بداية نهاية تاريخ العولمة وبداية تاريخ الكوني
( الثورة التونسية نموذجا)
ان الصراع الذي نعيشه اليوم هو صراع بين العولمة والكونية .اننا نعيش ثورة تاريخية للكونية ضد العولمة : ثورة كونية حقوق الانسان ، والحريات ، والثقافة ، والديمقراطية ضد عولمة التقنيات والسوق والسياحة والاعلام فهل يمكن القول كما قال جون بودريار ان العولمة اتجاه لامحيد عنه وان الكوني في طريقه الى التلاشي؟ يقول جون بودريار في مقال بعنوان السلطة الجهنمية " تبدو العولمة ذات اتجاه لا محيد عنه ، في حين ان الكوني في طريقه الى التلاشي " . ان الثورة التونسية والمصرية وضعت هذا الموقف موضع شك فاذا كان هناك عنف للعولمة او العالمي ففي المقابل هناك مقاومة سلمية كونية لهذه السلطة الجهنمية التي تستعمل كل وسائل العنف .
ما طبيعة موقف اقطاب العولمة من ثورة او انتفاضة الكوني على العولمة ؟
ان اقطاب العولمة ينتفضون للدفاع عن انفسهم بالالتفاف على قيم الجماهير الثائرة التي حملت قيما كونية ودافعت عليها بالدم . ان هذا الالتفاف العالمي يتجسد عبر ممثلين لهذه الاقطاب في البلدان العربية وهي محاولة لسلب الحرية باسم الحرية والعدالة باسم العدالة والنظام باسم النظام ...في كلمة قتل الجمهورية باسم الجمهورية. ان اقطاب العولمة لم يفهموا مثلهم مثل كل الانظمة العربية ان انتفاضة الكونية ليست انتفاضة احزاب او جمعيات او تنظيمات وانما هي انتفاضة الجماهير كما لم يفهموا ان التقنيات التقليدية في القمع كانت موجهة الى تقنيات تقليدية في الاحتجاج لذلك كانت كل اساليب القمع بدائية وعاجزة عجزا تاما بل اكثر من ذلك ان أي رصاصة تطلق على عشاق الكونية هو تعجيل برحيل هذه الدمى المتحركة وماكينات العنف والاجساد المخدرة التي تماهت تمام التماهي مع العنف .
ان اقطاب العولمة بمواقفهم المترددة لقمع ثورة الكونية ( انظر مثلا فرنسا وموقفها من تونس) وبمواقفهم الثابتة التي يتوهم اصحابها انها تقنع الجماهير ( عندما تقول وشنطن مثلا على الرئيس المصري ان يرحل الان وليس في سبتمبر) هم يؤكدون حتفهم يقول جون بودريار " اننا نموت من فقدان كل خصوصية ، ومن استئصال كل قيمنا ، وهو موت عنيف " ان العولمة تقتل نفسها بنفسها من خلال رفع شعارت الكونية دون القدرة على تحقيقها من فرط توحشها المادي وهي حالة قصوى تعيشها العولمة التي لم تعد قادرة على تجسيد أي قيمة من القيم الكونية .
ان العالم الآن يستفيق بعد ليله الطويل على مسار لم ينتظره وهو مسار الكونية المقاومة للعولمة وخاصية هذا المسار في هذه اللحظة انه جماهيري وليس انجازا منظما عبر مؤسسات او تنظيمات او احزاب . ان هذا المسار يتاسس على الكوني الذي ينهض من انقاض العولمة ... انه مسار انتصار الفكر الكوني على الفكر الوحيد وهو ما يتناقض مع ما ذهب اليه جون بودريار عندما يقول " الواقع ان الكوني يهلك في العولمة . وعولمة التبادلات تضع نهاية لكينونة القيم . انه انتصار الفكر الوحيد على الفكر الكوني"
ان مسار التحرر بما هو قيمة من قيم الكونية في علاقة جدلية بالعولمة او قل بلغة اكثر دقة: من رحم العولمة تولد الكونية ، من الواحد يولد المتعدد ، من اللاانساني يولد الانساني . ان هذه الحركة الجدلية الجديدة لا يفهمها الساسة فقط بل ايضا بعض المثقفين الذين يجعلون من الحركة عكسية عبر الحديث عن نهاية التاريخ في اطار هذه النظام المتوحش فما نشاهده اليوم ليس نهاية التاريخ بل بدايته وبالتالي كل من يتحدث عن يسار ويمين و الخطر الاسلامي والارهاب لم يستوعب بعد عمق هذه الحركة الانسانية السلمية و الواعية والحرة والمسؤولة وهي حركة كونية تعددية تجمع كل الناس.
وفي هذا الاطار يمكن ان نذهب عكس ما ذهب اليه بول ريكور في مقاربته للعمل بين الاغتراب والتموضع ( انظر نص ص 296 من كتاب الفلسفة انا افكر) عندما قال : " هذه الحركة التي تكشفني هي نفسها تخفيني وهذه ( الحركة ) التي تحققني هي التي تسلبني شخصيتي " فنقول هذه الحركة التي تخفيني هي التي تكشفني ، هذه الحركة التي تسلبني شخصيتي هي التي تحققني بلغة اخرى من عنف العالمي ( العولمة ) يولد السلم الكوني .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق