مسالة الهوية
ان الانسان يمكن ان يسال عما يجعل منه انسانا مثله مثل بقية الناس الذين يتقاسم معهم الانسانية ففي هذه الحالة ان سؤاله يحمل على الهوية الانسانية , لكنه يمكن ايضا ان يسال عما يجعل منه هذا الانسان بالتحديد وليس شخصا اخر ففي هذه الحالة ان السؤال يحمل على الهوية الشخصية . هناك علاقة بين السؤالين : السؤال عن الهوية الشخصية و السؤال عن الهوية الانسانية على الرغم مما يبدو لنا من عدم تجانس بينهما من خلال هذين التصورين للهوية ذلك ان الفيلسوف الالماني كانط يربط بين الشخصي من خلال عبارته : " ان نفكر بانفسنا " penser par soi-meme وبين الكوني من خلال قوله : " ان نفكر واضعين انفسنا موضع الاخر" penser en se mettant à la place de tout autre وبالتالي هناك علاقة وثيقة بين الشخصي والكوني لكن هذا التصور يبقى تصورا فلسفيا اما على صعيد الواقع التجريبي حيث الرغبات والميولات والانفعالات فان الهوية تقوم على العديد من المفارقات لذلك يتم الحديث عن ازمة هوية . ان السؤال عن الهوية في صلب الاهتمامات المعاصرة ونادرا ما نسال عنها في الحالات العادية لكن واقعنا المعاصر يشهد العديد من الاضطرابات سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي او الحضاري لذلك هناك مساءلة لهذا المفهوم بحثا عن حلول لهذا الوقع التراجيدي . مثال ان كل الاستراتيجيات المعاصرة المتعلقة بالتجارة تتاسس على هوية محددة للانسان تخدم المصالح وتحقق الارباح وتاوج المنفعة ، ففي اطار هذه الاستراتيجيات الاقتصادية المتوحشة تحول " الانسان " الى مصدر ثراء فاحش ( مثلا في كرة القدم المعاصرة " الانسان " = ticket ) . من المظاهر الاخرى في حياتنا المعاصرة لهذا التازم للهوية وجود العديد من الاشخاص الذين يجعلون من " اناهم " طوطما حقييقيا للعبادة وهو ما يعكس هوسا بالذات او بالمجموعة ( الدين او الطائفة او الجهة او فريق كرة قدم وهو هوس يمكن ان يؤدي الى العنف والقتل وكمثال على ذلك ما نشاهده هذه الايام من عنف بين الجماهير الرياضية في مصر والجزائر وهو ما يبرر التساؤل عن الهوية العربية والاسلامية ) . ان التعصب لهوية مجموعة ما له نتائج مخيفة ومرعبة وهو ما يبرز يوميا من خلال هذه التراجيديا الوقعية او الوجود الكارثي للانسان المعاصر فهل من سبيل الى تجوز هذه الاشكال من النرجسية القاتلة ؟
الهوية بما هي مشكل ميتافيزيقي : يقول بسكال في كتابه خواطر : " اذا مررت امام انسان يقف بالنافذة لمشاهدة المارة فهل استطيع القول انه وقف هناك حتى يراني ؟ كلا ، لانه لا يفكر في انا بالذات . ولكن الذي يحب شخصا لجماله ايحبه حقا ؟ كلا ، لان الجدري الذي يقتل الجمال دون قتل المصاب به ، يجعله يكف عن محبته . واذا احبني الناس لسداد رايي او لحدة ذاكرتي ، فهل احبوني انا بالذات ؟ كلا، لأني قد افقد هاتين الخصلتين دون ان افقد كياني ذاته . فأين هي اذن هذه الانا ان لم تكن في الجسم ولا في النفس ؟ وكيف لنا ان نحب الجسم او النفس ان لم تكن لاجل هذه الصفات التي تتقوم بها الانا اطلاقا بما انها صفات قابلة للزوال ؟ فهل يمكن ان نحب في شخص ايا كانت صفاته جوهر نفسه على نحو مجرد ؟ "اذا عدنا الى النص ماذا يرى هذا الانسان الذي يقف في النافذة ؟ انه يراني مثلما يرى بقية المارة لكنه لا يراني كشئ جامد او كحيوان وانما يدرك انني انسان ، يعرف انني انسان اشبهه واتقاسم معه الانسانية لكن ادراكه لهويتي الانسانية لا يعني ادراكه لهويتي الشخصية ففي اطار الهوية الانسانية هناك تحديد عام ينطبق بشكل كلي على الكائنات الانسانية لكن الذي يجعل مني انا ما انا متميز عن الاخرين هو ما لا يدركه هذا الشخص من النافذة . ان وحدانية الانا في هذا المستوى كمية وكيفية لذلك كل انا هو مختلف عن الاخر .اذا عدنا الى تجربة الحب لتدبر مسالة الهوية يمكن العثور على التناقض التالي : الثابت والمتحول او الجوهري والعرضي او الذات في حد ذاتها والصفات . اذا كانت الهوية تحيل الى الخاص كميا وكيفيا ( هوية شخصية ) فانها تحيل ايضا الى ما يجعل من الكائن يبقى هوهو رغم كل التغيرات . ان الهوية تتعلق بفكرة مقاومة التغيرات في الزمان ، وما يمكن ان نستنتجه هو التلازم بين الثبات والتغير بلغة اخرى لولم يكن هناك ثبات لما كان هناك تغير والعكس صحيح . ان هذا التناقض يبرز سواء تعلق الامر بالصفات النفسية او الجسدية . وبما ان هناك تبدل للصفات النفسية والجسدية فماهو الشئ الثابت وراء هذه التغيرات ؟ لذلك يسال بسكال : " فأين هي اذن هذه الانا ان لم تكن في الجسم ولا في النفس ؟ " فهذا السؤال يحيل الى مستوى اخر في مقاربة الهوية يتجاوز التغير سواء تعلق الامر بماهو نفسي او بما هو جسدي ، انه سؤال يفتح الهوية على الميتافيزيقا .لكن اذا كنت لا يمكن ان احب الذات لذاتها فانني احبها لصفاتها وان مسها التغير والتلاشي والفساد ، احب " قناعا " و " دورا " ذلك ان الكلمة الفرنسية personne مشتقة من persona التي تعني قناع ودور وهذا يعني ان الشخص هو قناع ينتظر دورا ما في اطار وضعية ما . فاذا كان حب الذات لذاتها ممتنعا لانني لا اعرفها فنني احب هذا القناع وهذا الدور الذي يلعبه هذا الشخص . اذا كان الانا لا يمكن ادراكه ( الذات لذاتها ) فعلى الاقل احمل شعورا كوني انا كائن ما ، فمن اين لي بهذا الشعور بهويتي الشخصية بما هو وحدة ؟
أساس الهوية الشخصية :يقول لوك : " فيم تتمثل الهوية الشخصية ؟ لكي نعثر على اجابة عند طرح هذا السؤال يجب النظر فيما يحمله الشخص من دلالة . و وهو في ما اعتقد كائن مفكر و ذكي ، قادر على التعقل و التامل و على اعتبار نفسه بمثابة الهوهو بوصفه شيئا واحدا في ازمنة مختلفة واماكن مختلفة وما يفعله بدافع الاحساس فقط بافعاله الخاصة لا ينفصل عن الفكر ، بل يبدو انه ملازم له تماما نظرا الى انه يستحيل على اي كان ، ان يدرك دون ان يتبين انه يدرك . فعندما نرى ونسمع ونتذوق ونحس ونتامل او نريد شيئا ما ، فاننا نعرف ذلك بقدر قيامنا بهذه الافعال . ان هذه المعرفة تصحب دائما احساساتنا وادراكاتنا الحاضرة , من هنا يكون كل امرئ بالنسبة الى ذاته ما يسميه الذات عينها . اننا لا نعتبر في هذه الحالة ما اذا كانت نفس" الذات " وقد استمرت في نفس الجوهر ام انها استمرت في جاهر مادية شتى . وبما ان الشعور يصحب دائما الفكر ، وان كل امرئ يكون ههنا هو عينه ما يسميه الذات عينها ، كما انه يتميز عن اي شئ اخر يفكر ، فمن هذه الناحية فحسب تكون الهوية الشخصية وهذا ما يجعل من الكائن العاقل هو عينه على الدوام . فبقدر ما يوغل هذا الوعي في الامتداد ليشمل الافعال والافكار التي حدث بعد ، تمتد هوية هذا الشخص . فالذات الان عينها كما كانت من قبل ، وهذا الفعل الماضي قد انجزته نفس الذات التي تستحضره الان في الذهن . Après ces préliminaires (…), il nous faut considérer ce que représente la personne ; c’est, je pense, un être pensant et intelligent, doué de raison et de réflexion, et qui peut se considérer soi-même comme soi-même, une même chose pensante en différents temps et lieux (lignes 1 à 3). Ce qui provient uniquement de cette conscience qui est inséparable de la pensée, et lui est essentielle à ce qu’il me semble : car il est impossible à quelqu’un de percevoir sans percevoir aussi qu’il perçoit. Quand nous voyons, entendons, sentons par l’odorat ou le toucher, éprouvons, méditons ou voulons quelque chose, nous savons que nous le faisons. Il en va toujours ainsi de nos sensations et de nos perceptions présentes : ce par quoi chacun est pour lui-même précisément ce qu’il appelle soi, laissant pour l’instant de côté la question de savoir si le même soi continue d’exister dans la même substance ou dans plusieurs. Car la conscience accompagne toujours la pensée, elle est ce qui fait que chacun est ce qu’il appelle soi et qu’il se distingue de toutes les autres choses pensantes (lignes 3 à 12). Mais l’identité personnelle, autrement dit la mêmeté ou le fait pour un être rationnel d’être le même, ne consiste en rien d’autre que cela. L’identité de telle personne s’étend aussi loin que cette conscience peut atteindre rétrospectivement toute action ou pensée passée ; c’est le même soi maintenant qu’alors, et le soi qui a exécuté cette action est le même que celui qui, à présent, réfléchit sur elle. Locke / identité et différence
الوعي والهوية الشخصية:
يتساءل لوك عن الهوية الشخصية " فيم تتمثل الهوية الشخصية ؟ " ما الذي يجعل من الشخص هوهو وليس غيره ؟ ان النظر في الهوية الشخصية يستوجب النظر في الشخص ، ما المحدد للشخص ؟ ما الذي يجعل من هذا الشخص هو عينه وليس غيره ؟ ان المحدد للشخص ، حسب لوك ، هو الوعي وبالتالي ان لوك يقيم جملة من العلاقات بين الوعي والشخص والهوية الشخصية .ان الوعي يتمثل في عملية ادراك المعاني المترتبة على التجربة :*) سواء عن طريق الاحساس الذي يستهدف الاشياء الخارجية .*) او التفكير الذي يرتبط بالاحوال النفسية . ان الوعي في اطار هذه الفلسفة التجريبية الذي يمثلها لوك ليس وعيا متعاليا ومتميزا تمام التميز عن الاشياء كما هو الشان بالنسبة للفلسفة المثالية الديكارتية التي تفصل الشئ المفكر عن الشئ الممتد انما الوعي مع لوك و مهمة او وظيفة تقوم على ادراك النشاطات الذهنية والنفسية مثال عندما استمع الى صوت او اشعر بالقلق فانا واعي كل الوعي بهذه النشاطات ، انني بذلك اثبت لنفسي انني واعي . =) عن طريق احاسيسي وادراكاتي اعرف هذا الذي اسميه انا او ذات ، ادرك هويتي الشخصية لذلك يختلف موقف لوك عن الموقف الفيزيولوجي الذي يختزل الهوية ا والانا في بعد فيزيولوجي كما يختلف عن الموقف الجوهراني الذي يختزل الهوية ا والانا في بعد مثالي او جوهر روحاني . ان الوعي هو الذي يجعل من هذا الشخص هوهو وليس شخصا اخر رغم التغيرلت الزمانية والمكانية ، انه هو الشئ الثابت رغم كل هذه التحولات . الوعي والذاكرة:ان الذاكرة مع لوك ليست شيئا اخر غير الوعي نفسه ، انها الوعي بافعالنا وافكارنا الماضية . انه الوعي بان الانا الذي فكر في شئ ما او تصرف بطريقة ما هو نفسه الذي يقوم اليوم باشياء اخرى ويفكر في اشياء اخرى يقول لوك : " فبقدر ما يوغل هذا الوعي في الامتداد ليشمل الافعال والافكار التي حدث بعد ، تمتد هوية هذا الشخص ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق