مفهوم العمل (الشغل) عند ماركس
عمل (شغل)
فرنسية: Travail
انكليزية: Labour, Work
ألمانية: Arbeit
1/ احتلّت مسألة العمل، في مخطوطات 1844، موقعا أساسيا في صميم الخطاب الاقتصادي الفلسفي لماركس الشاب الحائز على إرث ثلاثي المصدر: الفلسفة الهيغيلية والاشتراكية الفرنسية والاقتصاد السياسي الانكليزي. وقد طبّق ماركس على العمل مقولة الاستلاب المأخوذة مباشرة عن فيورباخ. وهو يرى أنّ العمل يعني استلاب ماهية العامل ذاتها وذلك باعتباره المسار الذي ينتج، بفضله، الإنسان نفسه، منتجا خارج ذاته شروط وجوده، أي فئة الأجراء التي تجعل من المنتوج ملكا للرأسمالي وتحوّله إلى رأس مال هو عبارة عن قوّة غريبة ومعادية.
وقد وضع نصّ آخر كتب 1844 تحليل العمل في مستوى اشمل للإنتاج البضاعي بصفته تلك، هذا الإنتاج المدرك بوصفه علاقة خارجانية وعدائية بين عمّال متنافسين، وبوصفه تبعية الفرد إلى الهياكل الاجتماعية. ومن منظور علم الإنسان (الأنثروبولوجية) لدى فيورباخ، حيث يعني تحديد الذات كفرد اعتبار الفرد نفسه جنسا بشريا مع اعتبار غيره، غاية، فإن الملكية الخاصة تبدو كعائق لإنتاج مطابق للطبيعة الحقَّة وللـ «اجتماعية» (Gemeinweser) الإنسانية الأصيلة.
بالنسبة إلى هذه المقاربة المتميّزة بمجرّد مزاوجة بين المقولات الإنسية الفلسفية (التي ندرك بسهولة أنّها نسخة من مواضيع لاهوتية قديمة) والمفاهيم الاقتصادية للمدرسة الكلاسيكية، فإن مؤلَّف الإيديولوجية الألمانية الذي نظر إلى العمل في إطار نظرية أنماط الإنتاج، أي من زاوية العلاقة بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، شكَّل قطيعة حاسمة سمحت بتحليل خصوصية المسار الرأسمالي للعمل والنزعات الخاصة بهذا المجتمع. وقد رسم بيات 1848 والعمل المأجور ورأس المال (1849) خطوطها العريضة.
وفي الوقت نفسه، توضّح تأثير ريكاردو. فمقولة القيمة أصبحت، انطلاقا من بؤس الفلسفة، ترتكز، بصورة جليّة، على مدّة العمل الضرورية اجتماعيا. وبهذه الصفة، احتلَّت منذ ذلك الوقت موقعها كقاعدة لنقد للاقتصاد السياسي، الذي اتّخذ شكل نظرية. وقد شكّل هذا المشروع، منذ سنة 1857، في مخطوط الغراندريسه حيث عوّض مفهوم قيمة قوّة العمل عن مفهوم قيمة العمل اللاعقلاني. وهو ما سيتيح إمكانية تقديم متماسك لنظرية فائض القيمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العمل المكوّن للقيمة قد حدّد في هذا المخطوط باعتباره عملا مجرّدا، وذلك بشكل أوضح من تحديد ريكاردو له. وستعرض المساهمة (1859) أوّل تحليل منهجي للعمل سيعتمده رأس المال بشكل واسع.
2/ إن القسم الأوّل من الكتاب الأوّل لرأس المال خصّص بالتحديد لوضع نظرية القيمة على قاعدة مدّة العمل بالمعنى الذي أشار إليه ريكاردو، أي ليس على قاعدة المدة الخاصّة بالمنتج الفردي أو بالمؤسّسة، بل على قاعدة كمية العمل الضرورية اجتماعيا، أي بمعنى تلك الكمّية الموافقة لمعدّل شروط الإنتاجية والمهارة والكثافة.
العمل الملموس والعمل المجرّد
لكنّ ماركس ابتكر عندما عرض بصفة أوضح الزّوجين عمل ملموس/عمل مجرّد. وهو يعتبر هذا الابتكار أحد إسهاماته الطريفة إذ يقول: «إني أوّل من أبرز هذا الطابع المزدوج للعمل المجسّد في البضاعة. ونظرا لكون الاقتصاد السيّاسي برمّته يحوم حول هذه النقطة، فمن الواجب علينا هنا أن نخوض في تفاصيل أدّق».
إن العمل الملموس أو النافع هو العمل الذي يعني قيمة استعمالية خاصة. وهو يفترض إذا مادّة وتقنية وأدوات خاصة، ويحتلّ موقعا محدّدا ضمن تقسيم العمل.
أمّا العمل المجرّد، فهو، على العكس من ذلك، يوافق، باعتباره أساس قيمة، ما هو مشترك بين كلّ الأنشطة المنتجة أي إنفاق قوّة بشرية. «إن كلّ عمل هو من جهة إنفاق، بالمعنى الفسيولوجي، لقوّة بشرية وهو يكوّن بصفته عملا بشريا متساويا، قيمة البضائع. ومن جهة أخرى، فإن كلّ عمل هو إنفاق للقوّة البشرية في هذا الشكل المنتج أو ذاك المحدّد بهدف خاص. وهو ينتج، بصفته عملا ملموسا ونافعا، قيما استعمالية أو منافع».
العمل البسيط والعمل المركّب
أوضح ماركس أنّ العمل المركّب (skilled labour) ليس سوى العمل البسيط المضاعف «بحيث أنّ كمّية معينة من العمل المركّب توافق كمّية أكبر من العمل البسيط».
وتجدر الإشارة إلى أن تفكير ماركس حول هذه المسألة اتسم بالتقلبات والتردّد. فالعمل البسيط الذي هو قياس القيمة مدرك في بؤس الفلسفة باعتباره نتيجة للنموّ الصناعي الرأسمالي. أما في المساهمة، فقد أُدرْك كسمة تسم أيّ مجتمع، ولكنّه يميّز العهد البرجوازي خصوصا. وفضلا عن ذلك، فهو يبدو كنمط وجود العمل المجرّد ذاته («إن هذا التجريد للعمل البشري العام موجود في العمل الوسطي الذي يمكن لأيّ فرد عادي من أفراد مجتمع معيّن أن ينجزه... إنه عمل بسيط»). وهذا ليس، في رأينا، أمرا سهلا بما أنّه يعني تغييرَ المفهوم وإعطاءه معنى تجريد حقيقي. وفي رأس المال نعثر، ما بين السّطور، على الغموض نفسه وكذلك المماثلة «عمل بسيط=عمل وسيط» التي تبرز الصّعوبات التي تطرحها مسألة الكمّية. وأخيرا، لا يبدو لنا أنّ مسألة اختصار العمل المركّب إلى عمل بسيط قد فضّت هي الأخرى بصفة صريحة، إذ أنها طرحت كمُصادرة. فالشارة التحليلية الوحيدة وردت في جزء الفصل الثاني عشر من الكتاب الأوّل المخصّص لفائض القيمة: «العمل ذو الإنتاجية الاستثنائية يعتبر عملا مركّبا، أو يخلق خلال مدّة معيّنة قيمة أكبر ممّا يخلقه معدّل العمل الاجتماعي من النوع نفسه». ولكننا ندرك أنّ الأمر لا يتعلق هنا بحلّ ملائم بصفة مباشرة لإعمال مختلفة الأنواع أو متباينة الفروع.
العمل: قياس القيمة وجوهرها
في حين اهتمّ ريكاردو أساسا بالقيمة النسبية أو المقارنة، فإن ماركس وجّه الاهتمام نحو القيمة المطلقة، أي نحو العمل ذاته الذي هو مقياس داخلي للقيمة، وذلك لأنه جوهر القيمة. وهذا يعني أنّ ماركس عندما اعتبر العمل المجرّد عنصر مجانسة للحقل اقتصادي سامحا بإدخال الحساب، فإن الإشكالية التي أثارها تعجز الاقتصادوية عن فهمها، لأنه فسّر العمل من الوهلة الأولى على أنّه علاقة اجتماعية حبلى بالتناقضات. ويبدو لنا أن مقولة «إنفاق قوّة العمل» تستتبع مقولة «استهلاك» قوة العمل من قبل الرأسمالي. ولهذا السبب، فضلا عن ذلك، وخلافا لما يحدث في النظام الريكاردي، فإن تحليل العلاقة الأجرية، بوصفها علاقة هيمنة، يندرج هنا في عرض النظرية بصفته إحدى لحظاتها الضرورية.
مسار العمل
افتتح القسم الثالث من الكتاب الأوّل بتحليل مطوّل لمسار العمل، بصفة عامة، المتكوّن من العناصر التّالية: «1- النشاط الشخصي للإنسان أو العمل بالمعنى الحقيقي للكلمة. 2- المادة التي يغيّرها العمل. 3-الوسيلة التي يستعملها العمل من أجل ذلك. وهذا المسار يهدف على الحصول على قيمة استعمالية خاصة بالاستهلاك أو بالإنتاج. وهكذا، فقد تمّ تعريف العمل بأنه مسار استهلاك منتج يخضع الإنسان بواسطته الطبيعة إلى حاجاته بفضل وسائل هي بحدّ ذاتها مصنوعة. هكذا، يمارس «العمل الحيّ» على العمل الميت. إن أهمية هذا التحليل تمكن خاصّة في كونه يظهر الفارق بين مفهوم العمل أو مفهوم الإنتاج بصفة عامة (إنتاج قيم استعمالية) ومفهوم الإنتاج الرأسمالي (إنتاج فائض القيمة) علما أنّه يجب فهم هذا التحليل في صيغ نمط إنتاج أي بفضل التحديدات الاجتماعية الخاصة به: ملكية وسائل الإنتاج وإدارة مسار الإنتاج من قبل المالك. إن المفهوم الأول يقتصر على ذكر الشروط المادية لكلّ حياة بشرية. أما الثاني، فهو مفهوم من مفاهيم المادّية التاريخية: إذ هو يسمح بتصوّر الشّروط التي ينمو في ظلها مجتمع محدّد. ففي نمط الإنتاج الرأسمالي تحديدا حيث يشكّل تراكم فائض القيمة منطقه، يعرّف «العمل المنتج» بأنه ذاك العمل الذي ينتج فائض قيمة. وهكذا، فإن هذا العمل يكتسب غائية مغايرة لغائية العمل بصفة عامة، وهي غائية تكتشفها التطوّرات الخاصة بالرأسمالية.
العامل الجماعي
قدّم القسم الرابع هذه العناصر لسوسيولوجيا تاريخية للعمل وخصوصا من خلال مفهوم العامل الجماعي (Gesamtarbeiter) الذي يشير في مختلف المراحل (مانيفاكتورة، صناعة كبرى...) إلى أنماط تقسيم العمل في المؤسّسة، وتنظيمه، وتسلسله التفاضلي، كما يدلّ على الميزات التي يسعى النظام إلى إضفاءها على مختلف فئات العمّال.
ولنضف أنّ كامل تحليل ماركس يطغى عليه الفصل من جهة، بين العمل الخاص حيث تكون وسائل الإنتاج ملكيةَ فرد (العامل نفسه أو الرأسمالي)، ويكون المنتوج هو أيضا ملكا لفرد، ولا يصبح اجتماعيا إلا بفضل توسّط التبادل الذي هو نظام يؤدّي إلى تحويل قوة العمل إلى بضاعة، كما يؤدي إلى كل تناقضات الرأسمالية. ومن جهة أخرى، بين العمل الاجتماعي بصفة مباشرة، القائم على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج والذي عليه أن يسمح بتنظيم العمل ليلبي الحاجات الفردية والجماعية.
متعلقات: -استغلال، اغتراب، آلية، إنتاج، تايلورية، تقسيم العمل، رأسمال، رأسمالية، صناعة، فائض قيمة، قيمة.
التبادل
تمهيد
يتلخص مبدأ التبادل إعطاء شيء مقابل شيء آخر قد يكون مكافئا أو غير مكافئ له، فهو إذن عطاء وأخذ أو أخذ وعطاء، وليس هناك تبادل بالعطاء فقط أو بالأخذ فقط، فالسرقة والسلب ليسا تبادلاً فهما أخذ فقط، وكذلك التبرع والتصدق وتقديم المساعدة ... وينطبق الأمر كذلك على كل إجبار على العطاء دون الأخذ أو العكس.
إن التبادل من أهم آليات تشكل البنيات نتيجة مشاركة بنيتين أو أكثر في الأخذ والعطاء، فالتبادل هو الذي ينشئ التجاذب وبالتالي الترابط ضمن بنية واحدة . أن ما معي يجذبك لكي تأخذه وتضمه إليك وكذلك ما هو معك يجذبني لكي أخذه وهذا ينشئ قوى تؤدي إلى إجراء التبادل، وبعد إجراء التبادل ينتفي التجاذب إلا إذا كانت هناك قوى لتبادل جديد، فتكرار الأخذ والعطاء لا بد منه لاستمرار التجاذب.
و لا يقتصر التبادل على تبادل الخيرات أو المنافع المادية بل يتعداه إلى تبادل رمزي للأفكار والمعتقدات وأنماط السلوك...
ويمكن القول إن التبادل المادي يتضمن تبادلا رمزيا لأن كل سلعة تكون موضوعا للتبادل تحمل في طياتها علة ومنطق ورؤية صانعها.
· فما هي أسس التبادل؟
· ما العلاقة بين التبادل والمجتمع؟
· لماذا لا يكتفي الإنسان بالتبادل المادي فحسب؟
التبادل خاصية إنسانية صرف
لماذا يتبادل الإنسان و لا تتبادل الحيوانات؟
يقول أدم سميث: (لم نر قط كلبين "يتفاوضان" في أمر اقتسام قطعة عظم. لم نر أبدا أن حيوانا يحاول "إفهام" حيوان مثله، مستخدما صوته أو حركات جسمه، فيقول له: "هذا لي، وهذا لك، سأعطيك مالي مقابل أن تعطيني ما لك...)
ينطلق أدم سميث من هذه الملاحظة المقارنة بين الإنسان والحيوان ليخلص إلى أن التبادل خاصية إنسانية بامتياز، لأن التبادل يستلزم الحوار واللغة والتفاوض والتفكير في الأحجام والقياسات والمعادلات... وكل هذا مرتبط بالفكر والعقل. والحيوانات لا تستطيع مجاراة الإنسان في هذا المجال.
وبما أن التبادل خاصية إنسانية، فإنه لا يتأسس على العاطفة أو الشفقة أو الرحم... بل يتأسس على مبدأ العطاء والأخذ. فكون الإنسان اجتماعيا، يعني الدخول في علاقات مع الآخرين و تبادل المنافع معهم. وإذا ما اعتمد الإنسان فقط على مساعدة الآخرين وعنايتهم به، فإنه لن يضمن إشباع حاجياته باستمرار. لذلك يستحسن أن يقدم الفرد للآخرين خدماته لقاء الحصول على خدماتهم. وبهذه الطريقة يتأسس التبادل على مبدأ الخدمات المتبادلة على أساس إشباع الاحتياجات المتبادلة.
يقول سميث: ("أعطيني ما أحتاجه منك، وسأعطيك أنت ما تحتاجه مني". بهذه الطريقة يتم الحصول على الجزء الأكبر من هذه الخدمات النافعة والضرورية بين الناس).
بيد أن ماركس يرى أن التبادل يتم على أساس مبادلة القيمة الاستعمالية بالقيمة التبادلية للخيرات. فالنجار ليس بحاجة لكل تلك الأبواب التي يخرجها للوجود بعمله. إنه بحاجة إلى خيرات وسلع من نوع آخر. أي أن الأبواب التي يصنعها لا تمثل بالنسبة إليه قيمة استعمالية، بل تمثل قيمة استعمالية عند آخرين (سباك، بقال، موظف...). لذلك يبحث الآخرون عن القيم الاستعمالية للأشياء و يبادلونها بالقيم التبادلية للأشياء التي ينتجونها.
لقد شكل التبادل أساس القيم الإنسانية منذ بداية الحياة الاجتماعية. ف"لكل شيء ثمن وكل شيء يشترى" كما قال نيتشه.
التبادل والروابط الاجتماعية
كيف يعمل التبادل على تأسيس الروابط الاجتماعية؟
يرى كلود ليفي ستراوس أن التبادل أو التواصل داخل كل مجتمع يجري على ثلاثة مستويات:
- مستوى القرابة: من خلال الزواج
- مستوى الاقتصاد: من خلال المبادلات التجارية والنقدية
- مستوى الرموز: من خلال اللغة والآثار الأدبية والفنية
إن الدافع للمبادلة بين البشر هو أن قدرات البشر المختلفة والظروف المختلفة لا تسمح لهم بالحصول على كافة حاجاتهم بسهولة متساوية، (أرسطو، ابن خلدون)، فإنتاج السلع والخدمات، أو توفرها، غير متساو لدى البشر، فالإنسان الذي يسهل عليه الإنتاج الزراعي يمكن أن يصعب عليه الإنتاج الصناعي ، فلكل إنسان قدراته وظروفه التي تؤهله أو تسمح له بإنتاج أو امتلاك سلع أو خدمات دون أخرى، وكذلك الجماعات والدول لكل منها قدراتها وظروفها التي تحدد إنتاجها وامتلاكها للسلع والخدمات، وهذا ما يستدعي الحاجة للمبادلة فيما بينهم. ويجب لكي تجري مبادلة أن تختلف شدة الحاجة إلى السلع أو الخدمات المراد تبادلها ، بالإضافة إلى اختلاف الكم المتوفر منها، فتوفر الهواء أو الماء المتاح للجميع مع أن الجميع بحاجة إليهما لا يستدعي إجراء مبادلة عليهما، وكذلك إذا كان لدي نقود ولديك أيضاً نقود ونحن معاً بحاجة إلى طعام، فلن تجري مبادلة بيننا.
كان التبادل قبل ظهور السوق مجرد إنتاج عائلي وعطاء متبادل وإعادة توزيع. لكن مع تطور الإنسان ظهر السوق بوصفه نظام توزيع وتبادل ونمت معه أنماط التبادل التجاري التي جلبت معها التحضر والأخلاق المهذبة والسلام والوئام حتى بين الشعوب المتباعدة والمتنافرة لاسيما في حوض البحر الأبيض المتوسط. يقول مونتسكيو : "إن الأثر الطبيعي للتجارة هو الوصول إلى السلام. فأمتان تتفاوضان فيما بينهما، هما أمتان ترتبطان برباط متبادل...". لكن الحديث عن التبادل لا يكتمل دون الحديث عن النقود ودورها الأساسي في عملية التبادل.
يرى ماركس أن النقود لعبت دورا حاسما في تاريخ التبادل. لقد كان التبادل يتم بواسطة المقايضة قبل ظهور النقود، أي أن طرفي التبادل يدخلان إلى السوق فيتبادلان سلعتين مختلفتين في نفس الآن. أي أن الأخذ والعطاء يتمان في لحظة واحدة. بيد أنه مع ظهور النقود أصبح من الممكن مبادلة السلعة بمقبلها النقدي، وتأجيل الحصول على المقابل السلعي إلى ما بعد. وهذا ما، مكن حسب تحليلات ماركس، من تجاوز العلاقة: سلعة – نقود – سلعة (البيع من أجل الشراء)وبروز العلاقة: نقود – سلعة – نقود (الشراء من أجل البيع). العلاقة الأخيرة ساهمت في تراكم رأس المال، وظهور نمط الإنتاج الرأسمالي.
إشكالية العدل بين المساواة والتفاوت:
إشكالية العدل
هل تؤسس العدالة على مبدأ المساواة أم التفاوت ؟
مقدمة:
من الحقائق الفلسفية نجد لها سندا في الواقع أن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على إحاطة نفسه بمجموعة من القيم ومن هذا المنطق يختلف الناس في علم التقدم والتخلف تبعا لمضمون القيم التي يؤمنون بها ويدافعون عنها وعن البيان أن العدل هو أشرف وأرفع هذه القيم فإذا علمنا أن المساواة مطلب إنساني وتفاوت حقيقة واقعية.
- هل يؤسس العدل على مبدأ المساواة أم تفاوت ؟
الرأي الأول:
تجسيد العدالة الاجتماعية وتتجلى في مفهوم العدل في احترام التفاوت بين الناس وهذا ما ذهب إليه أنصار الطرح شاع هذا الطرح في الفلسفة اليونانية حيث رسم أفلاطون صورة المجتمع العادل وفي نظره أنه يتألف من طباق أن القوة العاقلة هي التي يجب أن تتحكم وتسيطر على قوى الغضبية والشهوانية وكذلك العدل أن نحترم تفاوت الطبقات فالفلاسفة أولا ثم الجنود والعمال وأخيرا طبقة العبيد وتحدث تلميذ أرسطو على أن العدل هو عبد مؤهلاته الطبيعية لا يمكن أن يرتقي إلى مرتبة السيد قال في كتابه السياسة الاسترقات ضرورة طبيعية ومن أشهر الأنظمة الاقتصادية التي دافعت عن التفاوت الليبرالية وهي نظام طبقي طبقة تملك وسائل الإنتاج ولا تستعملها بنفسها وطبقة تملك هذه الوسائل وتستعملها وطبقة تملك الجهد فقط هذا التفاوت الطبقي هو بمثابة الحافز فمن العدل أن يدافع عن التفاوت لأن الكل سيسعى حسب ظروفه الاقتصادية واجتماعية وأكد طبيب بيولوجي تاريل أن الطبيعة جعل الكائنات الحية طبقات بعضها أفضل من البعض وإنه إذا أردنا تحقيق العدالة الاجتماعية يجب أن نشجع بقاء طبقات قال في كتابه الإنسان ذاك المجهول لا مفر من أن تصبح الطبقات الاجتماعية مرادفة للطباع البيولوجية يجب أن نساعد أولئك الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقول على ارتفاع اجتماعي فكل فرد ينبغي أن يحصل على مكانه الطبيعي والحقيقة أن أنصار هذا الرأي اعتمدوا على حجج العقلية ومنه قوله تعالى:<<ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات>> هذا التفاوت هو قيمة العدل لأن الأفراد في حاجة إلى بعضهم البعض وملخص هذه الأطروحة أن تفاوت ظاهرة اجتماعية وطبيعية يجب الدفاع عنها.
النقد:
لكن التفاوت إذا كان باسم العرف أو الدين سيتحول إلى عنصريه وهذه الصفة تعاكس العادة الاجتماعية.
الرأي الثاني:
عند أنصار هذه الأطروحة حقيقة العدل تتجلى في احترام مبدأ المساواة بين الناس شاع هذا الطرح في الفكر الإسلامي قال محمود يعقوبي: الناس سواء أن ليس هناك شيء أشبه بالإنسان من الإنسان لنا جميعا عقل وحواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعلم ومن الذين دافعوا عن الفكرة المساواة أنصار الفلسفة الماركسية وفي هذا قال لينينا الشيوعية هي نظام اجتماعي لا طبقي له شكل واحد للملكية العامة لوسائل الإنتاج والمساواة الاجتماعية الكاملة بين جميع أفراد المجتمع والاشتراكية الإيديولوجية عرفت بدفاعها عن العدالة الاجتماعية من منطلق الروح تدل على النزعة الفردية ودرب يردون التفاوت في الحقوق باسم التركيبية العضوية والعقلية فقال هناك تفاوت جسمي وعقلي لا يمكن للمجتمع ولا للتعمير المذهب لكن لهذا التفاوت الحتمي أن يتحول إلى عنوان للنبل بالنسبة للبعض وذكاءه بالنسبة للبعض الآخر وطالب باكونين بالمساواة في حرية التعبير أي الحرية السياسية فقال لست في الحقيقة حرا إلا يوم تكون كل الكائنات حرة نساء ورجال...فأن لا أصير حرا إلا بحرية الآخرين والخلاصة أن المساواة شرط أساسي لقيام العدالة الاجتماعية.
نقد:
ما يعاب على هذا الرأي هو تركيزه على المساواة في الحقوق بينما الواقع يثبت وجودا التفاوت في العمال ومنه لا يمكنه الأخذ دائما بالمساواة .
التركيب:
إن المقاربة الفلسفية السليمة لإشكالية العدل ترفعنا للوقوف أمام أسباب الظلم لفهمه وتجاوزه قال أرسطو تنجم الخصومات والاعتراضات عندما لا يحصل أناس متساوون على حصص متساوية أو عندما يحصل أناس غير متساوين على حصص متساوية ومنه يؤسس العدل على ضرورة التناسب بين الحقوق والواجبات والمقصود هنا حسب العفوية هو إتاحة الفرصة أمام جميع المواطنين لكي ينفي كل أسباب المواطنة الطبيعية وعندئذ تكون الكفاءة هي معيار الاستحقاق الفعالية هي مقياس التكلف بالمسؤوليات أي للمساواة مجالها وللتفاوت المكانة الخاصة به.
الخاتمة:
الدارس لموضوع العدالة الاجتماعية يلمس حقيقة في غاية الوضوح هي أن العدالة من المواضيع الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي طرحت أكثر من سؤال وكانت لا تزال بحق فحسب التقييم الفلسفي سواء من حيث ضبط المفهوم الماهية أو البحث عن أساليب تطبيق العدالة الاجتماعية في أرض الواقع وفي مقالنا هذا تعممنا في فكرة التفاوت من خلال بعدها الفلسفي مع أفلاطون وأرسطو وبعدها الإيديولوجي مع نزعة الليبرالية حملة مصطلح المساواة في فكرة شيشرون ومرودون والمذهب الاشتراكي ومنه نستنتج أن العدل يرتكز على المساواة في الفرض وتفاوت في امتيازات النتائج.
العدالة الاجتماعية بين المساواة والتفاوت
كيفية تطبيق العدالة الاجتماعية في الواقع
الأسئلة:-كيف يحقَق العدل المساواة بين الناس في مجتمع يسوده التفاوت ؟-هل يتحقق العدل في ظل المساواة أم التفاوت؟-هل يتحقق العدل في ظل الفروق الفردية؟-هل كل تفاوت ظلم؟-كيف تتحقق العدالة الاجتماعية؟-هل يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية؟- المقدمة: تعتبر الثورة من منظور الفكر الفلسفي محاولة لتغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية, إنها رفض لكل أشال الظلم والاستبداد, والبشرية حاولت منذ القديم التحرر من قيود الطغيان في محاولة لبناء مجتمع عادل يسوده العدل باعتباره قيمة أخلاقية سامية, فإذا علمنا أن العدل يشترط المساواة وأنه من الناحية الواقعية يوجد تفاوت بين الأفراد فالمشكلة المطروحة:هل يتحقق العدل في ظل المساواة أم التفاوت؟/ الرأي الأول(الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن العدالة الاجتماعية يكمن شرطها في إحترام التفاوت بين الناس وقصدوا بذلك التفاوت في التركيبة العضوية والقدرات العقلية والأدوار الاجتماعية, تعود هذه الأطروحة إلى "أفلاطون" الذي حاول رسم معالم المجتمع العادل من خلال فكرة التفاوت الطبقي واعتبر المجتمع العادل هو الذي يحكمه الفلاسفة فالفلاسفة أولاً ثم الجنود والعمال وأخيرا طبقة العبيد, وقال في كتابه [الجمهورية]{يتحقق العدل في المجتمع عندما تقوم كل طبقة بالأدوار المنوطة بها والمتناسبة مع مواهبها} ومثل ذلك كمثل قوى النفس فالقوة العاقلة هي التي يجب أن تتحكم وتسيطر على القوة الغضبية والشهوانية. وفي العصر الحديث نظر الجراح الفرنسي "ألكسيس كاريل" إلى العدالة الاجتماعية من منظور علمي حيث رأى أن النظام الطبيعي مبني على فكرة الطبقات البيولوجية وهي ضرورية لخلق توازن غذائي وتوازن بيئي والنظام الاجتماعي العادل هو الذي يحترم التفاوت قال في كتابه[الإنسان ذلك المجهول] {في الأصل ولد الرقيق رقيقا والسادة سادة حقا واليوم يجب ألا يبقى الضعفاء صناعيا في مراكز الثروة والقوة . . . لا مفر من أن تصبح الطبقات الاجتماعية مرادفة للطبقات البيولوجية} إذا هذا النظام يسمح لأصحاب المواهب من الارتقاء في السلّم الاجتماعي سواء الذين يمتلكون القدرات البدنية أو العقلية, هذه الأفكار سرعان ما تجسدت عند أصحاب النزعة الليبرالية حيث أن المجتمع الرأسمالي يتكون من ثلاث طبقات(طبقة تملك وسائل الإنتاج ويوكلون استعمالها للأجراء, وطبقة تستخدم هذه الوسائل بنفسها, وطبقة الأجراء) وفي تفسير ذلك قال "آدم سميث" في كتابه [بحوث في طبيعة وأسباب رفاهية الأمم]{المصلحة العامة متضمنة في المصلحة العامة والتنافس شرط العدالة الاجتماعية} واستقراء التاريخ يؤكد أن كثيرا من الشعوب قامت على فكرة الطبقية مثل الشعب اليهودي الذي يعتقد أنه شعب الله المختار وعندهم لا يعقل أن يتساوى اليهودي في الحقوق مع بقية البشر.نقد(مناقشة):ما يعاب على هذه الأطروحة أن التفاوت قد يتحول إلى دعوة عنصرية خاصة عند المطالبة بالحقوق من زاوية التفاوت العرقي أو الديني./الرأي الثاني (نقيض الأطروحة): ترى هذه الأطروحة أن العدل يكمن في احترام مبدأ المساواة بين الناس وشعارهم أن المساواة الاجتماعية امتداد للمساواة الطبيعية وأن الأفراد بحكم ميلادهم تجمعهم قواسم مشتركة كالحواس والعقل وال "شيشرون" {الناس سواء وليس شيئا أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان, لنا جميعا عقل ولنا حواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة على التعلّم ومن الذين رفضوا التفاوت ودافعوا عن المساواة الفيلسوف "برودون" الذي رأى أن مصدر الحقوق هو الجهد وليس التفاوت الوراثي فقال{هناك على ضرورية لا مفرّ منها في التفاوت الجسمي والعقلي بين الناس فلا يمكن للمجتمع ولا للضمير الحدّ منها, لكن من أين لهذا التفاوت المحتوم أن يتحوّل إلى عنوان النبل بالنسبة للبعض والدناءة للبعض الآخر}. هذه الأفكار تجسّدت عند أصحاب المذهب الاشتراكي من خلال التركيز على فكرة [المساواة الاجتماعية] التي هي أساس العدالة الاجتماعية وهذا ما أكّد عليه "فلاديمير لينين" من برنامج الحزب الشيوعي السوفياتي {الشيوعية نظام اجتماعي لا طبقي له شكل واحد للملكية العامة لوسائل الإنتاج والمساواة الاجتماعية الكاملة بين أفراد المجتمع}.نقد (مناقشة):إن المطالبة بالحقوق دون القيام بالواجبات لا تدلّ على العدالة الاجتماعية بل هي تعبير على خلل اجتماعي.3/التركيب: إن السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية يشترط تحديد أسباب الظلم من أجل رسم معالم العدل وهذه حقيقة تحدّث عنها "أرسطو" قائلا {تنجم الخصومات عندما لا يحصلون أنا متساوون على حصص متساوية أو يحصل أناس غير متساوين على حصص متساوية} من هذا المنطلق لا بد من الاعتماد على[معيار تكافؤ الفرص] وكذا [الاستحقاق والمكافأة] وفق شروط اقتصادية حيث توزع الثروات بين الناس (العدل في التوزيع) وشروط قانونية وفيها تُسنّ قوانين تضمن السكينة والأمن للجميع وهذا ما أكد عليه "جيفرسون" {الناس خلقوا سواسية وقد حباهم الله بحقوق منها الحرية والحياة والسعادة} ولا تكتمل صورة العدالة الاجتماعية إلاّ بالفصل بين السلطات (التشريعية, القضائية, التنفيذية) كما ذهب إلى ذلك "مونتيسكيو".-الخاتمة: وفي الأخير [العدالة الاجتماعية] مطلب اجتماعي قديم كل المجتمعات عبر تاريخها الطويل نادت به والفلسفة من خلال مذاهبها المختلفة حاولت التطرق إلى هذه الإشكالية وخاصة [كيفية تطبيق العدالة الاجتماعية] في أرض الواقع وهي إشكالية تمحور حولها هذا المقال الذي تناولنا فيه "أطروحة التفاوت" والتي تجلت عند "أفلاطون" قديما وأصحاب النزعة الليبرالية حديثا وتطرقنا إلى أطروحة "المساواة" التي رفعت شعار{المساواة الاجتماعية امتداد للمساواة الطبيعية}ومن منطلق التحليل والنقد نستنتج:تتحقق العدالة الاجتماعية من خلال التوفيق بين المساواة والتفاوت.
1- دلالة العمل الإنسانية:
النّص/السّند: " العمل إنساني صرف ". ماركس.
عندما ينتج الإنسان فعليا عالما من الأشياء - إذ يشكل الطبيعة غير العضوية -، فإنما هو يؤكد ذاته بما هو كائن نوعي واع ، بمعنى الكائن الذي يرتبط بنوعه ارتباطه بطبيعته الذاتية أو قل بنفسه باعتباره كائنا نوعيا. والأكيد أن الحيوان ينتج هو الآخر، فهو يبني عشه أو مسكنه كما يفعل النحل والقندس والنمل وغير ذلك ؛ لكن ( الحيوان ) لا ينتج إلا ما يحتاج إليه مباشرة هو ونسله ، وهو ينتج على نحو جزئي في حين أن الإنسان ينتج على نحو كلي . ثمّ إن الحيوان لا ينتج إلا بفعل ضغط الحاجة الجسميّة المباشرة في حين أن الإنسان ينتج حتى وإن كان متحررا من الحاجة الجسميّة بل إنه لا ينتج حقا إلا حين يكون قد تحرر منها.
إن الحيوان لا ينتج إلا ذاته في حين أن الإنسان يعيد إنتاج الطبيعة كلها. فإنتاج الحيوان يشكل - بما هو إنتاج حيواني - جزءا من جسمه الطبيعي في حين أن الإنسان ينتصب حرا أمام إنتاجه . والحيوان لا ينتج إلا بحسب حاجات نوعه ووفقا لما تقتضيه ، في حين أن الإنسان يجيد الإنتاج وفقا لما تقتضيه كل الأنواع كما أنه يحسن تطبيق المعيار الملائم على كل موضوع . لذلك كان الإنسان يجيد الإبداع وفقا لقوانين الجمال .
إن الإنسان يشرع على وجه الدقة في تأكيد ذاته بصفته كائنا نوعيا إذ يأخذ في تشكيل عالم الأشياء، إن ذلك الإنتاج لهو حياته النوعية الخلاقة.
وبفضل ذلك الإنتاج تظهر الطبيعة وكأنها صنعه و واقعه . إن موضوع العمل هو إذن تحقيق حياة الإنسان النوعيّة ؛ فالإنسان لا يتأمل ذاته ذهنيّا فحسب كما هو الشأن داخل الوعي يل كذلك عمليّا وفي الواقع ، ويتأمّل ذاته في عالم هو من إنشائه .
ماركس
الأطروحة: بالإنتاج تتحقّق إنسانية الإنسان.
الأطروحة المستبعدة: انّ الوعي التّأمّلي المحض ( المنقطع عن كلّ تاريخ و عن كلّ وضعيّة محدّدة ) هو الذّي يحدّد إنسانية الإنسان. ( المواقف المثاليّة التّي تحصر ماهيّة الإنسان في الفكر ).
الإشكالية: بأيّ معنى يكون الإنتاج صفة خاصّة بالإنسان ؟
تفكيك عناصر التّحليل:
1. خصوصيّة الإنتاج الإنساني.
2. قيمة العمل.
التّحليل:
1. خصوصيّة الإنتاج الإنساني:
اعتبر الفلاسفة الإغريق القدماء أنّ العمل مجرّد جهد عضلي مضني لا يختلف في شيء عن نشاط الحيوان. فأرسطو مثلا يرى أنّ النّشاط الإنشائي Poïétique ( الصّنع و الإنتاج )، ليس نشاطا خليقا بالإنسان و إنما هو مهمّة موكولة إلى العبيد و إلى الآلات. الإنتاج نشاط غير إنساني.
العمل لا يعبّر عن إنسانية الإنسان.
يدحض ماركس، في هذا النّص، الموقف الإزدرائي من العمل، مبرزا أنّه يختلف اختلافا جوهريّا عن نشاط الحيوان. فالعمل ليس مجرّد صرف مجهود عضلي فحسب، بل هو ينطوي على أهمّ خصوصيّات الإنسان: الوعي و الحرّية.
و قد أثبت ماركس ذلك من خلال مقارنة بين نشاط الحيوان و عمل الإنسان:
الحيوان الإنسان
ينتج ( مأواه ) ينتج ( عالما من الأشياء )
و لكن: ينتج ما يحتاج إليه مباشرة
هو و نسله أي بدافع الغريزة ( ضدّ
الوعي و الإرادة ).
ينتج على نحو جزئي: أي أنّ إنتاجه ينتج على نحو كلّي: أي أصنافا متنوّعة ( مأوى،
من صنف واحد (مأوى ) و ذلك أكل، لباس…) و ذلك لنقص غرائزه
لكمال غرائزه
ينتج بفعل ضغط الحاجة الجسميّة: ينتج حتّى دون حاجة جسميّة ملحّة:
فنشاطه اضطراري ( الأعمال الفنّية ) حرّية العمل
ما ينتجه امتداد لجسمه ( لا يبادله ) ما ينتجه ينتصب أمامه حرّا ( بالإمكان بيعه
و مقايضته )
نستنتج من هذه المقارنة أنّ نشاط الحيوان غريزي، ثابت و لا تاريخي، بينما عمل الإنسان واع و حرّ، لذلك فهو يتطوّر ( تاريخي ) و يمتاز بالثّراء و التّنوّع.
انّ العمل بهذا المعنى، يتفرّغ به الإنسان أي أنّه خاصّية إنسانية صرفة. فهو ماهيّة الإنسان و قوام ذاته. و بذلك يحقّ تعريف الإنسان بأنّه " حيوان صانع " أو عامل. فالإنسان ليس عارفا فحسب ( عاقلا ) Homo sapiens بل هو قبل أن يكون كذلك صانع Homo faber.
2. قيمة العمل:
إذا كان هذا هو مفهوم العمل، فهو إذن لا يستحقّ الازدراء و الإقصاء، بل انّه ذو قيمة إيجابية، إذ به و فيه يمارس الإنسان وعيه و يحقّق حرّيته من الضّرورات الدّاخليّة ( الغرائز ) و الخارجيّة ( الطّبيعة ).
و بما أنّ جوهر الإنسان وعي و حرّية، فالعمل إذا هو أداة تحقيق هذا الجوهر: فالإنسان لا يعي ذاته وعيا حقيقيّا و لا ينشئ هذه الذّات بالتّأمّل و الانغلاق على ذاته ( الأنانة )، بل بالعمل الذّي يتّجه إلى الطّبيعة فيشكّلها و يخلق منها عالما من الأشياء، فيخلق بذلك ذاته. ف" الإنسان عندما يغيّر الطّبيعة يغيّر ذاته أيضا "، و الإنسان لم يصبح " سيّدا على الطّبيعة "، كما لم يصبح " كائنا نوعيّا واعيا "، إلا بفضل العمل – و ليس بفضل التّأمّل كما تزعم التّوجّهات المثاليّة – فالإنسان يدين في بقائه، و في منزلته و في كيانه البيولوجي أيضا إلى العمل. فهو لم ينفصل عن عالم الحيوان إلا عندما تحرّرت يداه بالعمل.
2. العمل بين الإغتراب و التحرّر:
النّص/السّند: " الإغتراب و التّموضع ". ريكور.
( انظر النص )
إن العمل الإنساني لمغترب في نظام الأجرة فهو يتجر به باعتباره قوة عمل منفصلة عن الشخص ، وهو يعامل باعتباره أمرا خاضعا لقوانين السوق .
إن هذا الحط الاجتماعي والاقتصادي من العمل هو من وظائف النظام الاقتصادي والاجتماعي للرأسمالية . ولنا أن نرجو بل علينا أن نرغب في زوال هذا الحط بزوال ظروف نظام الأجرة ؛ ويوافق هذا الحط الاقتصادي والاجتماعي للعمل سلب كرامة الكلمة. ويزيد في صلف تلك الكبرياء المسلوبة أنها تأبى أن تعترف أنها - هي نفسها- يتجر بها في سوق الخدمات : فللثقافة كبرياء تناظر تمام التناظر إذلال العمل ، ويجب أن تزول بزوال ذلك الإذلال . إن جذور هذه الكبرياء بعيدة فهي تعود إلى العصور القديمة حيث كان العمل للعبيد، لأنه وضيع ، وكانت الثقافة للأحرار، لأنها شريفة.
فمقابلة الفنون الوضيعة بالفنون الشريفة هي إذن خاضعة خضوعا كبيرا لما خص به العامل نفسه في المجتمعات التاريخية من منزلة اجتماعية. والثقافة تضفي على نفسها من القيمة، بل هي تغالي في تقييم ذاتها ، بقدر ما تدعم النظام الاجتماعي الذي يحتقر العمل .
يجب أن نذهب إلى أبعد من ذلك ، فنقول إن الثقافة آثمة باعتبارها - بصورة مباشرة أو غير مباشرة - وسيلة من وسائل استغلال العمل . وإني لأتساءل عما إذا لم تكن الظروف التكنولوجيّة للعمل الحديث تبين - فضلا عن ضروب الاغتراب الاجتماعية - بؤس العمل بؤسا مردّه وظيفته " المُموضعة " ؟ فلقد تغنى الناس بهذا " التموضع " الذي به يتحقق الإنسان وبه يكتمل ويزدهر. بل لقد جعلوا منه الحلّ الفلسفي للمناظرات بين الواقعية والمثالية وبين النزعة الذاتيّة والنزعة المادية إلخ ... وجعلوا منه - إجمالا - حلا للمعضلات القديمة : معضلات نظرية المعرفة و الأنطولوجيا .
إن خاصية العمل تتمثل في أنه يشدني إلى مهمّة مدققة، محددة. وهاهنا أبيّن من أكون ببيان ما أنا قادر عليه . وأبين ما أنا قادر عليه بقيامي بشيء محدود. وإن " المنجز " من عملي هو الذي يكشفني للآخرين ولنفسي .
وإن هذا الأمر لصحيح ، ولكن هذه الحركة التي تكشفني هي نفسها تخفيني و( هذه الحركة ) التي تحققني هي التي تسلبني شخصيتي كذلك . وإني لأرى بوضوح عبر تطور المهن - بما فيها مهنة المثقف - أنه ثمة حد تنزع إليه حركة التموضع هذه : هذا الحد هو ضياعي في فعل بلا معنى ، في نشاط تافه بالمعنى الحقيقي للكلمة لأنه بلا أفق .
ولكن أن تكون إنسانا ليس ( معناه ) أن تعمل ( عملا ) محددا فقط وإنما هو أيضا أن تدرك المجموع ، وهكذا تجنح إلى ذلك الحد الآخر الذي هو نقيض الفعل الذي لا معنى له ، ( تجنح ) إلى أفق كلية الوجود الإنساني الذي أسميه " العالم " أو " الوجود ".
بول ريكور
" الحقيقة و التاريخ "
التّخلّص:
تبيّنّا مع ماركس أنّ العمل محقّق لإنسانيّة الإنسان و مكمّل لها، و تعرّفنا، كذلك، بالإستناد إلى أرضيّة سوسيولوجيّة، مع دوركايم، على البعد الإجتماعي و الأخلاقي للعمل.
لكن بقي أن نتساءل كيف يمكن أن نفسّر القلق و الملل الذّي ينتابنا من الواجبات التّي يفرضها علينا العمل، مع أنّها في الأخير، من منظور ماركس، سبيل إلى تحقيق إنسانيّتنا ؟ أفلا يقودنا هذا الملل المرافق للعمل إلى وجوب مراجعتنا للنّظرة التّي نحملها عن دلالته الإنسانيّة ؟
الأطروحة: انّ العمل تكريس لإغتراب الإنسان عن ذاته.
الأطروحة المستبعدة:
- بالعمل تتحقّق إنسانيّة الإنسان ( الموقف الماركسي ).
- للعمل بعد أخلاقي و إجتماعي ( دوركايم ).
الإشكالية: أيّة علاقة يقيمها العمل مع ما هو إنساني في الإنسان ؟ هل هو سبيل لإكتمال الإنسان إجتماعيّا و قيميّا ؟ أم أنّه سبب إغترابه عن ذاته ؟
بنية النّص المنطقيّة:
1) 1) عرض الأطروحة.
2) 2) بيان الوجه الأوّل للإغتراب ( إجتماعي و إقتصادي ) و إمتداده إلى النّشاطات الفكريّة نفسها.
3) 3) تحديد الوجه الثّاني للإغتراب في العمل المتمثّل في التّموضع.
4) 4) عرض نموذج العمل المتحرّر من كلّ أشكال الإغتراب و التّموضع.
تفكيك عناصر التّحليل:
1. 1. البعد الإجتماعي و الإقتصادي للإغتراب.
2. 2. الوجه الثّاني للإغتراب ( التّموضع ).
التّحليل:
1. 1. البعد الاجتماعي و الإقتصادي للإغتراب:
§ § تعريف الإغتراب من وجهة نظر ماركسيّة:
يمثّل الإغتراب حالة كلّ إنسان أصبح غريبا عن ذاته و عن المجتمع، من حيث أنّ أفعاله، حتّى و إن كانت صادرة عنه فعلا، فهي لا تعبّر عن ذاته و عن شخصيّته العميقة. ف " إغتراب العامل، كما يؤكّد ذلك ماركس، لا يعني فقط أنّ عمله قد تحوّل إلى موضوع و إلى وجود خارجي، و إنّما أيضا أنّ هذا العمل يوجد بمعزل عنه بحيث يتحوّل إلى قوّة مستقلّة، و أنّ الحياة التّي منحها لموضوع عمله قد تحوّلت إلى سلطة غريبة عنه تتعارض معه و تعاديه " ( رأس المال ).
في الإغتراب يختفي الإنسان من حيث هو كذلك و تسود العلاقات الإجتماعيّة القائمة على الصّراع و الإستغلال.
يتخلّص ماركس إلى أنّ المجهود الذّي يقوم به الإنسان في إطار العمل، يتحوّل بالنّسبة إليه إلى قوّة غريبة تزيد في شقاءه و إستعباده.
يقول ماركس: " إنّ إنفصال الإنسان عن نتاج عمله، هو الباعث على ظهور الإغتراب، فالعمل يعتبر نشاطا خارجيّا بالنّسبة إلى العامل لأنّه ليس جزءا من طبيعته، و لهذا فإنّه يسلب ذاته و لا يحقّقها عندما يعمل، و هذا بدوره يؤدّي إلى شعوره بالشّقاء و التّعاسة الذّي يعوق قدراته الجسميّة و العقليّة ".
الإغتراب إذن، بالنّسبة إلى ماركس، هو إنفصال الذّات عن ذاتها الذّي يتمظهر من خلال إنفصال المنتوج عن المنتِج ( المنتوج لم يعد يعبّر عن ذات الإنسان ).
إنّ العمل، في شكله السّليم و في الظّروف المثاليّة، وسيط يستخدمه الإنسان لتحقيق ذاته و تنمية قدراته. و لكن، في ظلّ النّظام الرّأسمالي، و تحديدا في ظلّ نظام الأجور الإستغلالي، تصبح قدرات الإنسان مشلولة فيغدو مسلوب الوعي و الإرادة.
§ § تعريف الإغتراب سياقيّا ( حسب ريكور ):
أكّد ريكور، في هذا النّص، أنّ الإغتراب المقترن بظاهرة العمل إنّما هو يجد بواعثه الأساسيّة في نظام الأجرة في ظلّ نمط الإنتاج الرّأسمالي.
فالأجر، في نظر إقتصاديّي القرن 19 كريكاردو و ماركس، يشكّل الثّمن الذّي يتقاضاه الإنسان مقابل العمل الذّي ينجزه. و يتمثّل المشكل، هنا، في أنّ هذا الأخير يتحدّد، حسب هؤلاء، بثمن الغذاء اللاّزم و الضّروري لبقاء العامل على قيد الحياة مهما كانت قيمة أو كمّية القوّة التّي يصرفها الإنسان في عمله.
العامل لا يجني ثمرة عمله و لا يتحصّل على الرّبح الذّي يستحقّه، بل إنّ البرجوازي الذّي يمتلك وسائل الإنتاج هو الذّي يستحوذ على القسط الأكبر من الرّبح ( فائض القيمة Plus-value ).
يتحوّل العمل، من خلال هذه النّظرة، إلى بضاعة تخضع لقانون السّوق أي لقانون العرض و الطّلب، فينتفي منه كلّ بعد إنساني و يتحوّل إلى مجال للإستعباد و الإستغلال و القهر.
§ § شموليّة الإغتراب:
أثبت بول ريكور أنّ هذا الحطّ من القيمة الإجتماعيّة و الإنسانيّة للعمل، ليس جديدا، بل هو يجد جذوره الأولى في التّصوّرات الفلسفيّة الإغريقيّة التّي كانت تميّز بين:
- - الفنون الوضيعة: و هي كلّ نشاط مادّي يعمد إلى تحويل الطّبيعة و إستغلال خيراتها. يهتمّ به العبيد ( المجتمع العبودي ) أو الأقنان ( المجتمع الإقطاعي ).
- - الفنون الشّريفة: النّشاطات الفكريّة الحرّة التّي لا تحكمها الضّرورة، و يقوم بها الأسياد و النّبلاء.
كان هذا التّصوّر يحطّ من شأن العمل المادّي و يُعلي بالمقابل من قيمة كلّ ما له علاقة بالممارسة العقليّة و النّظريّة.
غير انّ ريكور، بيّن من خلال هذا النّص، أنّه و إن كان بإمكاننا أن نتحدّث عن تماثل بين مختلف الأزمنة التّاريخيّة في تحقير العمل و الحطّ من قيمته، فإنّه لا يمكن بالمقابل أن نعتبر أنّ " الثّقافة " أو " الكلمة " ( كلّ ممارسة نظريّة و فكريّة ) ما زالت تحظى بنفس القيمة التّي كانت تتمتّع بها قبلا.
النّشاط الثّقافي لم يكن عملا و لكنّه الآن قد تحوّل إلى عمل يخضع إلى نفس الآليّات و إلى نفس القوانين التّي تحكم إنتاج البضائع.
لقد تميّز عصرنا بإندثار المثقّف الحرّ الذّي يكون نشاطه منزّها عن كلّ منفعة و مستقلاّ عن كلّ حاجة و ضرورة، و ظهور مثقّف جديد، مدجّن و خاضع لنظام الأجرة. و هذا ما يشرّع، في الأخير، للحديث عن إغتراب يعيشه المثقّف أو المفكّر من حيث أنّ نشاطه قد تحوّل إلى عمل و إلى قوّة تُصرَف تُقدّر بأجر يحدّده قانون العرض و الطّلب.
2. 2. الوجه الثّاني للإغتراب:
§ § الدّلالة الإيجابيّة للتّموضع:
يفهم ماركس " التّموضع " Objectivisation المقترن بظاهرة العمل، على أنّه النّشاط المادّي الذّي يقوم به الإنسان و الذّي من خلاله يهدف إلى تجسيد غايات و مقاصد ذاتيّة في واقع مادّي معطى.
كلّ عمل هو تموضع، من حيث انّه الآليّة التّي بها ينقل الإنسان صورة أو تمثّلا ذهنيّا إلى شيء مادّي متحقّق و متجسّد.
التّموضع إذن هو تحوّل الذّاتي إلى موضوعي ( له وجود مادّي مستقلّ ).
التّموضع يعبّر عن نشاط الخلق الذّي يقوم به الإنسان في إطار العمل، إذ بالتّموضع تصبح الأشياء حاملة لآثار الذّات.
من خلال هذه العمليّة، أي من خلال هذه الفاعليّة الإنتاجيّة، تدرك الذّات ذاتها، من حيث أنّ ما يكوّنها هو حرّية و إرادة و وعي. و في هذا السّياق نفهم قول ريكور: " تغنّى النّاس بهذا التّموضع الذّي به يتحقّق الإنسان و به يكتمل و يزدهر ".
و يشكّل التّموضع من جهة أخرى، حلاّ فلسفيّا إلتجأ إليه ماركس حتّى يتجاوز القطيعة القديمة بين المثاليّة و الواقعيّة، و بين الذّاتيّة و الموضوعيّة، و بين المعرفة و الأنطولوجيا. فالعمل، بما هو يفترض حضور الجانب القصدي و الواعي ( الفكر ) في النّشاط المادّي الذّي يقوم به الإنسان، يمكّن من تجاوز كلّ المواقف الفلسفيّة التّي تفصل بين الممارسة النّظريّة و الممارسة العمليّة الفعليّة.
§ § الدّلالة السّلبيّة للتّموضع:
أشار الكاتب إلى مفارقة تتعلّق بهذا التّموضع و تتمثّل في إنقلاب وظيفته إلى ضدّها، فأصبحت حاملة لمعنى سلبي. فإذا كانت هذه الوظيفة، تفيد في المعنى السّابق، تحقيق الذّات، فإنّها تعني الآن، في واقع الإنتاج الرّأسمالي، ضياعها و فقدانها لذاتها.
التّموضع، هنا، تحوّل إلى سلب و نفي للذّات.
فإذا كان التّنظيم القديم للعمل يمكّن الإنسان من تحقيق ذاته، من حيث هو الذّي يتمثّل الشّيء الذّي يريد صنعه في كلّيته ( نتحدّث هنا عن عمل الحِرفي الذّي يشتغل بطريقة يدويّة )، فإنّ التّنظيم الآلي للعمل و فرض التّخصّص ( تقسيم العمل ) أدّى إلى مزيد إغتراب العامل، من حيث أنّ هذا الأخير أصبح لا ينتج إلاّ جزءا محدودا من البضاعة بفضل عمليّة آليّة رتيبة و متكرّرة تجرّدت من كلّ معنى.
لم يعد العمل، بهذه الطّريقة، محقّقا لإنسانيّة الإنسان و مكمّلا لذاته بل هو تحوّل إلى فعل بدون هدف و بدون معنى أي إلى " نشاط تافه و بلا أفق " على حدّ تعبير ريكور في هذا النّص.
مكاسب النّص:
التّأكيد على البعد اللاّ إنساني للعمل.
إبراز بعض مظاهر الإغتراب فيه.
شكرا جزيلا جزاكم الله خيرا ووفقكم بتوفيقه
ردحذفشكرا زاد فهمي في هذاالموضوع
ردحذف