وهو الجسد الذي استحال شرطا لادراك العالم ومقوما للوجود فالجسد الخاص الذي يختلف كل الاختلاف عن الجسد الموضوعي هو المحدد للانية الانسانية . مع مرلوبونتي لا يمكن تاسيس الانية الانسانية على الوعي غير المتجسد او الكوجيتو المتعالي كما لا يمكن اختزال الانية الانسانية في بنية فزيولوجية او مادية تاريخية وانما هي وعي متجسد =) الاختلاف في الرابط بين الذات والموضوع حسب التصور الكلاسيكي ( المثالي والآلي) والتصور الفينومينولوجي فالوجود لا يتحدد مثاليا او ماديا وانما هو رابط يتداخل فيه ما هو عقلي بما هو جسدي ، الانسان والعالم ، الانسان والتاريخ.
الربط الاشكالي:
مهما كانت طبيعة العلاقة القائمة بين النفسي والجسدي ( انفصال او اتصال ) في تحديد الانية الانسانية فان منزلة الوعي تبقى مركزية ومعبرة عن هذا الكبرياء الانساني التاريخي فهل من الممكن ان نواصل مع فرويد النظر الى انيتنا كانية واعية وحرة ومسؤولة ام انه لا سبيل الى فهم انيتنا فهما حقيقيا وعلميا الا اذا اعلنا موت الانسان الجوهر وتحطيم التصور التقليدي الميتافيزيقي ؟ هل يمكن ان نواصل النظر الى ما هو انساني باعتماد معاني الوعي والنفس والحرية والتعالى ام لا بد من معاني جديدة او قل لابد من مفاهيم علمية جديدة لتفسير الانية الانسانية ؟ هل انتهى عصر التاملات الميتافيزيقية في تدبر الانساني ؟ هل يمكن القول ان الفلاسفة عبر التاريخ لم يفعل سوى تاويل الانية الانسانية فالواجب الان تفسيرها تفسيرا علميا واعلان موت الاله وموت الانسان وموت الميتافيزيقا عامة في مقاربة الانية الانسانية ؟ هل يمكن القول لقد عاشت البشرية على اوهام وحان الوقت للتحرر منها والكشف عن هذه الاوهام وكل اشكال الزيف في مقاربة الانساني او الانية الانسانية ؟ هل من دور للكبت الجنسي ، للغرائز، الشهوات الجنسية ، الجسد ، اللذة الجنسية او النشوة الجنسية أي دور لهذه المعاني ، التي ربما مازلنا نخجل منها ، في تحديد الانساني فينا ، في تحديد انيتنا الانسانية؟ ما علاقة الممارسة الجسدية/ الجنسية بسلوكاتي وافكاري او بانيتي بوجه عام؟
النص/السند: انية الحياة النفسية
الكاتب:فرويد



الأطروحة: انّ انية الحياة النفسية تقوم على اللاوعي/اللاشعور
الاطروحة المستبعدة: قيام انية الحياة النفسية على الوعي
الإشكالية: على ماذا تقوم انية الحياة النفسية ؟ هل تتاسس على الوعي ام اللاوعي ؟
العناصر:
1) الانية الانسانية في الانتروبولوجيا الفلسفية:
2) الانية الانسانية في الانتروبولوجيا العلمية :
التحليل:
1) الانية الانسانية في الانتروبولوجيا الفلسفية:
"ها إن الناس جميعا أو يكادون، يتفقون على إكساب كل ما هو نفسي سمة عامة تعبر عن جوهره ذاته، وهذا أمر غريب. هذه السمة الفريدة، التي يتعذر وصفها، بل هي لا تحتاج إلى وصف، هي الوعي. فكل ما هو واع نفسي، وعلى عكس ذلك فكل ما هو نفسي واع. وهل ينكر أمر على هذا القدر من البداهة ؟"
ما الذي يعبر عن جوهر / ذات / انية النفسي ؟ ان عبارة" جوهره ذاته " تعكس جملة من التصورات التي حاولت تدبر او معرفة ما هو نفسي في الانسان عبر التامل والشك والتداعي الحر والمقدس والخيال كلها طرق حاولت الكشف عن النفسي الانساني أي ان مطلب معرفة ما هو نفسي متجذر في الفلسفة والدين والاسطورة والعلم =) ان نشدان انية (جوهر/ذات/حقيقة) الانسان مطلب اعتُمل في باطن الارض منذ ألوف السنين، فقبل المطلب السقراطي المنقوش على معبد دلف " ايها الانسان اعرف نفسك بنفسك فالحقيقة داخلك وليست خارجك" هناك ملحمة جلجامش المنقوشة بخط مسماري فانظر يا قارئي في هذا السؤال الذي ينفتح على آفاق واشكاليات مصيرية سؤال يبعث فينا حيرة وجودية حول الانية الانسانية ( سؤال كان يمكن ان لا يكتشف لان اكتشاف اللوح الذي كتبت عليه الملحمة ، ملحمة العراق القديم ، كان صدفة سنة 1853م) :
يا جلجامش الى اين انت سائر؟
لن تجد قط الحياة التي تنشد
فالآلهة عندما خلقوا البشر
كتبوا عليهم الموت واحتفضوا بالخلود لهم
يا جلجامش دع معدتك تكون ممتلئة
وانشرح ليل نهار
ملاحظة خارج الدرس ( لا اعرف لماذا غُيب هذا المقطع المشهور من الملحمة في الوضعية الاستكشافية الثانية من كتاب الرابعة اداب وتم اعتماد نص من الملحمة غير وظيفي في علاقة بالمسالة)
ان مطلب معرفة ما هو نفسي بالمعنى العام العام وليس بالمعنى العلمي الفرويدي الوضعي التجريبي هو مطلب تاريخي ارتبط بفنون قول شتى من الدين الى الاسطورة الى الفلسفة الى العلم.
هناك اتفاق بين الناس وبعض الفلاسفة على ان جوهر النفسي هو الوعي فهناك تطابق مطلق بين النفسي والوعي "فكل ما هو واع نفسي، وعلى عكس ذلك فكل ما هو نفسي واع"
ما طبيعة هذا اليقين ؟ ان اساس هذا اليقين مع ديكارت ليس الاستدلال المنطقي او التجريبي وانما هو يقين بديهي واضح ومتميز بذاته لا يحتاج الى برهان.
البداهة L'évidence
البديهي هو ما لا يتوقف حصوله في الذهن على نظر وكسب (تعريفات الجرجاني)؛ وهو بهذا المعنى مرادف للضروري.
وتكون قضيّة ما بديهية إذا كان الإنسان الذي يستحضر معناها في ذهنه ويتساءل هل هي صادقة أم كاذبة لا يستطيع أن يشك البتة في صدقها. فالبديهي إذن هو الذي يفرض نفسه فرضا على العقل ولا يترك له أدنى مجال للشك.
وكان ديكارت قد بيّن أن البداهة معيار الحقيقة وأنّ المعاني لا تكون بديهية إلا إذا كانت واضحة متميّزة . ومع أنّ البداهة التي يتحدّث عنها ديكارت هي البداهة العقلية، لا البداهة الحسية( فإنّ شرط البداهة وحده لا يمكن أن يكون معيارا صادقا للحقيقة)
ينبغي التمييز بين البداهة واليقين، إذ البداهة هي بداهة الموضوع المدرك، في حين أن اليقين هو الأثر الذي تخلفه هذه البداهة في النفس والشعور الباطني الذي تولده فيها.
الغزالي:
العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافا لا يبقى معه ريب،
ديكارت (Descartes):
أعني بالمعرفة الواضحة تلك التي تكون حاضرة وجليّة أمام الفكر المنتبه...؛ وأعني بالمتميّزة تلك التي تكون دقيقة للغاية ومتميزة تماما عن المعارف الأخرى".
ان الانتروبولوجيا الفلسفية الديكارتية تاسست على يقين بديهي وهو الوعي فهو اليقين الذي يصمد امام الشك =) الوعي بما هو مفهوم مركزي في تحديد الانية الانسانية بوجه عام والحياة النفسية بوجه خاص سواء في الفلسفة الديكارتية اوالتصورات التقليدية سواء كانت فلسفية او غير فلسفية
لكن الا يمكن التشكيك في هذه البداهة ؟ الا يمكن ان يكون هذا العقل او الوعي مجرد قناع لا يعبر عن المحدد الحقيقي للانية الانسانية ؟ هل يجب تجاوز الانغلاق على العقل والانفتاح على اللاعقل من اجل انشاء مقاربة حقيقية للانية الانسانية الم يعتر نيتشة ان العقل اداة اخفاء وتمويه الم يقر ماركس بزيف تعالي الوعي واستبعده في تحديد الانية الانسانية من خلال اختزالها في بنية مادية/اقتصادية/تاريخية؟
=) هناك من ينادي باولوية العقل وهيمنته وسيادته و ضرورة خضوع الحياة الوجدانية للإنسان إلى العقل. وفي مقابل ذلك، هناك من ينادي باللاعقل باعتبار الإنسان كائنا عاطفيا ووجدانيا بالدرجة الأولى كالسريالية Surréalisme والرومانسية والوجودية فيقول كيركجارد Kierkegaard مثلا (معارضا ديكارت) "أنا أفكر إذن أنا غير موجود". ويفيد ذلك أن الحياة ممارسة فردية وجدانية وليست عقلية، فكلما زاد تفكير الإنسان كلما ابتعد عن كينونته.
هل هذه الاساليب التقليدية في النظر الى الانية الانسانية استطاعت ان تنفذ الى الحقيقة ؟ هل الحقيقة تكمن في العقل ام اللاعقل؟ هل الانية الانسانية تتاسس على الوعي ام اللاوعي؟ ولماذا لم تستطع التصورات التقليدية النفاذ الى الانية الانسانية ؟ وما هي الصعوبات التي تواجهها؟
"ومع ذلك فلنقر بأن هذا الأسلوب في النظر قلما وضّح لنا ماهية الحياة النفسية إذ أن التقصي العلمي يقف ههنا حسيرا، ولا يجد للخروج من هذا المأزق سبيلا" ما هي الصعوبات ؟ وكيف يمكن تجاوز هذه الصعوبات او المازق ( مازق الانية الانسانية اذا تاسست على الوعي)
دواعي التخلي عن الوعي في تحديد الانية الانسانية:
الصعوبة الاولى: ان فلاسفة الوعي قاموا بالممهاة بين النّفسي و الواعي ( ديكارت مثلا) و اعتبروا أنّ الوعي هو ماهيّة الحياة النّفسيّة فما الأنا سوى وعي ذاتي. يتأسّس هذا التّصوّر الفلسفي للوعي على تمييز جذري بين النّفس و الجسد، بحيث يصعب تفسير التّأثير المتبادل بين هذين الجوهرين.
الصعوبة الثانية: هناك العديد من الأفعال التّي يفشل مفهوم الوعي في توضيحها و فهمها، بحيث يقع الحكم بكونها أفعالا غير معقولة مثل الهفوات في الافعال الأحلام و الأعراض الهستيريّة.
إغفالها يدلّ حسب فرويد على أنّ المفهوم الذّي تعتمد عليه النّظريّة النّفسيّة غير قادر على فهمها.
الصعوبة الثالثة: تعثّر الأبحاث النّفسيّة التّي حاولت تجاوز المآزق التّي يؤدّي إليها مفهوم الوعي دون التّخلّي عنه ( البحث النّفسي الفيزيولوجي ). ففرويد يرفض زعم علماء النّفس الفيزيولوجيّين الذّين يقرّون بالتّماهي بين النّفسي و الواعي، فمع أنّهم يقرّون بوجود أفعال لا واعية، فانّهم ينسبونها إلى أسباب عضويّة.
2) الانية الانسانية في الانتروبولوجية العلمية :
" كلا، فليس الوعي ماهية الحياة النفسية، وإنما هو صفة من صفاتها، وهي صفة غير ثابتة، غيابُها أكثر بكثير من حضورها."
دحض كلّ المواقف السّابقة، سواء كانت فلسفيّة أو علميّة التي اعتبرت الوعي مقوما للانية الانسانية وتاسيس تصور علمي جديد للانية الانسانية يستبدل الوعي باللاوعي.
و يعترف فرويد بأنّه لم ينشأ هذا المفهوم من عدم بل استلهمه من فلاسفة سبقوه لم يحسنوا توظيفه و توجيهه في إطار المعرفة العلميّة. و تعتبر فلسفة نيتشه أيضا من أهمّ الفلسفات التّي " طرقت باب علم النّفس " و غازلت مفهوم اللاّشعور. فنيتشه يؤكّد زيف الوعي و وهميّة مقولة الأنا، مبيّنا بالمقابل دور الجسد و ما ينطوي عليه من رغبات و أهواء سمّاها " الهو ". " انّك تقول أنا و أنت فخور بهذه الكلمة، غير أنّ هناك ما هو أعظم منها و هو ما ترفض تصديقه ألا و هو جسدك و عقلك العظيم ". ( نيتشه ). و يقول نيتشه أيضا: " انّ وراء أفكارك و مشاعرك، يا أخي، يقوم سيّد جبّار و حكيم مجهول هو " الهو " الذّي يسكن جسدك، بل هو جسدك ".

تبنّى فرويد هذا المفهوم " للهو " النّيتشوي أو لعقل الجسد و أضاف له مضمونا جديدا، فتحوّل المفهوم بذلك من مفهوم فلسفي إلى مفهوم علمي دقيق يعبّر عن واقعة نفسيّة محدّدة.
فسر فرويد الانية الانسانية بالاستناد الى الـجـهـاز الـنـفـسـى الذي يتـكـوّن مـن ثـلاث قـوى أسـاسـيـة هـي :

أ - الـهـــو :
و هـو الـمـنـطـقـة الـمـتـألـفـة مـن الـغـرائـز والـرغـبـات الـخـاصـة الـمـلـحّـة والـخـبـرات الـمـكـبـوتـة والـمـيـول الـبـدائـيـة الـمـتـحـفـزة بـاسـتـمـرار وبـصـورة عـمـيـاء لـتـحـقـيـق رغـبـاتـهـا وفـقـا لـمـبـدأ الـلّـذة.

ب - الأنـــا :
وهـو الـشـعـور الـيـقـظ الـمـسـوي لـلـحـيـاة الـيـومـيـة، الـذي يـعـمـل عـلـى حـل الأزمـات الـقـائـمـة مـع الـواقـع أو بـيـن الـرغـبـات فـيـمـا بـيـنـهـا لـلـمـحـافـظـة عـلـى تـوازن الـشـخـصـيـة.

جـ - الأنـا الأعـلـى :
وهـو ذلـك الـجـانـب الـمـنـفـصـل عـن الأنـا لـتـمـثـيـل دور الـرقـيـب عـلـى الأنـا وعـلاقـتـه بـالـهـو، ويـتـضـمـن تـأثـيـر الـتـربـيـة والـقـيـم الأخـلاقـيـة الـتـي يـنـطـلـق مـنـهـا لـتـحـذيـر الأنـا مـن الـخـضـوع لـلـهـو والاسـتـجـابـة لـلـرغـبـات الـمـكـبـوتـه.
ان الانية الانسانية تقوم على بنية ديناميكية بفعل طبيعة العلاقة القائمة بين مكوناتها او قواها المتناقضة . ان الانساني بما هو بعد /شئ نفسي يقوم على الصراع وكل خلل في هذه العلاقة يؤدي الى ظهور اضطرابات نفسية وامكانية نشاة شخصية لاسوية/مرضية ( السادية ( التلذذ بتعذيب الغير) والمازوشية ( التلذذ بتعذيب الذات )
مامهمةالانا؟
"ثمة قول مأثور ينصح الإنسان بألاّ يخدم سيدين في آن واحد. و الأمر أدهى وأسوأ بكثير بالنسبة إلى الأنا المسكين إذ عليه أن يخدم ثلاثة أسياد قساة، وهو يجهد نفسه للتوفيق بين مطالبهم . وهذه المطالب متناقضة دوما، وكثيرا ما يبدو التوفيق بينها مستحيلا، فلا غرابة إذن أن يخفق الأنا غالبا في مهمته"
ان الانا كما يقول فرويد لم يعد سيدا في بيته وهذا يعني ان المحدد للانية الانسانية ليس الوعي وانما اللاوعي لذلك يقول فرويد:" كلا، فليس الوعي ماهية الحياة النفسية، وإنما هو صفة من صفاتها، وهي صفة غير ثابتة، غيابُها أكثر بكثير من حضورها"
=) اللاوعي : الدوافع المكبوتة
تجلياته:
- الهفوات في الافعال فهذه الهفوات التي لا تحصى في حياة الانسان اليومية تعبر عن رغبات مكبوتة مثل نسيان بعض الاسماء
- الاحلام والاعلاء او التصعيد او التسامي وهو يعني تحويل او استبدال هدف كان في الاصل جنسيا بهدف اخر لم يعد جنسيا الفن مثلا تصعيد لرغبات جنسية مكبوتة او اشباع خيالي لرغبات مكبوتة
=) ان اكتشاف اللاوعي / اللاشعور كمحدد للانية الانسانية هو اهانة بسيكولوجية للانسان وجرح لكبريائه وتجاوز لكل التصورات التي أعلت من شان الانسان على اساس الوعي ( الكوجيتو الجريح بول ريكور) وبالتالي الكشف عن الاوهام التي قامت عليها الحضارة الوعي والارادة والحرية والمسؤولية فالانية الانسانية بنية نفسية تقوم على مبدا الحتمية .
=) ان اصل المعنى او الدلالة لم يعد الانا افكر المكون للعالم والذي يامل في السيادة عليه لان الانا لم يعد سيدا حتى في بيته وانما الاصل اصبح اللاشعور / اللاوعي وتقنية الكشف عن المعنى او الانساني بوجه عام هو التأويل للكشف عن الخفي والعميق لان الانية الانسانية لم تعد شيئا ظاهرا وانما هي شئ خفي
النقد :
اللاشعور لا يختزل في ما هو بيولوجي جنسي فقط وانما يمكن ان يحمل مضامين جماعية او دينية الخ .. وبالتالي تعدد معاني اللاشعور كمحدد للانية وهو ما يعمق مسالة الانية ويزيد في تشعبها وغموضها نتيجة هذا التعدد والاختلاف في مضامين اللاشعور
=) ان الانية الانسانية لا تختزل في اللاشعور الفرويدي الذي يحيل على الطاقة الجنسية المكبوتة وانما تتاسس على ما يسميها يونغ اللاشعور الجماعي الذي يحيل على طاقة الدوافع الكلية النفسية وباتالي تراوح الانية الانسانية بين شكلين من الليبيدو : الليبيدو الفرويدي الذي يعني الطاقة الجنسية والليبيديو اليونغي الذي يعني طاقة الدوافع الكلية النفسية.
كارل يونج من أوائل طلاب فرويد أسس مدرسة اسمها علم النفس التحليلي وقد استخدم مصطلح اللبيدو ولم يقصد بها فقط الطاقة الجنسية بل طاقة الدوافع الكلية النفسية. بناء على نظريته تألف اللاشعور من قسمين : اللاشعور الفردي نتيجة لخبرة الفرد الكلية والكبت، واللاشعور الجمعي وهو مخزن لخبرة البشر العرقي، في اللاشعور الجمعي يوجد صور بدائية شائعة والصور البدائية هي انماط اولية للفكر تميل لتشخيص العمليات الطبيعية بلغة أسطورية ميتافزيقية المفاهيم كالخير والشر والارواح الشريرة، والوالدين مصدر للنموذج الاصل
يقول يونغ:"اللاشعور أو اللاوعي الجمعي هو ذلك الجانب من اللاشعور الذي يشترك فيه البشر جميعا عبر التاريخ ،و هو موروث و منتقل عبر الأجيال و يشمل على الخبرات السابقة المتراكمة منذ آلاف السنين ومادته الأساسية هي الأنماط الأولية التي هي عبارة عن استجابات الإنسان الغريزية تجاه الكون و الحياة و صور عن الخير و الشر و الشيطان و ما شابه ذلك"
فهل من سبيل لتجاوز هذا التناقض الصارخ في الانية بين الوعي واللاوعي؟

الخميس، 7 أكتوبر 2010

مدخل لمسالة مطلب الكلي

الدرس: مدخل لمسالة مطلب الكلي
السند: حوار حول تجربتي مع الفلسفة
السؤال: ماذا تعلمت من الفلسفة؟

I) تمثلات التلاميذ:

1- تعلمت أن طريق الفلسفة عالم من الأفكار، فهي لا تتعامل قط مع اليومي والحسي علي نحو مباشر. وهذا هو السبب في غموض الفلسفة وصعوبتها، لأنها تحتاج إلى الارتفاع من المحسوس إلى اللامحسوس مما يتطلب مجهودا كبيرا من الإنسان حيث يولد الطفل ملتصقا بالأشياء المادية ويحتاج إلى فترة طويلة ليكون قادرا علي التجريد وبعض الناس لا يقدرون عليها أبدا
هناك شكوى عامة من غموض الفلسفة، والتباس افكارها ومشكلاتها على ذهن القارئ العادي غير المدرب، ولقد كان هيجل يعترض على هذه الشكوى ويردها الى عاملين اساسيين:
العامل الاول: كل الناس، يعتقدون انهم في استطاعتهم ان يتفلسفوا وان يفهموا الفلسفة دون ان يبذلوا ادنى جهد في فهم الافكار والمذاهب الفلسفية. وهذا خطأ شائع! لان الفلسفة كأي علم آخر لها مفاتيحها الخاصة، ومصطلحاتها التي تحتاج الى جهد ودراسة، فلو انك فتحت كتابا في الطب لوجدته عسيرا بالغ الصعوبة، طالما انك لم تدرس المصطلحات الطبية الخاصة، بل انك لكي تصنع حذاء، فان عليك ان تتعلم صناعة الاحذية، على الرغم من انك تملك في يديك القدرت الخاصة، وفي قدميك المقاس الخاص".
اما العامل الثاني الذي يجعل من الفلسفة علما صعبا فهو ان الفلسفة تعنى الارتفاع من المحسوس الى اللامحسوس او المجرد او الفكر الخالص، وهذا الارتفاع يحتاج من القارئ لكي يفهمه ان يبذل جهدا كبيرا، وذلك بسبب التصاقه بالاشياء المادية او العالم المادي من حوله منذ طفولته الاولى.
" أن الناس يشكون من غموض الفلسفة دون أن يحاولوا بذل الجهد في فهم مصطلحاتها الخاصة متعللين بحجة واهية، هي أنهم يملكون عقولا قادرة علي فهمها، مع أنهم يسلمون بأنك تتعلم صناعة الأحذية، فلابد لك أن تتدرب علي هذه المهنة علي الرغم تملك في يديك القدرات الخاصة، وفي قدميك المقاس الخاص..".. وما يقال على الفرد يقال علي الأمة.. ( هيغل)
2- تعلمت أن الفلسفة فكر مضاعف أو فكر لاحق اي أن هناك فكرا أول هو الذي ينشأ في حياة الناس اليومية في جميع المجالات. والفلسفة تجعل هذا الفكر الأول موضوعا للدراسة، فتكون فكرا في فكر أو فكرا ثانيا.ان الفيلسوف لا يزاحم العالم في مخبره لكنه يدرس ما يدرسه العالم، يفكر في ما فكر فيه العالم.
ومن هنا، فان الفلسفة تأتي متأخرة بعد أن تكون الحياة قد دبت بين الناس بالفعل، وقامت ألوان مختلفة من النظم تتوجها الفلسفة في النهاية. وهذا معني عبارة هيغل الشهيرة في فلسفة الحق: " أن بومة منيرفا.. minerva لا تبدأ في الطيران إلا بعد أن يرخي الليل سدوله…"
" أصول فلسفة الحق ( هيغل)
3- تعلمت أن المبدأ الذي تركز عليه الفلسفة هو في النهاية " فكرة " فالفلاسفة الذين اعتبروا ان اصل الكون الماء اوالهواء أو النار اوالتراب.. فإنهم كانوا يقصدون فكرة المادة وفكرة الهواء وفكرة النار
4- تعلمت ان التفكير الفلسفي سلب/نفي لأنه يغير شكل الأشياء الفردية التي نلتقي في حياتنا اليومية التقاء مباشرا كهذه الشجرة وتلك المنضدة، وهذا المعقد.. الخ طالما أنه يحيلها إلى فكرة أعني إلى كلي universal وهكذا نجد أنه لابد من سلب الصور التي تظهر عليها الأشياء أمام الوعي لأول مرة فهي تبدو جزئية، وفردية وعابرة، ومتغيرة، ولكنا لكي نعرفها لابد أن نحيلها إلى أفكار والفكرة بطبيعتها : كلية، ودائمة، وجوهرية. وهذا التحول في شكل الظواهر عملية أسياسية للمعرفة يقوم بها الفكر " الطريقة الوحيدة لبلوغ الجوهر الدائم هم تحويل شكل الظاهرة الموجودة أمامنا عن طريق الفكر " ( موسوعة العلوم الفلسفية ص 97)

5- تعلمت أن الإنسان وعي ذاتي، وأن الحيوان وعي ذو بعد واحد فقط، لا يستطيع أن ينعكس علي نفسه، ومن ثم لا يستطيع أن يفكر: يقول هيغل: "على حين أننا نجد الحيوان لا يستطيع أن يقول أنا "، ونجد أن الإنسان هو وحده الذي يستطيع أن يقول ذلك، وما ذاك إلا أن من طبيعته أنه يفكر …." موسوعة ص 103

6- تعلمت أن الفلسفة كل متصل، أن كل مذهب منها يكشف عن جانب من جوانب الحقيقة. سألني طالب شاب " الفلسفة تحيرني:
- ما يقوله أفلاطون صحيح، لكن أيضا ما يقوله أرسطو
- إذا قرأت الماركسية اقتنعت بها، وأصبح الاقتصاد هو الذي يقوم. عندما أقرأ الوجودية التي هي صرخة لإنقاذ الفرد أشعر أنها علي حق في كل ما قالته..
- في حين أنني لا أرتاب في صحة البرجماتية التي تحيل الأفكار إلى عمل نافع وسلوك مفيد.
- المذاهب المادية مهمة وأساسية، وكذلك المذاهب المثالية التي تهتم بالروح …الخ
أين الخلل.. في رأسي أم في هذه المذاهب الفلسفية؟
" المذاهب الفلسفية المختلفة التي يعرضها علينا تاريخ الفلسفة لا يصعب اتفاقها في هوية واحدة. ولكن إذا شئنا أن نقول إنها فلسفة واحدة في مراحل في النضج أو أن أن نقول أن المبدأ الذي يقوم عليه كل مذهب ليس إلا فرعا من كل واحد هو الفكر …" "موسوعة العلوم الفلسفية ص 71).
=)ان الفلسفة بماهي نظر عقلي / فكري في علاقة وطيدة بالكلي لكن السؤال الذي يطرح هو التالي : ما العلاقة بين الكلي والإنساني والعلم والقيم؟

II) البحث في المفاهيم والدواعي والإشكاليات والرهانات

مطلب الكلي:

مامعنى مطلب؟وما معنى الكلي؟ولماذا نطلب الكلي؟وما مسلمات هذا المطلب وما هي رهاناته؟
هل يعني طلب طلب شئ ما او هل يوجد طلب هو طلب للاشئ؟
من البين ان الطلب معناه طلب شئ ما
هل الطلب يريد الشئ الذي يطلبه او لا يريده؟
يريده من غير شك
هل يريد الشئ الذي يطلبه في حالة امتلاكه له او فقده اياه ؟
لعله يريده في حالة فقده اياه
اذن يطلب المرء ما لا يملك ولا يطلب فيما ليس في حاجة اليه
اذن العظيم لا يطلب العظمة والقوي لا يطلب القوة لان من يملك صفة لا يحتاج اليها
=) النتيجة: أوّلا يوجد الطلب مضافا الى شي معين ثانيا هذا الشئ ينقص المرء في الوقت الذي يحتاجه .
هذا الشئ المطلوب/المفقود/المنشود هو الكلي
فهل يمكن القول ان مالا يملك الكلي كليا ؟
هذا محال
هل يمكن القول ان ما لا يملك الانساني انسانيا؟
هل يمكن القول ان ما لا يملك العلم عالما؟
هل يمكن القول ان ما لا يملك القيم قيميا ؟

=) الا ترى ان ما هو كلي هو ما هو انساني وعلمي وقيمي؟
( لا يمكن ان يكون الكلي لاانساني او لا علمي او لاقيمي كانط وتعميم السرقة مثلا)
لكأنّ الكلي مثال الخير الأفلاطوني / الشمس التي توجد خارج الكهف وهو مدار الانساني والعلمي والقيمي .
بما ان الكلي ليس موجودا واقعا متحققا وانما منشود هذا يفترض حالة وسطى لكنها ليست حالة ثابتة / جامدة / منزلة بين المنزلتين وانما هي حركة / جهد / فعل او مطلب وهو ما يبرز من خلال هذه " البينية " سواء تعلق الامر بالانساني او العلم او القيم وهي وضعية اشكالية مازقية تتعارض مع كل ريبية او دغمائية فيما يتعلق بالكلي.
لا يمكن ان يقال ان الاله يطلب الكلي لانه هو كلي والجاهل لا يمكن ان يطلب بدوره الكلي لانه يتوهم امتلاكه ولا يعتقد انه ينقصه شيئا على الاطلاق وبالتالي من يطلب الكلي ليس اله/حكيما ولا جاهلا وانما هو في منزلة بين المنزلتين انه طالب او محب / فيلو للكلي

كلّي: كلّ لفظ يعبر عن أشياء كثيرة بمعنى واحد فهو كلّي سواء كانت هذه الكثرة على مستوى الذهن أو الوجود. إن لفظ حيوان أو إنسان أو نبات، كل هذه الألفاظ تدلّ على أشياء كثيرة بمعنى واحد. على خلاف ذلك فان كل لفظ لا يمكن أن يعبر بمعناه الواحد على أشياء كثيرة فهو جزئي مثل لفظ زيد الذي يعبر بمعنى واحد عن شئ واحد وهو زيد .

لماذا نطلب / ننشد الكلي على مستوى الانساني والعلم والقيم ؟

1) المستوى الأول : الإنساني بين الوحدة والكثرة

المفهمة:
الإنساني: صفة نشير بها إلى الإنسان وما هو إنساني يدل على جملة من الخصائص المشتركة بين الناس وهي جملة من الخصائص المميزة للكائن البشري، سمات تميز الإنسان عن الحيوان < الوعي، اللغة، الحرية > .كما يمكن أن تقال عبارة الإنساني في علاقة بالبربري أو الغريب، المتوحش
ـ الوحدة: <الواحد، الثابت، المطلق، الهوية> الواحد l’un يقال على الفرد أو العنصر من حيث اعتباره جزءا من كثرة من الناحية الكمية ويقال أيضا على كائن بلا أجزاء بتاتا من الناحية الكيفية أي لا يمكن تجزئته ولا بد أن يكون واحدا. كما يقال أيضا على كائن يمكن التمييز بين أجزاء فيه لكنه يشكل عضوية ولا يمكن تقسيمه دون فقدان ما يكونه جوهريا ـ الكثرة: < التعدد، التنوع، النسبية، الاختلاف> الكثير le multiple يقال على ما يتضمن عناصر مختلفة قابلة للعد من الناحية الكمية وحسب هذا المعنى الكثير يقابل الواحد ولا وجود لتعارض بينهما بل هناك اجتماع فكل كثرة تفترض وحدة تعود اليها.

الدواعي:
- خطر الوحدة بما هي الغاء للكثرة
- خطر الكثرة بما هي الغاء للوحدة
- خطر الانية بما هي رفض للغيرية
- خطر الغيرية بما هي انتفاء للانية
- انعدام التواصل من خلال الانظمة الرمزية فاللغة قد تلعب دورا قمعيا/فاشيا وقد تعجز عن النفاذ الى اعماق الذات والاشياء والمقدس قد يستحيل الى افيون للشعوب واداة انعزال الانسان عن ذاته والاخرين والعالم والفن قد يتحول الى اداة اغتراب =) كل هذه الأنظمة الرمزية في واقعنا المعاصر بحكم العولمة التي لا محيد عنها تلعب دورا سلبيا ضد التواصل وضد تحقق الانساني بوجه عام.

الاشكلة:

هل الإنساني يقوم على الوحدة أم الكثرة؟ هل وحدة الإنسانية يمكن أن تقوم على الكثرة؟ وهو ما يعني الانتقال من وحدة تقوم على الهوية الثابتة القائمة على التطابق إلى وحدة تقوم على التنوع والاختلاف؟ ما علاقة الانية بالغيرية؟ هل يمكن أن تقوم الانية بمعزل عن الغيرية أم أن حضور الانية يستوجب الغيرية؟ ما علاقة الخصوصية بالكونية؟هل الخصوصية نفي للكونية آم أن الكونية تقوم على جملة من الخصوصيات < الكثرة>؟ وهل يمكن أن تتحول الخصوصية إلى "كونية"؟ تلغي بقية الخصوصيات بل تعتبر شكلا من أشكال التوحش أو البربرية أو اللاانسانية؟
الملاحظ لما هو إنساني يدرك الكثرة والتنوع والاختلاف بل حتى التناقض في ما يتعلق مثلا بالعادات أو اللغات أو الديانات أو الأفكار أو الأذواق فهل هذه الكثرة يمكن أن تجعل من الوحدة الإنسانية ضربا من التجريد وان الحقيقة ليست
الوحدة وإنما الكثرة وهو ما يؤدي إلى الفراق بين الإنسان والإنسان وربما الصدام.لكن رغم الكثرة والتنوع والاختلاف ثمة من يقول بوحدة الإنسانية فهل يؤدي هذا القول إلى القضاء على فكرة الكثرة والتنوع والاختلاف؟ يقول ادغار موران: "ثمة وحدة إنسانية وثمة تنوع إنساني ، هناك وحدة داخل التنوع الإنساني وثمة تنوع داخل الوحدة الإنسانية" وهو ما يعني أن ما يجمعنا يفرقنا فنحن مثلا توائم باللغة ومتفرقون بالألسن ونحن متشابهون بالثقافة ومختلفون بالثقافات. وبالتالي هناك توتر قائم في صلب الإنساني بين الوحدة والكثرة ألا يمكن الحديث أيضا عن توتر قائم في صلب الانية وتوتر بين الانية والغيرية هل يمكن الحديث عن جدلية الوحدة والكثرة في إطار العلاقة بين الانية والغيرية؟

الرهانات:
- تجديل العلاقة بين الانية والغيرية وتجاوز كل المواقف الوثوقية والريبية
- نشدان التواصل من خلال الانظمة الرمزية وهو مبرر وجودها وتجاوز كل المواقف الايديولجية التي توظف هذه الانظمة من اجل اهداف ضيقة ، اهداف غير انسانية .
- التعايش بين خصوصيات مختلفة في اطار كونية لا معنى لها دون هذه الخصوصيا ت وتجاوز كل اشكال التعصب للخصوصيات ومساوئ العولمة التي تدعي الكونية وهي منها براء.

2) المستوى الثاني : العلم بين الحقيقة والنمذجة

المفهمة:
العلم :
العِلْـمُ، هو كل نوع من المعارف أو التطبيقات. وهو مجموع مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع أو ظاهرة محددة وتعالج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات والقوانين. ويعرف أيضًا بأنه "الاعتقاد الجازم المطابق للواقع وحصول صورة الشيء في العقل". وعندما نقول أن "العلم هو مبدأ المعرفة، وعكسه الجَهـْلُ" أو "إدراك الشيءِ على ما هو عليه إدراكًا جازمًا" يشمل هذا المصطلح، في استعماله العام أو التاريخي، مجالات متنوعة للمعرفة، ذات مناهج مختلفة مثل الدين (علوم الدين)و الفلك (علم الفلك) والنحو (علم النحو)...
و بتعريف أكثر تحديدًا، العِلْـمُ هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج علمي دون سواه، أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها ونتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة .عبر التاريخ إنفصل مفهوم العِلم تدريجيا عن مفهوم الفلسفة، التي تعتمد أساسا على التفكير والتأمل والتدبر في الكون والوجود عن طريق العقل، ليتميز في منهجه بإتخاذ الملاحظة والتجربة والقياسات الكمية والبراهين الرياضية وسيلة لدراسة الطبيعة، وصياغة فرضيات وتأسيس قوانين ونظريات لوصفها.
من الصعب تعريف العلم . لهذا يقول إدغار موران : ( السِِؤال ما العلم ؟ لا جواب له).
في العصور القديمة كانت كل معرفة تسمى علما . غير أنه منذ القرن 17 م حاول العلماء فصل بعض المعارف التي و صلت إلى درجة من الضبط و الدقة والشمول عن الفلسفة وسموها بالعلم لذلك سميت الفلسفة بأم العلوم لانها مصدر كل معرفة إنسانية .
و قد حاول بعض المفكرين تعريف العلم و من تلك التعريفات مايلي :
1 -تعريف لالاند) : العلم يطلق على مجموعة من المعارف والأبحاث التى توصلت إلى درجة كافية من الوحدة والضبط و الشمول بحيث تفضي إلى نتائج متناسقة فلا تتدخل في ذلك أذواق الدارسين و إنما ثمة موضوعية تؤيدها مناهج محددة للتحقق من صحتها ) .
2 -تعريف جون ديوي ) : العلم هو كل دراسة منظمة قائمة على منهج واضح مستندة إلى الموضعية يمكن أن نسميها علما . سواء أفضت بنا إلى قوانين أو أدت بنا إلى قواعد عامة تقريبية ) .

العِلْم مصدر علِم يعلَم، وهو أصل واحد يدلّ على أََثرٍ بالشيء يتميَّز به عن غيره، وهو نقيض الجهل[1].
قال الجويني: "العلم: معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع"[2].
وقال ابن القيم: "هو نقل صورة المعلوم من الخارج وإثباتها في النفس"[3].
وقال الجرجاني: "هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع"[4].

[1] انظر: مقاييس اللغة (4/109)، ولسان العرب (مادة عَلم).
[2] الورقات (8).
[3] الفوائد (91).
[4] التعريفات (191).
النمذجة:
يعرّف النموذج حسب فاليزار" بما هو كل تمثل لنسق واقعي سواء كان ذهنيا أو ماديا، يتم التعبير عنه بلغة أدبية أو في شكل رسوم بيانية أو رموز رياضية" كما يعرّفه دوران بقوله" يشمل معنى النموذج في دلالته الأكثر اتساعا كل تمثل لنسق واقعي مهما كان شكل هذا التمثل". والنمذجة وفق هذا التحديد هي التمشي المنهجي الذي يفضي إلى إنتاج النموذج والذي يعني التمثل لكائن ما يوجد في الواقع ولكيفية اشتغاله
الحقيقة:
تحددت الفلسفة منذ نشأتها حتى بداية العصور الحديثة بوصفها بحث عن الحقيقة، لذلك فإن مفهوم الحقيقة ينتمي إلى مجال الفلسفة باعتباره مفهوما فلسفيا بامتياز، غير أن تعدد أشكال المعرفة التي تجعل من الحقيقة موضوعا لها يؤدي إلى تعدد الحقائق، ومن تم يمكن الحديث عن حقيقة فلسفية وحقيقة علمية وفنية ودينية...
ان المشكل يتعلق بالحقيقة في العلم المنمذج للواقع فما الذي يدعو للبحث في هذه العلاقة ؟

الدواعي:
- سيادة العلم والتقنية على العالم والانسان بصورة "توتاليتارية" / كليانية حيث اصبح العلم كل شئ تقريبا والخطابات الاخرى لاشئ. وحدها المعرفة العلمية حقيقية وما سواها وهم فالمعرفة التي ليست علما ليست معرفة بل جهل . لقد تم اختزال الكلي في الحقيقة العلمية فما مدى مشروعية هذا الاختزال وهل من المعقول ان نختزل انية الكلي في وحدة جوهرها العلمي/الموضوعي؟
- التحولات او الانكسارات التي شهدها العلم عبر تاريخه الطويل تدعو الى النظر في النمذجة العلمية وبالتحديد في اشكال محدوديتها وعلاقاتها بمطلب الكلي فهل نيأس من الكلي اذا كان الفكر العلمي في حالة ندم مستمر بحكم استمرارية الخطا في مسارات نمذجته للواقع؟
- الازمات التي يعيشها الانسان المعاصر على الرغم من كل الانتصارات العلمية

3) المستوى الثالث: القيم بين المطلق والنسبي
المفهمة:
مفهوم القيم في اللغة:
القيمة واحدة القيم واصله الواو لأنه يقوم مقام الشيء، يقال قومت السلعة ،والاستقامة الاعتدال وقومت الشيء فهو قويم اي مستقيم ،والقوام العدل قال تعالى (وكان بين ذلك قواما)وقوام الرجل ايضا قامته وحسن طوله
والقائم في الملك الحافظ له ، المقام والمقامة المكان الذي تقيم فيه ،وماء قائم أي دائم ،وما لفلان قيمة :اذا لم يدم عى الشيء
مما سبق يتضح ان مادة(قَوَمَ)استعملت في اللغة لعدة معان منها:
- قيمة الشيء وثمنه
- الاستقامة والاعتدال
- نظام الامر وعماده
- الثبات والدوام والاستمرار
ولعل اقرب هذه المعاني لموضوع بحثنا هو الثبات والدوام والاستمرار على الشئء

مفهوم القيم في الاصطلاح:
عرفت القيم في الاصطلاح بعدة تعريفات منها:
أن القيم هي(مستوى أو مقياس أو معيار نحكم بمقتضاه ونقيس به ونحدد على اساسه المرغوب فيه والمرغوب عنه)
كما عرفت بانها: (القواعد التي تقوم عليها الحياة الانسانية وتختلف بها عن الحياة الحيوانية كما تختلف الحضارات بحسب تصورها لها)
وعرفت بانها : (حكم يصدره الانسان على شيء ما مهتديا بمجموعة المبادئ والمعايير التي ارتضاها الشرع محددا المرغوب فيه والمرغوب عنه من السلوك)
ما معنى المطلق والنسبي ؟
المُطلَق في المعجم الفلسفي هو عكس النسبي ويعني «التام» أو «الكامل» المتعري عن كل قيد أو حصر أو استثناء أو شرط، والخالص من كل تعيُّن أو تحديد، الموجود في ذاته وبذاته، واجب الوجود المتجاوز للزمان والمكان حتى إن تجلى فيهما. والمُطلَق مرادف للقَبْليّ، والحقائق المطلقة هي الحقائق القَبْلية التي لا يستمدها العقل من الإحساس والتجربة بل يستمدها من المبدأ الأول وهو أساسها النهائي. ويمكن وصف الإله الواحد المتجاوز بأنه «المُطلَق»، وقد عرَّف هيجل المُطلَق بأنه "الروح" ويُقال «روح العصر» (أي جوهر العصر ومطلقه) و«روح الأمة» (جوهرها ومطلقها).
وفي مجال المعرفة، تعبِّر المطلقية عن اللا نسبية وهي القول بإمكان التوصل إلى الحقيقة واليقين المعرفي بسبب وجود حقائق مطلقة وراء مظاهر الطبيعة الزمنية المتغيِّرة المتجاوزة لها. والمطلقية في الأخـلاق هي الذهاب إلى أن معايير القيم - أخلاقيةً كانـت أم جماليةً - مطلقةٌ موضوعيةٌ خالدةٌ متجاوزةٌ للزمان والمكان، ومن ثم يمكن إصدار أحكام أخلاقية. أما في السياسة، فهي تعني سيادة الحاكم أو الدولة بغير قيد ولا شرط. والدولة المطلقة هي الدولة التي لا تُنسب أحكامها إلى غيرها فمصلحتها مطلقة وإرادتها مطلقة وسيادتها مطلقة.
أما «النسبي»، فهو ينُسَب إلى غيره ويتوقف وجوده عليه ولا يتعيَّن إلا مقروناً به، وهو عكس المطلق، وهو مقيد وناقص ومحدود مرتبط بالزمان والمكان يتلون بهما ويتغيَّر بتغيرهما.
الدواعي:
- استعباد واغتراب الانسان المعاصر الانسان المعاصر في الممارسة الانتاجية
- امبراطورية الشر او الشر المطلق الذي هيمن على حياة الانسان المعاصر وظهور اشكال من السعادة تتناقض مع الانساني مثل التلذذ بتعذيب الاخرين والشذوذ الجنسي كالمثلية الجنسية
- امبراطورية الفوضى وظهور اشكال جديدة من السيادة مثل سيادة القانون الدولي قد تتناقض مع السيادة الوطنية سعيا الى الانتشار الكلي للعولمة على كل الأصعدة
- سيادة اشكال جديدة من الفن في حياتنا اليومية تجعل الجمال مبثوثا في الانساني واللاانساني فالجمال الفني يشتغل على الجسد في اطار منظومة من الافكار( الايديلوجيا) تجعله محددا للانية الانسانية من اجل تحقيق الربح بما هو المبدا المحدد للممارسة الانتاجية =) فالجمال الفني المعاصر ( على الاغلب) تعبير عن حقيقة اقتصادية معولمة تتدعي الكلية
=) القيم بوجه عام سواء ارتبطت بالعمل او الاخلاق او الدولة او الفن تقع تحت طائلة موقفين متناقضين : الموقف الذي ينتصر الى القيمة المطلقة والموقف الذي ينتصر الى القيمة النسبية والموقف الاخر هو الموقف النقدي الذي يبحث في بينية القيم أي يساءل الموقفين المطلق والنسبي نشدانا لكلي انساني( ضد اللاانساني) علمي( متحرر نسبيا من الايديلوجيا بماهي عقيدة فكرية وضد الخرافات والاساطير التي تعدم كل القيم الانسانية )
النتيجة النهائية:
- الكلي المنشود لن يكون حقيقيا ولن يتخلص من الزيف والشبهات الا اذا راهن على الانساني والعلمي والقيمي ( العمل والاخلاق والدولة والفن) =) الطابع المركب لمفهوم الكلي
- الواقع المناقض للكلي المنشود يستوجب مجاهدة انسانية من اجل كسر القيود والاغلال التي تكبل الانسان وتشده الى ظلال الكلي وممارسة ديالكتيكا صاعدا طلبا لنور الشمس او نشدانا للكلي
- مطلب الكلي بما هو مطلب فلسفي خالص او هو المطلب الفلسفي بامتياز لا ن الكلي الذي ينشده العالم او الفنان او رجل الدين ليس الكلي الذي ينشده الفيلسوف فكل هؤلاء يطلبون الكلي اما انطلاقا من المقدس او الجمال او الموضوعي ( فالعالم مثلا يبحث عن الحقيقة الكونية وفقا لمستلزمات العلم سواء درس الطبيعة او الانسان دون ان يفكر في ما هو خارج العلم وكما يقول هيدغر العلم لا يفكر ) بينما الكلي الذي ينشده الفيلسوف هو جدل بين مكونات مختلفة يصدق عيه ما يصدق على هذه العلاقة الربانية في الاية الكريمة من سورة الرحمان (مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان) فلكل مكون انيته لكن هناك التقاء بين كل المكونات في الانسان بحثا عن ممارسة ارقى/ طريقة وجود افضل.