الأحد، 22 مايو 2011
خيل وليـــــل: الفصل السادس والعشرون من مقدمة ابن خلدون في أن الع...
خيل وليـــــل: الفصل السادس والعشرون من مقدمة ابن خلدون في أن الع...: "والـبـيـت لا يبـتـنـي الا لـــه عــمــد لا عـمــاد اذا لــــم تــــرس اوتــــاد فــــان تـجــمــع اوتـــــاد واعــمـــدة ساكـن بلغ..."
خيل وليـــــل: من مقدمة ابن خلدون: ومن أشد الظلامات وأعظمها في فس...
خيل وليـــــل: من مقدمة ابن خلدون: ومن أشد الظلامات وأعظمها في فس...: "اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها و اكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها و مصيرها انتهابها من أيديهم و إذا ذهبت..."
خيل وليـــــل: الفضل والموطن أو دوسيات محممة من تاريخ دولة الصادق...
خيل وليـــــل: الفضل والموطن أو دوسيات محممة من تاريخ دولة الصادق...: "مرت إلياس مصللي عشيقة روسطان كاريكاتور من الصحافة الفرنسية لهاك التاريخ تمثل روسطان رابط الصادق باي و مصطفى بن سماعيل بيرم الخامس: '..."
خيل وليـــــل: الإنشاد العام: صفحات من المقاومة الشعبية للاحتلال ...
خيل وليـــــل: الإنشاد العام: صفحات من المقاومة الشعبية للاحتلال ...: "المرأة: خضراء ياحنانة كبر و زاد غيارك \ \ \ منه يغسل عارك وين ررجالك يفزعوا و يردوا ثارك أحدهم: رجالك و ذرار..."
خيل وليـــــل: موقف
خيل وليـــــل: موقف: "مهاجمة محطة الأرتال بواد الزرقة(1881)ء إمضاء معاهدة باردو( بريار، روسطان، الصادق باي و ين اسماعيل)ء نجيب الغناء في المربـّع \ \ \ نرتب..."
خيل وليـــــل: آنَ لي أنْ أخْتارَ ما بين موْطني ووَطَني:الشاعر مح...
خيل وليـــــل: آنَ لي أنْ أخْتارَ ما بين موْطني ووَطَني:الشاعر مح...: "الأوّلُ أهْداني جسمي واسمي والثّاني افتكَّ منّي ما لمْ أطلُبْ منهُ بَعْدَ أن سرقَ منّي ما كنتُ سأُهْديهِ إيّاهُ. الأولُ جدْولُ أحلامي الص..."
خيل وليـــــل: مثقفي وطني ما بكم خجل؟؟؟؟؟؟ والا تاكلو الغلة وتسبو...
خيل وليـــــل: مثقفي وطني ما بكم خجل؟؟؟؟؟؟ والا تاكلو الغلة وتسبو...: "من شبه البديهيات في بلادنا أن تكون النخبة المثقفة ذات حساسية أقرب منها لليسار والفكر التقدمي منها لليمين والتيارات الرجعية والمحافظة. حتى أو..."
خيل وليـــــل: قسيـــــــــم عوارم ردة بردة : ساعــات و ساعــات:
خيل وليـــــل: قسيـــــــــم عوارم ردة بردة : ساعــات و ساعــات:: "ما بين الوحدة و صقيعها و ومضات شمس ربيع مل البعيد تشالي، تدَّّرجح معاليق الروح... ما بين ما هو مسموح مل البوح ، و ما هو مكتوم ملج..."
خيل وليـــــل: العرف أحمد ملآك: مسدس بزازيل حكَّرنهم بالنظر
خيل وليـــــل: العرف أحمد ملآك: مسدس بزازيل حكَّرنهم بالنظر: "بزَازيل حكـَّرتهم بالنظر فوق الصّدَرْ مماليك لبسوا شواشي حمُر *** بزازيل حكـَّرتهم بالالحَاظ أعضاهُم بِياضْ مماليك لبسوا شواشي أعراض حمَق ..."
الثلاثاء، 10 مايو 2011
حوار سارتر مع الرئيس جمال عبد الناصر
حوار سارتر مع الرئيس جمال عبد الناصر
حوار سارتر مع الرئيس جمال عبد الناصر
في يوم 9مارس 1967 كان " جمال عبد الناصر " يستقبل زائرين هما الفيلسوف الفرنسي الشهير " جان بول سارتر " ومعه الكاتبة الفرنسية الكبيرة "سيمون دي بوفوار". كان جمال عبد الناصر مهتما بلقاء "سارتر" و "دي بوفوار" وهما وقتها طليعة حركة التجدد الثوري في فرنسا وفى أوروبا فضلا عن أن "سارتر" كان مؤسس المدرسة الوجودية في الفلسفة وكانت "سيمون دي بوفوار " حليفه الضخم في معركة إعادة اكتشاف وتجديد حيوية المجتمعات الأوروبية في فترة منتصف الستينات وما حولها . وفى نفس الوقت كان "سارتر" و "دي بوفوار" متشوقين للقاء "جمال عبد الناصر" ويظنان أن لديهما الكثير يقولانه له ويسمعانه منه.
وتسجل الصفحة الأولى من محضر الاجتماع ترحيب " جمال عبد الناصر " بالاثنين ثم قول " سارتر " انه رأى السد العالي وزار الأرض الجديدة المستزرعة على مياهه كما شاهد المجتمعات السكانية الجديدة التي تقدمت إلى الحياة بعد تراجع الصحراء . ثم أضاف انه لم يكن يعرف الكثير عن الثورة المصرية ، وما كان يعرفه كان أكثره – بصراحة – من مصادر إسرائيلية أو غربية قد تكون معادية لمصر . بل انه يستطيع أن يشهد بهذا العداء بعد أن رأى ما رأى في مصر . لكنه يرى من واجبه أن يثير إلى جانب هذا موضوعا أخر يتعلق بحقوق الإنسان . فمنذ وصل إلى مصر تلقى في فندقه عددا من الخطابات يشكو له أصحابها من ضغط واقع عليهم . وبدأ " جمال عبد الناصر " يتحدث.
وتسجل الصفحة الثانية من المحضر قوله لـ "سارتر" : "إنني في حاجة إلى أن اطلب من أجهزة الأمن أن يبحثوا لي عن مرسلي هذه الخطابات إليك فأنت وأنا نستطيع أن نتصور نوع الناس الذين يعرفون في مصر عنك وعن السيدة سيمون بالطبع إنهم الطبقة التي تقرأ الفرنسية أو تقرأ غيرها من اللغات الأجنبية وتتابع الأدب العالمي . وأنا لا ألومهم إذا وجدوا سببا لان يكتبوا إليك . أستطيع وتستطيع معي أن تقطع إنهم من كبار الملاك السابقين وقد حددنا ملكياتهم ولا أظنهم يحبون ذلك أو يقبلونه وهم لا يستطيعون وقف حركة الثورة . وبالتالي لا مانع عندهم من أن يشتكوا إلى كل من يتصورون انه قادر على سماع صوتهم وعلى إسماعه . فهذه هي الطبيعة الإنسانية وأنا افهمها ولكني في الوقت الذي أرى فيه دموع الأغنياء لابد أن أتذكر قهر الأغلبية التي كانت غريبة في وطنها لا تملك فيه شيئا".
وتسجل الصفحة الثالثة من المحضر قول "جمال عبد الناصر" لـ "سارتر" و"دي بوفوار" : "إن الناس بالطبيعة محافظون والملكية غريزة طبيعية في الإنسان ، فإذا أردت أن تقوم بتغيير في أوضاع الملكية فانك لا تصطدم فقط بالغريزة الطبيعية لدى الذين تمسهم إجراءاتك فحسب ، وإنما تصطدم بالغريزة الطبيعية لكثيرين ليسوا الآن من كبار الملاك لكنهم يحلمون أن يصبحوا كذلك في يوم من الأيام" .
وتسجل الصفحة الرابعة من محضر الاجتماع قول " جمال عبد الناصر " لـ "سارتر و "دي بوفوار" : " إن مرحلة الانتقال من مجتمع تسيطر فيه القلة على مجتمع تتحقق فيه عدالة التوزيع عملية في منتهى الصعوبة ، كما أن مرحلة الانتقال هذه هي اخطر المراحل في حياة المجتمعات لان التنظيم القديم للمجتمع يكون قد تهاوى، وفى نفس الوقت لا يكون التنظيم الجديد لهذا المجتمع قد قام بعد".
وتدخلت " سيمون دي بوفوار " في الحديث فسألت عن تعليم المرأة وتعدد الزوجات وتأثير الدين في حياة المجتمع ، ثم أضافت إلى هذه الكتلة من الأسئلة سؤالا أخر عن مشكلة زيادة عدد السكان .
وتسجل الصفحة التاسعة من محضر الاجتماع عن " جمال عبد الناصر " وسارتر ودى بوفوار عند سفح الهرم قوله لـ " سيمون دي بوفوار ": " أنني لا أريدك أن تأخذي بمقولة أن الإسلام يمكن أن يكون عائقا للتطور فميزة الإسلام في رأيي انه دين مفتوح على كل العصور وكل مراحل التطور . وأنا دائما انقل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله داعيا الناس للاجتهاد إزاء مستجدات العصور " انتم اعلم بشؤون دنياكم ". وبالنسبة لتعدد الزوجات فانا لا أرى أن الإسلام يتركها رخصة مفتوحة وإنما هي رخصة مقيدة بشروط تجعل التعدد صعبا بل تكاد تجعله مستحيلا والدليل على ذلك ما نراه عمليا أمامنا ومؤداه أن ظاهرة تعدد الزوجات تتلاشى تدريجيا في المجتمع المصري.
وأما عن تعليم المرأة ، وأنا اعتبره الأساس الحقيقي لحريتها فسوف اطلب من مكتبي أن يبعثوا إليك بإحصائيات عن عدد "البنات" في مراحل التعلم المختلفة، وكذلك في مجالات العمل في مجتمع المدارس والجامعات الآن أكثر من مليون فتاة وفى مجالات العمل المختلفة الآن حوالي 2 مليون سيدة تعمل . وفى رأيي أن هذه حركة التطور حية ومرئية وأنا اعرف أن بعض المشايخ قد يقفون على منابر مساجدهم ليقولوا كلاما أخر ولكن كلامهم في اعتقادي غير مؤثر لان ضرورات التطور أقوى من كل ما يقولون . أما بالنسبة للزيادة في عدد السكان فانا اعرف أنها مشكلة قائمة فهناك زيادة سنوية في عدد السكان تقدر بـ 800 ألف. وفى أول الثورة كان تعدادنا 22 مليونا واليوم نحن 31 مليونا".
وتدخل " سارتر " في المناقشة ليقول انه لابد من أن حل على مستوى الدولة لهذه المشكلة واستطرد " جمال عبد الناصر " مستكملا عرض رأيه قائلا : "تستطيع أن تقوم بحملات دعائية كما تشاء ، ونحن أقمنا لجانا لتنظيم الأسرة في كل المدن والقرى ، وفى رأيي أن الحل الحقيقي ليس في أي حملات دعائية الحل الحقيقي في زيادة الإنتاج عن طريق استصلاح الاراضى والتصنيع ، وكذلك فان التعليم في رأيي هو أهم عنصر لأنه يبدو لي من الإحصاءات أن أبناء المتعلمين اقل من أبناء غير المتعلمين . فالمتعلم ينظم حياته على أساس موارده وأما غير المتعلم فيترك المسائل للمصادفات " .
ومرة أخرى قاطعه " سارتر " قائلا : " إن واحدا من المحافظين قال لي أن المشكلة مشكلة كهرباء ، فعندما يتم استكمال مشروعكم لكهربة الريف يدخل التليفزيون على أوسع نطاق ، وسيكون من اثر هذا أن الناس سيجدون شيئا أخر يسليهم غير ممارسة إنجاب الأطفال " .ومضى " جمال عبد الناصر " يستكمل حديثه ضاحكا وقائلا لـ "سارتر": "لكن المشكلة انه حتى إذا عممنا التليفزيون فان برامجه تنتهي في الساعة الحادية عشرة والنصف وبعدها فان الليل طويل . ولا يزال تقديري أن التعليم وزيادة الإنتاج تقدم أحسن وسائل للحل . على سبيل المثال كان عندي عشر أخوات ، واحد أصدقائي وهو الماريشال "عامر" كان عنده 13 أخا – ولكنني الآن عندي خمس أولاد . وأتصور أن أيا من أبنائي سوف يجد من الصعب عليه أن يكون عنده أكثر من اثنين أو ثلاثة" .
وتسجل الصفحة 28 من محضر الاجتماع حوارا بين "جمال عبد الناصر" و "سارتر" جرى على النحو التالي :
سارتر: "إن اليسار في أوروبا لا يستطيع أن يفهم موقفكم من حل الحزب الشيوعي المصري . لقد سمعنا أن هذا الحزب قد حل نفسه بنفسه ولا نتصور أن حزبا شيوعيا يتخذ مثل هذا الإجراء إلا تحت الضغط " .
جمال عبد الناصر :" أي يسار في أوروبا هذا الذي تتحدث عنه ؟ هل هو يسار الاشتراكيين في فرنسا الذين يقودهم جى موليه والذين رأيناهم متواطئين في العدوان علينا سنه 1956 مع الاستعمار البريطاني ومع "إسرائيل" ؟ سارتر : "أنا لا اقصد موليه ولا اقصد الاشتراكيين الفرنسيين . الاشتراكيون الفرنسيون ضيعوا كل اختياراتهم التاريخية وانتهى بالتحالف مع اليمين ولذلك فإنهم خانوا " . جمال عبد الناصر :" الحقيقة أنني أسائل نفسي كثيرا هذه الأيام عن معنى هذه التعبيرات التي نستعملها بما فيها تعبير " الاشتراكيين " هذه التعبيرات في رأيي تحتاج إلى صياغات جديدة وعلى أي حال فسأعود إلى سؤالك نحن لم نمارس أي ضغط على الحزب الشيوعي لكي يحل نفسه وأظن أن عناصر كثيرة في هذا الحزب اكتشفت بالتجربة أن قضايا التطور تحتاج إلى تفكير جديد . هل أنت شيوعي ؟".
سارتر :"إنني ماركسي ولكني لا انتمى تنظيميا إلى حزب ". جمال عبد الناصر:" إنني مستعد أفهمك وأنا بالفعل افرق بين الماركسية والحزب الشيوعي . الماركسية فكر يطرح نفسه على الناس ويؤثر فيهم بقدرته على الحوار وإيجاد حلول لقضايا التطور والتقدم . وعندما تتحول الماركسية إلى حزب شيوعي فأنها تتحجر لأنها تدخل في قالب تنظيمي لا يسمح بالمراجعة والتجديد وإنما يوجه همه إلى التجميد والسعي للحصول على السلطة وبما أن الشيوعيين أقلية فإنهم يلجأون إلى العمل السري والى تنظيمات ما تحت الأرض شأنهم في ذلك شأن أقصى اليمين . ومع ذلك فانا أريد أن أسألك لماذا تسألني عن الحزب الشيوعي وحده ؟ إنني أفكر في تعددية من نوع جديد ولم اعثر على الصيغة الملائمة بعد . والحقيقة إنني أخشى من الحزبية فلو أبحنا الحزبية الآن وفى ظل الحرب الباردة التي تجرى على الساحة العالمية الآن لوجدتني على الفور أمام حزب شيوعي موال لروسيا وحزب رجعى موال للأمريكان وربما حزب ديني يؤدى قيامه إلى فتنه دينية في البلاد . ولهذا فالقضية في رأيي اكبر من الحزب الشيوعي". سارتر: "إنني لاحظت أن الرئيس وضع " إسرائيل " في نفس الصف مع الاستعمار البريطاني وقوى اليسار الفرنسية التي خانت رسالتها وهذا يعقد الأمور في الشرق الأوسط".
جمال عبد الناصر : " الذي يعقد الأمور ليس إنني أضعهم في هذا الصف أو ذلك ولكن الذي يعقدها فعلا هو "إسرائيل" . لا يمكن لأي جماعة من الناس أن ينقضوا على بلد ويأخذونه لأنفسهم ويحولوا سكانه الأصليين إلى مواطنين من الدرجة الثانية ، الذي يعقد الأمور هو ضياع الحقوق العربية في فلسطين . بعض الناس يتصورون أن هذا الجيل من الشعب الفلسطيني تعود على ضياع وطنه وانه يموت أو يكاد يموت . وينسون في هذا أن جيلا جديدا سوف يظهر جيل لا يشعر بالضياع ولا يشعر بالمهانة وهذا الجيل سوف يقاوم ليحصل على حقوقه الإنسانية أولا ثم الوطنية وهكذا والشئ الثاني الذي يعقد الأمور في موضوع "إسرائيل" ليس تصنيفا لها ، وإنما علاقتها بالولايات المتحدة وهو موضوع يدفع المنطقة الآن إلى حافة الحرب فـ "إسرائيل" تريد التوسع وتريد أن تفرض هذا التوسع بالقوة وهذا معناه الحرب" .
سارتر :" هناك مجموعات في " إسرائيل " خصوصا من اليسار يتفهمون قضية الشعب الفلسطيني ".
جمال عبد الناصر : "الموضوع ليس موضوع مشكلة تفهم وإنما الموضوع يتلخص في مشكلتين : المشكلة الأولى الهجرة لـ " إسرائيل " باستمرار الهجرة لن تتسع " إسرائيل " للقادمين إليها وستلجأ للتوسع وهذا يؤدى إلى الحرب والمشكلة الثانية انه إذا كان هناك من يتفهم مشكلة الشعب الفلسطيني كما تقول من عناصر اليسار الاسرائيلى فلا أظن أن لديهم ما هو أكثر من الألفاظ والتعاطف بها ببساطة لان أهم حقوق الفلسطيني هي حق العودة فإذا عادوا فسيصبحون أغلبية وعندئذ تذوب فكرة دولة " إسرائيل".
وتسجل صفحة 48 من محضر الاجتماع ردا لـ " جمال عبد الناصر " على سؤال وجهه إليه " سارتر " عن القضية التي تشغله الآن أكثر من غيرها وكان قوله : "العالم كله يحاول إخراج الشباب من السياسة ويحاولون الهاءهم بأنواع من الرقص الجديد ويحولون اهتمامهم إلى الرياضة وأنا أرى ذلك خطرا كبيرا(*) القضية التي أتمنى لو استطعت أن أركز عليها هي أن يشعر الشباب أن السياسة هي عملية صنع مستقبله وان اهتمامه بها ومشاركته فيها هما اكبر ضمانات المستقبل . ما أراه في الاتحاد السوفيتي وما أراه في غيره يجعلني اقلق لان الأجيال القديمة تحجب أجيالا جديدة عن المشاركة وهذه مشكلة فإذا حجبنا الشباب عن العمل السياسي تتوقف حيوية الأنظمة ويزداد الاعتماد على عناصر القوة في المجتمع. وهذه ليست وصفة مضمونة لحماية التطور ".
حوار سارتر مع الرئيس جمال عبد الناصر
في يوم 9مارس 1967 كان " جمال عبد الناصر " يستقبل زائرين هما الفيلسوف الفرنسي الشهير " جان بول سارتر " ومعه الكاتبة الفرنسية الكبيرة "سيمون دي بوفوار". كان جمال عبد الناصر مهتما بلقاء "سارتر" و "دي بوفوار" وهما وقتها طليعة حركة التجدد الثوري في فرنسا وفى أوروبا فضلا عن أن "سارتر" كان مؤسس المدرسة الوجودية في الفلسفة وكانت "سيمون دي بوفوار " حليفه الضخم في معركة إعادة اكتشاف وتجديد حيوية المجتمعات الأوروبية في فترة منتصف الستينات وما حولها . وفى نفس الوقت كان "سارتر" و "دي بوفوار" متشوقين للقاء "جمال عبد الناصر" ويظنان أن لديهما الكثير يقولانه له ويسمعانه منه.
وتسجل الصفحة الأولى من محضر الاجتماع ترحيب " جمال عبد الناصر " بالاثنين ثم قول " سارتر " انه رأى السد العالي وزار الأرض الجديدة المستزرعة على مياهه كما شاهد المجتمعات السكانية الجديدة التي تقدمت إلى الحياة بعد تراجع الصحراء . ثم أضاف انه لم يكن يعرف الكثير عن الثورة المصرية ، وما كان يعرفه كان أكثره – بصراحة – من مصادر إسرائيلية أو غربية قد تكون معادية لمصر . بل انه يستطيع أن يشهد بهذا العداء بعد أن رأى ما رأى في مصر . لكنه يرى من واجبه أن يثير إلى جانب هذا موضوعا أخر يتعلق بحقوق الإنسان . فمنذ وصل إلى مصر تلقى في فندقه عددا من الخطابات يشكو له أصحابها من ضغط واقع عليهم . وبدأ " جمال عبد الناصر " يتحدث.
وتسجل الصفحة الثانية من المحضر قوله لـ "سارتر" : "إنني في حاجة إلى أن اطلب من أجهزة الأمن أن يبحثوا لي عن مرسلي هذه الخطابات إليك فأنت وأنا نستطيع أن نتصور نوع الناس الذين يعرفون في مصر عنك وعن السيدة سيمون بالطبع إنهم الطبقة التي تقرأ الفرنسية أو تقرأ غيرها من اللغات الأجنبية وتتابع الأدب العالمي . وأنا لا ألومهم إذا وجدوا سببا لان يكتبوا إليك . أستطيع وتستطيع معي أن تقطع إنهم من كبار الملاك السابقين وقد حددنا ملكياتهم ولا أظنهم يحبون ذلك أو يقبلونه وهم لا يستطيعون وقف حركة الثورة . وبالتالي لا مانع عندهم من أن يشتكوا إلى كل من يتصورون انه قادر على سماع صوتهم وعلى إسماعه . فهذه هي الطبيعة الإنسانية وأنا افهمها ولكني في الوقت الذي أرى فيه دموع الأغنياء لابد أن أتذكر قهر الأغلبية التي كانت غريبة في وطنها لا تملك فيه شيئا".
وتسجل الصفحة الثالثة من المحضر قول "جمال عبد الناصر" لـ "سارتر" و"دي بوفوار" : "إن الناس بالطبيعة محافظون والملكية غريزة طبيعية في الإنسان ، فإذا أردت أن تقوم بتغيير في أوضاع الملكية فانك لا تصطدم فقط بالغريزة الطبيعية لدى الذين تمسهم إجراءاتك فحسب ، وإنما تصطدم بالغريزة الطبيعية لكثيرين ليسوا الآن من كبار الملاك لكنهم يحلمون أن يصبحوا كذلك في يوم من الأيام" .
وتسجل الصفحة الرابعة من محضر الاجتماع قول " جمال عبد الناصر " لـ "سارتر و "دي بوفوار" : " إن مرحلة الانتقال من مجتمع تسيطر فيه القلة على مجتمع تتحقق فيه عدالة التوزيع عملية في منتهى الصعوبة ، كما أن مرحلة الانتقال هذه هي اخطر المراحل في حياة المجتمعات لان التنظيم القديم للمجتمع يكون قد تهاوى، وفى نفس الوقت لا يكون التنظيم الجديد لهذا المجتمع قد قام بعد".
وتدخلت " سيمون دي بوفوار " في الحديث فسألت عن تعليم المرأة وتعدد الزوجات وتأثير الدين في حياة المجتمع ، ثم أضافت إلى هذه الكتلة من الأسئلة سؤالا أخر عن مشكلة زيادة عدد السكان .
وتسجل الصفحة التاسعة من محضر الاجتماع عن " جمال عبد الناصر " وسارتر ودى بوفوار عند سفح الهرم قوله لـ " سيمون دي بوفوار ": " أنني لا أريدك أن تأخذي بمقولة أن الإسلام يمكن أن يكون عائقا للتطور فميزة الإسلام في رأيي انه دين مفتوح على كل العصور وكل مراحل التطور . وأنا دائما انقل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله داعيا الناس للاجتهاد إزاء مستجدات العصور " انتم اعلم بشؤون دنياكم ". وبالنسبة لتعدد الزوجات فانا لا أرى أن الإسلام يتركها رخصة مفتوحة وإنما هي رخصة مقيدة بشروط تجعل التعدد صعبا بل تكاد تجعله مستحيلا والدليل على ذلك ما نراه عمليا أمامنا ومؤداه أن ظاهرة تعدد الزوجات تتلاشى تدريجيا في المجتمع المصري.
وأما عن تعليم المرأة ، وأنا اعتبره الأساس الحقيقي لحريتها فسوف اطلب من مكتبي أن يبعثوا إليك بإحصائيات عن عدد "البنات" في مراحل التعلم المختلفة، وكذلك في مجالات العمل في مجتمع المدارس والجامعات الآن أكثر من مليون فتاة وفى مجالات العمل المختلفة الآن حوالي 2 مليون سيدة تعمل . وفى رأيي أن هذه حركة التطور حية ومرئية وأنا اعرف أن بعض المشايخ قد يقفون على منابر مساجدهم ليقولوا كلاما أخر ولكن كلامهم في اعتقادي غير مؤثر لان ضرورات التطور أقوى من كل ما يقولون . أما بالنسبة للزيادة في عدد السكان فانا اعرف أنها مشكلة قائمة فهناك زيادة سنوية في عدد السكان تقدر بـ 800 ألف. وفى أول الثورة كان تعدادنا 22 مليونا واليوم نحن 31 مليونا".
وتدخل " سارتر " في المناقشة ليقول انه لابد من أن حل على مستوى الدولة لهذه المشكلة واستطرد " جمال عبد الناصر " مستكملا عرض رأيه قائلا : "تستطيع أن تقوم بحملات دعائية كما تشاء ، ونحن أقمنا لجانا لتنظيم الأسرة في كل المدن والقرى ، وفى رأيي أن الحل الحقيقي ليس في أي حملات دعائية الحل الحقيقي في زيادة الإنتاج عن طريق استصلاح الاراضى والتصنيع ، وكذلك فان التعليم في رأيي هو أهم عنصر لأنه يبدو لي من الإحصاءات أن أبناء المتعلمين اقل من أبناء غير المتعلمين . فالمتعلم ينظم حياته على أساس موارده وأما غير المتعلم فيترك المسائل للمصادفات " .
ومرة أخرى قاطعه " سارتر " قائلا : " إن واحدا من المحافظين قال لي أن المشكلة مشكلة كهرباء ، فعندما يتم استكمال مشروعكم لكهربة الريف يدخل التليفزيون على أوسع نطاق ، وسيكون من اثر هذا أن الناس سيجدون شيئا أخر يسليهم غير ممارسة إنجاب الأطفال " .ومضى " جمال عبد الناصر " يستكمل حديثه ضاحكا وقائلا لـ "سارتر": "لكن المشكلة انه حتى إذا عممنا التليفزيون فان برامجه تنتهي في الساعة الحادية عشرة والنصف وبعدها فان الليل طويل . ولا يزال تقديري أن التعليم وزيادة الإنتاج تقدم أحسن وسائل للحل . على سبيل المثال كان عندي عشر أخوات ، واحد أصدقائي وهو الماريشال "عامر" كان عنده 13 أخا – ولكنني الآن عندي خمس أولاد . وأتصور أن أيا من أبنائي سوف يجد من الصعب عليه أن يكون عنده أكثر من اثنين أو ثلاثة" .
وتسجل الصفحة 28 من محضر الاجتماع حوارا بين "جمال عبد الناصر" و "سارتر" جرى على النحو التالي :
سارتر: "إن اليسار في أوروبا لا يستطيع أن يفهم موقفكم من حل الحزب الشيوعي المصري . لقد سمعنا أن هذا الحزب قد حل نفسه بنفسه ولا نتصور أن حزبا شيوعيا يتخذ مثل هذا الإجراء إلا تحت الضغط " .
جمال عبد الناصر :" أي يسار في أوروبا هذا الذي تتحدث عنه ؟ هل هو يسار الاشتراكيين في فرنسا الذين يقودهم جى موليه والذين رأيناهم متواطئين في العدوان علينا سنه 1956 مع الاستعمار البريطاني ومع "إسرائيل" ؟ سارتر : "أنا لا اقصد موليه ولا اقصد الاشتراكيين الفرنسيين . الاشتراكيون الفرنسيون ضيعوا كل اختياراتهم التاريخية وانتهى بالتحالف مع اليمين ولذلك فإنهم خانوا " . جمال عبد الناصر :" الحقيقة أنني أسائل نفسي كثيرا هذه الأيام عن معنى هذه التعبيرات التي نستعملها بما فيها تعبير " الاشتراكيين " هذه التعبيرات في رأيي تحتاج إلى صياغات جديدة وعلى أي حال فسأعود إلى سؤالك نحن لم نمارس أي ضغط على الحزب الشيوعي لكي يحل نفسه وأظن أن عناصر كثيرة في هذا الحزب اكتشفت بالتجربة أن قضايا التطور تحتاج إلى تفكير جديد . هل أنت شيوعي ؟".
سارتر :"إنني ماركسي ولكني لا انتمى تنظيميا إلى حزب ". جمال عبد الناصر:" إنني مستعد أفهمك وأنا بالفعل افرق بين الماركسية والحزب الشيوعي . الماركسية فكر يطرح نفسه على الناس ويؤثر فيهم بقدرته على الحوار وإيجاد حلول لقضايا التطور والتقدم . وعندما تتحول الماركسية إلى حزب شيوعي فأنها تتحجر لأنها تدخل في قالب تنظيمي لا يسمح بالمراجعة والتجديد وإنما يوجه همه إلى التجميد والسعي للحصول على السلطة وبما أن الشيوعيين أقلية فإنهم يلجأون إلى العمل السري والى تنظيمات ما تحت الأرض شأنهم في ذلك شأن أقصى اليمين . ومع ذلك فانا أريد أن أسألك لماذا تسألني عن الحزب الشيوعي وحده ؟ إنني أفكر في تعددية من نوع جديد ولم اعثر على الصيغة الملائمة بعد . والحقيقة إنني أخشى من الحزبية فلو أبحنا الحزبية الآن وفى ظل الحرب الباردة التي تجرى على الساحة العالمية الآن لوجدتني على الفور أمام حزب شيوعي موال لروسيا وحزب رجعى موال للأمريكان وربما حزب ديني يؤدى قيامه إلى فتنه دينية في البلاد . ولهذا فالقضية في رأيي اكبر من الحزب الشيوعي". سارتر: "إنني لاحظت أن الرئيس وضع " إسرائيل " في نفس الصف مع الاستعمار البريطاني وقوى اليسار الفرنسية التي خانت رسالتها وهذا يعقد الأمور في الشرق الأوسط".
جمال عبد الناصر : " الذي يعقد الأمور ليس إنني أضعهم في هذا الصف أو ذلك ولكن الذي يعقدها فعلا هو "إسرائيل" . لا يمكن لأي جماعة من الناس أن ينقضوا على بلد ويأخذونه لأنفسهم ويحولوا سكانه الأصليين إلى مواطنين من الدرجة الثانية ، الذي يعقد الأمور هو ضياع الحقوق العربية في فلسطين . بعض الناس يتصورون أن هذا الجيل من الشعب الفلسطيني تعود على ضياع وطنه وانه يموت أو يكاد يموت . وينسون في هذا أن جيلا جديدا سوف يظهر جيل لا يشعر بالضياع ولا يشعر بالمهانة وهذا الجيل سوف يقاوم ليحصل على حقوقه الإنسانية أولا ثم الوطنية وهكذا والشئ الثاني الذي يعقد الأمور في موضوع "إسرائيل" ليس تصنيفا لها ، وإنما علاقتها بالولايات المتحدة وهو موضوع يدفع المنطقة الآن إلى حافة الحرب فـ "إسرائيل" تريد التوسع وتريد أن تفرض هذا التوسع بالقوة وهذا معناه الحرب" .
سارتر :" هناك مجموعات في " إسرائيل " خصوصا من اليسار يتفهمون قضية الشعب الفلسطيني ".
جمال عبد الناصر : "الموضوع ليس موضوع مشكلة تفهم وإنما الموضوع يتلخص في مشكلتين : المشكلة الأولى الهجرة لـ " إسرائيل " باستمرار الهجرة لن تتسع " إسرائيل " للقادمين إليها وستلجأ للتوسع وهذا يؤدى إلى الحرب والمشكلة الثانية انه إذا كان هناك من يتفهم مشكلة الشعب الفلسطيني كما تقول من عناصر اليسار الاسرائيلى فلا أظن أن لديهم ما هو أكثر من الألفاظ والتعاطف بها ببساطة لان أهم حقوق الفلسطيني هي حق العودة فإذا عادوا فسيصبحون أغلبية وعندئذ تذوب فكرة دولة " إسرائيل".
وتسجل صفحة 48 من محضر الاجتماع ردا لـ " جمال عبد الناصر " على سؤال وجهه إليه " سارتر " عن القضية التي تشغله الآن أكثر من غيرها وكان قوله : "العالم كله يحاول إخراج الشباب من السياسة ويحاولون الهاءهم بأنواع من الرقص الجديد ويحولون اهتمامهم إلى الرياضة وأنا أرى ذلك خطرا كبيرا(*) القضية التي أتمنى لو استطعت أن أركز عليها هي أن يشعر الشباب أن السياسة هي عملية صنع مستقبله وان اهتمامه بها ومشاركته فيها هما اكبر ضمانات المستقبل . ما أراه في الاتحاد السوفيتي وما أراه في غيره يجعلني اقلق لان الأجيال القديمة تحجب أجيالا جديدة عن المشاركة وهذه مشكلة فإذا حجبنا الشباب عن العمل السياسي تتوقف حيوية الأنظمة ويزداد الاعتماد على عناصر القوة في المجتمع. وهذه ليست وصفة مضمونة لحماية التطور ".
نصوص منجزة
نصوص فلسفية منجزة
الهويّة والشعور
لكي نهتديَ إلى ما يكوّن الهويّة الشخصيّة لا بدّ لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشّخص، فيما أعتقد، كائن مفكّر عاقل قادر على التعقّل والتأمّل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنّها مطابقة لنفسها، وأنّها هي نفس الشيء الذي يفكّر في أزمنة وأمكنة مختلفة. ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشّعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصّة. وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر، بل هو، فيما يبدو لي، ضروريّ وأساسيّ تماما بالنسبة للفكر، مادام لا يمكن لأيّ كائن [بشري]، كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريّا دون أن يشعر أنّه يدرك إدراكا فكريّا. عندما نعرف أنّنا نسمع أو نشمّ أو نتذوّق أو نحسّ بشيء ما أو نتأمّله أو نريده، فإنّما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا. إنّ هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، وبها يكون كلّ واحد منّا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته، وفي هذه الحالة لا نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرّة في الجوهر نفسه أو في جواهر متنوّعة. إذ لمّا كان الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم، وكان هذا هو ما يجعل كلّ واحد هو نفسه، ويتميّز به، من ثمّ، عن كلّ كائن مفكّر آخر، فإنّ ذلك هو وحده ما يكوّن الهويّة الشخصيّة أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو. وبقدر ما يمتدّ ذلك الشعور بعيدا ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، بقدر ما تمتدّ هويّة ذلك الشّخص وتتّسع. فالذات الحالية هي نفس الذات التي كانت حينئذ، وذلك الفعل الماضي إنّما صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر.
جون لوك،
مقالة في الفهم البشري، الكتاب II فصل 27، فقرة 9 ترجمه إلى الفرنسية كوسط، ونشره إميليان نايرت، فران، 1994
ص : 264-265
John Locke, Essai concernant l’entendement humain
1- تــــأطير النـــص: النص مقتطف من كتاب لوك "مقالة في الفهم البشري (1690)"، ويشكّل هذا الكتاب مساهمة أساسية في الجواب عن سؤال الفلسفة خلال القرنين 17 و 18، وهو: كيف يدرك الإنسان ذاته والعالم ؟ كيف يبني معرفته ؟ وكيف يحافظ على وحدة الذات وبقائها في الزمن ؟ ولحلّ هذه المشاكل يعتمد لوك مفهوم الهويّة الشخصيّة انطلاقا من الشعور بوصفه قدرة تأمليّة.
2- صـــاحب النــص: جون لوك (1632-1704)، هو فيلسوف تجريبي ومفكّر سياسي إنجليزي، ولد في عام 1632 في إقليم Somerset، وتعلّم في مدرسة وستمنسر، ثمّ في جامعة أوكسفورد. لعب دورا كبيرا في الأحداث السياسية التي عرفتها إنجلترا ما بين سنة 1660 و 1680، كما أنّ علاقة لوك باللورد آشلي لعبت دورا كبيرا في نظرياته السياسية الليبيرالية، ولقد كان اللورد آشلي يتمتّع بنفوذ كبير في إنجلترا إذ كان يمثّل المعالم السياسية لرؤوس الأموال التجارية في لندن، وتحت تأثير اللورد آشلي كتب لوك في عام 1667 مقالا خاصّا بالتسامح راجع فيه أفكاره القديمة الخاصة بإمكانية تنظيم الدولة لكلّ شؤون الكنيسة.
3- الإشكـال: كيف يجعل الشعور الشخص ذلك الكائن المفكّر القادر على التعقّل والتأمّل حيث ما وجد في أي زمان ومكان ؟.
4- المفــــاهيم:
§ الهـوية: مفهوم فلسفي يدلّ على هويّة الشيء أو الشخص، أي ما يتعلّق بماهيته وطبيعته أي جوهره، ولكلّ شخص هويته قد تتحدّد في عقله وفكره أو ثقافته (اللغة، الدين...)
§ الـذات: مصطلح فلسفي يرتبط بالأنا الواعي والمفكّر، ويدلّ على الشخص أو الوعي بالذات.
§ الجوهر: جوهر الشيء يعني ماهو ثابت فيه، وماهو ثابت لا يتغيّر في الكائن
5- - الأطـــروحة: إنّ الشخص حسب جون لوك هو ذلك الكائن المفكّر والعاقل القادر على التعقّل والتأمّل، وذلك عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمرّ دون حدوث أي تغيّر في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هوهو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكّر أفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر.
6- الأفكــــار الأساسية:
× الشخص كائن مفكّر قادر على التعقّل والتأمّل
× إنّ ذات الشخص مطابقة لنفسها وهي نفس الشيء الذي يفكّر في أزمنة وأمكنة مختلفة.
× الشعور هو ماهية الشخص، وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر.
× إن الذات المفكّرة تدرك الأفعال التي صدرت عنها في الماضي والحاضر.
7- الــحجـــــــاج:
التفسير: عند ما نعرف... فإنّنا نعرف...
النفـي: هذا الشعور لا يقبل الانفصال
التعريف: الشخص هو كائن مفكّر وعاقل...
اعتماد بنية مفاهيمية قويّة: الشعور، الجوهر، الذات...
8- الاستنتـــــاج: الشخص كائن مفكر يعقل ذاته وأفعاله مهما تغيرت الظروف وتوالت الأزمان، وعن طريق الوعي يكون مسؤولا مسؤولية قانونية عن كلّ ما يصدر عنه من أفعال. من هنا فأساس هويّة الشخص حسب لوك هو الشعور الذي يجعل الإنسان يحرّك ذاته ويبني معرفته بذاته على نحو دائم فيصبح الشخص إثرها هوهو رغم ما يلحقه من تغير.
9- قيمـة النصّ وراهنيته: تكمن قيمة النص في جعل قيمة الشخص لا تخرج عن كونه كائنا عاقلا ومفكّرا، فالإنسان في كلّ زمان ومكان قادر على تعقّل العالم وتأمّل مجتمعه، هكذا فإنسان العصر الراهن يلزمه أن يتعقّل وجوده أكثر وأن يتعقّل ما يصدر عنه من سلوكات وأفعال قد تكون أنفع للإنسانية جمعاء وقد تكون عكس ذلك أفعال مدمّرة للوجود الإنساني كأفعال العنف والإرهاب والحروب والتلوّث.
10- - استغـــــلال معطيــــات النص للإجـــابة علــــى الإشكـــال المطـــروح: هوية الشخص تكمن في كونه ذاتا عاقلة ومفكّرة وشاعرة (بمعنى الشعور).
الهويّة والإرادة:
على ماذا تتوقّف هوية الشخص ؟ ليس على مادّة جسمه، فإنّ هذه تتجدّد في بضعة أعوام، وليس على صورة هذا الجسم، لأنّه يتغيّر في مجموعه وفي أجزائه المختلفة، اللهمّ إلاّ في تعبير النظرة، ذلك أنّه بفضل النظر نستطيع أن نتعرّف شخصا ولو مرّت سنوات عديدة. وباختصار فإنّه رغم التحولاّت التي يحملها الزمن إلى الإنسان، يبقى فيه شيء لا يتغيّر، بحيث نستطيع بعد مضي زمن طويل جدّا أن نتعرّف عليه، وأن نجده على حاله، وهذا ما نلاحظه أيضا على أنفسنا. فقد نشيخ ونهرم، ولكنّنا نشعر في أعماقنا أنّنا ما زلنا كما كنّا في شبابنا، بل حتّى في طفولتنا. هذا العنصر الثابت الذي يبقى دائما في هوية مع نفسه دون أن يشيخ أو يهرم أبدا، هو بعينه نواة وجودنا الذي ليس في الزمان. وقد يرى الناس عامة أنّ هوية الشخص تتوقّف على هوية الشعور، فإذا كنّا نعني بهذا الذكرى المترابطة لمسار حياتنا، فإنّها لا تكفي لتفسير الأخرى (أي هوية الشخص)، وليس من شكّ أنّنا نعرف عن حياتنا الماضية أكثر ممّا نعرف عن رواية قرأناها ذات مرّة، ورغم ذلك فإنّ ما نعرفه عن هذه الحياة قليل. فالحوادث الرئيسية والمواقف الهامّة محفورة في الذاكرة، أمّا الباقي، فكلّ حادثة نذكرها تقابلها آلاف الحوادث التي يبتلعها النسيان، وكلّما هرمنا توالت الحوادث في حياتنا دون أن تخلّف وراءها أثرا. ويستطيع تقدّم السنّ أو المرض، أو إصابة في المخّ أو حمق أن يحرمنا كلّية من الذاكرة، ومع ذلك فإنّ هوية الشخص لا يفقدها هذا الاختفاء المستمرّ للتذكّر. إنّها تتوقّف على الإدارة التي تظلّ في هوية مع نفسها، وعلى الطبع الثابت الذي تمثّله (...). ولا شكّ أنّنا قد تعوّدنا تبعا لعلاقتنا بالخارج أن نعتبر الذات العارفة هي ذاتنا الحقيقية، ذاتنا العارفة التي تغفو في المساء ثم تستغرق في النوم، للتألّق في الغد تألّقا أقوى. ولكن هذه الذات ليست سوى وظيفة بسيطة للمخّ، وليست هي ذاتنا الحقيقية. أمّا هذه، التي هي نواة وجودنا، فهي التي تختفي وراء الأخرى، وهي التي لا تعرف في قراراتها غير شيئين: أن تريد أو ألاّ تريد.
أرثور شوبنهاور، العالم بوصفه إرادة وتمثّلا، ترجمة بوردو، م.ج.ف، 1966.3 ص : 943
Arthur Schopenhauer, Le monde comme volonté et comme représentation
1- تأطير النص: النص مقتطف من كتاب "العالم بوصفه إرادة وتمثّلا (1813)"، لصاحبه الفيلسوف الألماني أرثور شوبنهاور، وفي هذا الكتاب يقدّم شوبنهاور فكرة مفادها أنّ الإنسان ينظر إليه كإرادة في الحياة، محكوم عليه بالشقاء والتعاسة، فالشخص لا يخضع لقوانين، بل يخضع لإرادة عبثية تتجاوزه وتتجلّى في رغباته.
2- صاحب النص: أرثور شوبنهاور فيلسوف ألماني ولد في دانزج عام 1788، وكان أبوه تاجرا امتاز بالمقدرة وحدّة الطبع واستقلال الشخصية وحبّ الحرية، وقد غادر دانزج التي جردّها البولنديون من حرّيتها بضمّها، إلى بولندا عام 1793، ولقد مات والد شوبنهاور منتحرا عام 1805، وتوفيّت جدّته وهي مصابة بالجنون، ولم تكن أمّه سعيدة في حياتها الزوجية، وعندما توفّي زوجها انطلقت تبحث عن الحبّ، ولقد ثار شوبنهاور على هذا الاتّجاه الجديد لأمّه وأثّر النزاع بينهما على نفسه ممّا جعله يحتقر جميع النساء طيلة حياته، فعاش وحيدا بلا أمّ ولا ولد ولا أسرة ولا صديق... ويعرف شوبنهاور بكتابه "العالم كإرادة وفكرة" الذي ضمّ فيه أهمّ أفكاره وتصوّراته للحياة والعالم والنفس.
3- الإشكـال: أين تكمن هوية الشخص، هل في مادة جسمه أم في صورة جسمه أم في شيء آخر غير هذا ولا ذاك
4- المفاهيم :
§ الإرادة: مفهوم فلسفي مهمّ وقويّ في فلسفة شوبنهاور، وهي صفة تميّز الطبع، حيث يقال "لهذا الشخص إرادة قوية"، وهذه الإرادة ترتبط حسب شوبنهاور بإرادة الحياة التي يعتبرها هي الواقع الحقيقي الوحيد، وماعداه مجرد تمثّلات.
§ العلاقة بالخارج: هي كلّ علاقة يمكن أن تربط بين الأنا والعالم الخارجي (الآخر، المجتمع، الثقافة...) وهي علاقة تأخذ عدّة أشكال وعدّة مواقف، كأن تكون علاقة تكامل وتداخل أو العكس علاقة تناقض وتخارج
5- الأطــــروحة: ينتقد شوبنهاور المواقف التي تربط بين الشعور والهوية، ويؤكّد أنّ هوية الشخص تتحدّد بالإرادة، أمّا الشعور فهو يتجدّد ويتغيّر بفعل الزمن، كما يمكن تعديله وتقويمه، بينما الإرادة لا يمكنها أن تتغيّر لأنّها خاضعة للزمان، وهو ما يجعل الفرد يتصرّف دائما في ظروف بعينها تصرّفا واحدا بعينها، أي أنّه يتصرّف دائما في هوية مع نفسه، أي أنّه لا يستطيع أن يفعل غير ما يفعله.
6- الأفكار الأساسية:
× لا تكمن هوية الشخص في مادّة جسمه، لأنّ هذه المادّة تتجدّد في بضعة أعوام.
× لا تكمن هوية الشخص في صورة جسمه، لأنّ هذا الجسم يتغيّر في مجموعه وفي أجزائه المختلفة.
× إنّ العنصر الثابت والدائم والذي يبقى دائما في هوية مع نفسه دون أن يشيخ أو أن يهرم هو بعينه نواة وجودنا الذي ليس في الزمان.
× إنّ هوية الشخص لا تتوقّف على هوية الشعور، لأنّها لا تكفي هذه الأخيرة لتفسير هوية الشخص.
× إنّ الإرادة هي معيار هوية الشخص لأنّها تظلّ في هوية مع نفسها وعلى الطبع الثابت الذي تمثّله.
× تتحدّد هذه الإرادة فيما يلي: أن تريد أو ألاّ تريد.
7- الحجــــاج:
طرح أسئلة داخل النص ثم الإجابة عنها: مثلا: "على ماذا تتوقّف هوية الشخص؟
اعتمادا أمثلة من واقع الإنسان: نشيخ، نهرم، طفولتنا، شبابنا...
النفي: هذه الذات ليست سوى...
اعتماد بنية مفاهيمية: شعور، إرادة، هوية...
8- الاستنتاج: يعتبر شوبنهاور أنّ الإرادة هي الشيء الجوهري والأساسي في الإنسان ويعطيها الأولوية على العقل، لأنّ العقل مخلوق للإرادة كي يقوم على خدمتها وتنفيذ أوامرها ونواهيها.
9- قيمة النص: تكمن قيمة النص في تجاوز الفلسفات السابقة التي تعتبر أنّ ماهية الإنسان هي عقله، والقول بأنّ الإرادة هي الجوهر والثابت في شخصية الشخص... إنّ هذا التصوّر يتناسب مع بعض الظواهر والوقائع التي يعيش عليها إنسان الوقت الراهن، فإرادة شخص ما أو جماعة ما هي التي تبرّر سلوكات وأهداف هذا الشخص أو الجماعة، فإرادة السيطرة والهيمنة الاقتصادية هي التي تفسّر استعمار دول لدول أخرى...
10- استغلال معطيات النصّ للإجابة على الإشكال المطروح: إنّ هوية الشخص لا تقتصر على مادّة جسمه أو صورة هذا الجسم، إنّها شيء آخر، حيث لا تعدو سلوكات الإنسان إلاّ انعكاسا لماهية هذه الهوية، التي هي الإرادة.
أساس هوية الشخص: طبعه و ذاكرته
من الأكيد أنّنا ننظر لأنفسنا على أنّنا شخص واحد، وأنّنا نفس الشخص في كلّ فترات عمرنا؛ لكن هذه الهوية التي ننسبها لأنفسنا، هل تفترض بالضرورة أنّ فينا عنصرا ثابتا، أنا حقيقيّا و ثابتا ؟ لنسجّل أنّ الوقائع تكذّب كلّيا هذه الفرضية، فالإنسان الذي هو في حالة نوم ليس له إلاّ أنا متخيّل يتبخّر عندما يستيقظ؛ كما أنّ ضربة واحدة على الرأس تكفي لحفر هوّة عميقة بين أنا اليوم و أنا البارحة لأنّها تشلّ ذكرياتنا. و نحن نعرف كذلك حالة بعض المرضى الذين لديهم أنا أوّل و أنا آخر يتناوبان فيما بينهما و أحدهما يعرف الآخر... أن نقول بأنّنا نرجع حالاتنا الداخلية إلى أنانا معناه أن نقول إنّنا نرجع حالاتنا الداخلية الخاصّة إلى أنا ما أو إلى ذات حاملة عامة... ليس هناك سوى شيئين يمكن أن يجعلاننا نحسّ بهويتنا أمام أنفسنا وهما: دوام نفس المزاج أو نفس الطبع، و ترابط ذكرياتنا. ذلك أنّ لدينا نفس الطريقة الخاصة في رد فعلنا تجاه ما يؤثّر علينا، أي أنّ نفس العلامة تسم رد فعلنا الأخلاقي و تطبع حالاتنا النفسية الداخلية بطابع شخصيّ؛ ... إضافة إلى ذلك فإنّ ذكرياتنا تشكّل، على الأقلّ بالنسبة للقسم القريب من حياتنا، سلسلة مترابطة الأطراف: فنحن نرى أنّ حالتنا النفسية الحالية تتولّد من حالتنا النفسية السابقة... و هكذا يمتدّ وعينا التذكّري في الماضي و يتملّكه و يربطه بالحاضر... ليست هويتنا الشخصية، إذن، كما كان متداولا من قبل، معطى أوليّا أصليّا في شعورنا، بل إنّها ليست إلاّ صدى، مباشرا أو غير مباشر، متواصلا أو متقطّعا، لإدراكاتنا الماضية في إدراكاتنا الحاضرة. و هكذا فنحن لسنا، أمام أعيننا، سوى ظواهر يتذكّر بعضها بعضا.
Jules Lachelier :Psychologie et métaphysique P.U.F 1948
1- تأطير النص:
يتـأطّر النص في إطارفلسفة فرنسية خاصة مع جيل لاشوليه. الذي صاغ تصوّرا خاصّا لمفهوم الشخص اعتبر فيه أنّ المحدّد الرئيسي للشخص هو هويّته.
2- من هو صاحب النص؟ إنّه الفيلسوف الفرنسي "جيل لاشولي ولد سنة: 1832 وتوفي سنة: 1918 تلقّى تعليمه بالمدرسة العليا واشترك مع أستاذه "رافيسون في تأسيس الحركة الروحية في الفلسفة الفرنسية، أهمّ ما ميّز فكر جيل لاشوليه هو اعتباره أنّ الأشياء في غالب الأحيان ما تردّ إلي ظواهر، وهذه الأخيرة عبارة عن أحاسيس، كما يرجع العالم الخارجي. التحق لاشوليه بالمدرسة العليا للأساتذة في باريس، من أهمّ كتب الرجل نجد: في أسس الاستقراء الذي نشره سنة 1871، السيكولوجية والميتافيزيقا سنة 1885
3- الأشكلة: يمكن صياغة الطرح الإشكالي لنص جيل لاشوليه على النحو التالي: هل يمكن القول بوحدة داخل هويّة الشخص أم أنّ هذه الوحدة لا تعدو أن تكون وهما، وبالتالي الشخص محدّد من خلال التعدّد والتنوّع ؟ أو بصيغة أخرى هل تقوم الهوية على التطابق أم الاختلاف والتعدّد؟.
4- الأطروحة: يدافع جيل لاشوليه عن أطروحة أساسية مفادها أنّ المحدّد الرئيسي للشخص هو هويته،أي تطابقه مع ذاته وهذا ما يميّزه عن غيره و بالتالي فأساس هويّة الشخص هي وحدته النفسية في الزمان عبر مختلف لحظات تطوّره المختلفة
5- المفاهيم الأساسية: وحتّى يثبت صاحب النص أطروحته استخدم عدّة مفاهيم أهمّها -
* الشخص * الهوية * الأنا * الذات * المزاج
6- الحجاج: يمكن أن نقسّم الحجج إلى نوعين الأولى لغوية من خلال اعتماد صاحب النص علي عدّة أساليب حجاجية أهمّها:
النفي (ليس....) الاستفهام(هل.... ) الشرح والتفسير(أن تقول .....معناه....). (أي أن...)
الثانية هي حجج معرفية وفكرية من خلال:
- يبدأ صاحب النص بالتساؤل حول صحّة الإمكانية القائلة بوجود هوية واحدة وثابتة
- التأكيد على أنّ أساس هوية النصّ تربط وتحدّد بالدرجة الأولى بوحدته النفسية
عبر مختلف المراحل الأساسية التي يمرّ منها وبالتالي فهوية الشخص ليست نتاجا تلقائيا بقدر ما هي نتائج لآليات ربط وهي آليات نفسية بالدرجة الأولى.
- التأكيد في نهاية النص عن فكرة أساسية مفادها أنّ وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية الإنسانية هي الضامن الأوّل والأخير لهوية سالمة مطابقة مع الذات في مواقفها وردود فعلها.
7- قيمة النص ورهانه: يمكن القول أنّ قيمة النص تتمثّل بالدرجة الأولى في كونه قد صاغ تطوّرا أساسيا لمفهوم الشخص تختلف تماما عن التصوّرات التي كانت معروفة خلال هذه المرحلة بل أكثر من ذلك يمكن القول أيضا إنّ أطروحة "جيل لاشولية قد مهّدت لظهور نظريات جديدة في إطار التعامل مع مفهوم الشخص وبالتالي يمكن القول إنّ النص" أساس هوية الشخص طبعه وذاكرته هو يمثّل صورة مصغرّة عن الرهان العام لأطروحة جيل لاشويه حول مفهوم الشخص.
8- خلاصة وتركيب: يمكن أن نحتفظ من خلال هذا النصّ بعنصرين أساسين وهما:
- الشخص يتحدّد من خلال ارتباطه بهويته.
- إنّ وحدة الشخص وتماسكه لا يتمّ بشكل عفوي تلقائي بل هي نتائج آليات ربط. حتّى نقول إنّ هويته الشخص ليست معطى وإنّما بناء كما يقول كانط.
البنية النفسية الثلاثية للشخصية
إن الأنا مضطر لاّن يخدم ثلاثة من السادة الأشداء، وهو يبذل أقصى جهده للتوفيق بين مطالبهم. وهي في الغالب مطالب متعارضة و التوفيق بينها مهمة عسيرة إن لم تكن أقرب إلى أن تكون مستحيلة. فليس من الغريب إذن أن يفشل الأنا في أغلب الحالات في مهمة التوفيق هاته. وهؤلاء المستبدون الثلاثة هم :العالم الخارجي، والأنا الأعلى، و الهو. و نحن عندما نتابع المجهودات التي يقوم بها الأنا بقصد الاستجابة لهذين النوعين من المطالب في وقت واحد ، أي بطاعة أوامرهما في نفس الوقت، فإننا لن نأسف إذا ما كنا قد شخصنا هذا الأنا و قدمناه كحالة خاصة. فهو يحس بأنه معرض لثلاثة ضغوط و مهدد من طرف ثلاثة أنواع من الأخطار يكون رد فعله عليها، عندما تشتد معاناته منها، هو توليد نوع من القلق. فهو، من حيث إنه نفسه نشأ نتيجة التجارب الإدراكية ، يتجه إلى أن يتمثل متطلبات العالم الخارجي لكنه يود أن يكون بنفس الوقت خادما للهو، ومتصالحا معه و مع حاجاته المستمرة للإشباع ... إن الأنا ، في مجهوده من أجل التوسط بين الهو و الواقع، مضطر دوما إلى أن يموه على أوامر اللاشعور بتبريرات متعددة ، وإلى التخفيف من صراع الهو مع الواقع ، عن طريق نوع من التمويه الدبلوماسي و الرياء و التظاهر بأنه يأخذ الواقع بعين الاعتبار و يراعيه ، حتى ولو ظل الهو جموحا و متصلبا في مطالبه الملحة على الإشباع. ومن زاوية أخرى، فالأنا هو محط رصد من طرف الأنا الأعلى الذي يفرض عليه باستمرار المعايير التي يتعين عليه اتباعها في سلوكه دون أن تهمه العوائق و الصعوبات الآتية من الهو و من العالم الخارجي . وإذا ما عصى الأنا أوامر الأنا الأعلى و تعليماته فإن هذا الأخير يعاقبه بأن يسلط عليه مشاعر التوتر و القلق التي يشكلها لديه الإحساس بالدونية أو بالذنب. وهكذا يصارع الأنا، و هو محاصر بين ضغط الأنا الأعلى و مطالب الهو و قوة الواقع ، من أجل ينجز مهمته في إحداث نوع من التوافق و الانسجام بين هذه القوى والتأثيرات المتفاعلة داخله و المؤثرة عليه من الخارج.
S. freud : Nouvelles conferences 1932 trad. fr. Zeitlin Paris 1936
1- تأطير النص: يندرج النص في إطار الاهتمامات المختلفة لنظرية التحليل النفسي مع عالم النفس النمساوي س.فرويد.الذي حاول دراسة شخصية الإنسان بصورة مغايرة تعتمد طابع اكثردقة و عملية فكيف تعامل فرويد مع هذا الموضوع ؟
2- من هو صاحب النص ؟: ولد سيجموند فرويد في فرايبورغ وهو نمساوي ارتبط اسمه بتأسيس التحليل النفسي تلقى تعليمه في مدينة فينا في علم الأعصاب وتحت تأثير الطبيب الفرنسي "شاركو" والطبيب "بروير" اهتم بالجوانب النفسية للإنسان وطور أبحاثهما من أهم مؤلفات فرويد:
- محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي سنة 1916.
- تفسير الأحلام 1899 وهذا من أشهر الكتب.
- الطوطم والطابو مقالات في علم النفس الجمعي.
ذاعت أراء فرويد بعد هجرته إلى إنجلترا مع بداية الحرب العالمية الثانية بعدما ضيقت النازية الخناق على جل العلماء والفلاسفة اليهود خلال هذه المرحلة، لعل أهم نظريات فرويد على الإطلاق نظرية اللاشعور التي فسر بها السلوك البشري الغير السوي، فعوض أن يعتبر هذا السلوك لا معنى له اتجه نحو البحث في الظروف المنتجة له وقال انه سلوك يعود إلى التجربة الجنسية لمرحلة الطفولة، من هذا المنظور اقترح فرويد مفهوم اللاشعور كفرضية لا يمكن بدونها فهم الصلة بين مرحلتي الطفولة والبلوغ. وبعد رحلة دامت حوالي 83 سنة توفي فرويد سنة1939.
3- الأشكلة: في هذا النص يحاول فرويد طرح إشكال عام كالتالي: ماهي العناصر الأساسية التي تنبني عليها الشخصية؟ وما هي الصيغة العامة التي من خلالها يمكن تحقيق التوازن؟
4- الأطروحة: يرى فرويد في تصوره أن شخصية الإنسان هي عبارة عن صراع دائم بين مجموعة من الغرائز (الهو) والمثل الأخلاقية (الأنا الأعلى) وأيضا ضغوط الواقع الإجتماعي، لذلك فالأنا هو نتاج للتوازن والتوفيق بين هذه القوى مثلما هو أداة تحقيق هذا التوازن والتوفيق، لذلك فوحدة الشخص وحدة دينامية عسيرة ولا متناهية التحقق.
5- المفاهيم الأساسية: اعتمد فرويد على مفاهيم أساسية أهمها: * الأنا * الأنا الأعلى. * الهو. * اللاشعور.
6- الحجاج:
* الحجج اللغوية:
+ أسلوب التأكيد: (إن الأنا...)
+ أسلوب النفي: (ليست...)
+ أسلوب الاستنتاج: (هكذا...)
* الحجج المعرفية:
- يرى فرويد أن الإنسان دائم الصراع بين عناصر ثلاث ليحقق التوازن ومحاولة التوفيق بينهما.
- التأكيد على أن هذا الصراع في غالب الأحيان ما يكون محاصر بين ضغط الأنا الأعلى من جهة ومطالب الهو والواقع من جهة ثانية.
7- قيمة النص ورهانه: إن قيمة النص تكمن بالدرجة الأولى في كونه يقدم لنا تصورا تفسيريا لمجموعة من العناصر المشكلة لشخصية الفرد، وبالتالي فالرهان لدى فرويد كان هو محاولة وضع تفسير دقيق لكيفية حدوث هذا التوازن.
8- خلاصة وتركيب: إن أهم ما يمكن أن نحتفظ به من خلال نص سيجموند فرويد هو عنصرين أساسيين:
• لا يمكن أن تكون الشخصية سوية بالشكل المطلوب إلا حينما تحاول التوفيق بين أبعاد الشخصية الثلاث.
• ثم أن هذه العلاقة حسب فرويد هي علاقة صراع بالدرجة الأولى.
الشخص غاية في ذاته
يوجد الإنسان وبوجه عام كل كائن عاقل، بوصفه غاية في ذاته، وليس مجرد وسيلة يمكن أن تستخدمها هذه الإرادة أو تلك وفق هواها. ففي جميع هذه الأفعال، كما في تلك التي تخص ذاته والتي تخص الكائنات العاقلة الأخرى، يجب دائما اعتباره غاية في ذات الوقت. إن جميع موضوعات الميول ليس لها إلا قيمة مشروطة، ذلك لأنه لو كانت الميول والحاجات المشتقة منها غير موجودة لكان موضوعها بدون قيمة. لكن الميول ذاتها، بوصفها مصادر للحاجة، لها قدر قليل من القيمة المطلقة التي تمنحها الحق في أن تكون مرغوبة لذاتها، وأكثر من ذلك، ينبغي على كل كائن عاقل أن يجعل أمنيته الكلية هي التحرر التام منها. ومن هنا فقيمة جميع الموضوعات التي نكتسبها بفعلنا هي دائما قيمة مشروطة. فالموجودات التي يعتمد وجودها، والحق يقال، لا على إرادتنا، بل على الطبيعة، مادامت موجودات موجودات محرومة من العقل، ليس لها مع ذلك إلا قيمة نسبية، قيمة الوسائل، وهذا هو السبب الذي من أجله يدعوها المرء أشياء؛ بينما الموجودات العاقلة تدعى أشخاصا، ذلك أن طبيعتها تدل على من قبل بوصفها غايات في ذاتها، أعني شيئا لا يمكن استخدامه ببساطة كوسيلة، شيء يحد بالتالي من كل قدرة على التصرف حسب هوانا (وهو موضوع احترامنا تلكم إذن ليست مجرد غايات ذاتية، يملك وجودها، من حيث هو معلول لفعلنا، قيمة بالنسبة إلينا، بل هي غايات موضوعية أعني أشياء وجودها غاية في ذاته، بل وتكون غاية بحيث لا يمكن أن نستبدل بها أية غاية أخرى. ويلزم أن تقوم بخدمتها الغايات الموضوعية، بوصفها مجرد وسائل (...) وعلى ذلك، فإذا كان لابد للعقل من مبدأ عملي أسمى، كما لابد للإدارة الإنسانية من أمر مطلق، فإن هذا المبدأ يلزم أن يكون بحيث يكون بالضرورة، عند تمثل ما هو غاية في ذاته، غاية لكل إنسان، فهو يشكل مبدأ موضوعيا للإدارة، ويمكن بالتالي أن يكون بمثابة قانون عملي كلي. وأساس هذا المبدأ هو التالي : إن الطبيعة العاقلة توجد كغاية في ذاتها.
إمانويل كانط، أسس ميتافيزيقا الأخلاق، ترجمة فيكتور دلبوس، دولاغراف، 1969، ص : 148-149
Emmanuel Kant, Fondements de la métaphysique des mœurs.
1- تأطير النص: النص مقتطف من كتاب أسس ميتافيزيقا الأخلاق للفيلسوف إمانويل كانط، ترجمة فكتور دلبوس، سنة 1969، ص 148،149 ، وفي هذا الكتاب يقدم كانط محاولة تحليلية، تنطلق من المعرفة المشتركة لتصل إلى المبادئ، حيث تمكن من استنباط المبدأ الأخلاقي الأسمى، حيث يكون الخبر بالفعل هو الخير بالقصد، وفي هذا النص يقرر كانط أنه يحب التعامل مع الشخصي باعتباره غاية في ذاته.
2- - صاحب النص: هو الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724-1801)، المزداد بكوينسبرغ، وكان الابن الرابع في أسرة تتكون من 11ولدا، كان والده حرفيا، وأشرفت والدته على تربيته وعرفته على الواعظ شولتز الذي كان له أثر كبير في التطور الفكري لكانط، درس الرياضيات والفلسفة والعلوم الطبيعية، كتب أولى مقالاته باللغة الألمانية عام 1746، تحت عنوان "آراء حول التقدير الصحيح للقوى الحية" محاولا التوفيق بين الديكارتين وأتباع لا يبنتز، ويتحدد مشروعه الفلسفي في النقد الذاتي للعقل لتحديد ملكاته وحدوده وأهم مؤلفاته التي عرف فيها مذهبه هي: نقد العقل الخالص (1781) نقد العقل العملي (1788) نقد ملكة الحكمة (1790).
3- الإشكال: أين تكمن قيمة الشخص، هل في كونه غاية في ذاته باعتباره ذات أخلاقية، أم أن قيمته تتحدد بالشكل الذي يرغبه الآخرون.
4- المفاهيم:
§ الأمر المطلق: هو أمر قطعي تمت صياغته بشكل صوري مجرد، وقد وضعه كانط باعتباره المبدأ الأخلاقي الأسمى، وصيغته كالتالي: "تصرف على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك، كما في شخص غيرك، دائما وأبدا، كغاية وليس مجرد وسيلة بتاتا.
§ قيمة مشروطة: لكل شيء قيمة، قد تكون قيمة نفعية تكمن في ما تحققه من نتائج نفعية، وهي ما يسمى بالقيمة المشروطة، بينما قيمة الشخص تكمن في كونه ذاتا عاقلة وأخلاقية وحرة وليس مجرد وسيلة يستخدمها الآخرون لتحقيق مصالح خاصة.
§ الشخص: هو كائن اجتماعي، هو الإنسان، ويسمى فردا، عندما يكون مجرد عضو بيولوجي داخل المجتمع، ويسمى شخصا عندما يزاول دورا داخل جماعة كأن يكون أبا، أستاذا، صانعا، وفي هذا الصدد يميز رالف لنتون بين الشخصية الأساسية والشخصية الوظيفية.
5-أ طروحة النص: يذهب كانط إلى أن قيمة الشخص تكمن في كونه ذاتا لعقل أخلاقي عملي، فهو غاية في ذاته، فالإنسان يتميز داخل نظام الطبيعة بامتلاكه لملكة الفهم مقارنة مع باقي الكائنات الأخرى، وعليه فهو يتصرف وفق القاعدة الأخلاقية التالية: "تصرف على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك، كما في شخص غيرك كفاية وليس مجرد وسيلة بتاتا".
6- الأفكار الأساسية:
× الإنسان كائن عاقل وحر، وذلك من خلال امتلاكه لملكة الفهم، التي تجعله يعامل باعتباره غاية في ذاته وليس وسيلة في يد الآخرين.
× أن قيمة كل إنسان تكمن في القدرة على التحرر من القيود الخارجية.
× إن قيمة الشخص هي قيمة غير مشروطة، أي أنها لا تتوقف عما نحققه من خلاله من نتائج عملية، بل إن له قيمة في ذاته تكمن في كونه ذاتا أخلاقية، بعبارة أخرى، إن الطبيعة العاقلة توجد كغاية في ذاتها.
7- البنية الحجـاجية:
التأكيد: يجب دائما اعتباره غاية.
النفي: ليس مجرد وسيلة، لا يمكن...
الاستدلال: إذا كان... فإن ...
المقارنة: قيمة الإنسان تختلف عن قيمة باقي الكائنات.
8- الاستنتاج: الإنسان يمكنه أن يتخذ من الأشياء وسائل يستخدمها لتحقيق أغراضه، لكن ليس من حقه أن يعامل الأشخاص كوسائل ذاتية نفعية، لأن الإنسان هو غاية في ذاتها وليس وسيلة لتحقيق أغراض الآخرين، وهذا ما يمنحه قيمة داخلية مطلقة ويكسبه احتراما لذاته ويملك بذلك كرامته الإنسانية.
9- قيمة النص وراهنيته: تكمن قيمة النص في كونه يدعو إلى ضرورة التعامل مع البشر باعتبارهم ذواتا مفكرة وأخلاقية تستحق أن تعامل باحترام، وهذه الدعوة شكلت أهم نبد في الاتفاقيات العالمية التي تعنى بحقوق الإنسان وكرامته خاصة اتفاقية حقوق الإنسان المؤسسة عام 1948.
10- استغـلال معطيـات النص للإجابة على الإشكـال المطروح: انطلاقا من النص يمكن القول أن قيمة الشخص تكمن في كونه غاية في ذاته وليس وسيلة في يد الآخرين، وذلك لأن الإنسان كائن عاقل وحر وأخلاقي، لكن وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن أن نتسائل، هل فقط الإنسان العاقل هو من يستحق الاحترام وأن يعامل على أساس غاية في ذاته؟، ألا يستحق الأحمق والجنين أن يعامل هو الآخر كما لو كان إنسانا مكتمل الإنسانية؟ (أطروحة طوم ريغان).
استقلالية الشخص
إن فكرة استقلال الذات المفكرة والشخص الأخلاقي، كما تمت صياغتهما من طرف الفلاسفة، لم تتحقق في الفكر الإنساني إلا في وقت متأخر. فهي بمثابة نقطة وصول لمسار طويل في التعلم، وتحقيقا للنموذج الذي ربما ينبغي على الإنسان أن يتوجه إليه بجهده. لكن، لا ينبغي أن ننسى أن تجربة الاستقلال والعزلة لا تشكلان الواقعة الأولى في الوجود، كما عاشها الناس فعليا. فالإدعاءات الإيديولوجية حول الإنسان، لا يمكن بأية حال، أن تنكر أشكال التضامن البسيطة والأساسية التي سمحت لتلك التنظيمات بالبقاء، وللفكر أن يتشكل على أرض بشر أحياء. لهذا فإن أخلاقا ملموسة هي التي ينبغي أن تحدد الجهد المبذول لأجل الكمال الشخصي، ليس فقط في مجال الوجود الفردي، ولكن أيضا، وأولا، في مجال التعايش وداخل المجموعة البشرية. وفي الحقيقة لا يتعلق الأمر هنا بنظامين مختلفين، فالعلم واحد، وكل نشاط بشري يندرج داخل هذا العالم الذي تساهم قيمه في النمو والارتقاء. يعتقد "الفرد" أنه إمبراطور داخل إمبراطورية، فيضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصور نفسه كبداية مطلقة. وعلى العكس من ذلك يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا بالمشاركة. فيقبل الوجود النسبي، ويتخلى نهائيا عن الاستكفاء الوهمي. إنه ينفتح بذاته على الكون، ويستقبل الغير. لقد فهم الشخص الأخلاقي، أن الغنى الحقيقي لا يوجد في التحيز والتملك المنغلق، كما لو كان بإزاء كنز خفي، ولكن يوجد بالأحرى في وجود يكتمل ويتلقى بقدر ما يعطي ويمنح.
جورج غوسدورف، مقالة في الوجود الأخلاقي، مكتبة أرموند كولان، باريس، 1949، ص : 201-202
Georges Gusdorf, Traité sur l’existence morale.
1- تأطير النص: النص مقتطف من كتاب "مقالة في الوجود الأخلاقي" (1949) لجورج غوسدورف، وفي هذا النص يسير غوسدورف على خلاف الفلسفات السابقة التي تناولت الشخص من منظور نظري وميتافيزيقي، فهو يؤكد في هذا الكتاب أن قيمة الشخص لا تتحدد في المجال الوجودي الفردي، ولكن في إطار أشكال التضامن بين الناس.
2- صاحب النص: جورج غوسدروف فيلسوف فرنسي ولد عام 1912 ومات سنة 2000، درس الفلسفة بجامعة ستراسبورغ، من مؤلفاته المعروفة "اكتشاف الذات"، "رسالة في الوجود الأخلاقي"، "مدخل إلى العلوم الإنسانية". وجه غوسدورف نقدا إلى الفلاسفة العقلانيين الذين يفككون الشخص ويرسمون للإنسان صورة مجردة لا يمكن للناس العاديين أن يتعرفوا فيها على أنفسهم، داعيا إلى إحياء الأساطير لأنها تنطق بمادة الواقع الإنساني وتحتوي على القيم في حالتها البدائية، إن الإنسان في نظره لا يواجه مشكلات منطقة مجردة بل مواقف درامية لا بد لها أن يتحمل فيها مسؤولية حريته الخاصة في مواجهة أخطار الوجود كافة، ولكي يتعرف الإنسان ذاته لابد من الإستعانة شعار "كن من أنت"، وترك الشعار الاتباعي "اعرف نفسك بنفسك".
3- الإشكـال: أين تكمن قيمة الشخص، هل في وجوده الفردي أم في انخراطه داخل أشكال التضامن بين الناس؟
4- المفــاهيم:
§ الاستكفاء: هو قدرة الفرد على العيش ماديا وأخلاقيا بمعزل عن الآخرين، بمعنى أنه يكون قادرا على تحقيق حاجياته في استقلالية عن الآخرين، وهو ما يختلف عن طابع الإنسان باعتباره كائنا مدنيا واجتماعيا بطبعه.
§ الغيـر: هو مقابل الأنا، وهو الآخر الذي تعيش الأنا في علاقات معه، وتكون علاقة الأنا بالغير مبنية على الصداقة أو على الغرابة... وقد يكون الغير فردا أو جماعة أو ثقافة.
§ التضامن: ظاهرة اجتماعية، تنعكس في كون الأفراد يترابطون فيما بينهم في شكل بنية تضامنية، وقد يكون تضامنا آليا كما في المجتمعات البدائية، وقد يكون تضامن عضويا في المجتمعات التي تعرف كثافة سكانية كبيرة (كما يرى إميل دوركايم).
5- الأطــــروحة : يرى غوسدورف بأن معرفة الذات لا تتحقق بمجرد النظر إلى أنفسنا والتأمل فيها، إنها لا تتحقق، إلا بواسطة العالم وفي العالم، وهنا نتكلم عن الإنسان كشخص يكتمل مع الآخر ويكتسب قيمته داخل الجماعة.
6- الأفكار الأساسية:
× عرفت البشرية عبر تاريخها أشكال تضامن بسيطة وأساسية سمحت لها بالبقاء.
× إن الكمال الشخصي لا يكمن في مجال الوجود الفردي ولكن في مجال التعايش داخل المجموعة البشرية.
× الشخص الأخلاقي هو الذي يدرك أنه لا يوجد إلا بالمشاركة مع الآخرين.
× الشخص الأخلاقي هو الذي يقبل الوجود النسبي ويتخلى نهائيا عن الاستكفاء الوهمي.
7- الحجــــــاج:
النفي: لا ينبغي أن ننسى، أن الغنى لا يوجد في التحيز...
أمثلة: التضامن، الاستكفاء، الاستقلال...
التقابل: يقبل... ويتخلى...
8- الاستنتـاج: الكمال الشخصي لا يتحدد في مجال الوجود الفردي المستقل، بل يتحقق في مجال التعايش وداخل المجموعة البشرية وانفتاح الذات الفردية على الكون وتقبل الآخر.
9- قيمة النص وراهنيته: تكمن قيمة النص في التأكيد على ضرورة اندماج الفرد داخل الحياة الاجتماعية وأن يكون فاعلا داخل هذه الجماعة ومتعايشا مع الآخر في إطار التكامل الإنساني، وهذه القيمة مهمة في واقعنا الحاضر خاصة وأن حالة من العنف والفوضى تطبع كثيرا من العلاقات بين الأفراد والمجتمعات.
10- استغــــلال معطيــــات النـــص للإجــابة علـــى إشكال النص.
على ضوء معطيات النص يمكن حل الأشكال بالتأكيد على أهمية التشبع بالنحن بدل الأنا، فنقبل الحياة الاجتماعية ونتخلى عن النزعات الفردانية.
الإنسان مشروع
يعرف الإنسان بمشروعه. هذا الكائن المادي يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها ويحددها بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل والفعل أو الحركة. ولا يجب الخلط بين المشروع وبين الإرادة التي هي كيان مجرد، وإن كان المشروع قد يتخذ صورة إرادية في بعض الظروف. إن هذه العلاقة المباشرة مع الآخر المغاير للذات (...) وهذا الإنتاج الدائم للذات بواسطة الشغل والممارسة هو بنيتنا الخاصة. وإذا لم يكن [المشروع] إرادة، فهو ليس حاجة أو هوى كذلك. إلا أن حاجتنا مثل أهوائنا، وأكثر أفكارنا تجريدا ترجع إلى هذه البنية، فهي دائما خارجة عن ذاتها نحو (...) ذاك ما نسميه الوجود، ولا نعني بذلك جوهرا ثابتا مرتكزا على ذاته، بل نعني به عدم استقرار دائم واقتلاعا لكامل الجسم خارج ذاته. وبما أن هذه الوثبة نحو التموضع تتخذ أشكالا متنوعة بحسب الأفراد، وبما أنها تلقي بنا داخل مجال من الإمكانات نحقق البعض منها دون البعض الآخر، فإننا نسميها كذلك اختيارا وحرية. غير أنه يرتكب خطأ عظيم إذا ما وقع اتهامنا بإدخال اللامعقول أو أننا نختلق "بداية أولى" لا علاقة لها بالعالم أو أننا نمنح الإنسان حرية –صنمية. وفي الواقع، لا يمكن أن يصدر هذا الاعتراض إلا عن فلسفة آلية. ومن يوجه إلينا هذا الاعتراض، إنما يريد إرجاع الممارسة والخلق والاختراع إلى إعادة إنتاج المعطيات الأولية لحياتنا، إنه يريد تفسير الأثر والفعل أو الموقف بعوامل إشراطها، وإن رغبته في التفسير تخفي إرادة جعل المركب مماثلا للبسيط، ونفي خصوصيات البنيات وإرجاع التغير إلى الهوية، وهو ما يمثل من جديد سقوطا في الحتمية العلموية. وعلى العكس من ذلك يرفض المنهج الجدلي فكرة الاختزال، واعتماد طرح معاكس، قوم على التجاوز مع المحافظة، بحيث إن أطراف التناقض -الذي وقع تجاوزه- غير قادرة على بيان التجاوز ذاته ولا على التأليف اللاحق. إن هذا الأخير –على العكس من ذلك- هو الذي يضيء هذه الأطراف ويتيح فهمها.
جان بول سارتر، نقد العقل الجدلي غاليمار، 1960، ص : 95
Jean Paul-Sartre, Critique de la raison dialectique
1 - تأطير النص: النص مقتطف من كتاب "الوجود والعدم" للفيلسوف الوجودي جون بول سارتر، وفي هذا الكتاب يبلور سارتر تصورا جديدا للفلسفة من حيث هي تروم تحرير الإنسان مما هو متصور عقليا، من أجل وضعه وجها لوجه أمام وجوده الخاص بوصفه كائنا حرا يتوقف مصيره على قراره الشخصي، فليست الفلسفة شيئا دخيلا على الوجود البشري، بل إن فعل التفلسف لا يكاد ينفصل عن فعل الوجود.
2- صاحب النص: جون بول سارتر (1905-1980) هو فيلسوف وكاتب فرنسي، بدأ حياته العملية أستاذا، درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 1944 أسس مجلة "الأزمة الحديثة". وفي المجال الفلسفي تأثر بفلسفة هوسرل (الفينومينولوجيا)، ثم أسس نزعة فلسفية جديدة تحت اسم "الوجودية" حيث أكد أن مهمة الفلسفة هي الاهتمام بواقع الإنسان الوجودي أي بالمصير البشري، وفي هذا الإطار تبنى أطروحة مفادها أن الإنسان يسبق وجوده ماهيته، أي أن ما هو لا يتحدد إلا من خلال وجوده وحياته وأفعاله واختياراته... ومن ثم فإن الإنسان هو الكائن الوحيد الحر على نحو أصلي ومطلق، ولكن الوجود المجتمعي يحد من حرية الإنسان، فالآخر جحيم للفرد من خلال ما يفرض عليه من قوانين وإكراهات.
من أعماله الفلسفية: أ- الوجود والعدم. ب- الوجودية مذهب إنساني. ج- نقد العقل الجدلي.
3- الإشكال: هل الإنسان هو ما يريد هو كأنا أم كما يريد الآخر؟
4- المفاهيم:
§ التعـالي: هو خاصية الذات التي لا تنفصل عن حريتها ويرتبط بقصدية الوعي أي بقدرته على الإحالة إلى ما هو خارج الوعي.
§ المنهج الجدلي: هو عملية أو صيرورة بمثابة قانون تحكم الفكر والواقع عن طريق الصراع بين الأفراد، وعرف هذا المنهج بشكل كبير عند الفيلسوف الألماني هيجل ضمن ما يسمى بجدلية الفكر: أطروحة ï نقيضها ïتركيب.
§ المشروع: هو مفهوم اقتصادي في الأصل، ويوظف في المجال الإنساني عندما يتصور الإنسان كمشروع، قد يكون هو صاحبه وقد يكون المجتمع هو الذي يجعل من الإنسان مشروعا له، يصنع منه ما يريد وفق ما يسطره من أهداف وغايات.
5- الأطروحة: يرى سارتر أن ماهية الإنسان لا تتحدد قبل وجوده، بل يوجد أولا ثم بعد ذلك يصنع بنفسه ما يشاء، إنه مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته لا بانغلاقه على كينونته، بل منفتحا على العالم وعلى الآخرين، فالإنسان يوجد أولا ويلاقي ذاته وهو غير حامل لأية صفات أو ماهية قبلية، بعد ذلك يشرع في تأسيس ذاته.
6- الأفكار الأساسية:
× الإنسان يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها ويجددها بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل والطفل والحركة.
× الإنتاج الدائم للذات يتم بواسطة الشغل والممارسة.
× إن تموضع الذات يتم عن طريق الاختيار والحرية.
× من الخطأ الكبير أن نمنح الإنسان حرية صنمية.
7- الحجــــاج: اعتماد التقابل: ذات/ آخر، مركب/ بسيط.
الإحالة لأفكار سابقة، كاستحضار هيجل وماركس.
النفـي: لا يمكن لا علاقة لها بالعالم...
8- الاستنتـــــاج: بالرغم من الإكراهات التي يفرضها المجتمع على الفرد، يحكم أن الآخر جحيم في محاولته تنميط شخصية الفرد، فإن الشخص حر ومسؤول عن أفعاله واختياراته، فهو حر حرية مطلقة غير مقيدة بموانع وإكراهات بحكم أنه ذات أخلاقية عاقلة.
9- قيمة النص: تكمن قيمة النص في كونه يبين بشكل واضح علاقة الفرد بالمجتمع، حيث تأثير النحن على الأنا، أي الماكرواجتماعي على الميكرواجتماعي، ذلك أن المجتمع ينظر إلى الفرد كمشروع مجتمعي، إلا أنه مشروع لا يكتمل إلا بمساهمة الفرد نفسه في بلورة هذا المشروع.
10- استغــلال معطيــــات النص للإجـــــابة على الإشكــــال المطــــروح
الإنسان هو ما يريده الآخر، لكن مادام الإنسان هو أيضا آخر، فالإنسان هو ما يريد هذا الإنسان إلى حد ما.
الحرية بشروط
حرية الإنسان هي حرية شخص، وحرة هذا الشخص بالذات وكما هو مركب وموجود في ذاته وفي العالم وأمام القيم. وهذا يستلزم أن تكون هذه الحرية ملازمة إجمالا لوضعنا الواقعي ومحصورة في نطاق حدودة. أن تكون حرا هو أن تقل، في البدء، هذه الظروف لتجد فيها ارتكازا، ليس كل شيء ممكنا، ولا هو كذلك في كل لحظة. هذه الحدود تشكل قوة عندما لا تكون ضيقة جدا. الحرية كالجسم، لا تتقدم إلا بالحواجز والاختيار والتضحية. ولكن فكرة المجانية هنا هي فكرة وجود غني، والحرية في شروط ملزمة، ليست من الآن فصاعدا "وعيا للضرورة"، كما سماها "ماركس". إن هذا هو البداية، لأن الوعي وعد وبادرة للتحرر ووحده العبد من لا يرى عبوديته، مهما كان سعيدا تحت سلطتها. إلا أن هذا البدء هو بالكاد إنساني. ولذلك فقبل إعلان الحرية في الدساتير أو تمجيدها في الخطابات، علينا تأمين الشروط العامة للحرية : الشروط البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تسمح لقوى ذات مستوى متوسط أن تشارك في أعلى نداء للإنسانية، وأن نهتم بالحريات اهتمامنا بالحرية (...). إن حريتنا هي حرية إنسان في موقف، وهي كذلك حرية شخص تعطى له قيمة. أنا لست حرا لأني أمارس عفويتي فقط، بل أصبح حرا عندما أوجه هذه العفوية في اتجاه التحرر أي في اتجاه شخصنة العالم ونفسي. إذن ثمة مسافة تمتد من الوجود المنبثق إلى الحرية، وهي التي تفصل بين الإنسان الباطني على حدود الانبثاق الحيوي، والإنسان الذي ينضج باستمرار بأفعاله وفي الكثافة المتزايدة للوجود الفردي والجماعي. وهكذا فأنا لا أستعمل حريتي بدون جدوى، بالرغم من أن النقطة التي ألتحم فيها بتلك الحرية متباعدة في أعماق ذاتي. وليست حريتي تدفقا فحسب، بل هي منظمة، أو بعبارة أفضل هي مطلوبة بنداء.
إمانويل مويي، الشخصانية، المنشورات الجامعية الفرنسية، 1995، ص : 71-74
Emmanuel Mounier, Le personnalisme
1- تأطير النص: النص مقتطف من كتاب الشخصانية (1949) للفيلسوف الشخصاني المذهب، إيمانويل مونييي، وفي هذا الكتاب يقدم مونيي أطروحة تقول أن حرية الشخص مشروطة، نظر F للعلاقة القائمة بين الأنا والآخر.
2- صاحب النص: هو الفيلسوف الفرنسي المعاصر إيمانويل مونييي (1905-1950)، وهو رائد التيار الشخصاني بفرنسا، أنشأ مجلة "الروح" في أكتوبر 1932، ودعا فيها إلى مناهضة الحضارة الأوربية التي تقوم على المادية المفرطة وهو ما جعلها تعاني من أزمة روحية، أي غياب تربية روحية شخصانية، فالمهمة الرئيسة في نظر مونيي ليست هي تغيير العالم وإنما تغيير الفرد، أي دعم كماله الأخلاقي الذاتي الروحي، ودعا مونييه إلى قيام التربية على ثورة روحية تعيد الوحدة بين الروح والمادة في الشخصية، وتتأسس على نزعة إنسانية تنظر إلى الشخص باعتباره كائنا يعيش في إطار اجتماعي كوني، متفتح على الأشخاص الآخرين في المجتمع والكون ويتمتع بروح متسامحة، إزاء كل الأديان، ولذا رفض مونيي الماركسية والمادية بكل أشكالها.
3- الإشكال: هل حرية الفرد مطلقة أم مشروطة؟
4- المفاهيم:
§ التحرر: تدل لدى الفلاسفة الشخصانيين على فعالية يحياها في استمرار شامل كل واحد منا في تضامنه مع مجموع الإنسانية.
§ شخصنة: عملية تشير إلى أن الإنسان أو الكائن لا يتخذ قيمته إلا في الوقت الذي يدخل في عالم مشخصن.
§ القـيم: كل القواعد والأخلاق والمبادئ الاجتماعية التي يتواضع عليها الأفراد (المجتمع)، ويحرصون على صونها وتمريرها إلى كل فرد يدخل هذا المجتمع.
5- الأطـروحة: يرى مونيي أن الشخص لا يحقق وجوده مع الآخرين إلا في إطار الفعل الحر المتجدد، فحرية الشخص موجودة في ذاته، وهي مشروطة بالوضع الواقعي له، وهي لا تتحقق إلا عندما يتجه الإنسان نحو التحرر في إطار التشخصن، أي الخروج بالذات من عزليتها وفرديتها والاتجاه نحو الشخص عبر الانفتاح على الآخرين والتواصل معهم، وتحمل مصائرهم وآلا مهم بكل كرم ومجانية.
6- الأفكار الأساسية:
× حرية الإنسان هي حرية شخص، وهذه الحرية تكون ملازمة لواقعه.
× أن يكون الإنسان حرا معناه أن يقبل ظروفه واقعه.
× الوعي هو وعد وبادرة للتحرر.
× تحقيق الحرية يقتضي التفكير في الشروط البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
7- الــحجـــاج: آلية التعريف [حرية الإنسان هي حرية الشخص...].
8- الاستنتاج: حرية الشخص حرية ملتزمة لأنها تحترم الغير ومشروطة باحترام القيم، إنها موقف وقيمة.
9- قيمة النص: ينظر النص لموقف هام من الحرية، هو أن لا حرية للأنا بدون استحضار حرية الآخر.
10- استغــلال معطيات الـنص للإجـــابة على الإشكـــال المطـــروح:
ليست حرية الشخص مطلقة بل إنها رهينة بمدى احترام الشخص الحر للأشخاص الآخرين الأحرار.
الهويّة والشعور
لكي نهتديَ إلى ما يكوّن الهويّة الشخصيّة لا بدّ لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشّخص، فيما أعتقد، كائن مفكّر عاقل قادر على التعقّل والتأمّل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنّها مطابقة لنفسها، وأنّها هي نفس الشيء الذي يفكّر في أزمنة وأمكنة مختلفة. ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشّعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصّة. وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر، بل هو، فيما يبدو لي، ضروريّ وأساسيّ تماما بالنسبة للفكر، مادام لا يمكن لأيّ كائن [بشري]، كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريّا دون أن يشعر أنّه يدرك إدراكا فكريّا. عندما نعرف أنّنا نسمع أو نشمّ أو نتذوّق أو نحسّ بشيء ما أو نتأمّله أو نريده، فإنّما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا. إنّ هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، وبها يكون كلّ واحد منّا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته، وفي هذه الحالة لا نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرّة في الجوهر نفسه أو في جواهر متنوّعة. إذ لمّا كان الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم، وكان هذا هو ما يجعل كلّ واحد هو نفسه، ويتميّز به، من ثمّ، عن كلّ كائن مفكّر آخر، فإنّ ذلك هو وحده ما يكوّن الهويّة الشخصيّة أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو. وبقدر ما يمتدّ ذلك الشعور بعيدا ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، بقدر ما تمتدّ هويّة ذلك الشّخص وتتّسع. فالذات الحالية هي نفس الذات التي كانت حينئذ، وذلك الفعل الماضي إنّما صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر.
جون لوك،
مقالة في الفهم البشري، الكتاب II فصل 27، فقرة 9 ترجمه إلى الفرنسية كوسط، ونشره إميليان نايرت، فران، 1994
ص : 264-265
John Locke, Essai concernant l’entendement humain
1- تــــأطير النـــص: النص مقتطف من كتاب لوك "مقالة في الفهم البشري (1690)"، ويشكّل هذا الكتاب مساهمة أساسية في الجواب عن سؤال الفلسفة خلال القرنين 17 و 18، وهو: كيف يدرك الإنسان ذاته والعالم ؟ كيف يبني معرفته ؟ وكيف يحافظ على وحدة الذات وبقائها في الزمن ؟ ولحلّ هذه المشاكل يعتمد لوك مفهوم الهويّة الشخصيّة انطلاقا من الشعور بوصفه قدرة تأمليّة.
2- صـــاحب النــص: جون لوك (1632-1704)، هو فيلسوف تجريبي ومفكّر سياسي إنجليزي، ولد في عام 1632 في إقليم Somerset، وتعلّم في مدرسة وستمنسر، ثمّ في جامعة أوكسفورد. لعب دورا كبيرا في الأحداث السياسية التي عرفتها إنجلترا ما بين سنة 1660 و 1680، كما أنّ علاقة لوك باللورد آشلي لعبت دورا كبيرا في نظرياته السياسية الليبيرالية، ولقد كان اللورد آشلي يتمتّع بنفوذ كبير في إنجلترا إذ كان يمثّل المعالم السياسية لرؤوس الأموال التجارية في لندن، وتحت تأثير اللورد آشلي كتب لوك في عام 1667 مقالا خاصّا بالتسامح راجع فيه أفكاره القديمة الخاصة بإمكانية تنظيم الدولة لكلّ شؤون الكنيسة.
3- الإشكـال: كيف يجعل الشعور الشخص ذلك الكائن المفكّر القادر على التعقّل والتأمّل حيث ما وجد في أي زمان ومكان ؟.
4- المفــــاهيم:
§ الهـوية: مفهوم فلسفي يدلّ على هويّة الشيء أو الشخص، أي ما يتعلّق بماهيته وطبيعته أي جوهره، ولكلّ شخص هويته قد تتحدّد في عقله وفكره أو ثقافته (اللغة، الدين...)
§ الـذات: مصطلح فلسفي يرتبط بالأنا الواعي والمفكّر، ويدلّ على الشخص أو الوعي بالذات.
§ الجوهر: جوهر الشيء يعني ماهو ثابت فيه، وماهو ثابت لا يتغيّر في الكائن
5- - الأطـــروحة: إنّ الشخص حسب جون لوك هو ذلك الكائن المفكّر والعاقل القادر على التعقّل والتأمّل، وذلك عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمرّ دون حدوث أي تغيّر في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هوهو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكّر أفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر.
6- الأفكــــار الأساسية:
× الشخص كائن مفكّر قادر على التعقّل والتأمّل
× إنّ ذات الشخص مطابقة لنفسها وهي نفس الشيء الذي يفكّر في أزمنة وأمكنة مختلفة.
× الشعور هو ماهية الشخص، وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر.
× إن الذات المفكّرة تدرك الأفعال التي صدرت عنها في الماضي والحاضر.
7- الــحجـــــــاج:
التفسير: عند ما نعرف... فإنّنا نعرف...
النفـي: هذا الشعور لا يقبل الانفصال
التعريف: الشخص هو كائن مفكّر وعاقل...
اعتماد بنية مفاهيمية قويّة: الشعور، الجوهر، الذات...
8- الاستنتـــــاج: الشخص كائن مفكر يعقل ذاته وأفعاله مهما تغيرت الظروف وتوالت الأزمان، وعن طريق الوعي يكون مسؤولا مسؤولية قانونية عن كلّ ما يصدر عنه من أفعال. من هنا فأساس هويّة الشخص حسب لوك هو الشعور الذي يجعل الإنسان يحرّك ذاته ويبني معرفته بذاته على نحو دائم فيصبح الشخص إثرها هوهو رغم ما يلحقه من تغير.
9- قيمـة النصّ وراهنيته: تكمن قيمة النص في جعل قيمة الشخص لا تخرج عن كونه كائنا عاقلا ومفكّرا، فالإنسان في كلّ زمان ومكان قادر على تعقّل العالم وتأمّل مجتمعه، هكذا فإنسان العصر الراهن يلزمه أن يتعقّل وجوده أكثر وأن يتعقّل ما يصدر عنه من سلوكات وأفعال قد تكون أنفع للإنسانية جمعاء وقد تكون عكس ذلك أفعال مدمّرة للوجود الإنساني كأفعال العنف والإرهاب والحروب والتلوّث.
10- - استغـــــلال معطيــــات النص للإجـــابة علــــى الإشكـــال المطـــروح: هوية الشخص تكمن في كونه ذاتا عاقلة ومفكّرة وشاعرة (بمعنى الشعور).
الهويّة والإرادة:
على ماذا تتوقّف هوية الشخص ؟ ليس على مادّة جسمه، فإنّ هذه تتجدّد في بضعة أعوام، وليس على صورة هذا الجسم، لأنّه يتغيّر في مجموعه وفي أجزائه المختلفة، اللهمّ إلاّ في تعبير النظرة، ذلك أنّه بفضل النظر نستطيع أن نتعرّف شخصا ولو مرّت سنوات عديدة. وباختصار فإنّه رغم التحولاّت التي يحملها الزمن إلى الإنسان، يبقى فيه شيء لا يتغيّر، بحيث نستطيع بعد مضي زمن طويل جدّا أن نتعرّف عليه، وأن نجده على حاله، وهذا ما نلاحظه أيضا على أنفسنا. فقد نشيخ ونهرم، ولكنّنا نشعر في أعماقنا أنّنا ما زلنا كما كنّا في شبابنا، بل حتّى في طفولتنا. هذا العنصر الثابت الذي يبقى دائما في هوية مع نفسه دون أن يشيخ أو يهرم أبدا، هو بعينه نواة وجودنا الذي ليس في الزمان. وقد يرى الناس عامة أنّ هوية الشخص تتوقّف على هوية الشعور، فإذا كنّا نعني بهذا الذكرى المترابطة لمسار حياتنا، فإنّها لا تكفي لتفسير الأخرى (أي هوية الشخص)، وليس من شكّ أنّنا نعرف عن حياتنا الماضية أكثر ممّا نعرف عن رواية قرأناها ذات مرّة، ورغم ذلك فإنّ ما نعرفه عن هذه الحياة قليل. فالحوادث الرئيسية والمواقف الهامّة محفورة في الذاكرة، أمّا الباقي، فكلّ حادثة نذكرها تقابلها آلاف الحوادث التي يبتلعها النسيان، وكلّما هرمنا توالت الحوادث في حياتنا دون أن تخلّف وراءها أثرا. ويستطيع تقدّم السنّ أو المرض، أو إصابة في المخّ أو حمق أن يحرمنا كلّية من الذاكرة، ومع ذلك فإنّ هوية الشخص لا يفقدها هذا الاختفاء المستمرّ للتذكّر. إنّها تتوقّف على الإدارة التي تظلّ في هوية مع نفسها، وعلى الطبع الثابت الذي تمثّله (...). ولا شكّ أنّنا قد تعوّدنا تبعا لعلاقتنا بالخارج أن نعتبر الذات العارفة هي ذاتنا الحقيقية، ذاتنا العارفة التي تغفو في المساء ثم تستغرق في النوم، للتألّق في الغد تألّقا أقوى. ولكن هذه الذات ليست سوى وظيفة بسيطة للمخّ، وليست هي ذاتنا الحقيقية. أمّا هذه، التي هي نواة وجودنا، فهي التي تختفي وراء الأخرى، وهي التي لا تعرف في قراراتها غير شيئين: أن تريد أو ألاّ تريد.
أرثور شوبنهاور، العالم بوصفه إرادة وتمثّلا، ترجمة بوردو، م.ج.ف، 1966.3 ص : 943
Arthur Schopenhauer, Le monde comme volonté et comme représentation
1- تأطير النص: النص مقتطف من كتاب "العالم بوصفه إرادة وتمثّلا (1813)"، لصاحبه الفيلسوف الألماني أرثور شوبنهاور، وفي هذا الكتاب يقدّم شوبنهاور فكرة مفادها أنّ الإنسان ينظر إليه كإرادة في الحياة، محكوم عليه بالشقاء والتعاسة، فالشخص لا يخضع لقوانين، بل يخضع لإرادة عبثية تتجاوزه وتتجلّى في رغباته.
2- صاحب النص: أرثور شوبنهاور فيلسوف ألماني ولد في دانزج عام 1788، وكان أبوه تاجرا امتاز بالمقدرة وحدّة الطبع واستقلال الشخصية وحبّ الحرية، وقد غادر دانزج التي جردّها البولنديون من حرّيتها بضمّها، إلى بولندا عام 1793، ولقد مات والد شوبنهاور منتحرا عام 1805، وتوفيّت جدّته وهي مصابة بالجنون، ولم تكن أمّه سعيدة في حياتها الزوجية، وعندما توفّي زوجها انطلقت تبحث عن الحبّ، ولقد ثار شوبنهاور على هذا الاتّجاه الجديد لأمّه وأثّر النزاع بينهما على نفسه ممّا جعله يحتقر جميع النساء طيلة حياته، فعاش وحيدا بلا أمّ ولا ولد ولا أسرة ولا صديق... ويعرف شوبنهاور بكتابه "العالم كإرادة وفكرة" الذي ضمّ فيه أهمّ أفكاره وتصوّراته للحياة والعالم والنفس.
3- الإشكـال: أين تكمن هوية الشخص، هل في مادة جسمه أم في صورة جسمه أم في شيء آخر غير هذا ولا ذاك
4- المفاهيم :
§ الإرادة: مفهوم فلسفي مهمّ وقويّ في فلسفة شوبنهاور، وهي صفة تميّز الطبع، حيث يقال "لهذا الشخص إرادة قوية"، وهذه الإرادة ترتبط حسب شوبنهاور بإرادة الحياة التي يعتبرها هي الواقع الحقيقي الوحيد، وماعداه مجرد تمثّلات.
§ العلاقة بالخارج: هي كلّ علاقة يمكن أن تربط بين الأنا والعالم الخارجي (الآخر، المجتمع، الثقافة...) وهي علاقة تأخذ عدّة أشكال وعدّة مواقف، كأن تكون علاقة تكامل وتداخل أو العكس علاقة تناقض وتخارج
5- الأطــــروحة: ينتقد شوبنهاور المواقف التي تربط بين الشعور والهوية، ويؤكّد أنّ هوية الشخص تتحدّد بالإرادة، أمّا الشعور فهو يتجدّد ويتغيّر بفعل الزمن، كما يمكن تعديله وتقويمه، بينما الإرادة لا يمكنها أن تتغيّر لأنّها خاضعة للزمان، وهو ما يجعل الفرد يتصرّف دائما في ظروف بعينها تصرّفا واحدا بعينها، أي أنّه يتصرّف دائما في هوية مع نفسه، أي أنّه لا يستطيع أن يفعل غير ما يفعله.
6- الأفكار الأساسية:
× لا تكمن هوية الشخص في مادّة جسمه، لأنّ هذه المادّة تتجدّد في بضعة أعوام.
× لا تكمن هوية الشخص في صورة جسمه، لأنّ هذا الجسم يتغيّر في مجموعه وفي أجزائه المختلفة.
× إنّ العنصر الثابت والدائم والذي يبقى دائما في هوية مع نفسه دون أن يشيخ أو أن يهرم هو بعينه نواة وجودنا الذي ليس في الزمان.
× إنّ هوية الشخص لا تتوقّف على هوية الشعور، لأنّها لا تكفي هذه الأخيرة لتفسير هوية الشخص.
× إنّ الإرادة هي معيار هوية الشخص لأنّها تظلّ في هوية مع نفسها وعلى الطبع الثابت الذي تمثّله.
× تتحدّد هذه الإرادة فيما يلي: أن تريد أو ألاّ تريد.
7- الحجــــاج:
طرح أسئلة داخل النص ثم الإجابة عنها: مثلا: "على ماذا تتوقّف هوية الشخص؟
اعتمادا أمثلة من واقع الإنسان: نشيخ، نهرم، طفولتنا، شبابنا...
النفي: هذه الذات ليست سوى...
اعتماد بنية مفاهيمية: شعور، إرادة، هوية...
8- الاستنتاج: يعتبر شوبنهاور أنّ الإرادة هي الشيء الجوهري والأساسي في الإنسان ويعطيها الأولوية على العقل، لأنّ العقل مخلوق للإرادة كي يقوم على خدمتها وتنفيذ أوامرها ونواهيها.
9- قيمة النص: تكمن قيمة النص في تجاوز الفلسفات السابقة التي تعتبر أنّ ماهية الإنسان هي عقله، والقول بأنّ الإرادة هي الجوهر والثابت في شخصية الشخص... إنّ هذا التصوّر يتناسب مع بعض الظواهر والوقائع التي يعيش عليها إنسان الوقت الراهن، فإرادة شخص ما أو جماعة ما هي التي تبرّر سلوكات وأهداف هذا الشخص أو الجماعة، فإرادة السيطرة والهيمنة الاقتصادية هي التي تفسّر استعمار دول لدول أخرى...
10- استغلال معطيات النصّ للإجابة على الإشكال المطروح: إنّ هوية الشخص لا تقتصر على مادّة جسمه أو صورة هذا الجسم، إنّها شيء آخر، حيث لا تعدو سلوكات الإنسان إلاّ انعكاسا لماهية هذه الهوية، التي هي الإرادة.
أساس هوية الشخص: طبعه و ذاكرته
من الأكيد أنّنا ننظر لأنفسنا على أنّنا شخص واحد، وأنّنا نفس الشخص في كلّ فترات عمرنا؛ لكن هذه الهوية التي ننسبها لأنفسنا، هل تفترض بالضرورة أنّ فينا عنصرا ثابتا، أنا حقيقيّا و ثابتا ؟ لنسجّل أنّ الوقائع تكذّب كلّيا هذه الفرضية، فالإنسان الذي هو في حالة نوم ليس له إلاّ أنا متخيّل يتبخّر عندما يستيقظ؛ كما أنّ ضربة واحدة على الرأس تكفي لحفر هوّة عميقة بين أنا اليوم و أنا البارحة لأنّها تشلّ ذكرياتنا. و نحن نعرف كذلك حالة بعض المرضى الذين لديهم أنا أوّل و أنا آخر يتناوبان فيما بينهما و أحدهما يعرف الآخر... أن نقول بأنّنا نرجع حالاتنا الداخلية إلى أنانا معناه أن نقول إنّنا نرجع حالاتنا الداخلية الخاصّة إلى أنا ما أو إلى ذات حاملة عامة... ليس هناك سوى شيئين يمكن أن يجعلاننا نحسّ بهويتنا أمام أنفسنا وهما: دوام نفس المزاج أو نفس الطبع، و ترابط ذكرياتنا. ذلك أنّ لدينا نفس الطريقة الخاصة في رد فعلنا تجاه ما يؤثّر علينا، أي أنّ نفس العلامة تسم رد فعلنا الأخلاقي و تطبع حالاتنا النفسية الداخلية بطابع شخصيّ؛ ... إضافة إلى ذلك فإنّ ذكرياتنا تشكّل، على الأقلّ بالنسبة للقسم القريب من حياتنا، سلسلة مترابطة الأطراف: فنحن نرى أنّ حالتنا النفسية الحالية تتولّد من حالتنا النفسية السابقة... و هكذا يمتدّ وعينا التذكّري في الماضي و يتملّكه و يربطه بالحاضر... ليست هويتنا الشخصية، إذن، كما كان متداولا من قبل، معطى أوليّا أصليّا في شعورنا، بل إنّها ليست إلاّ صدى، مباشرا أو غير مباشر، متواصلا أو متقطّعا، لإدراكاتنا الماضية في إدراكاتنا الحاضرة. و هكذا فنحن لسنا، أمام أعيننا، سوى ظواهر يتذكّر بعضها بعضا.
Jules Lachelier :Psychologie et métaphysique P.U.F 1948
1- تأطير النص:
يتـأطّر النص في إطارفلسفة فرنسية خاصة مع جيل لاشوليه. الذي صاغ تصوّرا خاصّا لمفهوم الشخص اعتبر فيه أنّ المحدّد الرئيسي للشخص هو هويّته.
2- من هو صاحب النص؟ إنّه الفيلسوف الفرنسي "جيل لاشولي ولد سنة: 1832 وتوفي سنة: 1918 تلقّى تعليمه بالمدرسة العليا واشترك مع أستاذه "رافيسون في تأسيس الحركة الروحية في الفلسفة الفرنسية، أهمّ ما ميّز فكر جيل لاشوليه هو اعتباره أنّ الأشياء في غالب الأحيان ما تردّ إلي ظواهر، وهذه الأخيرة عبارة عن أحاسيس، كما يرجع العالم الخارجي. التحق لاشوليه بالمدرسة العليا للأساتذة في باريس، من أهمّ كتب الرجل نجد: في أسس الاستقراء الذي نشره سنة 1871، السيكولوجية والميتافيزيقا سنة 1885
3- الأشكلة: يمكن صياغة الطرح الإشكالي لنص جيل لاشوليه على النحو التالي: هل يمكن القول بوحدة داخل هويّة الشخص أم أنّ هذه الوحدة لا تعدو أن تكون وهما، وبالتالي الشخص محدّد من خلال التعدّد والتنوّع ؟ أو بصيغة أخرى هل تقوم الهوية على التطابق أم الاختلاف والتعدّد؟.
4- الأطروحة: يدافع جيل لاشوليه عن أطروحة أساسية مفادها أنّ المحدّد الرئيسي للشخص هو هويته،أي تطابقه مع ذاته وهذا ما يميّزه عن غيره و بالتالي فأساس هويّة الشخص هي وحدته النفسية في الزمان عبر مختلف لحظات تطوّره المختلفة
5- المفاهيم الأساسية: وحتّى يثبت صاحب النص أطروحته استخدم عدّة مفاهيم أهمّها -
* الشخص * الهوية * الأنا * الذات * المزاج
6- الحجاج: يمكن أن نقسّم الحجج إلى نوعين الأولى لغوية من خلال اعتماد صاحب النص علي عدّة أساليب حجاجية أهمّها:
النفي (ليس....) الاستفهام(هل.... ) الشرح والتفسير(أن تقول .....معناه....). (أي أن...)
الثانية هي حجج معرفية وفكرية من خلال:
- يبدأ صاحب النص بالتساؤل حول صحّة الإمكانية القائلة بوجود هوية واحدة وثابتة
- التأكيد على أنّ أساس هوية النصّ تربط وتحدّد بالدرجة الأولى بوحدته النفسية
عبر مختلف المراحل الأساسية التي يمرّ منها وبالتالي فهوية الشخص ليست نتاجا تلقائيا بقدر ما هي نتائج لآليات ربط وهي آليات نفسية بالدرجة الأولى.
- التأكيد في نهاية النص عن فكرة أساسية مفادها أنّ وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية الإنسانية هي الضامن الأوّل والأخير لهوية سالمة مطابقة مع الذات في مواقفها وردود فعلها.
7- قيمة النص ورهانه: يمكن القول أنّ قيمة النص تتمثّل بالدرجة الأولى في كونه قد صاغ تطوّرا أساسيا لمفهوم الشخص تختلف تماما عن التصوّرات التي كانت معروفة خلال هذه المرحلة بل أكثر من ذلك يمكن القول أيضا إنّ أطروحة "جيل لاشولية قد مهّدت لظهور نظريات جديدة في إطار التعامل مع مفهوم الشخص وبالتالي يمكن القول إنّ النص" أساس هوية الشخص طبعه وذاكرته هو يمثّل صورة مصغرّة عن الرهان العام لأطروحة جيل لاشويه حول مفهوم الشخص.
8- خلاصة وتركيب: يمكن أن نحتفظ من خلال هذا النصّ بعنصرين أساسين وهما:
- الشخص يتحدّد من خلال ارتباطه بهويته.
- إنّ وحدة الشخص وتماسكه لا يتمّ بشكل عفوي تلقائي بل هي نتائج آليات ربط. حتّى نقول إنّ هويته الشخص ليست معطى وإنّما بناء كما يقول كانط.
البنية النفسية الثلاثية للشخصية
إن الأنا مضطر لاّن يخدم ثلاثة من السادة الأشداء، وهو يبذل أقصى جهده للتوفيق بين مطالبهم. وهي في الغالب مطالب متعارضة و التوفيق بينها مهمة عسيرة إن لم تكن أقرب إلى أن تكون مستحيلة. فليس من الغريب إذن أن يفشل الأنا في أغلب الحالات في مهمة التوفيق هاته. وهؤلاء المستبدون الثلاثة هم :العالم الخارجي، والأنا الأعلى، و الهو. و نحن عندما نتابع المجهودات التي يقوم بها الأنا بقصد الاستجابة لهذين النوعين من المطالب في وقت واحد ، أي بطاعة أوامرهما في نفس الوقت، فإننا لن نأسف إذا ما كنا قد شخصنا هذا الأنا و قدمناه كحالة خاصة. فهو يحس بأنه معرض لثلاثة ضغوط و مهدد من طرف ثلاثة أنواع من الأخطار يكون رد فعله عليها، عندما تشتد معاناته منها، هو توليد نوع من القلق. فهو، من حيث إنه نفسه نشأ نتيجة التجارب الإدراكية ، يتجه إلى أن يتمثل متطلبات العالم الخارجي لكنه يود أن يكون بنفس الوقت خادما للهو، ومتصالحا معه و مع حاجاته المستمرة للإشباع ... إن الأنا ، في مجهوده من أجل التوسط بين الهو و الواقع، مضطر دوما إلى أن يموه على أوامر اللاشعور بتبريرات متعددة ، وإلى التخفيف من صراع الهو مع الواقع ، عن طريق نوع من التمويه الدبلوماسي و الرياء و التظاهر بأنه يأخذ الواقع بعين الاعتبار و يراعيه ، حتى ولو ظل الهو جموحا و متصلبا في مطالبه الملحة على الإشباع. ومن زاوية أخرى، فالأنا هو محط رصد من طرف الأنا الأعلى الذي يفرض عليه باستمرار المعايير التي يتعين عليه اتباعها في سلوكه دون أن تهمه العوائق و الصعوبات الآتية من الهو و من العالم الخارجي . وإذا ما عصى الأنا أوامر الأنا الأعلى و تعليماته فإن هذا الأخير يعاقبه بأن يسلط عليه مشاعر التوتر و القلق التي يشكلها لديه الإحساس بالدونية أو بالذنب. وهكذا يصارع الأنا، و هو محاصر بين ضغط الأنا الأعلى و مطالب الهو و قوة الواقع ، من أجل ينجز مهمته في إحداث نوع من التوافق و الانسجام بين هذه القوى والتأثيرات المتفاعلة داخله و المؤثرة عليه من الخارج.
S. freud : Nouvelles conferences 1932 trad. fr. Zeitlin Paris 1936
1- تأطير النص: يندرج النص في إطار الاهتمامات المختلفة لنظرية التحليل النفسي مع عالم النفس النمساوي س.فرويد.الذي حاول دراسة شخصية الإنسان بصورة مغايرة تعتمد طابع اكثردقة و عملية فكيف تعامل فرويد مع هذا الموضوع ؟
2- من هو صاحب النص ؟: ولد سيجموند فرويد في فرايبورغ وهو نمساوي ارتبط اسمه بتأسيس التحليل النفسي تلقى تعليمه في مدينة فينا في علم الأعصاب وتحت تأثير الطبيب الفرنسي "شاركو" والطبيب "بروير" اهتم بالجوانب النفسية للإنسان وطور أبحاثهما من أهم مؤلفات فرويد:
- محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي سنة 1916.
- تفسير الأحلام 1899 وهذا من أشهر الكتب.
- الطوطم والطابو مقالات في علم النفس الجمعي.
ذاعت أراء فرويد بعد هجرته إلى إنجلترا مع بداية الحرب العالمية الثانية بعدما ضيقت النازية الخناق على جل العلماء والفلاسفة اليهود خلال هذه المرحلة، لعل أهم نظريات فرويد على الإطلاق نظرية اللاشعور التي فسر بها السلوك البشري الغير السوي، فعوض أن يعتبر هذا السلوك لا معنى له اتجه نحو البحث في الظروف المنتجة له وقال انه سلوك يعود إلى التجربة الجنسية لمرحلة الطفولة، من هذا المنظور اقترح فرويد مفهوم اللاشعور كفرضية لا يمكن بدونها فهم الصلة بين مرحلتي الطفولة والبلوغ. وبعد رحلة دامت حوالي 83 سنة توفي فرويد سنة1939.
3- الأشكلة: في هذا النص يحاول فرويد طرح إشكال عام كالتالي: ماهي العناصر الأساسية التي تنبني عليها الشخصية؟ وما هي الصيغة العامة التي من خلالها يمكن تحقيق التوازن؟
4- الأطروحة: يرى فرويد في تصوره أن شخصية الإنسان هي عبارة عن صراع دائم بين مجموعة من الغرائز (الهو) والمثل الأخلاقية (الأنا الأعلى) وأيضا ضغوط الواقع الإجتماعي، لذلك فالأنا هو نتاج للتوازن والتوفيق بين هذه القوى مثلما هو أداة تحقيق هذا التوازن والتوفيق، لذلك فوحدة الشخص وحدة دينامية عسيرة ولا متناهية التحقق.
5- المفاهيم الأساسية: اعتمد فرويد على مفاهيم أساسية أهمها: * الأنا * الأنا الأعلى. * الهو. * اللاشعور.
6- الحجاج:
* الحجج اللغوية:
+ أسلوب التأكيد: (إن الأنا...)
+ أسلوب النفي: (ليست...)
+ أسلوب الاستنتاج: (هكذا...)
* الحجج المعرفية:
- يرى فرويد أن الإنسان دائم الصراع بين عناصر ثلاث ليحقق التوازن ومحاولة التوفيق بينهما.
- التأكيد على أن هذا الصراع في غالب الأحيان ما يكون محاصر بين ضغط الأنا الأعلى من جهة ومطالب الهو والواقع من جهة ثانية.
7- قيمة النص ورهانه: إن قيمة النص تكمن بالدرجة الأولى في كونه يقدم لنا تصورا تفسيريا لمجموعة من العناصر المشكلة لشخصية الفرد، وبالتالي فالرهان لدى فرويد كان هو محاولة وضع تفسير دقيق لكيفية حدوث هذا التوازن.
8- خلاصة وتركيب: إن أهم ما يمكن أن نحتفظ به من خلال نص سيجموند فرويد هو عنصرين أساسيين:
• لا يمكن أن تكون الشخصية سوية بالشكل المطلوب إلا حينما تحاول التوفيق بين أبعاد الشخصية الثلاث.
• ثم أن هذه العلاقة حسب فرويد هي علاقة صراع بالدرجة الأولى.
الشخص غاية في ذاته
يوجد الإنسان وبوجه عام كل كائن عاقل، بوصفه غاية في ذاته، وليس مجرد وسيلة يمكن أن تستخدمها هذه الإرادة أو تلك وفق هواها. ففي جميع هذه الأفعال، كما في تلك التي تخص ذاته والتي تخص الكائنات العاقلة الأخرى، يجب دائما اعتباره غاية في ذات الوقت. إن جميع موضوعات الميول ليس لها إلا قيمة مشروطة، ذلك لأنه لو كانت الميول والحاجات المشتقة منها غير موجودة لكان موضوعها بدون قيمة. لكن الميول ذاتها، بوصفها مصادر للحاجة، لها قدر قليل من القيمة المطلقة التي تمنحها الحق في أن تكون مرغوبة لذاتها، وأكثر من ذلك، ينبغي على كل كائن عاقل أن يجعل أمنيته الكلية هي التحرر التام منها. ومن هنا فقيمة جميع الموضوعات التي نكتسبها بفعلنا هي دائما قيمة مشروطة. فالموجودات التي يعتمد وجودها، والحق يقال، لا على إرادتنا، بل على الطبيعة، مادامت موجودات موجودات محرومة من العقل، ليس لها مع ذلك إلا قيمة نسبية، قيمة الوسائل، وهذا هو السبب الذي من أجله يدعوها المرء أشياء؛ بينما الموجودات العاقلة تدعى أشخاصا، ذلك أن طبيعتها تدل على من قبل بوصفها غايات في ذاتها، أعني شيئا لا يمكن استخدامه ببساطة كوسيلة، شيء يحد بالتالي من كل قدرة على التصرف حسب هوانا (وهو موضوع احترامنا تلكم إذن ليست مجرد غايات ذاتية، يملك وجودها، من حيث هو معلول لفعلنا، قيمة بالنسبة إلينا، بل هي غايات موضوعية أعني أشياء وجودها غاية في ذاته، بل وتكون غاية بحيث لا يمكن أن نستبدل بها أية غاية أخرى. ويلزم أن تقوم بخدمتها الغايات الموضوعية، بوصفها مجرد وسائل (...) وعلى ذلك، فإذا كان لابد للعقل من مبدأ عملي أسمى، كما لابد للإدارة الإنسانية من أمر مطلق، فإن هذا المبدأ يلزم أن يكون بحيث يكون بالضرورة، عند تمثل ما هو غاية في ذاته، غاية لكل إنسان، فهو يشكل مبدأ موضوعيا للإدارة، ويمكن بالتالي أن يكون بمثابة قانون عملي كلي. وأساس هذا المبدأ هو التالي : إن الطبيعة العاقلة توجد كغاية في ذاتها.
إمانويل كانط، أسس ميتافيزيقا الأخلاق، ترجمة فيكتور دلبوس، دولاغراف، 1969، ص : 148-149
Emmanuel Kant, Fondements de la métaphysique des mœurs.
1- تأطير النص: النص مقتطف من كتاب أسس ميتافيزيقا الأخلاق للفيلسوف إمانويل كانط، ترجمة فكتور دلبوس، سنة 1969، ص 148،149 ، وفي هذا الكتاب يقدم كانط محاولة تحليلية، تنطلق من المعرفة المشتركة لتصل إلى المبادئ، حيث تمكن من استنباط المبدأ الأخلاقي الأسمى، حيث يكون الخبر بالفعل هو الخير بالقصد، وفي هذا النص يقرر كانط أنه يحب التعامل مع الشخصي باعتباره غاية في ذاته.
2- - صاحب النص: هو الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724-1801)، المزداد بكوينسبرغ، وكان الابن الرابع في أسرة تتكون من 11ولدا، كان والده حرفيا، وأشرفت والدته على تربيته وعرفته على الواعظ شولتز الذي كان له أثر كبير في التطور الفكري لكانط، درس الرياضيات والفلسفة والعلوم الطبيعية، كتب أولى مقالاته باللغة الألمانية عام 1746، تحت عنوان "آراء حول التقدير الصحيح للقوى الحية" محاولا التوفيق بين الديكارتين وأتباع لا يبنتز، ويتحدد مشروعه الفلسفي في النقد الذاتي للعقل لتحديد ملكاته وحدوده وأهم مؤلفاته التي عرف فيها مذهبه هي: نقد العقل الخالص (1781) نقد العقل العملي (1788) نقد ملكة الحكمة (1790).
3- الإشكال: أين تكمن قيمة الشخص، هل في كونه غاية في ذاته باعتباره ذات أخلاقية، أم أن قيمته تتحدد بالشكل الذي يرغبه الآخرون.
4- المفاهيم:
§ الأمر المطلق: هو أمر قطعي تمت صياغته بشكل صوري مجرد، وقد وضعه كانط باعتباره المبدأ الأخلاقي الأسمى، وصيغته كالتالي: "تصرف على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك، كما في شخص غيرك، دائما وأبدا، كغاية وليس مجرد وسيلة بتاتا.
§ قيمة مشروطة: لكل شيء قيمة، قد تكون قيمة نفعية تكمن في ما تحققه من نتائج نفعية، وهي ما يسمى بالقيمة المشروطة، بينما قيمة الشخص تكمن في كونه ذاتا عاقلة وأخلاقية وحرة وليس مجرد وسيلة يستخدمها الآخرون لتحقيق مصالح خاصة.
§ الشخص: هو كائن اجتماعي، هو الإنسان، ويسمى فردا، عندما يكون مجرد عضو بيولوجي داخل المجتمع، ويسمى شخصا عندما يزاول دورا داخل جماعة كأن يكون أبا، أستاذا، صانعا، وفي هذا الصدد يميز رالف لنتون بين الشخصية الأساسية والشخصية الوظيفية.
5-أ طروحة النص: يذهب كانط إلى أن قيمة الشخص تكمن في كونه ذاتا لعقل أخلاقي عملي، فهو غاية في ذاته، فالإنسان يتميز داخل نظام الطبيعة بامتلاكه لملكة الفهم مقارنة مع باقي الكائنات الأخرى، وعليه فهو يتصرف وفق القاعدة الأخلاقية التالية: "تصرف على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك، كما في شخص غيرك كفاية وليس مجرد وسيلة بتاتا".
6- الأفكار الأساسية:
× الإنسان كائن عاقل وحر، وذلك من خلال امتلاكه لملكة الفهم، التي تجعله يعامل باعتباره غاية في ذاته وليس وسيلة في يد الآخرين.
× أن قيمة كل إنسان تكمن في القدرة على التحرر من القيود الخارجية.
× إن قيمة الشخص هي قيمة غير مشروطة، أي أنها لا تتوقف عما نحققه من خلاله من نتائج عملية، بل إن له قيمة في ذاته تكمن في كونه ذاتا أخلاقية، بعبارة أخرى، إن الطبيعة العاقلة توجد كغاية في ذاتها.
7- البنية الحجـاجية:
التأكيد: يجب دائما اعتباره غاية.
النفي: ليس مجرد وسيلة، لا يمكن...
الاستدلال: إذا كان... فإن ...
المقارنة: قيمة الإنسان تختلف عن قيمة باقي الكائنات.
8- الاستنتاج: الإنسان يمكنه أن يتخذ من الأشياء وسائل يستخدمها لتحقيق أغراضه، لكن ليس من حقه أن يعامل الأشخاص كوسائل ذاتية نفعية، لأن الإنسان هو غاية في ذاتها وليس وسيلة لتحقيق أغراض الآخرين، وهذا ما يمنحه قيمة داخلية مطلقة ويكسبه احتراما لذاته ويملك بذلك كرامته الإنسانية.
9- قيمة النص وراهنيته: تكمن قيمة النص في كونه يدعو إلى ضرورة التعامل مع البشر باعتبارهم ذواتا مفكرة وأخلاقية تستحق أن تعامل باحترام، وهذه الدعوة شكلت أهم نبد في الاتفاقيات العالمية التي تعنى بحقوق الإنسان وكرامته خاصة اتفاقية حقوق الإنسان المؤسسة عام 1948.
10- استغـلال معطيـات النص للإجابة على الإشكـال المطروح: انطلاقا من النص يمكن القول أن قيمة الشخص تكمن في كونه غاية في ذاته وليس وسيلة في يد الآخرين، وذلك لأن الإنسان كائن عاقل وحر وأخلاقي، لكن وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن أن نتسائل، هل فقط الإنسان العاقل هو من يستحق الاحترام وأن يعامل على أساس غاية في ذاته؟، ألا يستحق الأحمق والجنين أن يعامل هو الآخر كما لو كان إنسانا مكتمل الإنسانية؟ (أطروحة طوم ريغان).
استقلالية الشخص
إن فكرة استقلال الذات المفكرة والشخص الأخلاقي، كما تمت صياغتهما من طرف الفلاسفة، لم تتحقق في الفكر الإنساني إلا في وقت متأخر. فهي بمثابة نقطة وصول لمسار طويل في التعلم، وتحقيقا للنموذج الذي ربما ينبغي على الإنسان أن يتوجه إليه بجهده. لكن، لا ينبغي أن ننسى أن تجربة الاستقلال والعزلة لا تشكلان الواقعة الأولى في الوجود، كما عاشها الناس فعليا. فالإدعاءات الإيديولوجية حول الإنسان، لا يمكن بأية حال، أن تنكر أشكال التضامن البسيطة والأساسية التي سمحت لتلك التنظيمات بالبقاء، وللفكر أن يتشكل على أرض بشر أحياء. لهذا فإن أخلاقا ملموسة هي التي ينبغي أن تحدد الجهد المبذول لأجل الكمال الشخصي، ليس فقط في مجال الوجود الفردي، ولكن أيضا، وأولا، في مجال التعايش وداخل المجموعة البشرية. وفي الحقيقة لا يتعلق الأمر هنا بنظامين مختلفين، فالعلم واحد، وكل نشاط بشري يندرج داخل هذا العالم الذي تساهم قيمه في النمو والارتقاء. يعتقد "الفرد" أنه إمبراطور داخل إمبراطورية، فيضع نفسه في مقابل العالم وفي تعارض مع الآخرين، بحيث يتصور نفسه كبداية مطلقة. وعلى العكس من ذلك يدرك الشخص الأخلاقي أنه لا يوجد إلا بالمشاركة. فيقبل الوجود النسبي، ويتخلى نهائيا عن الاستكفاء الوهمي. إنه ينفتح بذاته على الكون، ويستقبل الغير. لقد فهم الشخص الأخلاقي، أن الغنى الحقيقي لا يوجد في التحيز والتملك المنغلق، كما لو كان بإزاء كنز خفي، ولكن يوجد بالأحرى في وجود يكتمل ويتلقى بقدر ما يعطي ويمنح.
جورج غوسدورف، مقالة في الوجود الأخلاقي، مكتبة أرموند كولان، باريس، 1949، ص : 201-202
Georges Gusdorf, Traité sur l’existence morale.
1- تأطير النص: النص مقتطف من كتاب "مقالة في الوجود الأخلاقي" (1949) لجورج غوسدورف، وفي هذا النص يسير غوسدورف على خلاف الفلسفات السابقة التي تناولت الشخص من منظور نظري وميتافيزيقي، فهو يؤكد في هذا الكتاب أن قيمة الشخص لا تتحدد في المجال الوجودي الفردي، ولكن في إطار أشكال التضامن بين الناس.
2- صاحب النص: جورج غوسدروف فيلسوف فرنسي ولد عام 1912 ومات سنة 2000، درس الفلسفة بجامعة ستراسبورغ، من مؤلفاته المعروفة "اكتشاف الذات"، "رسالة في الوجود الأخلاقي"، "مدخل إلى العلوم الإنسانية". وجه غوسدورف نقدا إلى الفلاسفة العقلانيين الذين يفككون الشخص ويرسمون للإنسان صورة مجردة لا يمكن للناس العاديين أن يتعرفوا فيها على أنفسهم، داعيا إلى إحياء الأساطير لأنها تنطق بمادة الواقع الإنساني وتحتوي على القيم في حالتها البدائية، إن الإنسان في نظره لا يواجه مشكلات منطقة مجردة بل مواقف درامية لا بد لها أن يتحمل فيها مسؤولية حريته الخاصة في مواجهة أخطار الوجود كافة، ولكي يتعرف الإنسان ذاته لابد من الإستعانة شعار "كن من أنت"، وترك الشعار الاتباعي "اعرف نفسك بنفسك".
3- الإشكـال: أين تكمن قيمة الشخص، هل في وجوده الفردي أم في انخراطه داخل أشكال التضامن بين الناس؟
4- المفــاهيم:
§ الاستكفاء: هو قدرة الفرد على العيش ماديا وأخلاقيا بمعزل عن الآخرين، بمعنى أنه يكون قادرا على تحقيق حاجياته في استقلالية عن الآخرين، وهو ما يختلف عن طابع الإنسان باعتباره كائنا مدنيا واجتماعيا بطبعه.
§ الغيـر: هو مقابل الأنا، وهو الآخر الذي تعيش الأنا في علاقات معه، وتكون علاقة الأنا بالغير مبنية على الصداقة أو على الغرابة... وقد يكون الغير فردا أو جماعة أو ثقافة.
§ التضامن: ظاهرة اجتماعية، تنعكس في كون الأفراد يترابطون فيما بينهم في شكل بنية تضامنية، وقد يكون تضامنا آليا كما في المجتمعات البدائية، وقد يكون تضامن عضويا في المجتمعات التي تعرف كثافة سكانية كبيرة (كما يرى إميل دوركايم).
5- الأطــــروحة : يرى غوسدورف بأن معرفة الذات لا تتحقق بمجرد النظر إلى أنفسنا والتأمل فيها، إنها لا تتحقق، إلا بواسطة العالم وفي العالم، وهنا نتكلم عن الإنسان كشخص يكتمل مع الآخر ويكتسب قيمته داخل الجماعة.
6- الأفكار الأساسية:
× عرفت البشرية عبر تاريخها أشكال تضامن بسيطة وأساسية سمحت لها بالبقاء.
× إن الكمال الشخصي لا يكمن في مجال الوجود الفردي ولكن في مجال التعايش داخل المجموعة البشرية.
× الشخص الأخلاقي هو الذي يدرك أنه لا يوجد إلا بالمشاركة مع الآخرين.
× الشخص الأخلاقي هو الذي يقبل الوجود النسبي ويتخلى نهائيا عن الاستكفاء الوهمي.
7- الحجــــــاج:
النفي: لا ينبغي أن ننسى، أن الغنى لا يوجد في التحيز...
أمثلة: التضامن، الاستكفاء، الاستقلال...
التقابل: يقبل... ويتخلى...
8- الاستنتـاج: الكمال الشخصي لا يتحدد في مجال الوجود الفردي المستقل، بل يتحقق في مجال التعايش وداخل المجموعة البشرية وانفتاح الذات الفردية على الكون وتقبل الآخر.
9- قيمة النص وراهنيته: تكمن قيمة النص في التأكيد على ضرورة اندماج الفرد داخل الحياة الاجتماعية وأن يكون فاعلا داخل هذه الجماعة ومتعايشا مع الآخر في إطار التكامل الإنساني، وهذه القيمة مهمة في واقعنا الحاضر خاصة وأن حالة من العنف والفوضى تطبع كثيرا من العلاقات بين الأفراد والمجتمعات.
10- استغــــلال معطيــــات النـــص للإجــابة علـــى إشكال النص.
على ضوء معطيات النص يمكن حل الأشكال بالتأكيد على أهمية التشبع بالنحن بدل الأنا، فنقبل الحياة الاجتماعية ونتخلى عن النزعات الفردانية.
الإنسان مشروع
يعرف الإنسان بمشروعه. هذا الكائن المادي يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها ويحددها بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل والفعل أو الحركة. ولا يجب الخلط بين المشروع وبين الإرادة التي هي كيان مجرد، وإن كان المشروع قد يتخذ صورة إرادية في بعض الظروف. إن هذه العلاقة المباشرة مع الآخر المغاير للذات (...) وهذا الإنتاج الدائم للذات بواسطة الشغل والممارسة هو بنيتنا الخاصة. وإذا لم يكن [المشروع] إرادة، فهو ليس حاجة أو هوى كذلك. إلا أن حاجتنا مثل أهوائنا، وأكثر أفكارنا تجريدا ترجع إلى هذه البنية، فهي دائما خارجة عن ذاتها نحو (...) ذاك ما نسميه الوجود، ولا نعني بذلك جوهرا ثابتا مرتكزا على ذاته، بل نعني به عدم استقرار دائم واقتلاعا لكامل الجسم خارج ذاته. وبما أن هذه الوثبة نحو التموضع تتخذ أشكالا متنوعة بحسب الأفراد، وبما أنها تلقي بنا داخل مجال من الإمكانات نحقق البعض منها دون البعض الآخر، فإننا نسميها كذلك اختيارا وحرية. غير أنه يرتكب خطأ عظيم إذا ما وقع اتهامنا بإدخال اللامعقول أو أننا نختلق "بداية أولى" لا علاقة لها بالعالم أو أننا نمنح الإنسان حرية –صنمية. وفي الواقع، لا يمكن أن يصدر هذا الاعتراض إلا عن فلسفة آلية. ومن يوجه إلينا هذا الاعتراض، إنما يريد إرجاع الممارسة والخلق والاختراع إلى إعادة إنتاج المعطيات الأولية لحياتنا، إنه يريد تفسير الأثر والفعل أو الموقف بعوامل إشراطها، وإن رغبته في التفسير تخفي إرادة جعل المركب مماثلا للبسيط، ونفي خصوصيات البنيات وإرجاع التغير إلى الهوية، وهو ما يمثل من جديد سقوطا في الحتمية العلموية. وعلى العكس من ذلك يرفض المنهج الجدلي فكرة الاختزال، واعتماد طرح معاكس، قوم على التجاوز مع المحافظة، بحيث إن أطراف التناقض -الذي وقع تجاوزه- غير قادرة على بيان التجاوز ذاته ولا على التأليف اللاحق. إن هذا الأخير –على العكس من ذلك- هو الذي يضيء هذه الأطراف ويتيح فهمها.
جان بول سارتر، نقد العقل الجدلي غاليمار، 1960، ص : 95
Jean Paul-Sartre, Critique de la raison dialectique
1 - تأطير النص: النص مقتطف من كتاب "الوجود والعدم" للفيلسوف الوجودي جون بول سارتر، وفي هذا الكتاب يبلور سارتر تصورا جديدا للفلسفة من حيث هي تروم تحرير الإنسان مما هو متصور عقليا، من أجل وضعه وجها لوجه أمام وجوده الخاص بوصفه كائنا حرا يتوقف مصيره على قراره الشخصي، فليست الفلسفة شيئا دخيلا على الوجود البشري، بل إن فعل التفلسف لا يكاد ينفصل عن فعل الوجود.
2- صاحب النص: جون بول سارتر (1905-1980) هو فيلسوف وكاتب فرنسي، بدأ حياته العملية أستاذا، درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وفي سنة 1944 أسس مجلة "الأزمة الحديثة". وفي المجال الفلسفي تأثر بفلسفة هوسرل (الفينومينولوجيا)، ثم أسس نزعة فلسفية جديدة تحت اسم "الوجودية" حيث أكد أن مهمة الفلسفة هي الاهتمام بواقع الإنسان الوجودي أي بالمصير البشري، وفي هذا الإطار تبنى أطروحة مفادها أن الإنسان يسبق وجوده ماهيته، أي أن ما هو لا يتحدد إلا من خلال وجوده وحياته وأفعاله واختياراته... ومن ثم فإن الإنسان هو الكائن الوحيد الحر على نحو أصلي ومطلق، ولكن الوجود المجتمعي يحد من حرية الإنسان، فالآخر جحيم للفرد من خلال ما يفرض عليه من قوانين وإكراهات.
من أعماله الفلسفية: أ- الوجود والعدم. ب- الوجودية مذهب إنساني. ج- نقد العقل الجدلي.
3- الإشكال: هل الإنسان هو ما يريد هو كأنا أم كما يريد الآخر؟
4- المفاهيم:
§ التعـالي: هو خاصية الذات التي لا تنفصل عن حريتها ويرتبط بقصدية الوعي أي بقدرته على الإحالة إلى ما هو خارج الوعي.
§ المنهج الجدلي: هو عملية أو صيرورة بمثابة قانون تحكم الفكر والواقع عن طريق الصراع بين الأفراد، وعرف هذا المنهج بشكل كبير عند الفيلسوف الألماني هيجل ضمن ما يسمى بجدلية الفكر: أطروحة ï نقيضها ïتركيب.
§ المشروع: هو مفهوم اقتصادي في الأصل، ويوظف في المجال الإنساني عندما يتصور الإنسان كمشروع، قد يكون هو صاحبه وقد يكون المجتمع هو الذي يجعل من الإنسان مشروعا له، يصنع منه ما يريد وفق ما يسطره من أهداف وغايات.
5- الأطروحة: يرى سارتر أن ماهية الإنسان لا تتحدد قبل وجوده، بل يوجد أولا ثم بعد ذلك يصنع بنفسه ما يشاء، إنه مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته لا بانغلاقه على كينونته، بل منفتحا على العالم وعلى الآخرين، فالإنسان يوجد أولا ويلاقي ذاته وهو غير حامل لأية صفات أو ماهية قبلية، بعد ذلك يشرع في تأسيس ذاته.
6- الأفكار الأساسية:
× الإنسان يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها ويجددها بالتعالي عليها لكي يتموضع بواسطة الشغل والطفل والحركة.
× الإنتاج الدائم للذات يتم بواسطة الشغل والممارسة.
× إن تموضع الذات يتم عن طريق الاختيار والحرية.
× من الخطأ الكبير أن نمنح الإنسان حرية صنمية.
7- الحجــــاج: اعتماد التقابل: ذات/ آخر، مركب/ بسيط.
الإحالة لأفكار سابقة، كاستحضار هيجل وماركس.
النفـي: لا يمكن لا علاقة لها بالعالم...
8- الاستنتـــــاج: بالرغم من الإكراهات التي يفرضها المجتمع على الفرد، يحكم أن الآخر جحيم في محاولته تنميط شخصية الفرد، فإن الشخص حر ومسؤول عن أفعاله واختياراته، فهو حر حرية مطلقة غير مقيدة بموانع وإكراهات بحكم أنه ذات أخلاقية عاقلة.
9- قيمة النص: تكمن قيمة النص في كونه يبين بشكل واضح علاقة الفرد بالمجتمع، حيث تأثير النحن على الأنا، أي الماكرواجتماعي على الميكرواجتماعي، ذلك أن المجتمع ينظر إلى الفرد كمشروع مجتمعي، إلا أنه مشروع لا يكتمل إلا بمساهمة الفرد نفسه في بلورة هذا المشروع.
10- استغــلال معطيــــات النص للإجـــــابة على الإشكــــال المطــــروح
الإنسان هو ما يريده الآخر، لكن مادام الإنسان هو أيضا آخر، فالإنسان هو ما يريد هذا الإنسان إلى حد ما.
الحرية بشروط
حرية الإنسان هي حرية شخص، وحرة هذا الشخص بالذات وكما هو مركب وموجود في ذاته وفي العالم وأمام القيم. وهذا يستلزم أن تكون هذه الحرية ملازمة إجمالا لوضعنا الواقعي ومحصورة في نطاق حدودة. أن تكون حرا هو أن تقل، في البدء، هذه الظروف لتجد فيها ارتكازا، ليس كل شيء ممكنا، ولا هو كذلك في كل لحظة. هذه الحدود تشكل قوة عندما لا تكون ضيقة جدا. الحرية كالجسم، لا تتقدم إلا بالحواجز والاختيار والتضحية. ولكن فكرة المجانية هنا هي فكرة وجود غني، والحرية في شروط ملزمة، ليست من الآن فصاعدا "وعيا للضرورة"، كما سماها "ماركس". إن هذا هو البداية، لأن الوعي وعد وبادرة للتحرر ووحده العبد من لا يرى عبوديته، مهما كان سعيدا تحت سلطتها. إلا أن هذا البدء هو بالكاد إنساني. ولذلك فقبل إعلان الحرية في الدساتير أو تمجيدها في الخطابات، علينا تأمين الشروط العامة للحرية : الشروط البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تسمح لقوى ذات مستوى متوسط أن تشارك في أعلى نداء للإنسانية، وأن نهتم بالحريات اهتمامنا بالحرية (...). إن حريتنا هي حرية إنسان في موقف، وهي كذلك حرية شخص تعطى له قيمة. أنا لست حرا لأني أمارس عفويتي فقط، بل أصبح حرا عندما أوجه هذه العفوية في اتجاه التحرر أي في اتجاه شخصنة العالم ونفسي. إذن ثمة مسافة تمتد من الوجود المنبثق إلى الحرية، وهي التي تفصل بين الإنسان الباطني على حدود الانبثاق الحيوي، والإنسان الذي ينضج باستمرار بأفعاله وفي الكثافة المتزايدة للوجود الفردي والجماعي. وهكذا فأنا لا أستعمل حريتي بدون جدوى، بالرغم من أن النقطة التي ألتحم فيها بتلك الحرية متباعدة في أعماق ذاتي. وليست حريتي تدفقا فحسب، بل هي منظمة، أو بعبارة أفضل هي مطلوبة بنداء.
إمانويل مويي، الشخصانية، المنشورات الجامعية الفرنسية، 1995، ص : 71-74
Emmanuel Mounier, Le personnalisme
1- تأطير النص: النص مقتطف من كتاب الشخصانية (1949) للفيلسوف الشخصاني المذهب، إيمانويل مونييي، وفي هذا الكتاب يقدم مونيي أطروحة تقول أن حرية الشخص مشروطة، نظر F للعلاقة القائمة بين الأنا والآخر.
2- صاحب النص: هو الفيلسوف الفرنسي المعاصر إيمانويل مونييي (1905-1950)، وهو رائد التيار الشخصاني بفرنسا، أنشأ مجلة "الروح" في أكتوبر 1932، ودعا فيها إلى مناهضة الحضارة الأوربية التي تقوم على المادية المفرطة وهو ما جعلها تعاني من أزمة روحية، أي غياب تربية روحية شخصانية، فالمهمة الرئيسة في نظر مونيي ليست هي تغيير العالم وإنما تغيير الفرد، أي دعم كماله الأخلاقي الذاتي الروحي، ودعا مونييه إلى قيام التربية على ثورة روحية تعيد الوحدة بين الروح والمادة في الشخصية، وتتأسس على نزعة إنسانية تنظر إلى الشخص باعتباره كائنا يعيش في إطار اجتماعي كوني، متفتح على الأشخاص الآخرين في المجتمع والكون ويتمتع بروح متسامحة، إزاء كل الأديان، ولذا رفض مونيي الماركسية والمادية بكل أشكالها.
3- الإشكال: هل حرية الفرد مطلقة أم مشروطة؟
4- المفاهيم:
§ التحرر: تدل لدى الفلاسفة الشخصانيين على فعالية يحياها في استمرار شامل كل واحد منا في تضامنه مع مجموع الإنسانية.
§ شخصنة: عملية تشير إلى أن الإنسان أو الكائن لا يتخذ قيمته إلا في الوقت الذي يدخل في عالم مشخصن.
§ القـيم: كل القواعد والأخلاق والمبادئ الاجتماعية التي يتواضع عليها الأفراد (المجتمع)، ويحرصون على صونها وتمريرها إلى كل فرد يدخل هذا المجتمع.
5- الأطـروحة: يرى مونيي أن الشخص لا يحقق وجوده مع الآخرين إلا في إطار الفعل الحر المتجدد، فحرية الشخص موجودة في ذاته، وهي مشروطة بالوضع الواقعي له، وهي لا تتحقق إلا عندما يتجه الإنسان نحو التحرر في إطار التشخصن، أي الخروج بالذات من عزليتها وفرديتها والاتجاه نحو الشخص عبر الانفتاح على الآخرين والتواصل معهم، وتحمل مصائرهم وآلا مهم بكل كرم ومجانية.
6- الأفكار الأساسية:
× حرية الإنسان هي حرية شخص، وهذه الحرية تكون ملازمة لواقعه.
× أن يكون الإنسان حرا معناه أن يقبل ظروفه واقعه.
× الوعي هو وعد وبادرة للتحرر.
× تحقيق الحرية يقتضي التفكير في الشروط البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
7- الــحجـــاج: آلية التعريف [حرية الإنسان هي حرية الشخص...].
8- الاستنتاج: حرية الشخص حرية ملتزمة لأنها تحترم الغير ومشروطة باحترام القيم، إنها موقف وقيمة.
9- قيمة النص: ينظر النص لموقف هام من الحرية، هو أن لا حرية للأنا بدون استحضار حرية الآخر.
10- استغــلال معطيات الـنص للإجـــابة على الإشكـــال المطـــروح:
ليست حرية الشخص مطلقة بل إنها رهينة بمدى احترام الشخص الحر للأشخاص الآخرين الأحرار.
نصوص
نصوص وأسئلة
****
هل تتحقق الإنية بمعزل عن الغيرية؟
*****
أود أن أؤكد مرة أخرى فيما يتعلق بأوهام المناطقة، ودون أن يفل شيء من عزيمتي، أمرا بسيطا لا تسلم به تلك العقول الواهمة إلا على مضض، وهو أن فكرة ما لا تخامرني إلا متى أرادت هي ذلك لا إذا كنت أنا الذي أريد ذلك. حتى ليغدو من باب تزييف الأمور أن ندعي أن الفاعل ”أنا” مشروط بالحال ”أفكر”. فثمة شيء يفكر، لكن الاعتقاد بان هذا الشيء هو ذاك الأنا القديم الشهير ليس إلا افتراضا محضا، وقد يكون إثباتا، غير انه بالتأكيد ليس ” يقينا مباشرا”. والحق انه من المبالغة القول ” إن شيئا ما يفكر”، إذ يصل بنا ذلك إلى تأويل ظاهرة ما بدل الحديث عن الظاهرة ذاتها. وينجر عن ذلك، على عادة النحاة، القول: ” إن التفكير نشاط يستوجب فاعلا، إذن ....”. فالمذهب الذري القديم كان يسلك المسلك نفسه تقريبا، فيربط إلى القوة التي تفعل، تلك القطعة من المادة – ألا وهي الذرة – التي تكمن فيها القوة ومنها تنطلق. أما ذوو العقول الأكثر صرامة فقد انتهى بهم الأمر إلى تخطي تلك الصعوبة دون حاجة إلى تلك ” الحتامة الأرضية”، ولعله يأتي اليوم الذي يألف فيه الناس، حتى المناطقة منهم، الاستغناء استغناء تاما عن هذا ” الشيء الطفيف” [ الذي آل إليه آخر الأمر هذا الأنا المبجل].
نيتشه
“ ما وراء الخير والشر”
****
هل تتحقق الانية خارج التاريخ؟
*****
هل يمكن القول إن الإنسان مدين للآخر بإنسانيته؟
*****
إما أنا أو الآخر، علينا أن نختار بينهما، هكذا قيل. غير أننا نختار الواحد ضد الآخر، ونؤكد حينئذ النزاع. فيحولني الآخر إلى موضوع ثم ينفيني، وأنا بدوري أحول الآخر إلى موضوع ثم انفيه، هكذا قيل. لكن نظرة الآخر لا تحولني في حقيقة الأمر إلى موضوع، كما أن نظرتي لا تحول الآخر إلى موضوع إلا إذا انسحب كل منا داخل طبيعته المفكرة وأضحى كل منا نظرة لا إنسانية بالنسبة إلى الآخر، إلا إذا أحس كل منا بأفعاله، لا من حيث أن الآخر يستعيدها ويفهمها، بل من حيث هو يلاحظها كما لو كانت أفعال حشرةهذا ما يحصل مثلا عندما يسلط علي نظر شخص مجهول.
غير أن الإحساس بوطأة موضعة كل واحد منا بفعل نظرة الآخر، هذا الإحساس لا يصبح ممكنا في هذه الحالة إلا لأنه يحل بدل تواصل ممكن. إن نظرة كلب إلي لا تحرجني البتة. فرفض التواصل هو كذلك ضرب من التواصل. إن الحرية التي تتخذ الأشكال، والطبيعة المفكرة، وهوية الشخص التي لا يشاركه فيها احد، والوجود الذي لا قيمة له ولا معنى، كل هذا يرسم لدي ولدى الآخر حدود كل تعاطف، ويعلق التواصل فعلا، ولكن لا يقضي عليه.
فان كان الأمر يتعلق بشخص مجهول لم ينطق بعد تجاهي بكلمة واحدة، يبقى بوسعي الاعتقاد انه يعيش في عالم مغاير لعالمي، عالم لا تستحق فيه أفعالي ومشاعري أي مكان. لكن يكفي أن ينطق بكلمة اوان تصدر عنه حركة تنم عن نفاذ صبره حتى يكف عن الاستعلاء علي. ذلك إذن هو صوته، وتلك هي أفكاره. ذلك هو إذن المجال الذي كنت اعتقد أني لا أطاله. إن أي كـــائن [ أنساني] لا يستعلي على الكائنات [ الإنسانية ] الأخرى بشكل نهائي إلا متى ظل عاطلا وجاثما على اختلافه الطبيعي.
موريس مرلوبونتي: ظاهـــراتية الإدراك
*هكذا قيل: إشارة إلى ما جاء في بعض كتابات ج. ب. سارتر.
*****
أية صورة للإنسان يكرسها عصر الصورة؟
*****
قيل: « لا تقتصر مسؤولية العالم على إنشاء النظريات العلمية، بل عليه التفكير في تبعاتها». ما رأيك؟
*****
هل بإمكان العولمة أن تضطلع بمطلب الكوني اليوم؟
*****
إن واقع العلم واقع مفسر، مفسر بصفة جزئية أو مؤقتة، ولكنه مفسر بالضرورة. و الحال هذه، تكمن المفارقة في كون تلك الرسوم المنجزة أو نماذج الواقع المجردة أقيمت بفضل انحراف للفكر حصل عن طريق ما نسميه الافتراضيات. فالظواهر الملاحظة الآن ليست وحدها التي يتعين تمثيلها في النمــــــــوذج كما لو كان الأمر يحدث في مرآة. يقحم التمثل و التفسير العلمي، إلى جانب صورة الوقائع المتحققة راهنا، وقائع افتراضية يمكن أن تتحقق كما يمكن أن لا تتحقق. يكمن دورها في إتمام رسم الظواهر عبر الإبانة عن كل التجريدات و التي توجد من بينها صورة الظواهر التي تمت ملاحظتها فعليا. هكذا يكون واقع العلم مكونا من عوالم محكمة الارتباط لوقائع افتراضية، مع القواعد التي تسمح بتحديد صورة الوقائع الراهنة، تحديدا لا يخلو من الدقة و اليقين، تقريبا. هكذا، قد يصح القول إن ما لم يوجد يفسر ما يوجد.
ج. ق. غرانجي «الاحتمالي و الممكن و العرضي»
*****
قيل:« يكفي أن نقصي الآخر لنحافظ على هويتنا» ما رأيك؟
*****
هل أن الحاجة إلى المقدس هي حاجة إلى التواصل؟
*****
ثمة مفارقة لا فكاك منها: فمن ناحية ينبغي على كل شخصية ثقافية أن تنغرس في ماضيها و أن تستنهض روحا وطنية تجعلها قادرة على الاضطلاع باستحقاقاتها الروحية و الثقافية في وجه الثقافة الغازية، ومن ناحية ثانية نجد أن الالتحاق بالحضارة الحديثة يتطلب الانخراط في عقلانية العلم و التقنية و السياسة، وهو ما يفرض في اغلب الأحيان التخلي نهائيا و بكل بساطة عن الموروث الثقافي. ما من ثقافة يمكنها أن تتحمل صدمة الحضارة العالمية و تستوعبها، فهذا أمر لا ريب فيه. و تجد المفارقة هنا تعبيرها في ما يلي: كيف نتوفق إلى سبيل الحداثة دون القطع مع أصولنا؟ كيف نوقظ ثقافة قديمة نائمة و نتطلع إلى الحضارة الكونية في آن؟
(...) ليس سهلا أن نتحصن بهويتنا و ننظر بعين التسامح إلى الحضارات الأخرى. وحين ننساق وراء الغريب الثقافي – سواء عبر نوع من الحياد العلمي أو من خلال الفضول و الحماسة إزاء الحضارات الغابرة، سواء عبر الحنين إلى ماض سحيق أو من خلال أحلام البراءة و الفتوة- نجد أن اكتشاف التعدد الثقافي لا يكون قط تمرينا مسالما (...) فمنذ اللحظة التي نكتشف فيها وجود ثقافات عدة بدل ثقافة واحدة، أي منذ اللحظة التي نعترف فيها بأفول ضرب من الاحتكار الثقافي – وهميا كان أو حقيقيا – نجد أن اكتشافنا هذا يهددنا بالانهيار. ويتملكنا الشعور فجأة بأنه لا يوجد سوى آخرون، بل إننا نحن أنفسنا نتحول إلى آخر من بين آخرين.
بول ريكور «التاريخ و الحقيقة» ص ص 293/294
*****
حسب الطبيعة , أبشع شيء فعلا هو دائما الأكثر إيذاء , أي هو تحمل الظلم . أما حسب القانون الوضعي فأبشع شيء هو ارتكاب الظلم .
الحق أن تحمل الظلم تصرف لا يليق بإنسان , بل بعبد يفضل الموت على الحياة و غير قادر على الدفاع عن نفسه ولا عمن يحب . أما القانون فمناقض للطبيعة . انه من صنع الضعفاء والجمهور , صنعوه وفق مصلحتهم الخاصة فحددوا ما يستحق الثناء وما يستحق الذم , زاعمين أن كل تفوق قبيح وظالم و أن إرادة السمو على الآخرين ظلم حقيقي , سعيا منهم إلى ترهيب الأقوياء ومنعهم من تحقيق الغلبة عليهم . [...]
تلك هي الغاية التي يرمي إليها القانون من إعلانه أن كل محاولة لتجاوز المستوى العام هي محاولة ظالمة وقبيحة تسمى ظلما .
إلا أن الطبيعة ذاتها – في رأيي – تثبت لنا أن العدالة الحقيقية تكون في لزوم غلبة الرفيع على الوضيع , القادر على العاجز . كما تدلنا في كل مكان , لدى الحيوانات والإنسان , في المدن والعائلات , على أن الأمور تجري هكذا فعلا و أن العلامة المميزة للعدل هي سيطرة القوي على الضعيف وتقبل تفوقه [...]. وحق زوس إن كل الطغاة لم يفوزوا بالنصر إلا لأنهم تصرفوا حسب قانون الطبيعة , لا حسب القانون الذي نضعه نحن والذي نربي عليه أفضل أطفالنا وأشدهم باسا , أولئك الأشبه بالأشبال . فنروضهم قهرا ونحشو أدمغتهم بشعوذات و خزعبلات من قبيل " كونوا قنوعين ولا تسعوا إلى التفوق على الآخرين ".
إلا فليطلع علينا رجل موهوب يهز كل هذه الأغلال ويكسرها ويطرحها بعيدا , وأنا على يقين من انه سيتمرد وسينتصب أمامنا سيدا فيدوس نصوصنا المقدسة وشعوذتنا وقوانيننا هذه المناقضة للطبيعة .
أفلاطون " الغورجياس"
*****
نشهد منذ بداية العصر الحديث تطوّرا لا مثيل له من قبل في المعارف التي تكوّن العلم و التي تتبنّى علنا صفة العلم. و نقصد بالعلم هنا معرفة تكون صارمة و موضوعيّة و غير قابلة للشكّ وصادقة. وتتميّز هذه المعرفة العلميّة عن كل الأشكال التقريبّية, بل المشكوك فيها من المعرفة والمعتقدات والخرافات التي سبقتها, بقوّة بداهاتها و براهينها و حججها و بالنّتائج المذهلة التي توصلت إليها, و هي نتائج قلبت وجه الأرض رأسا على عقب. و لكن من المؤسف أنّ هذا الانقلاب قد شمل الإنسان ذاته فإذا كانت المعرفة, التي هي فهم متزايد للكون, مكسبا لاشك فيه, فلماذا اقترنت هذه المعرفة بانهيار كل القيم الأخرى, و هو انهيار خطر لدرجة انّه يهدّد وجودنا نفسه. ففي حين أنّ كل منتجات حضارات الماضي كانت مقترنة صعودا و نزولا و كأنّها على توافق تام, شبيهة في ذلك بتعاقب الموج, ها نحن نشاهد قبالتنا ما لا احد شاهده من قبل الانفجار العلمي و قد اقترن بإفلاس الإنسان هذه الوحشيّة الجديدة, وهي وحشيّة قد لا نتمكّن هذه المرّة من تخطّيها.
ميشال هنري " الوحشيّة "
*****
“إننا نتحرر من عنف المقدس حينما نقدره رمزا لا وثنا”. هل يستوفي هذا الإقرار حقيقة المقدس؟
******
هل أن قدرنا أن نعيش تحت سلطان الأنظمة الرمزية؟
******
كيف يكون التقاء ثقافات متنوعة أمرا ممكنا، بمعنى التقاء لا يكون قاتلا للجميع؟ وبالفعل قد يستنتج من التأملات السابقة أن الثقافات غير قادرة على التواصل فيما بينها. ومع ذلك، فان غرابة الإنسان عن الإنسان ليست أبدا غرابة مطلقة. يقينا الإنسان غريب عن الإنسان ولكنه أيضا شبيهه على الدوام. فعندما نحل ببلد غريب عنا تماما كما حدث لي منذ سنوات في الصين، فإننا رغم إحساسنا بأقصى درجات الغربة نشعر بأننا لم نخرج البتة عن دائرة النوع البشري. إلا أن هذا الشعور يبقى شعورا أعمى يجب الارتقاء به إلى مستوى الرهان والإثبات الإرادي لوحدة هوية الإنسان. انه ذلك الرهان المعقول الذي أنجزه قديما عالم الآثار «شامبوليون» عند اكتشافه علامات مبهمة واقر مبدئيا انه إذا كانت تلك العلامات من فعل الإنسان، فانه يمكن بل ينبغي أن تترجم. صحيح أن الترجمة لا تفصح عن كل شيء، ولكنها تفصح دائما عن شيء ما (...) فالاعتقاد بان الترجمة ممكنة إلى حد ما، هو إقرار بان الغريب هو إنسان، بل هو باختصار الاعتقاد في إمكانية التواصل. وما قلناه عن اللغة وعلى العلامات يصدق أيضا على القيم والصور الأساسية وعلى الرموز التي تكون الإرث الثقافي لشعب ما. نعم، اعتقد انه بالإمكان فهم الاخر المغاير لي من خلال التعاطف والتخيل تماما كما افهم شخصية رواية أو مسرحية أو صديقا حقيقيا رغم كونه مختلفا عني. بل أكثر من ذلك يمكنني أن افهم دون تكرار، وأتمثل نفسي دون أن أحياها من جديد، وأن أكون آخر في الوقت نفسه الذي أكون فيه أنا ذاتي. أن أكون إنسانا، هو أن أكون قادرا على البقاء أنا نفسي. فان أكون إنسانا، هو أن أكون قادرا على الانتقال إلى مركز منظور آخر.
وعندئذ، تطرح مسالة الثقة: فما الذي يحدث لقيمي عندما افهم قيم الشعوب الأخرى؟ إن الفهم مغامرة مخيفة حيث تتعرض كل الموروثات الثقافية لخطر السقوط في تلفيقية غائمة. ومع ذلك يبدو لي أننا نجد فيما قلناه آنفا عناصر إجابة هشة ومؤقتة: إن الثقافة الحية الوفية لأصولها والتي تكون في نفس الوقت في حالة إبداع على صعيد الفن و الأدب والفلسفة والعطاء الروحي هي وحدها القادرة على تحمل ملاقاة الثقافات الأخرى، هي وحدها القادرة لا على الملاقاة فحسب بل على إضفاء معنى لهذه الملاقاة. وعندما يكون الالتقاء مواجهة بين اندفاعات خلاقة، يكون الالتقاء عينه خلاقا (...)
بول ريكور «التاريخ و الحقيقة»
*****
ما الذي يحرّّك العلوم إرادة السّيطرة أم هاجس الحقيقة ؟
*****
يتولد التفكير عن الأفكار إذ نقارن بينها. فليس بوسع من لا يرى غير شيء واحد أن يقارن.[...] تحملنا رؤية ما هو غريب عنا على أن نتلفت إلى فحص ما هو قريب منا. فلتطبقوا هذه الأفكار على الناس الأولين، سترون إذاك علة همجيتهم. فلأنهم لم يروا أبدا غير ما كان محيطا بهم، فقد جهلوا حتى إياه، بل لم يعرفوا بعضهم بعضا. لقد كان في أذهانهم صورة عن الأب أو عن الابن أو الأخ، أما عن الإنسان فلا. وكانت أكواخهم تؤوي كل نظرائهم. وفي حسابهم أن الغريب و الدابة و الغول هي كلها سواء، و ما كان الكون بأسره عندهم شيئا غير ما كانوا وما كانت عائلاتهم.
ومن هنا يأتي ما نراه من التناقضات الواضحة بين هؤلاء الأمم: كل تلك الفطرة مع كل تلك الوحشية، كل تلك الشراسة في العادات مع كل تلك الرقة في القلوب، كل ذلك الحب لعائلاتهم مع كل ذلك البغض لنوعهم. لقد ازدادت مشاعرهم قوة باستقرارها في أقربائهم: إذ كان كل ما يعرفونه عزيزا عليهم. ولما كانوا أعداء لبقية العالم الذي لم يكونوا يرونه، و الذي كانوا يجهلونه، فإنهم لم يكرهون إلا ما لم يكن بوسعهم معرفته.
جون جاك روسو
محاولة في أصل اللغات ص ص 55.
*****
هل في الانبهار بثقافة الآخر علامة اغتراب أم علامة تواصل؟
******
"يكفي الاعتقاد بان ما نقوم به أخلاقي لتبرير كل أفعالنا". ما رأيك ؟.
****
هل يمكن الإقرار بان قوة الدولة هي التي تصنع حرية المواطنين ؟
****
إن الدولة آلة لصيانة سيادة طبقة على أخرى . فعندما كان المجتمع خاليا من الطبقات , عندما كان الناس قبل عهد العبودية في ظروف بدائية حين كانت تسود مساواة اكبر و حين كانت إنتاجية العمل ما تزال منخفضة جدا . عندما كان الإنسان البدائي لا يحصل على ما هو ضروري لمعيشته البدائية الخشنة إلا بصعوبة , عندئذ لم يبرز و لم يكن بالإمكان أن يبرز فريق خاص من الناس يفرزون خصيصا للحكم ويسيطرون على بقية المجتمع . عندما ظهر الشكل الأول من أشكال انقسام المجتمع إلى طبقات , عندما ظهرت العبودية , عندما أصبح بإمكان طبقة معينة من الناس تمركزوا على العمل الزراعي باخشن أشكاله أن ينتجوا شيئا من فائض لم يكن ضروريا بإطلاق الإبقاء على شعلة الحياة في العبد , و كان يقع في يد مالك العبيد , و عندما توطد بهذا الشكل وجود طبقة ملاك العبيد , و لكي يتوطد , كان لا بد من ظهور الدولة .
نحن ننبذ المقولة القديمة القائلة إن الدولة هي المساواة العامة , فما ذلك غير خداع : فالمساواة تستحيل ما بقي الاستغلال . إذ لا يمكن لمالك الأرض أن يكون مساويا للعامل , و لا الجائع للشبعان . إن البروليتاريا ترمي تلك الآلة التي تحمل اسم الدولة و التي يقف الناس حيالها باحترام مشوب بالخشوع و يصدقون بشأنها الأساطير القديمة القائلة أنها سلطة الشعب كله . و تعلن البروليتاريا : إن ذلك كذب بورجوازي (...)
و عندما تنعدم في الدنيا إمكانية الاستغلال , و ينعدم ملاك الأراضي و المصانع و يزول هذا الوضع الذي يصاب فيه البعض بالتخمة و يجوع آخرون , عندما تزول إمكانيات ذلك , عندئذ فقط نترك هذه الآلة للتحطيم . عندئذ تزول الدولة و يزول الاستغلال .
من محاضرة ألقاها "لينين" بجامعة سفيردلوف.
*****
يمكننا أن نصحح التعريف الكلاسيكي للإنسان و نوسعه. فرغم الاعتراضات التي وجهتها له النزعات اللاعقلانية المعاصرة، فان تعريف الإنسان باعتباره حيوانا عاقلا لم يفقد قوته. فالعقلانية تمثل السمة المميزة لكل نشاط إنساني... لقد أقيم في الغالب تماثل بين اللغة والعقل، أو منبع العقل ذاته، لكن من الواضح أن هذا التعريف للإنسان لا يغطي الحقل العلمي بأكمله. فهو يمثل جزء من كل. فإلى جانب اللغة المفهومية ثمة اللغة الانفعالية، و إلى جانب اللغة المنطقية والعلمية توجد لغة المخيلة الشعرية، فاللغة في الأصل لا تعبر عن الخواطر و الأفكار بقدر ما تعبر عن المشاعر و الانفعالات. ليس العقل المفهوم المناسب الذي يمكننا من فهم أشكال ثقافة الإنسان في ثرائها وتنوعها بل إن كل هذه المظاهر هي أشكال رمزية. وهكذا فبدلا من تعريف الإنسان بأنه حيوان عاقل، يجب تعريفه بأنه حيوان رامز وهكذا يتسنى لنا تعيين خاصيته المميزة وفهم السبيل الجديد الذي انفتح أمامه وهو سبيل الحضارة.
كاسيرر« محاولة في الإنسان » ص 44-45
*****
ما مدى مشروعية القول بوجود إنسان متوحش؟
*****
« الصورة اصدق من الكلمات » ما رأيك؟
****
لكي يكون الولاء لا المحاباة جديرا بالتقدير ولكي لا يكون نفوذ السلطان عرضة لأي إضعاف، ولكي لا يقدم أي تنازل لدعاة الفتن، وجب أن تتاح للناس حرية الرأي و أن يتم حكمهم على نحو يعيشون فيه في وئام رغم مجاهرتهم بآراء مختلفة و متعارضة. و لا يمكننا أن نشك في أن هذه الطريقة في الحكم هي الأفضل لأنها الأكثر تلاؤما مع الطبيعة البشرية. وقد بينا انه في دولة ديمقراطية [ و هي الأقرب إلى حالة الطبيعة ] يتفق الجميع على العمل وفق قانون عام لا أن يحكموا و أن يفكروا بطريقة واحدة. أي انه لما لم يكن بوسع الناس أن يجمعوا على رأي واحد، كان عليهم أن يجعلوا من الرأي الذي ترتضيه الأغلبية قانونا، محتفظين بحقهم في نقض القرارات المتخذة عندما يجدون ما هو أفضل. وكلما قلت حرية الرأي المتاحة للناس ابتعدوا أكثر عن حالة الطبيعة و اشتد عنف الدولة.
سبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة
*****
هل تتحقق وحدة المجتمع بقوة الدولة؟
****
قيل:«لا تقتصر مسؤولية العالم على إنشاء النظريات العلمية، بل عليه التفكير في تبعاتها » ما رأيك؟
*****
« يقتضي الفعل الخير مقاومة الأهواء». حدد المسلمة الضمنية التي يقوم عليها هذا الموقف
*****
ظل العلم مؤسسا على افتراض أن الطبيعة متجانسة, فالأسباب المتماثلة لها نتائج متماثلة, فان ألغينا هذا فسيبدو العلم معلقا في الهواء, دون تبرير لوجوده أو تفسير لنجاحه, و لكن نجاح العلم لا جدال حوله وتفسير ذلك موجود بالتأكيد.
هناك وجهان للتفسير. ففي المقام الأول يقتصر عدم الحتمية الذي توضحه نظرية الكم على خطوات الطبيعة في عالم المقاييس الصغيرة, و في المقام الثاني حتى هذه الأحداث غير الحتمية تحكمها قوانين إحصائية. و في كل ظواهر عالم المقاييس الإنسانية تدخل بلايين الالكترونات و الذرات في الحساب متجمعة, و عندما نناقش مثل هذه الظواهر كما ندركها يمكننا أن نعاملها إحصائيا كمجموعة, و في هذه المجموعات تمسك القوانين الإحصائية بزمام الموقف تماما, و نتيجة ذلك أن الظواهر يمكن التنبؤ بها تقريبا بنفس الدقة, كما لو كنا نعرف حركة كل جسيم في المستقبل, و بنفس الطريقة إذا عرف الإحصائي معدلات المواليد و الوفايات...الخ للتعداد, ففي إمكانه التنبؤ بتغيرات التعداد في المستقبل ككل دون أن يتنبأ بما سيفعله الفرد الواحد من جهة الولادة أو الوفاة, و في عالم المقاييس الإنسانية و ما هو اصغر منه كثيرا إلى الحد الذي لا يمكن مشاهدته بأي مجهر, سنجد الطبيعة في كل مظاهرها تؤمن بالحتمية بكل صراحة, و الأسباب المتماثلة لها نتائج متماثلة. و على هذا فقد أعيد الاعتبار لتجانس الطبيعة باستثناء عالم الجسيمات لانهائية الصغر, و يمكن للعلم أن يجد مبررا للافتراض الأساسي الذي بنى وجوده عليه, و نرى لماذا صارت الحتمية متضمنة في أساليب تفكيرنا, و كيف أتى ديكارت و أتباعه و أعلنوا أنها معرفة "قبلية" شاهدوها بالرؤية الواضحة لعقولهم, في حين هي لا تنطبق على مجالات الطبيعة البعيدة عن متناولهم.
جيمس جينز " الفيزياء و الفلسفة "
******
الإنسان غامض في ذاته, و هذا ما يتعيّن معرفته. غير انّه يجب هنا أن نتحاشى أخطاء عديدة ناشئة عن مفهوم اللاّوعي . و أفدح هذه الأخطاء هو الاعتقاد بان اللاّوعي هو أنا آخر, أنا له أحكامه المسبقة وأهواؤه و حيله, ضربا من الملاك السيّئ,ناصح شيطاني . لنجابهه يجب أن نفهم انّه ما من فكرة فينا إلاّ ناجمة عن الأنا بوصفه ذاتا واعية. هذه الملاحظة التي نسوقها هي على الصعيد الأخلاقي. فلا يجب أن نقول في سرّنا أنّنا نشرع في التفكير عندما نحلم. يجب أن نعلم أن التفكير شان إرادي.(...) و بإمكاننا القضاء على هذه الأشباح بان نقول لأنفسنا ببساطة إن كلّ ما ليس تفكيرا البتة هو أمر ميكانيكي , أو بعبارة أفضل , إن كل ما ليس تفكيرا البتة هو جسد. بمعنى شيء يخضع لإرادتي, شيء استجيب له.
فاللاّوعي صيغة يضفي بها المرء الكرامة على جسده, لمعاملته معاملة النظير( المثيل), معاملة العبد الذي تلقينا. وهذا هو مبدأ التردّد و القلق ه عن طريق الإرث و الذي يتعين علينا تدبيره. إن اللاّوعي هو سوء تقدير للانا و إهمال لها, هو تقديس للجسد. و يساورنا الخوف من لا وعينا و هنا يكمن الخطأ الرّئيسي. أنا آخر يسيّرني, يعرفني و لا اعرفه معرفة جيّدة. و الوراثة هي شبح من نفس الفصيلة. ها هو أبي يستيقظ, ها هو الذي يقودني, انه يمتلكني. و عليه, ليس هناك عيب من تداول استعمال مفهوم اللاّوعي فهو اختزال للآليّة. لكن,إذا ضخم حينئذ يبدأ الخطأ, و أسوا من ذلك انه زلّة.
ألان "عناصر فلسفيّة"
*****
هل يمكن اعتبار الآخرين جحيما؟
*****
إذا كان كل واحد بإمكانه أن يقول “ أنا ” فانه لا يمكن لأي كان أن يقول ذلك بدلا عني. إذن “ الأنا ” خاص بكل شخص. وهذا ما نلاحظه في حالة التوأمين الحقيقيين، فلا وجود لأية خصوصية جسدية تميز احدهما عن الزاخر، إذ هما متماثلان تماثلا تاما وراثيا ولكنهما مع ذلك لا يشكلان فردين[فحسب] بل ذاتين متمايزتين. ثمة لا محالة تواطؤ بينهما وسلوك مشترك وحدوسات متبادلة ولكن لا احد منهما يقول “ أنا ” عوضا عن الآخر. ذلك هو مبدأ الإقصاء.
ادغار موران
مفهوم الذات (مقال)
*****
هل ترى في صداقة الإنسان للإنسان سبيلا للارتقاء إلى ما هو كوني؟
*****
قيل:« يكفي أن نستعمل نفس الكلمات حتى نتفاهم » ما رأيك؟
*****
[...] إنني لست ضد التقنية . فانا لم أتكلم على الإطلاق ضد التقنية , و لا ضد ما يسمى بالطابع « الشيطاني » للتقنية . و لكنني أسعى إلى فهم جوهر التقنية . عندما تثير فكرة الخطر الذي تمثله القنبلة الذرية , و الخطر الأكبر الذي تمثله التقنية , يخطر على بالي ما يتطور اليوم تحت اسم الفيزياء الإحيائية , وهو أننا , خلال فترة غير بعيدة, سنكون قادرين على صنع الإنسان , أي , قادرين على تركيبه , في جوهره العضوي نفسه كما نحتاج إليه : رجال ماهرون و غير ماهرين , أذكياء و حمقى . إننا سنصل إلى مثل هذا و الإمكانيات التقنية أصبحت اليوم جاهزة حتى أنها كانت موضوع محاضرات عديدة [...]
أنا أرى أن الإنسان في التقنية , اعني في جوهرها , يخضع لسلطة تدفعه إلى رفع تحدياتها , وهو تجاهها لم يعد حرا – إنني أرى شيئا ما يعلن هنا , اعني علاقة بين الكينونة و الإنسان – و هذه العلاقة التي تختفي في جوهر التقنية , قد تنكشف يوما بكل وضوحها . لا ادري إذا كان هذا سيحصل ! إلا أنني أرى في جوهر التقنية أولى بوادر سر أعمق بكثير اسميه « حدث تملك ». من هنا , يمكن أن نستنتج أن المسالة لا تتعلق بمناهضة للتقنية أو بإدانة لها . بل إن الأمر يتعلق بفهم جوهر التقنية و العالم التقني .
هيدغير « حوار مع ريتشارد فيشر بتاريخ: 24-09-1969».
*****
ما الذي يحدث لقيمي عندما افهم قيم الشعوب الأخرى؟ إن الفهم مغامرة مخيفة حيث تتعرض كل الموروثات الثقافية لخطر السقوط في تلفيقية غائمة. ومع ذلك يبدو لي أننا نجد فيما قلناه آنفا عناصر إجابة هشة ومؤقتة: إن الثقافة الحية الوفية لأصولها والتي تكون في نفس الوقت في حالة إبداع على صعيد الفن و الأدب والفلسفة والعطاء الروحي هي وحدها القادرة على تحمل ملاقاة الثقافات الأخرى، هي وحدها القادرة لا على الملاقاة فحسب بل على إضفاء معنى لهذه الملاقاة. وعندما يكون الالتقاء مواجهة بين اندفاعات خلاقة، يكون الالتقاء عينه خلاقا (...) إنني واثق بان العالم الإسلامي الذي هو بصدد استعادة حركته و العالم الهندي القادر على خلق تاريخ شاب من تأملاته القديمة لمن الممكن أن يكون لهما مع حضارتنا و ثقافتنا الأوروبية ذلك التجاور المخصوص الذي يوجد بين كل المبدعين...
لا شيء بالتالي ابعد على حل لمشكلتنا من تلك التلفيقية الغائمة و الواهية. إن التلفيقيات هي في النهاية ظواهر اسقاطية إذ هي خالية من كل ابتكار وهي ليست سوى ترسبات تاريخية ويجب أن نواجهها بالتواصل، أي بعلاقة درامية أتداول ضمنها على تأكيد ذاتي في منبتها حينا وعلى الانصراف إلى تخيل الآخر وفق حضارته المغايرة حينا آخر.
بول ريكور «التاريخ و الحقيقة»
*****
ما مدى وجاهة اعتبار وسائل الاتصال مسؤولة عن انعزال الناس عن بعضهم البعض اليوم؟
*****
التنوع هو واحدة من اكبر قواعد اللعبة البيولوجية. على مر الأجيال تجتمع و تنفصل هذه الجينات التي تشكل تراث النوع لتنتج تلك التاليفات التي تكون في كل مرة، عابرة ومختلفة ألا وهم الأفراد. ولا يمكن أن نبالغ في تقدير هذا التنوع، وهذا التأليف إلى ما لا نهاية، الذي يجعل من كل واحد منا حالة فريدة، فهو الذي يتسبب في ثراء النوع ويمنحه إمكانياته.
يتعزز التنوع الطبيعي أكثر، لدى الكائنات البشرية، بفضل التنوع الثقافي الذي يسمح للإنسانية بالتكيف بصورة أفضل، مد ظروف عيش متنوعة، وباستعمال موارد هذا العالم على نحو أحسن. غير انه في هذا المجال، يتهددنا خطر الرتابة والتشابه والضجر. ففي كل يوم يتضاءل هذا التنوع الهائل الذي ادخله الناس في معتقداتهم و أعرافهم ومؤسساتهم.
فرانسوا جاكوب ( لعبة الممكنات ) ص 127/129
*****
هل تضمن الوساطة بالضرورة التواصل بين البشر؟
*****
متى كانت لنا أجساد وما دامت أنفسنا متورطة مع هذا الشيء الخبيث، فإننا لن نحصل على مطلوبنا بالقدر الكافي والحال أن ما نطلبه هو الحقيقة. ثم إن الجسد لا يجلب في الواقع، آلاف المتاعب بموجب ضرورات الحياة فحسب، ولكن قد تطرأ أيضا بعض الأمراض، وهي تمثل بالنسبة إلينا عقبات جديدة تعترض سعينا إلى الحقيقة. من يملؤنا بهذا القدر بألوان الحب والرغبات والخوف وشتى الخيالات والترهات التي لا تحصى غير الجسد، فلا تأتينا منه، بالفعل، أية فكرة سليمة ولو مرة واحدة. انظر إلى الحروب والفتن والمعارك، ليس لها من باعث غير الجسد ومطالبه، فامتلاك الخيرات هو السبب الأصلي لجميع الحروب، وإذا كنا مدفوعين إلى تحصيل الخيرات، فان ذلك بسبب الجسد الذي يجعل منا عبيدا في خدمته. بسبب كل هذا نحن نتكاسل في التفلسف. ولكن مما يعقد الأمر أكثر، إننا إذ نصل في النهاية إلى أن يكون لنا بعض الهدوء من جانبه لكي نتجه، آنذاك، إلى موضوع ما من مواضيع التفكير، فان أبحاثنا يسودها الاضطراب من جديد ومن كل جهة، بسبب هذا التخيل الذي يجعل من أذاننا وقرا، ويبعث فينا اضطرابا ويشيع قلقا، إلى درجة تجعلنا عاجزين عن تمييز الحقيقة، وبالعكس قد أثبتنا أننا إذا أردنا أن نعرف شيئا ما، معرفة خالصة، يجب علينا أن ننفصل عنه، وان ننظر إلى الأشياء في ذاتها وبالنفس ذاتها، وحينئذ، نحصل على الشيء الذي نعلن أننا نحبه، وهو الفكر، وذلك عندما نموت، كما تفيد به هذه الحجة، وليس أبدا خلال حياتنا.... إن أولئك الذين يشغلون بالفلسفة بمعناها الحقيقي، يتدربون على الموت، وان فكرة الموت اقل لديهم رهبة من لدى بقية الناس.
أفلاطون محاورة: الفـــيدون
*******
هناك عمقان في الانسان : عمق فكري و عمق بصري خالص . الأول يبلغه العلم و الثاني يبلغه الفن , والأول يعنينا في فهم علل الأشياء و الثاني في رؤية صورها . و في الفن ننهمك في مظهرها القريب ونستمتع بهذا المظهر إلى ابعد حد بكل ما فيه من غنى و تنوع , و لا نهتم بوحدة القوانين, و إنما بتكثر ضروب الحدس و تنوعها . حتى الفن قد يوصف بأنه معرفة . و لكنها , معرفة من نوع خاص , و لكن حقيقة الجمال لا توجد في الوصف أو التفسير النظري للأشياء و إنما تكون في الرؤية المتعاطفة للأشياء . و تتوازى هاتان النظرتان إلى الصدق و الحقيقة و لكنهما لا تتعارضان أو تتناقضان . و ليس من الممكن أن يصطدم العلم بالفن أو يتناقضا , لان كل منهما يدور في فلك مستقل عن الآخر , و التفسير العلمي القائم على الأفكار لا يعيق التفسير الحدسي الذي يقوم عليه الفن , و إنما لكل منهما رجاله و لكل منهما زاويته . لقد علمتنا سيكولوجيا الإدراك الحسي أننا إذا لم نستعمل كلتا العينين , إذا لم تكن لدينا ازدواجية في النظر, فإننا لا نستطيع أن نغير طرق الرؤية أي نستطيع أن نستغل نظراتنا إلى الحقيقة بتبادل , أن رؤية صور الأشياء ليست اقل أهمية و ضرورة من معرفة علل الأشياء . في التجربة العلمية نصل بين الظواهر حسب مقولة العلية أو الكلية . فعلى قدر اهتمامنا بالعلل النظرية أو المعلومات العلمية للأشياء نعدها علل أو وسائط . و هكذا , يحتجب عنا مظهرها القريب المباشر حتى نراها وجها لوجه , أما الفن فانه من الناحية الأخرى يعلمنا أن نستنظر الأشياء . الفن يعطينا صورة للحقيقة الواقعة أغنى واشد حيوية و أكثر ألوانا كما يمنحنا بصرا نافذا في مبناها الصوري . و ما يميز طبيعة الإنسان انه لا يسلك سبيلا واحدا معينا مرسوما إلى الحقيقة بل يستطيع أن يختار وجهة نظره و ينتقل من واحد من وجوه الأشياء إلى وجه آخر.
"ارنست كاسيرر" " مقال في الإنسان ".
*****
ينكر علينا الناس من مشارب شتى حق التسليم بوجود حياة نفسية لاواعية ، و العمل علميا على أساس هذه الفرضية.غير أنه بوسعنا الرد على هؤلاء و القول إن فرضية اللاوعي فرضية لازمة و مشروعة، و إن لنا أدلة كثيرة على وجود اللاوعي.فهي لازمة لأن معطيات الوعي تتخللها ثغرات بالغة للغاية : فأنت ترى الإنسان السليم ، مثل المريض يبدي من الأفعال النفسية ما لا يمكن تفسيره إلا بافتراض أفعال أخرى يضيق عنها الوعي.و ليست هذه الأفعال من الهفوا ت و من الأحلام فقط ،لدى الإنسان السليم، و لا مما يسمى أعراضا نفسية و ظواهر قسرية لدى المريض، إذ تضعنا تجربتنا اليومية الموغلة في خصوصيتها أمام أفكار تخطر على بالنا دون أن يكون لنا علم بأصلها ، و أمام نتائج فكر يظل التدرج فيه خفيا علينا . و تظل كل هذه الأفعال الواعية مضطربة تستعصي على الفهم إذا ما أصررنا الإدعاء بأنه ينبغي أن ندرك إدراكا جيدا ، عن طريق الوعي، كل من يحدث فينا من أفعال نفسية ، غير أنها تنتظم في مجموعة يمكن بيان انسجامها إذا ما أدرجنا فيها الأفعال اللاواعية المنجرة عنها.ثم إننا نجد في ما نغنمه من ذلك المعنى و من ذلك الانسجام سببا له ما يكفي من التبرير لتجاوز التجربة المباشرة.وإذا ما تبين لنا بالإضافة إلى ذلك ، أنه بإمكاننا أن نؤسس على فرضية اللاوعي ممارسة يتوجها النجاح، نستطيع من خلالها التأثير وفق هدف مرسوم ، في مجرى عمليات الوعي ، فإننا نكون قد نجحنا في الحصول على حجة لا ترد عن وجود هذا الذي افترضنا وجوده- أي اللاوعي.
فرويد: الميتابسيكولوجيا
******
هل الآخر هو هذا الذي أراه فقط؟
******
هل يستقيم تعريف الإنسان بأنه ذات واعية؟
****
هل تتحقق الإنية بمعزل عن الغيرية؟
*****
أود أن أؤكد مرة أخرى فيما يتعلق بأوهام المناطقة، ودون أن يفل شيء من عزيمتي، أمرا بسيطا لا تسلم به تلك العقول الواهمة إلا على مضض، وهو أن فكرة ما لا تخامرني إلا متى أرادت هي ذلك لا إذا كنت أنا الذي أريد ذلك. حتى ليغدو من باب تزييف الأمور أن ندعي أن الفاعل ”أنا” مشروط بالحال ”أفكر”. فثمة شيء يفكر، لكن الاعتقاد بان هذا الشيء هو ذاك الأنا القديم الشهير ليس إلا افتراضا محضا، وقد يكون إثباتا، غير انه بالتأكيد ليس ” يقينا مباشرا”. والحق انه من المبالغة القول ” إن شيئا ما يفكر”، إذ يصل بنا ذلك إلى تأويل ظاهرة ما بدل الحديث عن الظاهرة ذاتها. وينجر عن ذلك، على عادة النحاة، القول: ” إن التفكير نشاط يستوجب فاعلا، إذن ....”. فالمذهب الذري القديم كان يسلك المسلك نفسه تقريبا، فيربط إلى القوة التي تفعل، تلك القطعة من المادة – ألا وهي الذرة – التي تكمن فيها القوة ومنها تنطلق. أما ذوو العقول الأكثر صرامة فقد انتهى بهم الأمر إلى تخطي تلك الصعوبة دون حاجة إلى تلك ” الحتامة الأرضية”، ولعله يأتي اليوم الذي يألف فيه الناس، حتى المناطقة منهم، الاستغناء استغناء تاما عن هذا ” الشيء الطفيف” [ الذي آل إليه آخر الأمر هذا الأنا المبجل].
نيتشه
“ ما وراء الخير والشر”
****
هل تتحقق الانية خارج التاريخ؟
*****
هل يمكن القول إن الإنسان مدين للآخر بإنسانيته؟
*****
إما أنا أو الآخر، علينا أن نختار بينهما، هكذا قيل. غير أننا نختار الواحد ضد الآخر، ونؤكد حينئذ النزاع. فيحولني الآخر إلى موضوع ثم ينفيني، وأنا بدوري أحول الآخر إلى موضوع ثم انفيه، هكذا قيل. لكن نظرة الآخر لا تحولني في حقيقة الأمر إلى موضوع، كما أن نظرتي لا تحول الآخر إلى موضوع إلا إذا انسحب كل منا داخل طبيعته المفكرة وأضحى كل منا نظرة لا إنسانية بالنسبة إلى الآخر، إلا إذا أحس كل منا بأفعاله، لا من حيث أن الآخر يستعيدها ويفهمها، بل من حيث هو يلاحظها كما لو كانت أفعال حشرةهذا ما يحصل مثلا عندما يسلط علي نظر شخص مجهول.
غير أن الإحساس بوطأة موضعة كل واحد منا بفعل نظرة الآخر، هذا الإحساس لا يصبح ممكنا في هذه الحالة إلا لأنه يحل بدل تواصل ممكن. إن نظرة كلب إلي لا تحرجني البتة. فرفض التواصل هو كذلك ضرب من التواصل. إن الحرية التي تتخذ الأشكال، والطبيعة المفكرة، وهوية الشخص التي لا يشاركه فيها احد، والوجود الذي لا قيمة له ولا معنى، كل هذا يرسم لدي ولدى الآخر حدود كل تعاطف، ويعلق التواصل فعلا، ولكن لا يقضي عليه.
فان كان الأمر يتعلق بشخص مجهول لم ينطق بعد تجاهي بكلمة واحدة، يبقى بوسعي الاعتقاد انه يعيش في عالم مغاير لعالمي، عالم لا تستحق فيه أفعالي ومشاعري أي مكان. لكن يكفي أن ينطق بكلمة اوان تصدر عنه حركة تنم عن نفاذ صبره حتى يكف عن الاستعلاء علي. ذلك إذن هو صوته، وتلك هي أفكاره. ذلك هو إذن المجال الذي كنت اعتقد أني لا أطاله. إن أي كـــائن [ أنساني] لا يستعلي على الكائنات [ الإنسانية ] الأخرى بشكل نهائي إلا متى ظل عاطلا وجاثما على اختلافه الطبيعي.
موريس مرلوبونتي: ظاهـــراتية الإدراك
*هكذا قيل: إشارة إلى ما جاء في بعض كتابات ج. ب. سارتر.
*****
أية صورة للإنسان يكرسها عصر الصورة؟
*****
قيل: « لا تقتصر مسؤولية العالم على إنشاء النظريات العلمية، بل عليه التفكير في تبعاتها». ما رأيك؟
*****
هل بإمكان العولمة أن تضطلع بمطلب الكوني اليوم؟
*****
إن واقع العلم واقع مفسر، مفسر بصفة جزئية أو مؤقتة، ولكنه مفسر بالضرورة. و الحال هذه، تكمن المفارقة في كون تلك الرسوم المنجزة أو نماذج الواقع المجردة أقيمت بفضل انحراف للفكر حصل عن طريق ما نسميه الافتراضيات. فالظواهر الملاحظة الآن ليست وحدها التي يتعين تمثيلها في النمــــــــوذج كما لو كان الأمر يحدث في مرآة. يقحم التمثل و التفسير العلمي، إلى جانب صورة الوقائع المتحققة راهنا، وقائع افتراضية يمكن أن تتحقق كما يمكن أن لا تتحقق. يكمن دورها في إتمام رسم الظواهر عبر الإبانة عن كل التجريدات و التي توجد من بينها صورة الظواهر التي تمت ملاحظتها فعليا. هكذا يكون واقع العلم مكونا من عوالم محكمة الارتباط لوقائع افتراضية، مع القواعد التي تسمح بتحديد صورة الوقائع الراهنة، تحديدا لا يخلو من الدقة و اليقين، تقريبا. هكذا، قد يصح القول إن ما لم يوجد يفسر ما يوجد.
ج. ق. غرانجي «الاحتمالي و الممكن و العرضي»
*****
قيل:« يكفي أن نقصي الآخر لنحافظ على هويتنا» ما رأيك؟
*****
هل أن الحاجة إلى المقدس هي حاجة إلى التواصل؟
*****
ثمة مفارقة لا فكاك منها: فمن ناحية ينبغي على كل شخصية ثقافية أن تنغرس في ماضيها و أن تستنهض روحا وطنية تجعلها قادرة على الاضطلاع باستحقاقاتها الروحية و الثقافية في وجه الثقافة الغازية، ومن ناحية ثانية نجد أن الالتحاق بالحضارة الحديثة يتطلب الانخراط في عقلانية العلم و التقنية و السياسة، وهو ما يفرض في اغلب الأحيان التخلي نهائيا و بكل بساطة عن الموروث الثقافي. ما من ثقافة يمكنها أن تتحمل صدمة الحضارة العالمية و تستوعبها، فهذا أمر لا ريب فيه. و تجد المفارقة هنا تعبيرها في ما يلي: كيف نتوفق إلى سبيل الحداثة دون القطع مع أصولنا؟ كيف نوقظ ثقافة قديمة نائمة و نتطلع إلى الحضارة الكونية في آن؟
(...) ليس سهلا أن نتحصن بهويتنا و ننظر بعين التسامح إلى الحضارات الأخرى. وحين ننساق وراء الغريب الثقافي – سواء عبر نوع من الحياد العلمي أو من خلال الفضول و الحماسة إزاء الحضارات الغابرة، سواء عبر الحنين إلى ماض سحيق أو من خلال أحلام البراءة و الفتوة- نجد أن اكتشاف التعدد الثقافي لا يكون قط تمرينا مسالما (...) فمنذ اللحظة التي نكتشف فيها وجود ثقافات عدة بدل ثقافة واحدة، أي منذ اللحظة التي نعترف فيها بأفول ضرب من الاحتكار الثقافي – وهميا كان أو حقيقيا – نجد أن اكتشافنا هذا يهددنا بالانهيار. ويتملكنا الشعور فجأة بأنه لا يوجد سوى آخرون، بل إننا نحن أنفسنا نتحول إلى آخر من بين آخرين.
بول ريكور «التاريخ و الحقيقة» ص ص 293/294
*****
حسب الطبيعة , أبشع شيء فعلا هو دائما الأكثر إيذاء , أي هو تحمل الظلم . أما حسب القانون الوضعي فأبشع شيء هو ارتكاب الظلم .
الحق أن تحمل الظلم تصرف لا يليق بإنسان , بل بعبد يفضل الموت على الحياة و غير قادر على الدفاع عن نفسه ولا عمن يحب . أما القانون فمناقض للطبيعة . انه من صنع الضعفاء والجمهور , صنعوه وفق مصلحتهم الخاصة فحددوا ما يستحق الثناء وما يستحق الذم , زاعمين أن كل تفوق قبيح وظالم و أن إرادة السمو على الآخرين ظلم حقيقي , سعيا منهم إلى ترهيب الأقوياء ومنعهم من تحقيق الغلبة عليهم . [...]
تلك هي الغاية التي يرمي إليها القانون من إعلانه أن كل محاولة لتجاوز المستوى العام هي محاولة ظالمة وقبيحة تسمى ظلما .
إلا أن الطبيعة ذاتها – في رأيي – تثبت لنا أن العدالة الحقيقية تكون في لزوم غلبة الرفيع على الوضيع , القادر على العاجز . كما تدلنا في كل مكان , لدى الحيوانات والإنسان , في المدن والعائلات , على أن الأمور تجري هكذا فعلا و أن العلامة المميزة للعدل هي سيطرة القوي على الضعيف وتقبل تفوقه [...]. وحق زوس إن كل الطغاة لم يفوزوا بالنصر إلا لأنهم تصرفوا حسب قانون الطبيعة , لا حسب القانون الذي نضعه نحن والذي نربي عليه أفضل أطفالنا وأشدهم باسا , أولئك الأشبه بالأشبال . فنروضهم قهرا ونحشو أدمغتهم بشعوذات و خزعبلات من قبيل " كونوا قنوعين ولا تسعوا إلى التفوق على الآخرين ".
إلا فليطلع علينا رجل موهوب يهز كل هذه الأغلال ويكسرها ويطرحها بعيدا , وأنا على يقين من انه سيتمرد وسينتصب أمامنا سيدا فيدوس نصوصنا المقدسة وشعوذتنا وقوانيننا هذه المناقضة للطبيعة .
أفلاطون " الغورجياس"
*****
نشهد منذ بداية العصر الحديث تطوّرا لا مثيل له من قبل في المعارف التي تكوّن العلم و التي تتبنّى علنا صفة العلم. و نقصد بالعلم هنا معرفة تكون صارمة و موضوعيّة و غير قابلة للشكّ وصادقة. وتتميّز هذه المعرفة العلميّة عن كل الأشكال التقريبّية, بل المشكوك فيها من المعرفة والمعتقدات والخرافات التي سبقتها, بقوّة بداهاتها و براهينها و حججها و بالنّتائج المذهلة التي توصلت إليها, و هي نتائج قلبت وجه الأرض رأسا على عقب. و لكن من المؤسف أنّ هذا الانقلاب قد شمل الإنسان ذاته فإذا كانت المعرفة, التي هي فهم متزايد للكون, مكسبا لاشك فيه, فلماذا اقترنت هذه المعرفة بانهيار كل القيم الأخرى, و هو انهيار خطر لدرجة انّه يهدّد وجودنا نفسه. ففي حين أنّ كل منتجات حضارات الماضي كانت مقترنة صعودا و نزولا و كأنّها على توافق تام, شبيهة في ذلك بتعاقب الموج, ها نحن نشاهد قبالتنا ما لا احد شاهده من قبل الانفجار العلمي و قد اقترن بإفلاس الإنسان هذه الوحشيّة الجديدة, وهي وحشيّة قد لا نتمكّن هذه المرّة من تخطّيها.
ميشال هنري " الوحشيّة "
*****
“إننا نتحرر من عنف المقدس حينما نقدره رمزا لا وثنا”. هل يستوفي هذا الإقرار حقيقة المقدس؟
******
هل أن قدرنا أن نعيش تحت سلطان الأنظمة الرمزية؟
******
كيف يكون التقاء ثقافات متنوعة أمرا ممكنا، بمعنى التقاء لا يكون قاتلا للجميع؟ وبالفعل قد يستنتج من التأملات السابقة أن الثقافات غير قادرة على التواصل فيما بينها. ومع ذلك، فان غرابة الإنسان عن الإنسان ليست أبدا غرابة مطلقة. يقينا الإنسان غريب عن الإنسان ولكنه أيضا شبيهه على الدوام. فعندما نحل ببلد غريب عنا تماما كما حدث لي منذ سنوات في الصين، فإننا رغم إحساسنا بأقصى درجات الغربة نشعر بأننا لم نخرج البتة عن دائرة النوع البشري. إلا أن هذا الشعور يبقى شعورا أعمى يجب الارتقاء به إلى مستوى الرهان والإثبات الإرادي لوحدة هوية الإنسان. انه ذلك الرهان المعقول الذي أنجزه قديما عالم الآثار «شامبوليون» عند اكتشافه علامات مبهمة واقر مبدئيا انه إذا كانت تلك العلامات من فعل الإنسان، فانه يمكن بل ينبغي أن تترجم. صحيح أن الترجمة لا تفصح عن كل شيء، ولكنها تفصح دائما عن شيء ما (...) فالاعتقاد بان الترجمة ممكنة إلى حد ما، هو إقرار بان الغريب هو إنسان، بل هو باختصار الاعتقاد في إمكانية التواصل. وما قلناه عن اللغة وعلى العلامات يصدق أيضا على القيم والصور الأساسية وعلى الرموز التي تكون الإرث الثقافي لشعب ما. نعم، اعتقد انه بالإمكان فهم الاخر المغاير لي من خلال التعاطف والتخيل تماما كما افهم شخصية رواية أو مسرحية أو صديقا حقيقيا رغم كونه مختلفا عني. بل أكثر من ذلك يمكنني أن افهم دون تكرار، وأتمثل نفسي دون أن أحياها من جديد، وأن أكون آخر في الوقت نفسه الذي أكون فيه أنا ذاتي. أن أكون إنسانا، هو أن أكون قادرا على البقاء أنا نفسي. فان أكون إنسانا، هو أن أكون قادرا على الانتقال إلى مركز منظور آخر.
وعندئذ، تطرح مسالة الثقة: فما الذي يحدث لقيمي عندما افهم قيم الشعوب الأخرى؟ إن الفهم مغامرة مخيفة حيث تتعرض كل الموروثات الثقافية لخطر السقوط في تلفيقية غائمة. ومع ذلك يبدو لي أننا نجد فيما قلناه آنفا عناصر إجابة هشة ومؤقتة: إن الثقافة الحية الوفية لأصولها والتي تكون في نفس الوقت في حالة إبداع على صعيد الفن و الأدب والفلسفة والعطاء الروحي هي وحدها القادرة على تحمل ملاقاة الثقافات الأخرى، هي وحدها القادرة لا على الملاقاة فحسب بل على إضفاء معنى لهذه الملاقاة. وعندما يكون الالتقاء مواجهة بين اندفاعات خلاقة، يكون الالتقاء عينه خلاقا (...)
بول ريكور «التاريخ و الحقيقة»
*****
ما الذي يحرّّك العلوم إرادة السّيطرة أم هاجس الحقيقة ؟
*****
يتولد التفكير عن الأفكار إذ نقارن بينها. فليس بوسع من لا يرى غير شيء واحد أن يقارن.[...] تحملنا رؤية ما هو غريب عنا على أن نتلفت إلى فحص ما هو قريب منا. فلتطبقوا هذه الأفكار على الناس الأولين، سترون إذاك علة همجيتهم. فلأنهم لم يروا أبدا غير ما كان محيطا بهم، فقد جهلوا حتى إياه، بل لم يعرفوا بعضهم بعضا. لقد كان في أذهانهم صورة عن الأب أو عن الابن أو الأخ، أما عن الإنسان فلا. وكانت أكواخهم تؤوي كل نظرائهم. وفي حسابهم أن الغريب و الدابة و الغول هي كلها سواء، و ما كان الكون بأسره عندهم شيئا غير ما كانوا وما كانت عائلاتهم.
ومن هنا يأتي ما نراه من التناقضات الواضحة بين هؤلاء الأمم: كل تلك الفطرة مع كل تلك الوحشية، كل تلك الشراسة في العادات مع كل تلك الرقة في القلوب، كل ذلك الحب لعائلاتهم مع كل ذلك البغض لنوعهم. لقد ازدادت مشاعرهم قوة باستقرارها في أقربائهم: إذ كان كل ما يعرفونه عزيزا عليهم. ولما كانوا أعداء لبقية العالم الذي لم يكونوا يرونه، و الذي كانوا يجهلونه، فإنهم لم يكرهون إلا ما لم يكن بوسعهم معرفته.
جون جاك روسو
محاولة في أصل اللغات ص ص 55.
*****
هل في الانبهار بثقافة الآخر علامة اغتراب أم علامة تواصل؟
******
"يكفي الاعتقاد بان ما نقوم به أخلاقي لتبرير كل أفعالنا". ما رأيك ؟.
****
هل يمكن الإقرار بان قوة الدولة هي التي تصنع حرية المواطنين ؟
****
إن الدولة آلة لصيانة سيادة طبقة على أخرى . فعندما كان المجتمع خاليا من الطبقات , عندما كان الناس قبل عهد العبودية في ظروف بدائية حين كانت تسود مساواة اكبر و حين كانت إنتاجية العمل ما تزال منخفضة جدا . عندما كان الإنسان البدائي لا يحصل على ما هو ضروري لمعيشته البدائية الخشنة إلا بصعوبة , عندئذ لم يبرز و لم يكن بالإمكان أن يبرز فريق خاص من الناس يفرزون خصيصا للحكم ويسيطرون على بقية المجتمع . عندما ظهر الشكل الأول من أشكال انقسام المجتمع إلى طبقات , عندما ظهرت العبودية , عندما أصبح بإمكان طبقة معينة من الناس تمركزوا على العمل الزراعي باخشن أشكاله أن ينتجوا شيئا من فائض لم يكن ضروريا بإطلاق الإبقاء على شعلة الحياة في العبد , و كان يقع في يد مالك العبيد , و عندما توطد بهذا الشكل وجود طبقة ملاك العبيد , و لكي يتوطد , كان لا بد من ظهور الدولة .
نحن ننبذ المقولة القديمة القائلة إن الدولة هي المساواة العامة , فما ذلك غير خداع : فالمساواة تستحيل ما بقي الاستغلال . إذ لا يمكن لمالك الأرض أن يكون مساويا للعامل , و لا الجائع للشبعان . إن البروليتاريا ترمي تلك الآلة التي تحمل اسم الدولة و التي يقف الناس حيالها باحترام مشوب بالخشوع و يصدقون بشأنها الأساطير القديمة القائلة أنها سلطة الشعب كله . و تعلن البروليتاريا : إن ذلك كذب بورجوازي (...)
و عندما تنعدم في الدنيا إمكانية الاستغلال , و ينعدم ملاك الأراضي و المصانع و يزول هذا الوضع الذي يصاب فيه البعض بالتخمة و يجوع آخرون , عندما تزول إمكانيات ذلك , عندئذ فقط نترك هذه الآلة للتحطيم . عندئذ تزول الدولة و يزول الاستغلال .
من محاضرة ألقاها "لينين" بجامعة سفيردلوف.
*****
يمكننا أن نصحح التعريف الكلاسيكي للإنسان و نوسعه. فرغم الاعتراضات التي وجهتها له النزعات اللاعقلانية المعاصرة، فان تعريف الإنسان باعتباره حيوانا عاقلا لم يفقد قوته. فالعقلانية تمثل السمة المميزة لكل نشاط إنساني... لقد أقيم في الغالب تماثل بين اللغة والعقل، أو منبع العقل ذاته، لكن من الواضح أن هذا التعريف للإنسان لا يغطي الحقل العلمي بأكمله. فهو يمثل جزء من كل. فإلى جانب اللغة المفهومية ثمة اللغة الانفعالية، و إلى جانب اللغة المنطقية والعلمية توجد لغة المخيلة الشعرية، فاللغة في الأصل لا تعبر عن الخواطر و الأفكار بقدر ما تعبر عن المشاعر و الانفعالات. ليس العقل المفهوم المناسب الذي يمكننا من فهم أشكال ثقافة الإنسان في ثرائها وتنوعها بل إن كل هذه المظاهر هي أشكال رمزية. وهكذا فبدلا من تعريف الإنسان بأنه حيوان عاقل، يجب تعريفه بأنه حيوان رامز وهكذا يتسنى لنا تعيين خاصيته المميزة وفهم السبيل الجديد الذي انفتح أمامه وهو سبيل الحضارة.
كاسيرر« محاولة في الإنسان » ص 44-45
*****
ما مدى مشروعية القول بوجود إنسان متوحش؟
*****
« الصورة اصدق من الكلمات » ما رأيك؟
****
لكي يكون الولاء لا المحاباة جديرا بالتقدير ولكي لا يكون نفوذ السلطان عرضة لأي إضعاف، ولكي لا يقدم أي تنازل لدعاة الفتن، وجب أن تتاح للناس حرية الرأي و أن يتم حكمهم على نحو يعيشون فيه في وئام رغم مجاهرتهم بآراء مختلفة و متعارضة. و لا يمكننا أن نشك في أن هذه الطريقة في الحكم هي الأفضل لأنها الأكثر تلاؤما مع الطبيعة البشرية. وقد بينا انه في دولة ديمقراطية [ و هي الأقرب إلى حالة الطبيعة ] يتفق الجميع على العمل وفق قانون عام لا أن يحكموا و أن يفكروا بطريقة واحدة. أي انه لما لم يكن بوسع الناس أن يجمعوا على رأي واحد، كان عليهم أن يجعلوا من الرأي الذي ترتضيه الأغلبية قانونا، محتفظين بحقهم في نقض القرارات المتخذة عندما يجدون ما هو أفضل. وكلما قلت حرية الرأي المتاحة للناس ابتعدوا أكثر عن حالة الطبيعة و اشتد عنف الدولة.
سبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة
*****
هل تتحقق وحدة المجتمع بقوة الدولة؟
****
قيل:«لا تقتصر مسؤولية العالم على إنشاء النظريات العلمية، بل عليه التفكير في تبعاتها » ما رأيك؟
*****
« يقتضي الفعل الخير مقاومة الأهواء». حدد المسلمة الضمنية التي يقوم عليها هذا الموقف
*****
ظل العلم مؤسسا على افتراض أن الطبيعة متجانسة, فالأسباب المتماثلة لها نتائج متماثلة, فان ألغينا هذا فسيبدو العلم معلقا في الهواء, دون تبرير لوجوده أو تفسير لنجاحه, و لكن نجاح العلم لا جدال حوله وتفسير ذلك موجود بالتأكيد.
هناك وجهان للتفسير. ففي المقام الأول يقتصر عدم الحتمية الذي توضحه نظرية الكم على خطوات الطبيعة في عالم المقاييس الصغيرة, و في المقام الثاني حتى هذه الأحداث غير الحتمية تحكمها قوانين إحصائية. و في كل ظواهر عالم المقاييس الإنسانية تدخل بلايين الالكترونات و الذرات في الحساب متجمعة, و عندما نناقش مثل هذه الظواهر كما ندركها يمكننا أن نعاملها إحصائيا كمجموعة, و في هذه المجموعات تمسك القوانين الإحصائية بزمام الموقف تماما, و نتيجة ذلك أن الظواهر يمكن التنبؤ بها تقريبا بنفس الدقة, كما لو كنا نعرف حركة كل جسيم في المستقبل, و بنفس الطريقة إذا عرف الإحصائي معدلات المواليد و الوفايات...الخ للتعداد, ففي إمكانه التنبؤ بتغيرات التعداد في المستقبل ككل دون أن يتنبأ بما سيفعله الفرد الواحد من جهة الولادة أو الوفاة, و في عالم المقاييس الإنسانية و ما هو اصغر منه كثيرا إلى الحد الذي لا يمكن مشاهدته بأي مجهر, سنجد الطبيعة في كل مظاهرها تؤمن بالحتمية بكل صراحة, و الأسباب المتماثلة لها نتائج متماثلة. و على هذا فقد أعيد الاعتبار لتجانس الطبيعة باستثناء عالم الجسيمات لانهائية الصغر, و يمكن للعلم أن يجد مبررا للافتراض الأساسي الذي بنى وجوده عليه, و نرى لماذا صارت الحتمية متضمنة في أساليب تفكيرنا, و كيف أتى ديكارت و أتباعه و أعلنوا أنها معرفة "قبلية" شاهدوها بالرؤية الواضحة لعقولهم, في حين هي لا تنطبق على مجالات الطبيعة البعيدة عن متناولهم.
جيمس جينز " الفيزياء و الفلسفة "
******
الإنسان غامض في ذاته, و هذا ما يتعيّن معرفته. غير انّه يجب هنا أن نتحاشى أخطاء عديدة ناشئة عن مفهوم اللاّوعي . و أفدح هذه الأخطاء هو الاعتقاد بان اللاّوعي هو أنا آخر, أنا له أحكامه المسبقة وأهواؤه و حيله, ضربا من الملاك السيّئ,ناصح شيطاني . لنجابهه يجب أن نفهم انّه ما من فكرة فينا إلاّ ناجمة عن الأنا بوصفه ذاتا واعية. هذه الملاحظة التي نسوقها هي على الصعيد الأخلاقي. فلا يجب أن نقول في سرّنا أنّنا نشرع في التفكير عندما نحلم. يجب أن نعلم أن التفكير شان إرادي.(...) و بإمكاننا القضاء على هذه الأشباح بان نقول لأنفسنا ببساطة إن كلّ ما ليس تفكيرا البتة هو أمر ميكانيكي , أو بعبارة أفضل , إن كل ما ليس تفكيرا البتة هو جسد. بمعنى شيء يخضع لإرادتي, شيء استجيب له.
فاللاّوعي صيغة يضفي بها المرء الكرامة على جسده, لمعاملته معاملة النظير( المثيل), معاملة العبد الذي تلقينا. وهذا هو مبدأ التردّد و القلق ه عن طريق الإرث و الذي يتعين علينا تدبيره. إن اللاّوعي هو سوء تقدير للانا و إهمال لها, هو تقديس للجسد. و يساورنا الخوف من لا وعينا و هنا يكمن الخطأ الرّئيسي. أنا آخر يسيّرني, يعرفني و لا اعرفه معرفة جيّدة. و الوراثة هي شبح من نفس الفصيلة. ها هو أبي يستيقظ, ها هو الذي يقودني, انه يمتلكني. و عليه, ليس هناك عيب من تداول استعمال مفهوم اللاّوعي فهو اختزال للآليّة. لكن,إذا ضخم حينئذ يبدأ الخطأ, و أسوا من ذلك انه زلّة.
ألان "عناصر فلسفيّة"
*****
هل يمكن اعتبار الآخرين جحيما؟
*****
إذا كان كل واحد بإمكانه أن يقول “ أنا ” فانه لا يمكن لأي كان أن يقول ذلك بدلا عني. إذن “ الأنا ” خاص بكل شخص. وهذا ما نلاحظه في حالة التوأمين الحقيقيين، فلا وجود لأية خصوصية جسدية تميز احدهما عن الزاخر، إذ هما متماثلان تماثلا تاما وراثيا ولكنهما مع ذلك لا يشكلان فردين[فحسب] بل ذاتين متمايزتين. ثمة لا محالة تواطؤ بينهما وسلوك مشترك وحدوسات متبادلة ولكن لا احد منهما يقول “ أنا ” عوضا عن الآخر. ذلك هو مبدأ الإقصاء.
ادغار موران
مفهوم الذات (مقال)
*****
هل ترى في صداقة الإنسان للإنسان سبيلا للارتقاء إلى ما هو كوني؟
*****
قيل:« يكفي أن نستعمل نفس الكلمات حتى نتفاهم » ما رأيك؟
*****
[...] إنني لست ضد التقنية . فانا لم أتكلم على الإطلاق ضد التقنية , و لا ضد ما يسمى بالطابع « الشيطاني » للتقنية . و لكنني أسعى إلى فهم جوهر التقنية . عندما تثير فكرة الخطر الذي تمثله القنبلة الذرية , و الخطر الأكبر الذي تمثله التقنية , يخطر على بالي ما يتطور اليوم تحت اسم الفيزياء الإحيائية , وهو أننا , خلال فترة غير بعيدة, سنكون قادرين على صنع الإنسان , أي , قادرين على تركيبه , في جوهره العضوي نفسه كما نحتاج إليه : رجال ماهرون و غير ماهرين , أذكياء و حمقى . إننا سنصل إلى مثل هذا و الإمكانيات التقنية أصبحت اليوم جاهزة حتى أنها كانت موضوع محاضرات عديدة [...]
أنا أرى أن الإنسان في التقنية , اعني في جوهرها , يخضع لسلطة تدفعه إلى رفع تحدياتها , وهو تجاهها لم يعد حرا – إنني أرى شيئا ما يعلن هنا , اعني علاقة بين الكينونة و الإنسان – و هذه العلاقة التي تختفي في جوهر التقنية , قد تنكشف يوما بكل وضوحها . لا ادري إذا كان هذا سيحصل ! إلا أنني أرى في جوهر التقنية أولى بوادر سر أعمق بكثير اسميه « حدث تملك ». من هنا , يمكن أن نستنتج أن المسالة لا تتعلق بمناهضة للتقنية أو بإدانة لها . بل إن الأمر يتعلق بفهم جوهر التقنية و العالم التقني .
هيدغير « حوار مع ريتشارد فيشر بتاريخ: 24-09-1969».
*****
ما الذي يحدث لقيمي عندما افهم قيم الشعوب الأخرى؟ إن الفهم مغامرة مخيفة حيث تتعرض كل الموروثات الثقافية لخطر السقوط في تلفيقية غائمة. ومع ذلك يبدو لي أننا نجد فيما قلناه آنفا عناصر إجابة هشة ومؤقتة: إن الثقافة الحية الوفية لأصولها والتي تكون في نفس الوقت في حالة إبداع على صعيد الفن و الأدب والفلسفة والعطاء الروحي هي وحدها القادرة على تحمل ملاقاة الثقافات الأخرى، هي وحدها القادرة لا على الملاقاة فحسب بل على إضفاء معنى لهذه الملاقاة. وعندما يكون الالتقاء مواجهة بين اندفاعات خلاقة، يكون الالتقاء عينه خلاقا (...) إنني واثق بان العالم الإسلامي الذي هو بصدد استعادة حركته و العالم الهندي القادر على خلق تاريخ شاب من تأملاته القديمة لمن الممكن أن يكون لهما مع حضارتنا و ثقافتنا الأوروبية ذلك التجاور المخصوص الذي يوجد بين كل المبدعين...
لا شيء بالتالي ابعد على حل لمشكلتنا من تلك التلفيقية الغائمة و الواهية. إن التلفيقيات هي في النهاية ظواهر اسقاطية إذ هي خالية من كل ابتكار وهي ليست سوى ترسبات تاريخية ويجب أن نواجهها بالتواصل، أي بعلاقة درامية أتداول ضمنها على تأكيد ذاتي في منبتها حينا وعلى الانصراف إلى تخيل الآخر وفق حضارته المغايرة حينا آخر.
بول ريكور «التاريخ و الحقيقة»
*****
ما مدى وجاهة اعتبار وسائل الاتصال مسؤولة عن انعزال الناس عن بعضهم البعض اليوم؟
*****
التنوع هو واحدة من اكبر قواعد اللعبة البيولوجية. على مر الأجيال تجتمع و تنفصل هذه الجينات التي تشكل تراث النوع لتنتج تلك التاليفات التي تكون في كل مرة، عابرة ومختلفة ألا وهم الأفراد. ولا يمكن أن نبالغ في تقدير هذا التنوع، وهذا التأليف إلى ما لا نهاية، الذي يجعل من كل واحد منا حالة فريدة، فهو الذي يتسبب في ثراء النوع ويمنحه إمكانياته.
يتعزز التنوع الطبيعي أكثر، لدى الكائنات البشرية، بفضل التنوع الثقافي الذي يسمح للإنسانية بالتكيف بصورة أفضل، مد ظروف عيش متنوعة، وباستعمال موارد هذا العالم على نحو أحسن. غير انه في هذا المجال، يتهددنا خطر الرتابة والتشابه والضجر. ففي كل يوم يتضاءل هذا التنوع الهائل الذي ادخله الناس في معتقداتهم و أعرافهم ومؤسساتهم.
فرانسوا جاكوب ( لعبة الممكنات ) ص 127/129
*****
هل تضمن الوساطة بالضرورة التواصل بين البشر؟
*****
متى كانت لنا أجساد وما دامت أنفسنا متورطة مع هذا الشيء الخبيث، فإننا لن نحصل على مطلوبنا بالقدر الكافي والحال أن ما نطلبه هو الحقيقة. ثم إن الجسد لا يجلب في الواقع، آلاف المتاعب بموجب ضرورات الحياة فحسب، ولكن قد تطرأ أيضا بعض الأمراض، وهي تمثل بالنسبة إلينا عقبات جديدة تعترض سعينا إلى الحقيقة. من يملؤنا بهذا القدر بألوان الحب والرغبات والخوف وشتى الخيالات والترهات التي لا تحصى غير الجسد، فلا تأتينا منه، بالفعل، أية فكرة سليمة ولو مرة واحدة. انظر إلى الحروب والفتن والمعارك، ليس لها من باعث غير الجسد ومطالبه، فامتلاك الخيرات هو السبب الأصلي لجميع الحروب، وإذا كنا مدفوعين إلى تحصيل الخيرات، فان ذلك بسبب الجسد الذي يجعل منا عبيدا في خدمته. بسبب كل هذا نحن نتكاسل في التفلسف. ولكن مما يعقد الأمر أكثر، إننا إذ نصل في النهاية إلى أن يكون لنا بعض الهدوء من جانبه لكي نتجه، آنذاك، إلى موضوع ما من مواضيع التفكير، فان أبحاثنا يسودها الاضطراب من جديد ومن كل جهة، بسبب هذا التخيل الذي يجعل من أذاننا وقرا، ويبعث فينا اضطرابا ويشيع قلقا، إلى درجة تجعلنا عاجزين عن تمييز الحقيقة، وبالعكس قد أثبتنا أننا إذا أردنا أن نعرف شيئا ما، معرفة خالصة، يجب علينا أن ننفصل عنه، وان ننظر إلى الأشياء في ذاتها وبالنفس ذاتها، وحينئذ، نحصل على الشيء الذي نعلن أننا نحبه، وهو الفكر، وذلك عندما نموت، كما تفيد به هذه الحجة، وليس أبدا خلال حياتنا.... إن أولئك الذين يشغلون بالفلسفة بمعناها الحقيقي، يتدربون على الموت، وان فكرة الموت اقل لديهم رهبة من لدى بقية الناس.
أفلاطون محاورة: الفـــيدون
*******
هناك عمقان في الانسان : عمق فكري و عمق بصري خالص . الأول يبلغه العلم و الثاني يبلغه الفن , والأول يعنينا في فهم علل الأشياء و الثاني في رؤية صورها . و في الفن ننهمك في مظهرها القريب ونستمتع بهذا المظهر إلى ابعد حد بكل ما فيه من غنى و تنوع , و لا نهتم بوحدة القوانين, و إنما بتكثر ضروب الحدس و تنوعها . حتى الفن قد يوصف بأنه معرفة . و لكنها , معرفة من نوع خاص , و لكن حقيقة الجمال لا توجد في الوصف أو التفسير النظري للأشياء و إنما تكون في الرؤية المتعاطفة للأشياء . و تتوازى هاتان النظرتان إلى الصدق و الحقيقة و لكنهما لا تتعارضان أو تتناقضان . و ليس من الممكن أن يصطدم العلم بالفن أو يتناقضا , لان كل منهما يدور في فلك مستقل عن الآخر , و التفسير العلمي القائم على الأفكار لا يعيق التفسير الحدسي الذي يقوم عليه الفن , و إنما لكل منهما رجاله و لكل منهما زاويته . لقد علمتنا سيكولوجيا الإدراك الحسي أننا إذا لم نستعمل كلتا العينين , إذا لم تكن لدينا ازدواجية في النظر, فإننا لا نستطيع أن نغير طرق الرؤية أي نستطيع أن نستغل نظراتنا إلى الحقيقة بتبادل , أن رؤية صور الأشياء ليست اقل أهمية و ضرورة من معرفة علل الأشياء . في التجربة العلمية نصل بين الظواهر حسب مقولة العلية أو الكلية . فعلى قدر اهتمامنا بالعلل النظرية أو المعلومات العلمية للأشياء نعدها علل أو وسائط . و هكذا , يحتجب عنا مظهرها القريب المباشر حتى نراها وجها لوجه , أما الفن فانه من الناحية الأخرى يعلمنا أن نستنظر الأشياء . الفن يعطينا صورة للحقيقة الواقعة أغنى واشد حيوية و أكثر ألوانا كما يمنحنا بصرا نافذا في مبناها الصوري . و ما يميز طبيعة الإنسان انه لا يسلك سبيلا واحدا معينا مرسوما إلى الحقيقة بل يستطيع أن يختار وجهة نظره و ينتقل من واحد من وجوه الأشياء إلى وجه آخر.
"ارنست كاسيرر" " مقال في الإنسان ".
*****
ينكر علينا الناس من مشارب شتى حق التسليم بوجود حياة نفسية لاواعية ، و العمل علميا على أساس هذه الفرضية.غير أنه بوسعنا الرد على هؤلاء و القول إن فرضية اللاوعي فرضية لازمة و مشروعة، و إن لنا أدلة كثيرة على وجود اللاوعي.فهي لازمة لأن معطيات الوعي تتخللها ثغرات بالغة للغاية : فأنت ترى الإنسان السليم ، مثل المريض يبدي من الأفعال النفسية ما لا يمكن تفسيره إلا بافتراض أفعال أخرى يضيق عنها الوعي.و ليست هذه الأفعال من الهفوا ت و من الأحلام فقط ،لدى الإنسان السليم، و لا مما يسمى أعراضا نفسية و ظواهر قسرية لدى المريض، إذ تضعنا تجربتنا اليومية الموغلة في خصوصيتها أمام أفكار تخطر على بالنا دون أن يكون لنا علم بأصلها ، و أمام نتائج فكر يظل التدرج فيه خفيا علينا . و تظل كل هذه الأفعال الواعية مضطربة تستعصي على الفهم إذا ما أصررنا الإدعاء بأنه ينبغي أن ندرك إدراكا جيدا ، عن طريق الوعي، كل من يحدث فينا من أفعال نفسية ، غير أنها تنتظم في مجموعة يمكن بيان انسجامها إذا ما أدرجنا فيها الأفعال اللاواعية المنجرة عنها.ثم إننا نجد في ما نغنمه من ذلك المعنى و من ذلك الانسجام سببا له ما يكفي من التبرير لتجاوز التجربة المباشرة.وإذا ما تبين لنا بالإضافة إلى ذلك ، أنه بإمكاننا أن نؤسس على فرضية اللاوعي ممارسة يتوجها النجاح، نستطيع من خلالها التأثير وفق هدف مرسوم ، في مجرى عمليات الوعي ، فإننا نكون قد نجحنا في الحصول على حجة لا ترد عن وجود هذا الذي افترضنا وجوده- أي اللاوعي.
فرويد: الميتابسيكولوجيا
******
هل الآخر هو هذا الذي أراه فقط؟
******
هل يستقيم تعريف الإنسان بأنه ذات واعية؟
النمذجة / العمل / الدولة
النمذجة العمل الدولة
النمذجة ومسؤوليّة العلماء: هل أكلت النمذجة العلم؟
لعلّ من الضروري، التذكير بأن ما يتميّز به الفكر الإنساني من تعدّد وتنوّع، وهو إحدى مكاسب النظر في »الإنساني بين الوحدة والكثرة« بما يتضمّنه من إنية جعلتنا ننظر إلى الإنسان كمشروع مفتوح، ومن تعدّد في الخصوصيات طموحًا لبلورة الكونيّة، ووفق ذلك، فإنّ مطلب الكلّي، الذي يُلازمنا في مختلف أبعاد برنامجنا، سيُصاحبنا ضمن البعد المعرفي. فالعلم، هو سمة الإنسانيّة، نهتمّ به لعدّة أسباب لعلّ أهمّها ما تؤكد عليه مختلف الخطابات على اختلافها وتعدّدها من »إدّعاء« العلم، بأن العصر هو عصر العلم، والجميع بمختلف مشاربهم يبحثون عن مشروعيتهم من خلاله، فهل أنّ العلم، اليوم، هو واحد، وأن كلّ الفروقات بين الخطابات المتناقضة قد أصبحت منعدمة فحلّ الاتصال بديلاً عن الانفصال أم أن علينا إعادة التفكير في هذه المسألة ضمن أفق النمذجة كمنهج يقرّ تعدّد نماذج العلم؟
في مفهوم النّمذجة
لعلّ التوقف عند التأكيد على أنّ النمذجة ليست معرفة بل هي منهج في المعرفة، تجعلنا ندرك أنّ علاقة المعرفة العلميّة لا تعتبر كذلك إلاّ متى توجّهت صوب الواقع لتمثيله، غير أنّ الواقع العلمي، ليس هو الواقع الرّاهن فقط، وإنّما بناء يتشكّل من الرّاهني واللاراهني، فأيّة دلالة ممكنة للنمذجة وفق ذلك؟
لعلّ تعريف »جيل غاستون قرانجي«: »أنّ النمذجة تمثيل نسقي مادي أو ذهني لنسق واقعي« يجعلنا أمام اعتبار أنّ النمذجة انشاء لانساق صوريّة وفق تصوير لعلاقات بين رموز.
انّ النمذجة، اذن هي، عمليّة تخييليّة افتراضيّة يجعل منها مجرّد ترفًا فكريًّا وملهاة للعقل، فهل نجزم وفق ذلك أنّ الصياغة الأكسيوميّة التي يقتضيها بناء النموذج مجرّد وسيط بين حقل نظري يُمثّل تأويلاً له وحقلاً يُمثّل تأليفًا له؟
لعلّ التأكيد على أنّ النمذجة تتمثّل في تفسير المرئي المعقد باللامرئي البسيط، فهي في بعدها الدلالي تقتضي توفّر الصلاحيّة النظريّة والصلاحيّة التجريبيّة والمرونة والتبسيط والشموليّة وهي خاصيات تدفعنا إلى التساؤل هل أنّ العلم وفق ذلك جعلنا أمام معرفة فاعلة، مادام الفهم لأجل الفعل والفعل لأجل الفهم؟
ألا يعني ذلك أنّنا أصبحنا مع النمذجة في موقع من يضحّي بالحقيقة من أجل النجاعة؟
لعلّ التذكير بأنّ ما يقوله »بول فاليري«: »لا يجب أن نُسمّي علمًا الاّ مجموع الوصفات التي تكلّل دائمًا بالنجاح« هو ما يجعلنا نستخلص أنّ النمذجة هي منهج في العلم يضع الابعاد العمليّة والناجعة مطلبًا أساسيّا، فلم يعد التصوّر الوضعي الذي يعتبر العلم كنوزًا نكتشفها قائمًا مادامت العلوم أبنية يتمّ انشاؤها.
هذا الطابع للعلم وللمعارف العلميّة انشاءات وافتراضات يترتّب عنها الاقرار بأنّ الحقائق العلميّة بناءات نبدعها.
المعارف العلميّة، اذن مشروع مفتوح، وعلينا الاضطلاع دومًا بالبناء وإعادة البناء فهي معرفة بنائيّة ذات منحى عملي.
فهل انتهى تبعًا لذلك الحديث عن مسؤوليّة العالم؟
ألم نضحّي مع النمذجة بالعلماء مقابل منمذجين هم مجرّد مُصمّمين خاضعين لإرادة أصحاب المشاريع الاقتصاديّة فجعلنا من العلوم في خدمة أجهزة تسلّطية تتحكّم في العلوم والعلماء؟
النماذج والحقائق:
لعلّ التوقّف عند القول أنّ النماذج التي اثبتت صلاحيتها لا يجعلنا هذا الاثبات نحوز الاّ على صلاحيّة نسبيّة، فهي مجرّد رؤيّة ممكنة للواقع، لا تكشف عن حقيقته بشكل نهائي، ما يجعلنا أمام معضلة تحتاج إلى إعادة التفكير في علاقة العلوم بالحقيقة العلميّة.
انّ تعدّد النماذج العلميّة يجعل من مطلب الحقيقة كواحدة وثابتة يسعى الانسان لإدراكها من جهة التمثلات والرهانات. فكما يقول »نيكولا بولو«: »انّ أكثر ماهو مميّز من وجهة نظر فلسفة المعرفة هو أنّ النموذج الذي تمّ اثبات صلاحيّته ليس الاّ مقاربة من بين مقاربات أخرى«.
ونفهم من ذلك أنّ الطابع العلمي للنمذجة تعدم امكانيّة أن يكون هناك نموذج لأجل ذاته، بل هو »نموذج شيء ما لأجل شيء ما«.
انّ النمذجة محكومة بأغراض نفعيّة تنظر إلى العلم والمعرفة من وجهة براغماتيّة تطلب النجاعة وليس الحقيقة.
فهل العلم والعلوم اليوم صارت ضمن حلبة الصراع الدّائر بين المصالح وتبريراتها؟
يؤكد »نيكولا بولو« أنّ النمذجة أداة لتحقيق المصالح والرهانات وهو ما جعلنا ننظر إلى النمذجة باعتبارها أداة لاستعمال العلم.
إنّنا إذ ننظر إلى التساؤل عن الحريّة الفكريّة التي للعالم واستقلاليّة بحوثه من منظار يُحرج الفكر الباحث عن مسؤوليّة العلماء. وربّما نجد في موقف »ألبرت انشتاين« الذي يصف فيه موقف رجل العلم اليوم بأنّه في وضع تراجيدي، وأنّه: »ينصاع تحت الأوامر حتى إلى قبول التطوّر المستمر لوسائل الدمار الشامل للبشريّة«.
انّ العلماء الذين كانوا في القرون الماضيّة عماد الحريّة وتجارب الإلتزام (»كوبر نيكوس غاليلي«، »نيوتن«...) قد أصبحوا اليوم منمذجين خاضعين لسلطة قاهرة باسم المال أحيانا وباسم السلطة السياسيّة أحيانًا أخرى.
ماهي اذن تجلّيات الأزمة الرّاهنة في علاقة العلوم بالحقيقة؟
انّ مناهج القوّة، وتحويل البشر إلى أدوات وتهديد الحياة بالدمار جعلت علم الفيزياء مثلا يُوظّف لصنع القنابل الذريّة، وجعلت علم البيولوجيا يوظّف للأسلحة الفتّاكة والتلاعب بالخلايا وعلم الكيمياء لصنع القنابل الهيدروجيّة وغيرها...
انّنا قد دخلنا مع العلوم الحديثة، رغم ما قدّمته من ايجابيات للانسانيّة، إلى مرحلة كارثيّة اعتمدت تعدّدية النماذج العلميّة والنجاعة والمرونة التي تتسّم بها النمذجة مدخلا مُراوغًا لتأسيس حالة من الغليان الدّائم من قبل الانسان العادي، وشعور بعدم الرضى وتأنيب الضمير من قبل رجل العلم.
فما الحلّ الممكن لتجاوز هذه الوضعيّة التي جعلت من العلوم المعاصر في خدمة أهداف غير علميّة؟
ندرك أنّ مسؤوليّة العلوم ليست بيد العلماء اليوم، وأنّ المعنى لا يختاره ولا يخلعه العلماء على الفعل العلمي، وأنّهم مُجرّد موظفين لدى أصحاب النفوذ ولذلك فإنّنا لا يمكن الاّ أن نؤكد أنّ على العلماء التحلّي بالشجاعة حتى يواصل العلم الاضطلاع بالمهمّة التنويريّة حتى يكون العلماء حقّا »ضمير الانسانيّة« أو حتى يكون العلم فعلاً: »علم بضمير«، بحسب عبارة »ادغار موران«.
كما أنّ علينا النظر إلى الوعي بالمخاطر التي تهدّد الجميع وتكوين رأي عام مدني ودولي يدافع عن ارادة الحياة في حالة دخولهم في صياغة مشاريع معرفيّة أو نماذج علميّة تُهدّد الانسانيّة.
لمن السّيادة: هل هي للدّولة أم للمواطنة؟
الآخر بالنسبة إلى الحقيقة ليس هو الخطأ بل العنف. إيريك فايل
لعلّ من البديهي، التذكير أنّ الخطاب الفلسفي يتميّز بالعقلانيّة ويجعل من الحوار أولويّة مطلقة ويسعى إلى إنشاء نمط من الإعتراف المتبادل بين المختلفين فضلاً عن الإلتقاء بالمؤتلفين، ولكنّه في الآن نفسه يرفض جعل الإئتلاف تشابهًآ يصل إلى حدّ التماثل أو الذوبان ممّا يفقد الواحد منّا حقّه البديهي في النظر وفق اختياره،وانطلاقا من الاقرار المشترك بين الجميع (الأنا أو النحن من جهة وهو وهم من جهة أخرى) بأنّ لا أحد من مختلف هذه الأطراف بإمكانه الزعم أنّه يمتلك الحقيقة أو يتملّكها.
ولكن هذا الاقرار بنسبيّة الحقيقة، إذا أضفنا إليه مساواة كلّ الناس في العقل وسعينا إلى الوقوف على تحقيق مطلب الكلّي الجامع بين الإنسانيّة على تنوّعها وتعدّدها، يضعنا أمام التساؤل التالي: هل من الممكن أن نجد اتفاقا بين الجميع بشأن القيم السياسيّة لنجعلها قيما كليّة تلتقي حولها الإنسانيّة أم أن »الشأن العام« ـ التعريف الاغريقي للسياسة ـ لا يُسعفنا بتحقيق هذا المطلب؟
ألا يُحرجنا واقعنا الانساني اليوم، في بعده السياسي، وهو الذي يحمل إلينا عبر مختلف وسائل الإعلام أخبارًا تتحدّث عن حوادث تفجير هناك وقتل ودمار في مكان آخر، وتشريد واضطهاد في »نقطة ساخنة« أخرى؟
إنّ حضور العنف، وبلوغه مرتبة السيادة يوشك أن يهدّد الانسانيّة بفناء قادم، تدعمه مظاهر التمييز والحيف واللامساواة إلى درجة تجعلنا نُصاب باليأس ـ ربّما، من أن نجد في سيادة الدول ما يحفظ للمواطنين مواطنتهم! ولكن لماذا لا ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى لنتساءل أليست بعض مظاهر العنف هي تعبير عن سيادة المواطنة في تناقضها مع تسلّط بعض الدول التي جعلت من سلطتها فوق مواطنيها، وما مثال »الكيان الصهيوني« عنّا ببعيد، كما أنّ نموذج »دولة« الميز العنصري في جنوب افريقيا التي حاربت سيادة المواطنة لم تغب عن عقولنا رغم تلاشيها وتراجعها على الصعيد الواقعي؟
في دلالة سيادة الدولة
لعلّ التوقف عند تعريف السيادة كمفتاح أساسي، يصل ويفصل بين الزوج: الدولة/المواطنة يجعلنا نُمسك ـ ربّما بطرفي العلاقة، فإذا سلّمنا بأنّ السيادة هي صفة سلطة الدولة التي تجعل اتخاذ مختلف القرارات من سنّ القوانين وتنفيذها ووضع السياسات أفعالاً مشروعة أي معترفًا بها كحق للحاكم بمنحه صلاحيات متعدّدة فتكون طاعتها بمقتضى تلك المشروعيّة واجبة.
وبهذا فإنّ الاستنتاج الذي يظهر أمامنا بوضوح أنّ سيادة الدولة ترتبط بأفعالها ونصوصها (قوانينها) التي ترتبط بخاصيّة المشروعيّة.
فهل من الممكن أن نذهب في الحديث عن الافراط في سيادة الدولة إلى درجة أنّنا نُسلّم بسيادتها حتى وإن كانت سلطتها دون استناد إلى أي حق؟
يؤكد »جون لوك« في رسالة في الحكم المدني أنّ: »الطغيان عبارة عن ممارسة السلطة التي لا تستند إلى أي حق قط«، فالطاغية ينظر إلى سلطته كسلطة مشروعة بحجّة القوّة، ولذلك فإنّ ممارسة الطغيان للسلطة السياسيّة من أجل مصالحه الخاصّة يفرغها من كلّ مشروعيّة.
لهذا فإنّ الإشكال المركزي للفكر الفلسفي السياسي هو مشروعيّة السلطة السياسيّة، وليس من أساس لهذه المشروعيّة الأخير المحكومين (المواطنين بالضرورة) حتى تكون هذه السيادة مشروعة.
الحلّ من وجهة أطروحة »لوك« يتمثّل في العقد الاجتماعي، وذلك للتأكيد على التمسّك بالحق الطبيعي في الحريّة دون قيود حتى تكون سيادة الدولة مشروعة. إذن لا سيادة للأنظمة الديكتاتورية، مادامت تفتقد إلى المشروعيّة القانونيّة ومصدرها المجتمع الذي تحكمه.
إنّ مفهوم السيادة، كما صاغته فلسفة العقد الاجتماعي ينأى به عن التصوّر السائد والذي ينظر إلى السيادة على أنّها تلك القوّة القاهرة القادرة على الإحتكام إلى التسلّط، فكلّ سلطة يمارسها شخص لأجل مصالحه الخاصّة بعيدًا عن خير المحكومين وعلى رأسه حريتهم فاقدة للمشروعيّة يجب مقاومتها ورفض الخضوع لها، فالسيادة إذن ترتبط بالمشروعيّة التي تمثّل حجر الزاويّة فيها طاعة المحكومين وقبولهم بها وفق نمط من التعاقد يضمن الحريّة.
ولكن هل للمواطنة سيادتها؟ بأي معنى نفهم التمييز الدقيق بين المواطنة وبين الرّعاية؟
سيادة الشعب الحرّ
لعلّ التوقف عند قول جون جاك روسو: »الشعب الحرّ هو الذي يُطيع دون أن يكون خادمًا... يُطيع القوانين ولاشيء سواها وبفضل قوّة القوانين لا يُطيع النّاس«.
وفق هذه الأطروحة ننظر إلى الدولة كهيكل مُجرّد تتأسس مشروعيّة سيادتها على القوانين بحيث لا يكون الحكّام سوى أدوات للقانون ولا يخضع المحكومون عند طاعتهم لأحد فيحافظون على حريتهم كاملة.
الطاعة التي يتحدّث عنها روسو، هي طاعة القوانين وليست طاعة الأشخاص، ومن هذه الطاعة نؤسس لسيادة الشعب الحرّ الذي لا ينظر إلى طاعته كخضوع وسلب لإرادته بل تحقيق لسيادته.
»طاعة القانون الذي ألزمنا به أنفسنا هي حريّة« كما يقول روسو، والمواطنة وضع قانوني يكتسبه كلّ فرد داخل مجتمع تنظّمه قوانين فتكون له حقوق معترف بها وعليه واجبات يتعيّن عليه الإلتزام بها في ظـلّ مساواة تامة بينه وبين غيره بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو دينه.
إنّ المواطنة هي مصدر كلّ سيادة، وسيادة المواطنة ترتبط بطاعة الجميع للقوانين، وهو موقف على النقيض الجذري مع الرّعاية حيث تنظر المجتمعات والأنظمة الحاكمة إلى شعوبها كرعيّة عليها طاعة أهواء الملوك الطغاة!
مع المواطنة نجد المشاركة في الحياة السياسيّة وحق تغيير أنماط الحكم والقوانين والفصل بين السلطات بينما مع الرعاية فإنّنا لا نتحدّث عن الشعب إلاّ كتابع فاقد لأهليّة قراره ولا قدرة له في التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لضمان التوزيع العادل للثروة وإتاحة الفرص للتعليم والعمل بين الجميع بشكل متساو.
العمل : النجاعة والعدالة
ثمة ما يسوّغ المبادرة الفلسفية بتجديل البحث النقدي والتأويلي في مسألة علاقة العمل بقيم النجاعة والعدالة تخصيصا في عالم الرسم الذي يشهد تناميا واضحا للانشغال بما يطرحه العمل من تناقضات وتحديات وقيم تهم المصير الإنساني في بعدية الفردي، والجماعي والكوني.
وفي الحقيقة، يمكن تجديل العلاقة الإشكالية بين النجاعة والعدالة في حضارة العمل انطلاقا من الوقوف على مستويات التوتر التالية.
1 ـ المستوى المنطقي:
تظهر العلاقة إشكالية على المستوى المنطقي نظرا لاستحالة حصرها.
في بعد واحد، فقد تنجلي ضمن علاقة التناقض الجزئي، الكلي أو الجدلي، وتصبح المعضلة مضاعفة عندما يقع تنزيل العلاقة المنطقية ضمن مقولة الانسجام والتفاعل التكاملي وما يقتضيه من تجاوز لمقولة التناقض لتأسيس مقولة التلازم بين قيم النجاعة والعدالة.
2 ـ المستوى التاريخي :
لا شك أن عالم العمل كخبرة تاريخية تراكمية كميا ونوعيا شهد العديد من التحولات لعلّ أهمها يكمن في ظهور التجارة الكبرى والثورة الصناعية، وضمن هذا الواقع الجديد في التاريخ الحديث اتجه عالم العمل إلى الانفصال تدريجيا عن التنظيم الحرفي التقليدي والتحول في مسلك البناء العقلاني لإستراتيجية النجاعة الصناعية والتقسيم التقـــني لكســــب تحديات » المردودية والإنتاجية « ( la rentabilité et la productivité)»وتأويج الأرباح« (La maximisation des profits )
وعليه، فإذا كان التنظيم الحرفي التقليدي يقوم بإشراف الحرفي بمهاراته وخبرته على صناعة المنتوج في كل مراحله من البداية الى النهاية، فإن ذلك إنما كان يستجيب لظروف العمل الحرفي في المجتمعات التقليدية، حيث كان العمل يستهلك الكثير من الوقت مع محدودية الإنتاج.
وعلى نقيض العمل الحرفي التقليدي، برزت بوادر التحول في ظهور العمل الصناعي بما يتميز به من مظاهر النجاعة التقنية والعلمية والمتمثلة في:
- تنزيل الأدوات والتقنيات في العمل الصناعي لكسب الوقت وتحقيق الشرعية في الانجاز لتطوير حركية الإنتاج والرفع من مردوديته كمّا وكيفا استجابة للطلب المتزايد عليه في الأسواق.
- الاقتصاد في المجهود وتطوير كفاءة العامل في السيطرة على المادة وتحويلها إلى منتوج صناعي له قيمة مضافة.
- التخصص في المهارات الدقيقة والوظائف التقنية.
- تعزيز المجهود الفيزيائي والطاقة العضلية بواسطة النجاعة الآلية والأجهزة الأداتية.
- الفصل بين المهام والمراحل الدقيقة لانجاز العمل في مختلف تعيناته المادية للرفع من الحصص الإنتاجية .(une valeur ajoutée)
عزل العمال عن بعضهم البعض وتنظيم تعاونهم الجماعي بالتنسيق بين المهام الجزئية الدقيقة والمراحل النهائية بشكل يجعل العمل يتسم بالكفاءة والمردودية الكمية والنوعية.
التيلرة: (le taylorisme )
لقد تمكن المهندس الأمريكي »فريدريك وينسلو تايلور« (1856 - 1915 ) من بناء تصور علمي وتقني للعمل سرعان ما وقع تبنيه على نطاق واسع في المؤسسات الصناعية والإنتاجية للولايات المتحدة الأمريكية.
وعليه، يقوم التنظيم العلمي والتقني للعمل على المبادئ الأساسية الثلاثة التالية (1): التقسيم العمودي للعمل الذي يفضل كليا بين المهام التي يضطلع بها المهندسون والإداريون في المكاتب والعمال المنفذون والمتخصصون والذين يخضعون لرقابة دقيقة.
التقسيم الأفق ( la division verticale du travail ) للعمل الذي يفصل كليا بين المهام التي يضطلع بها المهندسون والإداريون في المكاتب والعمال المنفذون والمتخصصـون والــــــــذين يخضعون لرقـــــــابة دقيقــــة للتقســــيم الآفقي horizontale du travail ) ( la divisionللعمل والمتمثل في تفتيت المهام بين العمال والرفع من مهاراتهم بتوسّط .التخصص، التكرار، الاقتصاد في المجهود ويعتبر هذا الضرب من التقسيم اجترارا للتقسيم التقني الذي كان سائرا في عصر» المانيفاكتورة « (la manifacture) .
ـ و للترفع من مستوى الإنتاجية يلزم هذا التقسيم العلمي والتقني للعمل العامل على تحقيق المردودية الكمية المرجوة منه في زمن محدد سلفا.
وفي المقابل، يؤكد » تايلور« أن العامل الذي يتجاوز الحصص الإنتاجية المطالب بها يمكن تشجيعه بمكافأة مالية تنفيلية (un bonus) تضاف إلى أجره الحقيقي.
الفوردية :(le fordisme) :
تمثل الفوردية نسبة إلى الصناعي الأمريكي» هنري فورد« نظاما في الإنتاج الصناعي، يقوم على العمل المتسلسل (le travail a la chaine) وعليه، ففي العشرينات من القرن العشرين نظر» هنري فورد« لنجاحاته في الحقل الصناعي، وذلك من خلال التأكيد على التلازم بين الرفع من فوائد إنتاجية العمل والانخراط في الاستثمارات الهائلة لتطوير سلسلة الإنتاج بواسطة البنى المادية والبنى اللامادية وذلك ببناء مصانع كبرى تتلاءم مع تصور المنتوج إضافة إلى التنظيم العلمي والتقني للعمل وما يفترضه من رفع في المردودية والضغط على التكاليف سعيا للاستجابة لتوسع الأسواق وانخفاض الأسعار".
3 - في اغتراب العمل (de l'aliénation du travail):
يبدو أن مكافحة مقولة الاغتراب استنطاقا وتأويلا نقديا أضحى مطلبا فلسفيا معاصرا نظرا لاستعمالاتها الممكنة في مختلف الحقول الدلالية التي لها صلة معلنة أو خفية بعالم العمل بكل أبعاده الموجودة وغاياته العملية المتصلة بأنسنة الطبيعة والتقدم بالحياة الإنسانية نحو الأفضل.
إذا كان العمل كممارسة واعية وتحررية يعتبر أساسا المجال الحيّ والملموس لتحقيق كينونة الإنسان بوصفه ذاتا منتجة واجتماعية من جهة علاقته بالطبيعة.لكن على النقيض من ذلك، يعتبر انخراط العمل في المجتمع
الرأسمالي مغامرة نفسية ووجودية أفقدته مفهومه السامي وغاياته التحررية المحايثة للنزعة الإنسانية التي ينشدها في مستويات الفكر وتجارب الحياة العملية بمختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتاريخية ضمن أفق حضارة العمل الحديثة :
أ ـ إغتراب الاستغلال .(l'aliénation de l'exploitation )
تحيل مقولة الاغتراب في الجذر اللغوي على فقدان الإنسان للروابط والمعاني والقيم التي تمثل قاعدة للوعي بإنسانيته وممارستها في واقع الفكر والحياة النفسية أو التجارب الاجتماعية ـ التاريخية.
ومن الملاحظ أن مقولة الاغتراب أرتقت إلى مرتبة المفهوم الفلسفي في زمن الحداثة وأصبحت مفهوما أساسيا في المدونة الماركسية أو الهيجلية الماركسية وعليه، فإذا كانت قوة العمل (la force du travail ) البشري تمثل النشاط الحيوي والمادي الفائق للعامل ولطريقته في تحقيق كيانه ضمن مسار يمكنه من بسط سلطانه على العادة وتحويلها إلى منتوجات وبضائع نافعة للاستهلاك البشري، فإنه بذلك يرسم مسار اكتشاف ذاته النوعية بوصفها سباق حركية ذات منتجة ومبدعة في المجتمع والتاريخ.
لا شك أن أولى محاولات تشخيص مظاهر اغتراب الاستغلال في عالم العمل تجسدت في المقاربة الماركسية النقدية لتردي الظروف الموضوعية للعمل ضمن الواقع الاقتصادي والاجتماعي لنمط الإنتاج الرأسمالي الحديث.
وضمن هذه المقاربة النقدية التحليلية يبرز ماركس كيف تحول العمل من قيمة إنسانية سامية الى مصدر لإنتاج الاستغلال الاقتصادي والبؤس الاجتماعي والتشيؤ على الصعيدين النفسي والوجودي.
ومن الضروري الإشارة إلى أن مظاهر اغتراب الاستغلال تنكشف بوضوح في تردي الظروف الاجتماعية والاقتصادية بوصفها مصدرا لتكريس واقع الاغتراب بما هو معاناة لقطيعة نفسية، عاطفية ومادية تبرز في الأبعاد والعلامات التالية.
- معاناة العامل لاغتراب الانفصال عن إنتاجه باعتباره لا يملك ما ينتجه، فما ينتجه العامل لنفسه ليس الحرير الذي ينسجه أو الذهب الذي يستخرجه أو القصر الذي يبنيه.
- معاناة العامل للشعور بالغين والضيم بالخضوع القهري لنظام الأجرة الذي يحول العمل الى بضاعة خاضعة لقوانين السوق التي تخضع بدورها لاستراتيجيات النجاعة وتسلطها على قوة العمل وارادة العمال والمتمثلة في القيمة الزائدة :(la valeur ajoutée ) .
إذا ما انطلقت من أن الرأسمالي في نشاطه الاقتصادي يبحث دائما عن استراتجيات فعالة ومجدية لترفيع الأرباح والتقليص من التكاليف لكسب تحديات المنافسة، فإن ذلــــــك يــــرتبط لا محالة بالرفع من الإنتاجية ، ولكــــــن كسب تحديـــــات الرفــــع من الانتـــاجية يرتبط إجرائية وعــمــليا بخلــــق القيمة (la création des valeurs)
ولكن كيف السبيل للعثور على بضاعة تكون ذات قيمة إستهلاكية ومصدر لإنتاج القيمة في آن؟ هنا تحديدا يمكن الإشارة الى أن العنــــــصر المـشترك بين كل البضائع سواء أكــــانــت ذات قيـــــمة إستعمـــــــالية أو ذات قـــــيمة تبــادلية (Valeur d'usage et Valeur d'échange
إنما هو العمل الانساني على وجه العمومية والشمولية. ولهذا السبب بالذات نجد أن الرأسمالي يجد ضالته في العمل بوصفه بضاعة ذات قيمة استهلاكية ومصدر لانتاج كل القيم النفعية التي يحتاجها البشر في حياتهم اليومية وفي هذا السياق يقول » ماركس « : يجب أن يتمكن صاحب المال من اكتشاف بضاعة في السوق، لها قيمة إستعمالية تتمتع بقيمة خاصة هي أن تكون مصدرا للقيمة، أي بضاعة تكون عملية إستهلاكها في الوقت نفسه عملية تخلق قيمة ، وبالفعل هذه البضاعة موجودة، إنها قوة العمل الانساني «. وعندئذ، فإن صاحب رأس المال يشتري قوة العمل بقيمتها التي تحددها، كما تحدد قيمة كل بضاعة أخرى، وبذلك يكتسب الحق في أن يستهلكها أي يجلعها تعمل طوال النهار لنقل افتراضيا 12 ساعة، غير أن العامل حين يشتغل 6 ساعات أي (وقت العمل الضروري) يعطي إنتاجا يغطي نفقات إعالته، وفي الست ساعات الأخرى (وقت العمل الاضافي) يعطي إنتاجا زائدا دون الحصول على أجرة إضافية من قبل الرأسمالي.
وعلى هذا النحو يتيح العامل فائض القيمة الذي يعود بالربح الوفير على صاحب رأس المال، وإستنادا الى ذلك، يصبح تراكم فائض القيمة سببا في تراكم رأس المال المتغير (le capital variable) الذي يعجل بدوره بإحلال الآلة محل العامل ينتج عن ذلك الاستغلال والتشيؤ اللذان يولّدان الثراء والرفاهية في قطب الرأسماليين والبورجـــــــوازيين، والفقـــــــر والـــفاقة في قطب العمال والأجراء، وفي هذا السياق يقول الفيلسوف الفرنسي» شارل فورييه« (1772 ـ 1837) عن النظام الرأسمالي يولد فيه الفقر من الازدهار نفسه«.
ب - إغتراب التشيؤ (l'aliénation de la choséfication):
إذا ما انطلقنا من المسلمة الماركسية التي تقر بأن الانسان كائن منتج فإنه في الحقيقة لا ينتج في واقع مجرد وإنما تنتج ضمن واقع إجتماعي ينعكس في أنسنة الروابط والقيم الاجتماعية من أجل تحسين الظروف الموضوعية للحياة الفردية والجماعية . لكن تطور قوة وعلاقات الانتاج ضمن الواقع الرأسمالي سيفضي الى ظهور نوع من الاغتراب يسميه ماركس بمعاناة التشيؤ والمتمثل في سلب العلاقات الاجتماعية بين البشر غاياتها الانسانية الحقيقية والمتجسدة، في الحرية، والتقدم، والتعاون والعدالة والانزلاق بها في قيم خيالية وعلاقات مجردة بين اشياء تظهر بوضوح في معاناة اغتراب الخضوع السلبي لصنمية السلع والبضائع والمنافع المادية عموما وعندئذ تصبح قيما مجردة ومستقلة عن المنتجين الفعليين الذين انتجوها بل تتحول الى ممارسة سلطة إستبدادية مطلقة تتحكم في رغبات الناس وفي مصيرهم وعلاقاتهم وبهذا المنحى في واقع الممارسة الاجتماعية للعلاقات بين البشر والأشياء المادية والسلع النفعية، لم يعد الناس هم الذين يتحكمون في الأشياء إنتاجا وتقديرا للقيمة الاستعمالية والاستهلاكية والتبادلية وانما تصبح الأشياء هي التي تتحكم فيهم وتوجه علاقاتهم وتصوراتهم حول أنفسهم وحول غيرهم.
وفي ظلّ هذه الظروف، يتعاظم استبطان الشعور بالغربة بمعاناة الإحساس بفقدان القيمة والمعنى والهدف من النشاط العملي والروابط الاجتماعية التي تصبح رهينة تسلط سلطان البضائع والسّلع والأسواق والأموال والمصانع والآلات، كل هذه العناصر تحولت الى قوى مجردة وأشكال خيالية تمارس نفوذا على الأنا الفردي والوعي الجماعي وتشخيص مدى معاناة .
اغتراب التشيؤ يفرد ماركس ماركس نصا جدّ طريف لوصف ما قد يمارس المال من نفوذ على الوعي الاجتماعي إذ يقول» لما صار المال مكتسبا القدرة على اشتراء كل شيء، ولما صار مكتسبا القدرة على امتلاك كل الاشياء، فإنه بذلك موضوع الاكتساب الفائق عينه، فلكية قدرته تلك هي سلطات ماهية ... وتعظم قوّتي بقدر عظمة قوة المال... وقد أكون في ذاتي كسيحا غير أن المال يوفر أربعة وعشرين رجلا، فلست إذن كسيحا « (مخطوطات 1844 المخطوط الثالث).
ج - مفارقة إغتراب التموضع وفقدان المعنى (l'aliénation l'objectivation)
إذا كان التقسيم التقني للعمل ظاهرة حديثة في ميدان الانتاج داخل المؤسسة الاقتصادية فان تطور هذه الظاهرة عبر تعاقب الثورات الصناعية والثورات العلمية والتقنية في حضارة العمل لم يكن ليمرّ دون أن يترك التساؤلات مفتوحة حول مكاسب هذه الظاهرة وسلبياتها على الصعيدين الاقتصادي والنفسي ـ الوجودي.
ـ إذا تعلق الأمر برصد المكاسب المحايثة لهذه الظاهرة فإنها تنجلي في المستويات التالية:
* تدعيم قوة العمل البشري التي تستند الى الطاقة الذهبية والعضوية الجسدية بفعالية الآلة وسلطانها الناجع والنافذ في السيطرة على المادة وإخضاعها لمقتضيات الإنتاج والإنتاجية في كنف الشرعية والاقتصاد في المجهود في أدقّ تفاصيل الانجاز الملموس لحركات العامل داخل المصنع.
* ومن الملاحظ أن ذلك شكل مسلكا عقلانيا ومؤسساتيا لتنظيم عملية الانتاج وموضعة المجهود البشري بالرفع من طاقة الانتاج الى حدوده القصوى وذلك بتحول المادة وتغييرها عبر الذكاء الإصطناعي المتجسد والمتموضع في النشاط التقني الآلي وبهذا المنحى تبلورت مظاهر التعاضد الوظيفي بين »الذكاء الطيبعي والذكاء التقني« اللذين اصبحا من السمات المميزة لحركية العمل ودوره في بسط سلطان الانسان على المواد الأولية وتحويلها الى بضاعة من شأنها أن تستجيب لضغط الحاجة وتوسع الأسواق والطلب على الاستهلاك ولكن، على الرغم من المكاسب المتحققة في ظهور التقسيم العلمي والتقني للعمل، فإن ذلك لم يخل من السلبيات التي يمكن الإقرار بكونها أصبحت علامة على الاستلاب النفسي والوجودي للعامل من خلال معاناة الآثار السلبية للممارسات التالية:
- التخصص في المهارات والأدوار الدقيقة والآلية، مما جعل العامل يفقد المبادرة في الخيال والإبداع أو حرية التصور والانجاز للعمل أو المنتوج. بحيث أصبح العامل مكبوتا من جهة علاقته بإرادته العملية ومضطهدا من جهة علاقته بقدراته الذهبية.
- الاحساس السلبي والقاتل بالقلق والملل من العمل الآلي الذي يتسم بشكل مجحف بالنمطية والتكرارية والنسقية الآلية, و من ثمة لم يعد العمل مجالا للشعور بالفرح والبهجة والانسجام مع الذات في خصوصيتها النوعية على الصعيدين الذهبي والجسدي.
والمثال الحي من الواقع الملموس يبرز تسلط الآلة على الخصوصية النفسية والبيولوجية لحركات الجسد العامل . وعليه، لقد أصبح العامل يعاني من تسلط الآلة على مستطاعه النفسي والبيولوجي الذي أضحى مطالبا بتعديل ساعته على نسق حركة الآلة ونمطية سلسلــــة الانتاج بما تفرضه من احســـاس مؤلم بالإرهاق (la fatigue ) والرتابة (la routine ) والقلق (l'anxiété) والعنايات الموضعية على الصعيد الفيزيولوجي وما تخلفه معاناة للأمراض المهنية المزمنة على المستويين النفسي والعضوي.
النمذجة ومسؤوليّة العلماء: هل أكلت النمذجة العلم؟
لعلّ من الضروري، التذكير بأن ما يتميّز به الفكر الإنساني من تعدّد وتنوّع، وهو إحدى مكاسب النظر في »الإنساني بين الوحدة والكثرة« بما يتضمّنه من إنية جعلتنا ننظر إلى الإنسان كمشروع مفتوح، ومن تعدّد في الخصوصيات طموحًا لبلورة الكونيّة، ووفق ذلك، فإنّ مطلب الكلّي، الذي يُلازمنا في مختلف أبعاد برنامجنا، سيُصاحبنا ضمن البعد المعرفي. فالعلم، هو سمة الإنسانيّة، نهتمّ به لعدّة أسباب لعلّ أهمّها ما تؤكد عليه مختلف الخطابات على اختلافها وتعدّدها من »إدّعاء« العلم، بأن العصر هو عصر العلم، والجميع بمختلف مشاربهم يبحثون عن مشروعيتهم من خلاله، فهل أنّ العلم، اليوم، هو واحد، وأن كلّ الفروقات بين الخطابات المتناقضة قد أصبحت منعدمة فحلّ الاتصال بديلاً عن الانفصال أم أن علينا إعادة التفكير في هذه المسألة ضمن أفق النمذجة كمنهج يقرّ تعدّد نماذج العلم؟
في مفهوم النّمذجة
لعلّ التوقف عند التأكيد على أنّ النمذجة ليست معرفة بل هي منهج في المعرفة، تجعلنا ندرك أنّ علاقة المعرفة العلميّة لا تعتبر كذلك إلاّ متى توجّهت صوب الواقع لتمثيله، غير أنّ الواقع العلمي، ليس هو الواقع الرّاهن فقط، وإنّما بناء يتشكّل من الرّاهني واللاراهني، فأيّة دلالة ممكنة للنمذجة وفق ذلك؟
لعلّ تعريف »جيل غاستون قرانجي«: »أنّ النمذجة تمثيل نسقي مادي أو ذهني لنسق واقعي« يجعلنا أمام اعتبار أنّ النمذجة انشاء لانساق صوريّة وفق تصوير لعلاقات بين رموز.
انّ النمذجة، اذن هي، عمليّة تخييليّة افتراضيّة يجعل منها مجرّد ترفًا فكريًّا وملهاة للعقل، فهل نجزم وفق ذلك أنّ الصياغة الأكسيوميّة التي يقتضيها بناء النموذج مجرّد وسيط بين حقل نظري يُمثّل تأويلاً له وحقلاً يُمثّل تأليفًا له؟
لعلّ التأكيد على أنّ النمذجة تتمثّل في تفسير المرئي المعقد باللامرئي البسيط، فهي في بعدها الدلالي تقتضي توفّر الصلاحيّة النظريّة والصلاحيّة التجريبيّة والمرونة والتبسيط والشموليّة وهي خاصيات تدفعنا إلى التساؤل هل أنّ العلم وفق ذلك جعلنا أمام معرفة فاعلة، مادام الفهم لأجل الفعل والفعل لأجل الفهم؟
ألا يعني ذلك أنّنا أصبحنا مع النمذجة في موقع من يضحّي بالحقيقة من أجل النجاعة؟
لعلّ التذكير بأنّ ما يقوله »بول فاليري«: »لا يجب أن نُسمّي علمًا الاّ مجموع الوصفات التي تكلّل دائمًا بالنجاح« هو ما يجعلنا نستخلص أنّ النمذجة هي منهج في العلم يضع الابعاد العمليّة والناجعة مطلبًا أساسيّا، فلم يعد التصوّر الوضعي الذي يعتبر العلم كنوزًا نكتشفها قائمًا مادامت العلوم أبنية يتمّ انشاؤها.
هذا الطابع للعلم وللمعارف العلميّة انشاءات وافتراضات يترتّب عنها الاقرار بأنّ الحقائق العلميّة بناءات نبدعها.
المعارف العلميّة، اذن مشروع مفتوح، وعلينا الاضطلاع دومًا بالبناء وإعادة البناء فهي معرفة بنائيّة ذات منحى عملي.
فهل انتهى تبعًا لذلك الحديث عن مسؤوليّة العالم؟
ألم نضحّي مع النمذجة بالعلماء مقابل منمذجين هم مجرّد مُصمّمين خاضعين لإرادة أصحاب المشاريع الاقتصاديّة فجعلنا من العلوم في خدمة أجهزة تسلّطية تتحكّم في العلوم والعلماء؟
النماذج والحقائق:
لعلّ التوقّف عند القول أنّ النماذج التي اثبتت صلاحيتها لا يجعلنا هذا الاثبات نحوز الاّ على صلاحيّة نسبيّة، فهي مجرّد رؤيّة ممكنة للواقع، لا تكشف عن حقيقته بشكل نهائي، ما يجعلنا أمام معضلة تحتاج إلى إعادة التفكير في علاقة العلوم بالحقيقة العلميّة.
انّ تعدّد النماذج العلميّة يجعل من مطلب الحقيقة كواحدة وثابتة يسعى الانسان لإدراكها من جهة التمثلات والرهانات. فكما يقول »نيكولا بولو«: »انّ أكثر ماهو مميّز من وجهة نظر فلسفة المعرفة هو أنّ النموذج الذي تمّ اثبات صلاحيّته ليس الاّ مقاربة من بين مقاربات أخرى«.
ونفهم من ذلك أنّ الطابع العلمي للنمذجة تعدم امكانيّة أن يكون هناك نموذج لأجل ذاته، بل هو »نموذج شيء ما لأجل شيء ما«.
انّ النمذجة محكومة بأغراض نفعيّة تنظر إلى العلم والمعرفة من وجهة براغماتيّة تطلب النجاعة وليس الحقيقة.
فهل العلم والعلوم اليوم صارت ضمن حلبة الصراع الدّائر بين المصالح وتبريراتها؟
يؤكد »نيكولا بولو« أنّ النمذجة أداة لتحقيق المصالح والرهانات وهو ما جعلنا ننظر إلى النمذجة باعتبارها أداة لاستعمال العلم.
إنّنا إذ ننظر إلى التساؤل عن الحريّة الفكريّة التي للعالم واستقلاليّة بحوثه من منظار يُحرج الفكر الباحث عن مسؤوليّة العلماء. وربّما نجد في موقف »ألبرت انشتاين« الذي يصف فيه موقف رجل العلم اليوم بأنّه في وضع تراجيدي، وأنّه: »ينصاع تحت الأوامر حتى إلى قبول التطوّر المستمر لوسائل الدمار الشامل للبشريّة«.
انّ العلماء الذين كانوا في القرون الماضيّة عماد الحريّة وتجارب الإلتزام (»كوبر نيكوس غاليلي«، »نيوتن«...) قد أصبحوا اليوم منمذجين خاضعين لسلطة قاهرة باسم المال أحيانا وباسم السلطة السياسيّة أحيانًا أخرى.
ماهي اذن تجلّيات الأزمة الرّاهنة في علاقة العلوم بالحقيقة؟
انّ مناهج القوّة، وتحويل البشر إلى أدوات وتهديد الحياة بالدمار جعلت علم الفيزياء مثلا يُوظّف لصنع القنابل الذريّة، وجعلت علم البيولوجيا يوظّف للأسلحة الفتّاكة والتلاعب بالخلايا وعلم الكيمياء لصنع القنابل الهيدروجيّة وغيرها...
انّنا قد دخلنا مع العلوم الحديثة، رغم ما قدّمته من ايجابيات للانسانيّة، إلى مرحلة كارثيّة اعتمدت تعدّدية النماذج العلميّة والنجاعة والمرونة التي تتسّم بها النمذجة مدخلا مُراوغًا لتأسيس حالة من الغليان الدّائم من قبل الانسان العادي، وشعور بعدم الرضى وتأنيب الضمير من قبل رجل العلم.
فما الحلّ الممكن لتجاوز هذه الوضعيّة التي جعلت من العلوم المعاصر في خدمة أهداف غير علميّة؟
ندرك أنّ مسؤوليّة العلوم ليست بيد العلماء اليوم، وأنّ المعنى لا يختاره ولا يخلعه العلماء على الفعل العلمي، وأنّهم مُجرّد موظفين لدى أصحاب النفوذ ولذلك فإنّنا لا يمكن الاّ أن نؤكد أنّ على العلماء التحلّي بالشجاعة حتى يواصل العلم الاضطلاع بالمهمّة التنويريّة حتى يكون العلماء حقّا »ضمير الانسانيّة« أو حتى يكون العلم فعلاً: »علم بضمير«، بحسب عبارة »ادغار موران«.
كما أنّ علينا النظر إلى الوعي بالمخاطر التي تهدّد الجميع وتكوين رأي عام مدني ودولي يدافع عن ارادة الحياة في حالة دخولهم في صياغة مشاريع معرفيّة أو نماذج علميّة تُهدّد الانسانيّة.
لمن السّيادة: هل هي للدّولة أم للمواطنة؟
الآخر بالنسبة إلى الحقيقة ليس هو الخطأ بل العنف. إيريك فايل
لعلّ من البديهي، التذكير أنّ الخطاب الفلسفي يتميّز بالعقلانيّة ويجعل من الحوار أولويّة مطلقة ويسعى إلى إنشاء نمط من الإعتراف المتبادل بين المختلفين فضلاً عن الإلتقاء بالمؤتلفين، ولكنّه في الآن نفسه يرفض جعل الإئتلاف تشابهًآ يصل إلى حدّ التماثل أو الذوبان ممّا يفقد الواحد منّا حقّه البديهي في النظر وفق اختياره،وانطلاقا من الاقرار المشترك بين الجميع (الأنا أو النحن من جهة وهو وهم من جهة أخرى) بأنّ لا أحد من مختلف هذه الأطراف بإمكانه الزعم أنّه يمتلك الحقيقة أو يتملّكها.
ولكن هذا الاقرار بنسبيّة الحقيقة، إذا أضفنا إليه مساواة كلّ الناس في العقل وسعينا إلى الوقوف على تحقيق مطلب الكلّي الجامع بين الإنسانيّة على تنوّعها وتعدّدها، يضعنا أمام التساؤل التالي: هل من الممكن أن نجد اتفاقا بين الجميع بشأن القيم السياسيّة لنجعلها قيما كليّة تلتقي حولها الإنسانيّة أم أن »الشأن العام« ـ التعريف الاغريقي للسياسة ـ لا يُسعفنا بتحقيق هذا المطلب؟
ألا يُحرجنا واقعنا الانساني اليوم، في بعده السياسي، وهو الذي يحمل إلينا عبر مختلف وسائل الإعلام أخبارًا تتحدّث عن حوادث تفجير هناك وقتل ودمار في مكان آخر، وتشريد واضطهاد في »نقطة ساخنة« أخرى؟
إنّ حضور العنف، وبلوغه مرتبة السيادة يوشك أن يهدّد الانسانيّة بفناء قادم، تدعمه مظاهر التمييز والحيف واللامساواة إلى درجة تجعلنا نُصاب باليأس ـ ربّما، من أن نجد في سيادة الدول ما يحفظ للمواطنين مواطنتهم! ولكن لماذا لا ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى لنتساءل أليست بعض مظاهر العنف هي تعبير عن سيادة المواطنة في تناقضها مع تسلّط بعض الدول التي جعلت من سلطتها فوق مواطنيها، وما مثال »الكيان الصهيوني« عنّا ببعيد، كما أنّ نموذج »دولة« الميز العنصري في جنوب افريقيا التي حاربت سيادة المواطنة لم تغب عن عقولنا رغم تلاشيها وتراجعها على الصعيد الواقعي؟
في دلالة سيادة الدولة
لعلّ التوقف عند تعريف السيادة كمفتاح أساسي، يصل ويفصل بين الزوج: الدولة/المواطنة يجعلنا نُمسك ـ ربّما بطرفي العلاقة، فإذا سلّمنا بأنّ السيادة هي صفة سلطة الدولة التي تجعل اتخاذ مختلف القرارات من سنّ القوانين وتنفيذها ووضع السياسات أفعالاً مشروعة أي معترفًا بها كحق للحاكم بمنحه صلاحيات متعدّدة فتكون طاعتها بمقتضى تلك المشروعيّة واجبة.
وبهذا فإنّ الاستنتاج الذي يظهر أمامنا بوضوح أنّ سيادة الدولة ترتبط بأفعالها ونصوصها (قوانينها) التي ترتبط بخاصيّة المشروعيّة.
فهل من الممكن أن نذهب في الحديث عن الافراط في سيادة الدولة إلى درجة أنّنا نُسلّم بسيادتها حتى وإن كانت سلطتها دون استناد إلى أي حق؟
يؤكد »جون لوك« في رسالة في الحكم المدني أنّ: »الطغيان عبارة عن ممارسة السلطة التي لا تستند إلى أي حق قط«، فالطاغية ينظر إلى سلطته كسلطة مشروعة بحجّة القوّة، ولذلك فإنّ ممارسة الطغيان للسلطة السياسيّة من أجل مصالحه الخاصّة يفرغها من كلّ مشروعيّة.
لهذا فإنّ الإشكال المركزي للفكر الفلسفي السياسي هو مشروعيّة السلطة السياسيّة، وليس من أساس لهذه المشروعيّة الأخير المحكومين (المواطنين بالضرورة) حتى تكون هذه السيادة مشروعة.
الحلّ من وجهة أطروحة »لوك« يتمثّل في العقد الاجتماعي، وذلك للتأكيد على التمسّك بالحق الطبيعي في الحريّة دون قيود حتى تكون سيادة الدولة مشروعة. إذن لا سيادة للأنظمة الديكتاتورية، مادامت تفتقد إلى المشروعيّة القانونيّة ومصدرها المجتمع الذي تحكمه.
إنّ مفهوم السيادة، كما صاغته فلسفة العقد الاجتماعي ينأى به عن التصوّر السائد والذي ينظر إلى السيادة على أنّها تلك القوّة القاهرة القادرة على الإحتكام إلى التسلّط، فكلّ سلطة يمارسها شخص لأجل مصالحه الخاصّة بعيدًا عن خير المحكومين وعلى رأسه حريتهم فاقدة للمشروعيّة يجب مقاومتها ورفض الخضوع لها، فالسيادة إذن ترتبط بالمشروعيّة التي تمثّل حجر الزاويّة فيها طاعة المحكومين وقبولهم بها وفق نمط من التعاقد يضمن الحريّة.
ولكن هل للمواطنة سيادتها؟ بأي معنى نفهم التمييز الدقيق بين المواطنة وبين الرّعاية؟
سيادة الشعب الحرّ
لعلّ التوقف عند قول جون جاك روسو: »الشعب الحرّ هو الذي يُطيع دون أن يكون خادمًا... يُطيع القوانين ولاشيء سواها وبفضل قوّة القوانين لا يُطيع النّاس«.
وفق هذه الأطروحة ننظر إلى الدولة كهيكل مُجرّد تتأسس مشروعيّة سيادتها على القوانين بحيث لا يكون الحكّام سوى أدوات للقانون ولا يخضع المحكومون عند طاعتهم لأحد فيحافظون على حريتهم كاملة.
الطاعة التي يتحدّث عنها روسو، هي طاعة القوانين وليست طاعة الأشخاص، ومن هذه الطاعة نؤسس لسيادة الشعب الحرّ الذي لا ينظر إلى طاعته كخضوع وسلب لإرادته بل تحقيق لسيادته.
»طاعة القانون الذي ألزمنا به أنفسنا هي حريّة« كما يقول روسو، والمواطنة وضع قانوني يكتسبه كلّ فرد داخل مجتمع تنظّمه قوانين فتكون له حقوق معترف بها وعليه واجبات يتعيّن عليه الإلتزام بها في ظـلّ مساواة تامة بينه وبين غيره بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو دينه.
إنّ المواطنة هي مصدر كلّ سيادة، وسيادة المواطنة ترتبط بطاعة الجميع للقوانين، وهو موقف على النقيض الجذري مع الرّعاية حيث تنظر المجتمعات والأنظمة الحاكمة إلى شعوبها كرعيّة عليها طاعة أهواء الملوك الطغاة!
مع المواطنة نجد المشاركة في الحياة السياسيّة وحق تغيير أنماط الحكم والقوانين والفصل بين السلطات بينما مع الرعاية فإنّنا لا نتحدّث عن الشعب إلاّ كتابع فاقد لأهليّة قراره ولا قدرة له في التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لضمان التوزيع العادل للثروة وإتاحة الفرص للتعليم والعمل بين الجميع بشكل متساو.
العمل : النجاعة والعدالة
ثمة ما يسوّغ المبادرة الفلسفية بتجديل البحث النقدي والتأويلي في مسألة علاقة العمل بقيم النجاعة والعدالة تخصيصا في عالم الرسم الذي يشهد تناميا واضحا للانشغال بما يطرحه العمل من تناقضات وتحديات وقيم تهم المصير الإنساني في بعدية الفردي، والجماعي والكوني.
وفي الحقيقة، يمكن تجديل العلاقة الإشكالية بين النجاعة والعدالة في حضارة العمل انطلاقا من الوقوف على مستويات التوتر التالية.
1 ـ المستوى المنطقي:
تظهر العلاقة إشكالية على المستوى المنطقي نظرا لاستحالة حصرها.
في بعد واحد، فقد تنجلي ضمن علاقة التناقض الجزئي، الكلي أو الجدلي، وتصبح المعضلة مضاعفة عندما يقع تنزيل العلاقة المنطقية ضمن مقولة الانسجام والتفاعل التكاملي وما يقتضيه من تجاوز لمقولة التناقض لتأسيس مقولة التلازم بين قيم النجاعة والعدالة.
2 ـ المستوى التاريخي :
لا شك أن عالم العمل كخبرة تاريخية تراكمية كميا ونوعيا شهد العديد من التحولات لعلّ أهمها يكمن في ظهور التجارة الكبرى والثورة الصناعية، وضمن هذا الواقع الجديد في التاريخ الحديث اتجه عالم العمل إلى الانفصال تدريجيا عن التنظيم الحرفي التقليدي والتحول في مسلك البناء العقلاني لإستراتيجية النجاعة الصناعية والتقسيم التقـــني لكســــب تحديات » المردودية والإنتاجية « ( la rentabilité et la productivité)»وتأويج الأرباح« (La maximisation des profits )
وعليه، فإذا كان التنظيم الحرفي التقليدي يقوم بإشراف الحرفي بمهاراته وخبرته على صناعة المنتوج في كل مراحله من البداية الى النهاية، فإن ذلك إنما كان يستجيب لظروف العمل الحرفي في المجتمعات التقليدية، حيث كان العمل يستهلك الكثير من الوقت مع محدودية الإنتاج.
وعلى نقيض العمل الحرفي التقليدي، برزت بوادر التحول في ظهور العمل الصناعي بما يتميز به من مظاهر النجاعة التقنية والعلمية والمتمثلة في:
- تنزيل الأدوات والتقنيات في العمل الصناعي لكسب الوقت وتحقيق الشرعية في الانجاز لتطوير حركية الإنتاج والرفع من مردوديته كمّا وكيفا استجابة للطلب المتزايد عليه في الأسواق.
- الاقتصاد في المجهود وتطوير كفاءة العامل في السيطرة على المادة وتحويلها إلى منتوج صناعي له قيمة مضافة.
- التخصص في المهارات الدقيقة والوظائف التقنية.
- تعزيز المجهود الفيزيائي والطاقة العضلية بواسطة النجاعة الآلية والأجهزة الأداتية.
- الفصل بين المهام والمراحل الدقيقة لانجاز العمل في مختلف تعيناته المادية للرفع من الحصص الإنتاجية .(une valeur ajoutée)
عزل العمال عن بعضهم البعض وتنظيم تعاونهم الجماعي بالتنسيق بين المهام الجزئية الدقيقة والمراحل النهائية بشكل يجعل العمل يتسم بالكفاءة والمردودية الكمية والنوعية.
التيلرة: (le taylorisme )
لقد تمكن المهندس الأمريكي »فريدريك وينسلو تايلور« (1856 - 1915 ) من بناء تصور علمي وتقني للعمل سرعان ما وقع تبنيه على نطاق واسع في المؤسسات الصناعية والإنتاجية للولايات المتحدة الأمريكية.
وعليه، يقوم التنظيم العلمي والتقني للعمل على المبادئ الأساسية الثلاثة التالية (1): التقسيم العمودي للعمل الذي يفضل كليا بين المهام التي يضطلع بها المهندسون والإداريون في المكاتب والعمال المنفذون والمتخصصون والذين يخضعون لرقابة دقيقة.
التقسيم الأفق ( la division verticale du travail ) للعمل الذي يفصل كليا بين المهام التي يضطلع بها المهندسون والإداريون في المكاتب والعمال المنفذون والمتخصصـون والــــــــذين يخضعون لرقـــــــابة دقيقــــة للتقســــيم الآفقي horizontale du travail ) ( la divisionللعمل والمتمثل في تفتيت المهام بين العمال والرفع من مهاراتهم بتوسّط .التخصص، التكرار، الاقتصاد في المجهود ويعتبر هذا الضرب من التقسيم اجترارا للتقسيم التقني الذي كان سائرا في عصر» المانيفاكتورة « (la manifacture) .
ـ و للترفع من مستوى الإنتاجية يلزم هذا التقسيم العلمي والتقني للعمل العامل على تحقيق المردودية الكمية المرجوة منه في زمن محدد سلفا.
وفي المقابل، يؤكد » تايلور« أن العامل الذي يتجاوز الحصص الإنتاجية المطالب بها يمكن تشجيعه بمكافأة مالية تنفيلية (un bonus) تضاف إلى أجره الحقيقي.
الفوردية :(le fordisme) :
تمثل الفوردية نسبة إلى الصناعي الأمريكي» هنري فورد« نظاما في الإنتاج الصناعي، يقوم على العمل المتسلسل (le travail a la chaine) وعليه، ففي العشرينات من القرن العشرين نظر» هنري فورد« لنجاحاته في الحقل الصناعي، وذلك من خلال التأكيد على التلازم بين الرفع من فوائد إنتاجية العمل والانخراط في الاستثمارات الهائلة لتطوير سلسلة الإنتاج بواسطة البنى المادية والبنى اللامادية وذلك ببناء مصانع كبرى تتلاءم مع تصور المنتوج إضافة إلى التنظيم العلمي والتقني للعمل وما يفترضه من رفع في المردودية والضغط على التكاليف سعيا للاستجابة لتوسع الأسواق وانخفاض الأسعار".
3 - في اغتراب العمل (de l'aliénation du travail):
يبدو أن مكافحة مقولة الاغتراب استنطاقا وتأويلا نقديا أضحى مطلبا فلسفيا معاصرا نظرا لاستعمالاتها الممكنة في مختلف الحقول الدلالية التي لها صلة معلنة أو خفية بعالم العمل بكل أبعاده الموجودة وغاياته العملية المتصلة بأنسنة الطبيعة والتقدم بالحياة الإنسانية نحو الأفضل.
إذا كان العمل كممارسة واعية وتحررية يعتبر أساسا المجال الحيّ والملموس لتحقيق كينونة الإنسان بوصفه ذاتا منتجة واجتماعية من جهة علاقته بالطبيعة.لكن على النقيض من ذلك، يعتبر انخراط العمل في المجتمع
الرأسمالي مغامرة نفسية ووجودية أفقدته مفهومه السامي وغاياته التحررية المحايثة للنزعة الإنسانية التي ينشدها في مستويات الفكر وتجارب الحياة العملية بمختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتاريخية ضمن أفق حضارة العمل الحديثة :
أ ـ إغتراب الاستغلال .(l'aliénation de l'exploitation )
تحيل مقولة الاغتراب في الجذر اللغوي على فقدان الإنسان للروابط والمعاني والقيم التي تمثل قاعدة للوعي بإنسانيته وممارستها في واقع الفكر والحياة النفسية أو التجارب الاجتماعية ـ التاريخية.
ومن الملاحظ أن مقولة الاغتراب أرتقت إلى مرتبة المفهوم الفلسفي في زمن الحداثة وأصبحت مفهوما أساسيا في المدونة الماركسية أو الهيجلية الماركسية وعليه، فإذا كانت قوة العمل (la force du travail ) البشري تمثل النشاط الحيوي والمادي الفائق للعامل ولطريقته في تحقيق كيانه ضمن مسار يمكنه من بسط سلطانه على العادة وتحويلها إلى منتوجات وبضائع نافعة للاستهلاك البشري، فإنه بذلك يرسم مسار اكتشاف ذاته النوعية بوصفها سباق حركية ذات منتجة ومبدعة في المجتمع والتاريخ.
لا شك أن أولى محاولات تشخيص مظاهر اغتراب الاستغلال في عالم العمل تجسدت في المقاربة الماركسية النقدية لتردي الظروف الموضوعية للعمل ضمن الواقع الاقتصادي والاجتماعي لنمط الإنتاج الرأسمالي الحديث.
وضمن هذه المقاربة النقدية التحليلية يبرز ماركس كيف تحول العمل من قيمة إنسانية سامية الى مصدر لإنتاج الاستغلال الاقتصادي والبؤس الاجتماعي والتشيؤ على الصعيدين النفسي والوجودي.
ومن الضروري الإشارة إلى أن مظاهر اغتراب الاستغلال تنكشف بوضوح في تردي الظروف الاجتماعية والاقتصادية بوصفها مصدرا لتكريس واقع الاغتراب بما هو معاناة لقطيعة نفسية، عاطفية ومادية تبرز في الأبعاد والعلامات التالية.
- معاناة العامل لاغتراب الانفصال عن إنتاجه باعتباره لا يملك ما ينتجه، فما ينتجه العامل لنفسه ليس الحرير الذي ينسجه أو الذهب الذي يستخرجه أو القصر الذي يبنيه.
- معاناة العامل للشعور بالغين والضيم بالخضوع القهري لنظام الأجرة الذي يحول العمل الى بضاعة خاضعة لقوانين السوق التي تخضع بدورها لاستراتيجيات النجاعة وتسلطها على قوة العمل وارادة العمال والمتمثلة في القيمة الزائدة :(la valeur ajoutée ) .
إذا ما انطلقت من أن الرأسمالي في نشاطه الاقتصادي يبحث دائما عن استراتجيات فعالة ومجدية لترفيع الأرباح والتقليص من التكاليف لكسب تحديات المنافسة، فإن ذلــــــك يــــرتبط لا محالة بالرفع من الإنتاجية ، ولكــــــن كسب تحديـــــات الرفــــع من الانتـــاجية يرتبط إجرائية وعــمــليا بخلــــق القيمة (la création des valeurs)
ولكن كيف السبيل للعثور على بضاعة تكون ذات قيمة إستهلاكية ومصدر لإنتاج القيمة في آن؟ هنا تحديدا يمكن الإشارة الى أن العنــــــصر المـشترك بين كل البضائع سواء أكــــانــت ذات قيـــــمة إستعمـــــــالية أو ذات قـــــيمة تبــادلية (Valeur d'usage et Valeur d'échange
إنما هو العمل الانساني على وجه العمومية والشمولية. ولهذا السبب بالذات نجد أن الرأسمالي يجد ضالته في العمل بوصفه بضاعة ذات قيمة استهلاكية ومصدر لانتاج كل القيم النفعية التي يحتاجها البشر في حياتهم اليومية وفي هذا السياق يقول » ماركس « : يجب أن يتمكن صاحب المال من اكتشاف بضاعة في السوق، لها قيمة إستعمالية تتمتع بقيمة خاصة هي أن تكون مصدرا للقيمة، أي بضاعة تكون عملية إستهلاكها في الوقت نفسه عملية تخلق قيمة ، وبالفعل هذه البضاعة موجودة، إنها قوة العمل الانساني «. وعندئذ، فإن صاحب رأس المال يشتري قوة العمل بقيمتها التي تحددها، كما تحدد قيمة كل بضاعة أخرى، وبذلك يكتسب الحق في أن يستهلكها أي يجلعها تعمل طوال النهار لنقل افتراضيا 12 ساعة، غير أن العامل حين يشتغل 6 ساعات أي (وقت العمل الضروري) يعطي إنتاجا يغطي نفقات إعالته، وفي الست ساعات الأخرى (وقت العمل الاضافي) يعطي إنتاجا زائدا دون الحصول على أجرة إضافية من قبل الرأسمالي.
وعلى هذا النحو يتيح العامل فائض القيمة الذي يعود بالربح الوفير على صاحب رأس المال، وإستنادا الى ذلك، يصبح تراكم فائض القيمة سببا في تراكم رأس المال المتغير (le capital variable) الذي يعجل بدوره بإحلال الآلة محل العامل ينتج عن ذلك الاستغلال والتشيؤ اللذان يولّدان الثراء والرفاهية في قطب الرأسماليين والبورجـــــــوازيين، والفقـــــــر والـــفاقة في قطب العمال والأجراء، وفي هذا السياق يقول الفيلسوف الفرنسي» شارل فورييه« (1772 ـ 1837) عن النظام الرأسمالي يولد فيه الفقر من الازدهار نفسه«.
ب - إغتراب التشيؤ (l'aliénation de la choséfication):
إذا ما انطلقنا من المسلمة الماركسية التي تقر بأن الانسان كائن منتج فإنه في الحقيقة لا ينتج في واقع مجرد وإنما تنتج ضمن واقع إجتماعي ينعكس في أنسنة الروابط والقيم الاجتماعية من أجل تحسين الظروف الموضوعية للحياة الفردية والجماعية . لكن تطور قوة وعلاقات الانتاج ضمن الواقع الرأسمالي سيفضي الى ظهور نوع من الاغتراب يسميه ماركس بمعاناة التشيؤ والمتمثل في سلب العلاقات الاجتماعية بين البشر غاياتها الانسانية الحقيقية والمتجسدة، في الحرية، والتقدم، والتعاون والعدالة والانزلاق بها في قيم خيالية وعلاقات مجردة بين اشياء تظهر بوضوح في معاناة اغتراب الخضوع السلبي لصنمية السلع والبضائع والمنافع المادية عموما وعندئذ تصبح قيما مجردة ومستقلة عن المنتجين الفعليين الذين انتجوها بل تتحول الى ممارسة سلطة إستبدادية مطلقة تتحكم في رغبات الناس وفي مصيرهم وعلاقاتهم وبهذا المنحى في واقع الممارسة الاجتماعية للعلاقات بين البشر والأشياء المادية والسلع النفعية، لم يعد الناس هم الذين يتحكمون في الأشياء إنتاجا وتقديرا للقيمة الاستعمالية والاستهلاكية والتبادلية وانما تصبح الأشياء هي التي تتحكم فيهم وتوجه علاقاتهم وتصوراتهم حول أنفسهم وحول غيرهم.
وفي ظلّ هذه الظروف، يتعاظم استبطان الشعور بالغربة بمعاناة الإحساس بفقدان القيمة والمعنى والهدف من النشاط العملي والروابط الاجتماعية التي تصبح رهينة تسلط سلطان البضائع والسّلع والأسواق والأموال والمصانع والآلات، كل هذه العناصر تحولت الى قوى مجردة وأشكال خيالية تمارس نفوذا على الأنا الفردي والوعي الجماعي وتشخيص مدى معاناة .
اغتراب التشيؤ يفرد ماركس ماركس نصا جدّ طريف لوصف ما قد يمارس المال من نفوذ على الوعي الاجتماعي إذ يقول» لما صار المال مكتسبا القدرة على اشتراء كل شيء، ولما صار مكتسبا القدرة على امتلاك كل الاشياء، فإنه بذلك موضوع الاكتساب الفائق عينه، فلكية قدرته تلك هي سلطات ماهية ... وتعظم قوّتي بقدر عظمة قوة المال... وقد أكون في ذاتي كسيحا غير أن المال يوفر أربعة وعشرين رجلا، فلست إذن كسيحا « (مخطوطات 1844 المخطوط الثالث).
ج - مفارقة إغتراب التموضع وفقدان المعنى (l'aliénation l'objectivation)
إذا كان التقسيم التقني للعمل ظاهرة حديثة في ميدان الانتاج داخل المؤسسة الاقتصادية فان تطور هذه الظاهرة عبر تعاقب الثورات الصناعية والثورات العلمية والتقنية في حضارة العمل لم يكن ليمرّ دون أن يترك التساؤلات مفتوحة حول مكاسب هذه الظاهرة وسلبياتها على الصعيدين الاقتصادي والنفسي ـ الوجودي.
ـ إذا تعلق الأمر برصد المكاسب المحايثة لهذه الظاهرة فإنها تنجلي في المستويات التالية:
* تدعيم قوة العمل البشري التي تستند الى الطاقة الذهبية والعضوية الجسدية بفعالية الآلة وسلطانها الناجع والنافذ في السيطرة على المادة وإخضاعها لمقتضيات الإنتاج والإنتاجية في كنف الشرعية والاقتصاد في المجهود في أدقّ تفاصيل الانجاز الملموس لحركات العامل داخل المصنع.
* ومن الملاحظ أن ذلك شكل مسلكا عقلانيا ومؤسساتيا لتنظيم عملية الانتاج وموضعة المجهود البشري بالرفع من طاقة الانتاج الى حدوده القصوى وذلك بتحول المادة وتغييرها عبر الذكاء الإصطناعي المتجسد والمتموضع في النشاط التقني الآلي وبهذا المنحى تبلورت مظاهر التعاضد الوظيفي بين »الذكاء الطيبعي والذكاء التقني« اللذين اصبحا من السمات المميزة لحركية العمل ودوره في بسط سلطان الانسان على المواد الأولية وتحويلها الى بضاعة من شأنها أن تستجيب لضغط الحاجة وتوسع الأسواق والطلب على الاستهلاك ولكن، على الرغم من المكاسب المتحققة في ظهور التقسيم العلمي والتقني للعمل، فإن ذلك لم يخل من السلبيات التي يمكن الإقرار بكونها أصبحت علامة على الاستلاب النفسي والوجودي للعامل من خلال معاناة الآثار السلبية للممارسات التالية:
- التخصص في المهارات والأدوار الدقيقة والآلية، مما جعل العامل يفقد المبادرة في الخيال والإبداع أو حرية التصور والانجاز للعمل أو المنتوج. بحيث أصبح العامل مكبوتا من جهة علاقته بإرادته العملية ومضطهدا من جهة علاقته بقدراته الذهبية.
- الاحساس السلبي والقاتل بالقلق والملل من العمل الآلي الذي يتسم بشكل مجحف بالنمطية والتكرارية والنسقية الآلية, و من ثمة لم يعد العمل مجالا للشعور بالفرح والبهجة والانسجام مع الذات في خصوصيتها النوعية على الصعيدين الذهبي والجسدي.
والمثال الحي من الواقع الملموس يبرز تسلط الآلة على الخصوصية النفسية والبيولوجية لحركات الجسد العامل . وعليه، لقد أصبح العامل يعاني من تسلط الآلة على مستطاعه النفسي والبيولوجي الذي أضحى مطالبا بتعديل ساعته على نسق حركة الآلة ونمطية سلسلــــة الانتاج بما تفرضه من احســـاس مؤلم بالإرهاق (la fatigue ) والرتابة (la routine ) والقلق (l'anxiété) والعنايات الموضعية على الصعيد الفيزيولوجي وما تخلفه معاناة للأمراض المهنية المزمنة على المستويين النفسي والعضوي.
المهارات المنهجية
المهارات المنهجيّة
عن المهارات المنهجيّة التي لابدّ منها لكتابة المقال الفلسفي
المهارة المستهدفة: صياغة مفهوم
❊ تذكير منهجي
الاشتغال على المفاهيم مسألة منهجيّة بالأساس تمرّ بمراحل أربعة هي:
أوّلا: استدعاء تصوّر شائع ونفيه
ثانيا: اتخاذ مرجعيّة فلسفيّة لصياغة المفهوم
ثالثا: تقديم حجج على الصياغة المقترحة.
رابعا: ابراز البعد الإجرائي للمفهوم.
المثال: ما الثقافة؟
إذا كان التصوّر الشائع يعتبر الثقافة خاصيّة تُميّز بعض المجتمعات أو حتّى الأفراد عن غيرهم (المتحضّر هو المثقف بينما نقيضه هو غير المثقف).
فإنّ من الضروري نفي هذا التصوّر الشائع لأنّ هذا الموقف الذي يمرّ علينا مرّ »اللّئام« وليس الكرام ـ يجب أن ننتبه إلى ما في داخله من نفي للعقل عن المختلف والمغاير. وذلك بصبغه بصبغة سلبيّة لمجرّد أنّه ليس مثلي!
❊ ماهي المرجعيّة الممكنة لتحديد مفهوم الثقافة؟
يمكن اتخاذ الأنثربولوجيا البنيويّة لتحديد مفهوم الثقافة على نحو يجعلنا نرفض المركزيّة الثقافيّة الأوروبيّة التي هي ضرب من العنصريّة فتعريف »كلودليفي ستراوس« للثقافة: »بأنّها نمط عيش عام لمجتمع ما« يجعلنا نصوغ مفهومًا للثقافة مفتوحا يعترف بالمختلف والمغاير فلا ينفي عنه العقل، فكلّ مجتمع مهما كانت لغته وعاداته وتقاليده ومقدّساته ونمط غذائه ولباسه هو مجتمع يمتلك ثقافة، فهو مجتمع مثقّف.
الثقافة اذن هي كلّ ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة.
❊ ما الحجج على هذا المفهوم للثقافة؟
ـ إلى جانب الحجج التاريخيّة (لكلّ شعب تاريخه) والحجج الواقعيّة لا توجد ثقافة أفضل من ثقافة أخرى فإنّ من الممكن تقديم حججٍ عقليّة منطقيّة تضع »العقل أعدل الأشياء توزّعًا بين النّاس«. وتشير إلى أنّ المجتمعات الانسانيّة لم تسْعَ إلى التماثل فيما بينها ممّا يجعلنا نستنتج معه أنّ الثقافة مجال الإعتراف بالإختلاف وليست ميدانًا للتفاضل والنفي المتبادل بين الإنسان والإنسان ومجتمع وآخر.
❊ ماهو البعد الإجرائي لمفهوم الثقافة على هذا النحو من المفهمة؟
ـ انّ مفهوم الثقافة، وفق هذه المقاربة يجعل من الثقافات الإنسانيّة تتبادل الإعتراف، وتنظر كلّ ثقافة منها إلى غيرها بأن في الاختلاف أبعادًا ولودة مبدعة.
هذا التصوّر المنفتح للثقافة يجعلنا لا ننظر إلى الاختلاف على أنّه سببا للخلاف والصراع والتناحر أو القتل. أمّا إزاء تصوّر يجعل الحوار بديلاً عن الهيمنة والاتصال بدلاً عن الإنفصال.
❊ المهارة المستهدفة: صياغة مفهوم في سياق قولة
المطلوب: حدّد دلالة الهويّة في سياق هذه القولة: »انّ الإعتراف بالاختلافات ـ الإعتراف المتبادل بالآخر في غيريّته ـ يُمكن أن يصبح أيضا علامة لهويّة مشتركة«.
التمشّيات المنهجيّة
❊ تقتضي هذه المهارة استبعاد دلالة تجعل السياق بلا معنى أو متناقضا.
❊ علينا استحضار دلالة تجعل السياق وجيهًا منطقيّا وواقعيّا.
علينا إذن أن ننظر إلى الهويّة لا كما تُفهم بشكل شائع بل أن نلتزم الدلالة الواردة في القولة وأن نقدّم حججًا عن الهويّة تكون ذات وجاهة.
❊ إذن، ما الهويّة وفق هذه القولة وفي سياقها؟
ـ ليست الهويّة هي ما يُميّز فردا ما أو شعبا ما عن غيره بل هي ما يجعلنا نقف عند حدود الإنساني لنفهم من خلاله أنّ:
ـ الإختلاف بين الهويات المتعدّدة
ـ تنوّع الهويات الفرديّة والجماعيّة
ـ كثرة الهويات الإنسانيّة
هي كلّها عوامل اثراء للإنساني في انفتاحه. وأنّ الإعتراف المتبادل بالآخر في غيريته يستوجب اقامة علاقة بيني وبين الآخر تقوم على:
ـ أن أعترف به وباختلافه
ـ أن يعترف بي وباختلافي.
ووفق ذلك نصل إلى الحديث عن مفهوم للهويّة المشتركة أي الهويّة الإنسانيّة التي تتبادل الإعتراف ولا تنفي بعضها البعض وبالتالي فإنّها تضعنا أمام تبادل الإعتراف أي المساواة بين الناس بصرف النظر عن تعدّد هوياتهم، وننفي بذلك ونستبعد عن مفهوم الهويّة ضمنيات نفي الآخر أو إلغاؤه لي أو إلغائي له.
من الجانب الواقعي فإنّ هذا التبادل للإعتراف والهويّة المشتركة يُقربنا من السلم والحوار والتسامح، كما أنّه على الصعيد المنطقي يضعنا أمام ضرورة إلتزام العقل بحق الإختلاف وواقع التعدّد الإنساني.
❊ المهارة المستهدفة
الإعتراض على موقف ببيان استيباعاته
الموقف: النمذجة هي الباراديغم.
لابد من توضيح ما يلي:
انّ الاستتباع هو ما يترتّب عن موقف معين والاعتراض على موقف ما يستوجب أن نبيّن أن ما يتضمّنه هذا الموقف يتعارض مع نظريّة أو واقع أو موقف منطقي.
❊ المهــام هي:
شرح ماذا يعني أن ننظر إلى النمذجة أنّها هي »الباراديغم«؟
ويكون ذلك بإبراز ما يلي:
انّ مفهوم النمذجة (La Modelisation) يُحيل على التصميم فكما أنّ النمذجة ليست المثال الأفلاطوني (راجع نصّ أصل النماذج لنوال مولود) فإنّها ليست »الباراديغم« وذلك نظرًا للحجج التالية:
ـ »الباراديغم« ينتمي إلى سجل الإبستيمولوجيا الوضعيّة (كوهن: سيرورة العلم وثورة العلم).
ـ »الباراديغم« هو ما يمتلكه أعضاء جماعة علميّة بشكل مشترك
ـ »الباراديغم« يفترض القطيعة والإنتقال من »باراديغم« إلى آخر.
بينما النمذجة تعتبر أنّ العلم علوم وأنّ النماذج تتعدّد وتتعايش ولا توجد قطيعة بين النماذج العلميّة المتعدّدة والمتنوّعة والمختلفة.
لذلك فإنّ اعتبار النمذجة هي »الباراديغم« ينجرّ عنه:
ـ نفي انفتاح النماذج وتعدّدها وتعايشها، على الرغم من اختلافها.
ـ يجعل من الحقيقة العلميّة واحدة تتمثّل في »الباراديغم« القائم مقابل عدم الاهتمام بكثرة النماذج في حياتنا الواقعيّة وفي المستوى المعرفي الإنساني.
ـ لذلك فإنّ علينا فهم النمذجة على أنّها نماذج متعدّدة وتصاميم متنوّعة وأشياء مصغرة سهلة الاستعمال يعاد من خلالها وفق شكل مبسّط ومصغّر انتاج خصائص شيء ذي أبعاد كبرى سواء تعلّق الأمر بمعمار أو بأداة ميكانيكيّة.
استنتاجا من ذلك نعترض على الموقف الذي ينظر إلى النمذجة وحدة وليست نماذج متعدّدة بالقول انّ النمذجة تجعل العلم منفتحا على التعدّد، فلا يوجد العلم بصيغة المفرد بل هو بصيغة الجمع دائما، ممّا ينتفي معه الحديث عن حقيقة علميّة واحدة.
الواقع الانساني والمعرفي يؤكد أنّ العلم علوم وأنّه لا توجد حقيقة واحدة في العلم، ميزة التفكير العلمي الحديث هو النسبيّة التي جعلت من العلم مجرّد برنامج للبحث عن فروض، يقول كارل بوير: »تعلمنا من انشتاين أنّ العلم يعطينا دائمًا فروض أو حدوس افتراضيّة بدلا من معرفة يقينيّة«.
أسطورة الإطار ص 231
❊ المهارة المستهدفة: استخراج ضمنية من أطروحة
الأطروحة: بقدر ما تتقدّم التقنيات يتراجع التأمّل«
المطلوب: استخراج ضمنيّة من خلال هذه القولة.
التمشيات المنهجيّة المطلوبة:
❊ فهم دلالة القولة وابراز معانيها.
❊ استكشاف الروابط المنطقيّة داخل القولة.
❊ استخراج الأبعاد الضمنيّة للأطروحة.
❊ تطبيق التمشّيات على القولة
❊ يمكن أن نفهم من هذه القولة ما يلي:
ـ أن التقنيات بما هي تحويل تطبيقي للتصميم / التصاميم (أي النماذج) التي تتحوّل من أنساق رمزيّة الى منجزات تقنيّة.
ـ أن تقدّم التقنيات يقوم على حساب التأمل الذي يتأخر ويتراجع.
ـ أن النمذجة وانجاز التقنيات كبعد تداولي للنمذجة، تجعل من الانظمة التقنية هي الهدف من ممارسة النمذجة.
ـ أن الحدّ الابستيمولوجي للنمذجة بقدر ما يضعنا أمام أنظمة تقنية متعدّدة بقدر ما يجعل من التقنية وانظمتها أداة تعيق التفكير.
وما تكشفه الروابط المنطقية لهذه الاطروحة هو التأكيد على أن هناك تناقض صارخ وواضح بين التقنية وبين التأمّل، ولذلك فإنّ الضمنيات الممكنة لهذه القولة تتمثل في التالي:
ـ التقنية لا تفكّر بل انّّها اكثر من ذلك إنّها تناقض التفكير.
ـ ان التقنية تُساهم في تأخر التأمّل بماهو ضمنيا تأكيد على فعاليّة الانسان.
ـ ان الحقيقة العلميّة أصبحت في ظلّ هيمنة التقنيات أداة نكوص وتراجع لفعل التفكير، وكأننا أمام تأخر الفعل الانساني (التأمل والتفكير كخصوصيّة انسانيّة) في مقابل تقدّم وهيمنة الأنظمة التقنيّة.
من المهارات الضروريّة للمقال الفلسفي: الإشكاليّة، الأطروحة النقيضة، الحجاج، التأليف
المهارة المطلوبة: تحويل قولة أو أطروحة إلى إشكالية
التوضيح المنهجي
الأشكلة هي روح التفلسف، والإشكالية ليست جاهزة كما السؤال، لهذا فإن صياغة الإشكالية مسألة تحتاج إلى التفكير للكشف عن الاحراجات القائمة من وراء مجرّد الاعتقاد أو التسليم بصحة الأطروحة أو القولة، كما أن الاكتفاء بمجرّد تحويل الجملة الاقرارية الى جملة استفهاميّة بشكل ميكانيكي يُعدم روح الأشكلة.
ماذا علينا أن نفعل إذن
❊ علينا البحث عن دلالة ومعنى وضمنيات القولة أو الأطروحة في مرحلة أولى.
❊ استخراج أبعادها ومراميها
❊ الانتباه الى رهاناتها واحراجاتها.
❊ استدعاء موقف أو أكثر نقيض لها يشترك معها ـ منطقيا في نفس المسألية.
المثال: إن وجود الدولة يضمن حفظ الحياة والامن والسلام.
المطلوب: حوّل هذه القولة إلى إشكالية
الإمكانيات والتمشيات المنهجيّة
تضعنا هذه القولة أمام مُسلمة أن غياب الدولة أو نفيها يؤدي الى الموت والفوضى والحرب.
ان أبعاد هذه القولة هي التأكيد على ضرورة وجود الدولة ولهذا فإن علينا أن نفهم دلالتها من جهة أنّها تعتبر وجود الدولة أمر مُسلم به ولا تطرح أي تساؤل عن امكانيّة أن يحفظ الناس حياتهم (أرواحهم) وينعموا بالأمن والسلام دون الحاجة إلى الدولة.
الدولة، وعلى النقيض من هذه القولة لنا أن نتساءل هل أن وجود الدولة (وسيادتها) أمر واجب وضروري أم بالامكان الاستغناء عن ذلك وتحقيق وضمان حق الحياة والامن والسلام؟
ان الأطروحة النقيضة لهذه القولة هي الاطروحة الفوضوية (باكونين مثلا) التي تعتبر الدولة مجزرة معمّمة وأنها لا هوت سياسي، وأن وجودها يُناقض تحقيق حق الحياة ولا يضمن الامن والسلام.
ان ادراك الاطروحة النقيضة يُمكننا من صياغة الاشكالية على نحو يكشف الاحراجات القائمة ضمنيّا في القولة لهذا من الممكن صياغة الاشكالية على النحو التالي:
هل أن وجود الدولة يضمن للمجتمع حق الحياة والامن والسلام أمّ أنّها تمثل سلبا لهذا الحق؟
علينا الانتباه الى أن الاشكلة تضعنا أمام توتّر أن تكون الدولة ووجودها ضمانا لحق الحياة والسلام والامن وبين ان تتحول هي نفسها الى أداة نفي لهذا الامر.
اذ احراجات القولة التي حوّلناها الى اشكاليّة تتمثل في:
ـ وجود الدولة وسيادتها على المجتمع يتناقض مع سيادة المواطنة.
ـ حصر الغايّة من وجود الدولة في حفظ الحياة والأمن والسلام يجعلنا في نقيض ذلك ننظر الى الشعب الذي تحكمه وتوفّر له حق الحياة والامن والسلام مجموعة من الرعايا وليسوا مواطنين.
ـ رهانات القولة: سيادة الدولة.
ـ رهانات الاطروحة النقيضة سيادة المواطنة يتضح التوتر عبر حُسن صياغة الرهانات وتفكيك مُحكم للمعاني المؤكدة والمناقضة.
❊ ملاحظة:
لأنّ الأشكلة هي »سمة حكم أو قضيّة قد تكون صحيحة (ربّما تكون حقيقية) لكن الذي يتحدّث لا يُؤكدها صراحة.. الاشكالي هو المشكوك في أمره« كما ورد في معجم »لا لاند« (A. lalande ) فإنّه من غير المقبول مُجرّد تقديم صيغة إمية (إمّا... أو...) فقط في صياغة الاشكالية فإن بإمكاننا البحث في الخروج من الثنائية نحو موقف أو مواقف أخرى نضعها موضع تساؤل للتخلص منطقيا وللتجاوز معرفيا ان الاشكلة هي روح المقال الفلسفي اذ استقامت، استقام كلّ المقال!
❊ الاطروحة النقيضة
هذه المهارة تستوجب تمشيات معرفية ومنهجيّة في سلّم أولوياتها التمكّن من المحاور وعناصرها والتوصل الى صياغة أطروحة نقيضة لأطروحة مقترحة ليست عملية تحويل السلب ايجابا ولا التأكيد نفيّا،كما يذهب الى ذلك عديد المترشحين، بل هي فعل منطقي يقوم على بناء مُحكم للمطلوب.
❊ المثال المقترح
قدّم أطروحة نقيضة لهذه الأطروحة »ان النموذج الذي تمّ إثبات صلاحيته ليس الاّ مُقاربة من بين مُقاربات أخرى
❊ ما المطلوب منهجيّا؟
لابد من الالتزام بالتمشيات المنهجية التالية:
ـ على المستوى المنطقي: لنفهم أن النمذجة ليست هي النظرة للعلم على أنه ثابت ونهائي ممّا يفترض القطيعة مع ما سبقه أي ما ليس العلم.
ـ لابد من الانتباه الى أن دلالة القولة تضعنا أمام أن اثبات الصلاحية لنموذج ما ليس أمرا قاطعا للجزم بالتفريق بين العلم واللاعلم.
ـ أن الصلاحيّة نسبيّة فهي مُجرّد رؤية من بين رؤى أخرى للواقع ومقاربة له ولتعقيده وتركيبه فهي لا تنفي امكانية وجود رؤى أخرى ومقاربات وقراءات متعدّدة.
❊ كيف نتوصل الى استخراج الاطروحة النقيضة؟
الانتباه الى ضمنيات القولة (العلم علوم) والصلاحيّة ليست حاسمة أو مغلقة أو نهائيّة.
ولذلك فإنّ نقيض ذلك هو البحث عن الحقيقة العلميّة الواحدة وليست المقاربة من بين المقاربات الأخرى.
❊ لابد من الانتباه الى أن النمذجة العلميّة جعلتنا نشهد استبدال الحقيقة بالصلاحيّة: »النمذجة لا تهتم بالحقيقة بل تهتم بالفعل« كما يقول »نيكولا بولو«.
❊ ان دلالة الصلاحية يتوسّع في القولة ليشمل النجاعة، فماهو صالح لنا هو الناجع والأكثر فعّالية في ضمن دائرة حاجياتنا.
❊ ان الربط بين النموذج وبين الصلاحيّة يتضمن تنزيل النمذجة في سياق اجتماعي لكونها أداة لتحقيق المصالح الاجتماعية ولا نبحث عن الصرامة والدقة النظرية.
❊ مهارة الحجّاج على صحّة / صدق موقف أو أطروحة
توضيح أساسي
❊ ان الحجاج أسلوب في القول يهدف الى الاقناع برأي أو موقف بتوسل جملة من الحجج المدعمة بأمثلة.
❊ لا يوجد أسلوب واحد لبناء الحجاج بل ان الحجاج عمليّة منطقيّة تعتمد أساليب متعددة كالدحض أو المماثلة أو البرهنة بالخلف أو غيرها من الأساليب التي تسعى الى تأكيد صحة الموقف.
❊ المثال المقترح: ان حوار الحضارات يُساعدنا على أن ننفتح على الآخر
المطلوب: قدّم حجة لتأكيد هذه الأطروحة.
ماهي التمشيات المنهجيّة المطلوبة؟
علينا اتباع التمشيات التاليّة:
❊ استخراج دلالة القولة
❊ تؤكد القولة على أن حوار الحضارات تساعدنا على الانفتاح على الآخر.
❊ تضعنا هذه القولة أمام مفهوم الحوار باعتباره مساعدًا على الانفتاح على الآخر.
❊ المفهومان الأساسيان في القولة هما: الحوار والآخر.
❊ علينا التوقف عند دلالة هذين المفهومين فالحوار بين الثقافات / الحضارات لا يعني مجرّد اللّقاء الشكلي بين أفراد ينتمون الى حضارات مختلفة ضمن مناسبات (ندوات، مؤتمرات، الجمعية العامة للأمم المتحدة...) فما الحوار بين الثقافات أو الحضارات؟
دلالة الحوار ـ وفق العقلانيّة النقديّة لكانط ـ تضعنا أمام دلالة الحق »الكوسموبو ليتيك« (الحق الكوني الذي للانسان بوصفه مواطنا عالميّا).
ان الحوار بين الحضارات هو حلّ لمشكلة (واقع) العنف والحرب بين الحضارات فالآخر الذي نتحاور معه ونقيم معه حوارا نقبل بالتالي أن يكون فهمنا له أنه المختلف عنّا ولكن هذا الاختلاف لا يُمكن أن يؤدي الى العداوة والبغضاء وتبادل العنف أو انشاء الحروب لتدمير الآخر في الظاهر ولكنه تدمير للجميع في واقع الأمر.
نقيض الحوار والانفتاح والقبول بالتعايش بين الحضارات هو السقوط في »المذبحة المعممة التي هي الحرب« كما يقول »غاندي«.
❊ الحجج الممكنة على ضرورة حوار الحضارات والانفتاح على الآخر
❊ حججا عقليّة تتمثل في:
ـ ان غاب الحوار بما هو تبادل للاعتراف وقُبول بالتعايش فإن النتيجة الممكنة هي العنصرية والانغلاق والحروب.
ـ ان العنف ان حدث وتمثل في الحروب فإن ضحاياه هم الجميع (كلّ الحضارات).
❊ ان ضمنيّة الدعوة الى الحوار هي الاقرار بمساواة البشر لكل الحضارات، فالآخر المختلف عنا ثقافيا نكتشفه ويكتشفنا من خلال اقامة حوار معه.
ـ من الممكن التأكيد على أن الحوار (شكل من أشكال المعرفة) في حين أن غياب الحوار (تكريس للجهل) ممّا يؤدي الى العداء والحروب والرفض المتبادل بين الحضارات.
كما يمكن الحديث عن حجج واقعيّة من بينها:
❊ الانفتاح على الآخر هو ضرورة انسانية لكلّ الحضارات
❊ الحوار إلتزام بالانسانية يُحقق لنا مطلب الكلي أو على الاقل يُقربنا من تحقيق هذا المطلب.
كما يمكن تقديم الحجج التاريخية التالية:
ـ تاريخ الانسانيّة هو من وجهة نظر ما، هو تاريخ تبادل التجارب والتراكمات المعرفية.
❊ ان أهمّ ما قدّمته البحوث الأنثربولوجيّة كما يقول »كلود ليفي ستراس«: »ان كلّ الانسانية ساهمت ولو بدرجات متفاوتة في الحضارة الانسانية«.
المهارة المستهدفة: التأليف ملاحظات أساسيّة
❊ هذه المهارة هي مهارة تعتبر بمثابة التتويج لمهارات منهجيّة أخرى ضرورية تعرضنا لها، مثل الأشكلة، المفهمة، الحجاج، ابراز الدلالة، صياغة أطروحة بوضوح ودقة.
❊ هذه المهارة تستوجب انجاز بُعدين هما:
أ/ عمل تحضيري، لتفكيك وتحليل المطلوب مفهوميّا ومنهجيّا.
ب/ عمل تخطيطي، لابراز ما يجب اعداده لانجاز التحرير بعد ذلك.
❊ تنقسم هذه المهارة الى عناصر ثلاثة هي:
أ/ بناء مشكل (مقدّمة) تتضمّن.
ـ دواعي الاهتمام بالمسألة ـ السؤال
ـ قيمة المشكل المطروح
ـ استخلاص إشكاليّة فلسفيّة وصياغتها بوضوح ودقة.
ب/ مرحلة بناء الجواب (بلورة الموقف) وهو عنصر يُسمى كذلك الجوهر ويتضمّن:
ـ دلالة الموقف
ـ الاشتغال على الحجاج (راجع الحجاج).
ـ توضيح دلالة المفهوم (راجع مهارة المفهمة).
ـ ابراز الأبعاد المتصلة بالاطروحة المقدّمة أو المؤكدة.
ـ التوقف عند الحدود وابراز جوانب من حدود وجاهة موقف ما.
ـ اقتراح موقف نقيض وابراز وجاهته.
ج/ مرحلة استخلاص موقف (الخاتمة) مع الاشارة الى قيمته.
❊ المثال المقترح: هل العولمة انسانيّة؟
مرحلة بناء المشكل: يمكن اعتماد المبررات التاليّة (أو أحدها) لتبرير الاهتمام بمسألة العولمة من جهة ومسألة الانسانيّة من جهة أخرى وذلك وفق احدى الامكانيات التاليّة:
ـ ما تمثله الانسانيّة من أهميّة في التفكير الفلسفي (سؤال ما الانساني وقيمته بالنسبة لنا جميعا).
ـ خطورة وأهميّة العولمة في واقعنا الانساني اليوم.
ـ تزايد الاهتمام بالحديث عن العولمة وامكانية ان تكون انسانية أو أنها ضد الانسانيّة ونقيض يُهددها!
❊ ابراز قيمة مفهومي العولمة والانسانية وذلك بالتأكيد على ان العولمة من انتاج الانسانية أو أنها احدى نتائجها، كما أن هناك ترحيبا من قبل البعض بالعولمة أو رفضا من قبل آخرين لها.
ـ التساؤل دلالة العولمة؟
أبعاد العولمة؟ وحدود العولمة بالاشارة الى أن التحوّلات التي شهدها العالم اليوم جعلت »الأرض تتحوّل الى قريّة صغيرة« فالعولمة واقعا وفكرا مجال اهتمام وتوتر واحراج يستوجب التفكير فيه والتساؤل بشأنه تحديدا لدلالة هذه العولمة؟
وهل يُمكن اعتبارها انسانية أم أنّها مناقضة للانسانية؟ وهل في التناقض بين الانسانية والعولمة ما يدفعنا الى التساؤل عن حدود هذا التناقض؟
❊ مرحلة بلورة الجواب (الجوهر).
ما دلالة أن نعتبر العولمة انسانيّة:
ـ ابراز دلالة العولمة على نحو ما حققته الثورة الاتصالية المعاصرة من مكاسب شملت كل مجالات الحياة الانسانية (سرعة التنقل، سهولة الاتصال، تبادل المعلومات، تدفق المعرفة...)
يُمكن التوقف عند مواقف الليبراليين الجدد (فوكوياما، مثلا أو هنتغتون...)
ـ ارتباط دلالة العولمة ضمن هذا التصوّر كمرحلة أخيرة ونهائية تتوّج مسار الانسانيّة التي تجاوزت الصراع بين الطبقات وبين الحضارات نحو أفق التقاء كلّ الناس (الانسانيّة) في فضاء اتصالي واحد.
ـ تقديم حجج على المزاعم بأن العولمة انسانيّة وذلك بصياغة دلالة للانسانيّة تتمثل في الحديث عن ثقافة عالميّة واقتصاد عالمي ومواطن عالمي.
ـ ابراز حدود الموقف المؤيد للعولمة بابراز أن العولمة »امبراطورية الفوضى« ـ كما يقول سمير أمين، وانها ليست حلاّ للانسانيّة بل هي حلّ لرأس المال.
ـ ابراز وجاهة الموقف الذي ينعت العولمة باللاانسانيّ من خلال القول أن العولمة تقوم على تفكيك ثلاثي الابعاد: دولة الرفاه في الشمال ودولة العمّال في الشرق ودولة التنمية في الجنوب.
ـ يُمكن الاشارة الى أن العولمة تضعنا أمام مزيد من الاخضاع للدول / الشعوب المجتمعات، »المتخلفة«.
ـ يُمكن ابراز التمييز بين العولمة وبين الكونيّة (بودريار) الذي يرفض التشابه الخادع بين العالمي وبين الكوني ويؤكد على أن »كل ثقافة تتعمم تفقد خصوصياتها«.
مرحلة الاستخلاص (الخاتمة)
التوقف عند الموقف الذي يرفض العولمة أو الموقف الذي يرحّب بها أو ابراز موقف يُميّز بين العولمة وبين الكونيّة باعتبار أنه يُميّز بين ضياع وتلاشي الخصوصيات وبين الانغلاق والرفض.
ـ اقتراح موقف الحوار والتسامح والتحاور كبديل عن السقوط في التماثل أو الرفض والاقصاء.
ـ التأكيد على أنّ الانسانيّة جسما واحدًا تدخل ضمن حضارة كونية واحدة كما يقول »بول ريكور«.
❊ ملاحظات:
ـ ننبه أبناءنا التلاميذ الى ضرورة القيام بعمل تحضيري للمحاولة / المقال الفلسفي فهو أساسي قبل التخطيط.
ـ الاستفادة من مهارة المفهمة ضروري.
ـ تقديم حجج على كلّ أطروحة تقدّم.
ـ ابراز الجانب المنطقي في كلّ عنصر وفي كلّ ما يُقدمونه من عناصر المحاولة.
التدرب على أشكلة موضوع سؤال
المقدمة :
إيمانا منا بأن تحصيل الذات المفكرة للمعارف لا يستقيم إلا باكتساب مقومات التفكير المنهجي دعتنا الوثيقة التي أعدتها وزارة التربية سنة 1999 تحت عنوان «التدريب على كتابة المقال الفلسفي « على ضرورة: «تجنب تقديم دروس نظرية صرف في المنهجية و الاعتماد على جعل حصة المنهجية حصة عمل تطبيقي قصد» انجاز مهام تؤدي إلى تحقيق مقصد مركزي يمكن صياغته كما يلي: « أن يصبح المتعلم قادرا على كتابة مقال فلسفي بأقل ما يمكن من الأخطاء و بأكثر ما يمكن من العمق و الدقة و الوضوح.
و حتى ننجح في تحقيق الهدف من مثل هذه الحصص كان من الضروري العمل في نظام ورشات ومجموعات يطلب إليها الاشتغال على مهام جزئية تسمى مهارات نحرص على أن تكون متكاملة تهدف إلى إنجاز عمل موحد و متكامل نسميه المقال الفلسفي .
غير أن الاستجابة لمثل هذا المطلب قد لا يتجلى بوضوح كاف في اغلب المؤلفات التي صدرت بعد هذا التاريخ و التي تقدم نفسها على أنها «وثائق منهجية» إذ تنزلق في الاسترسال في تكرار وصايا أو مواقف نظرية جاهزة حول المنهج إن لم تكن أصلا حصيلة مجهود صاحبها الذاتي و الشخصي حيث أننا لا نملك للأسف مرجعا نظريا موحدا نلجأ إليه مع اختلاف هذه التجارب وهو في اعتقادي ما يعقد على التلميذ أمام تنوع هذه الوثائق الموازية الاسترشاد و الاهتداء إلى ما يجب أن يكون في حصة المنهج وما يجب أن يقول أو يكتب في مقال فلسفي.
إلا أني اعتقد أن الوثيقة التي أصدرتها وزارة التربية قد تمثلت بوضوح وحددت الهدف المطلوب من تدريس حصص المنهج وإنها قد تمثلت بوضوح روح الوثيقة الفرنسية التي أصدرتها مؤسسة مانيارد سنة 1994 بمعونة ثلة من أساتذة الفلسفة في فرنسا ووضعت لها عنوان: «الفلسفة ـ الأقسام النهائية ـ جذاذة تمارين».
(Philosophie - terminales : fichier d'exercices .édition :MAGNARD-lycées 1994 dépôt légal: juin 1997 n .éditeur 97/2010 .
هذه الوثيقة تأخذ شكل كراس تمارين تقسم العمل المنهجي إلى مهارات جزئية تقدم في شكل جذاذات عمل توجه بأسئلة وتضبط بهدف تنقاد الأسئلة إلى تحقيقه في أخر العمل وهو ما يمكن ترجمته إلى ممارسة منهجية تطبيقية في حصص المنهج التي نخصص لها ساعة واحدة من كل أسبوع مع قسم الآداب .
لذا عملت على هذه الوثيقة ترجمة وتصرفا في بعض التمارين و باشرت بنفسي تنفيذها و لمست مدى نجاعة ما تقدمه.
من بين أهم المهارات المنهجية التي ندعى إلى تدريب التلميذ عليها نذكر :
* الأشكلة : التدريب على الانتقال من السؤال إلى الإشكال.
الأشكلة :
سأعتمد نموذج للمران المنهجي : التدرب على الأشكلة أو الانتقال من السؤال إلى الإشكال .
غالبا ما يتجه جهد التلميذ إن تعلق الأمر بسؤال إلى البحث عن جواب يعتقد انه ممكن أو إن السؤال يفضي إليه ضرورة و ينسى أن الأمر يتعلق هنا «بمشكل فلسفي» لا بمجرد سؤال عادي .
- وهنا نطرح الأسئلة التالية :
- هل السؤال في ذاته مشكلا ؟
- ما الفرق بين السؤال والإشكال ؟
- وكيف لنا أن نحول السؤال إلى إشكال ؟
و حتى نستطيع الجواب عن هذه الأسئلة، يجب أن ننجز جملة من العمليات الفكرية، هي بمثابة مسوّدات عمل، تقوم على
* تفكيك معاني الموضوع : لإظهار ما استشكل منها.
* فهم ما تفترضه صيغة الموضوع :من اجل كشف ضمنيات السؤال.
* من أجل الاقتدار على تبيّن أطروحة الموضوع ونقيض الأطروحة .
* دون أن ننسى في الأخير العمل على تمثل رهان المشكل. (الخطورة النظرية والعملية التي يفترضها السؤال.
السؤال المقترح:
هل لا تكون القيم أخلاقية بحق إلا متى كانت مطلقة ؟
تفكيك معاني الموضوع :
هل لا... إلا ...: هذا السؤال هو سؤال الشرط ستلزم حدين يشترط الواحد منهما الأخر ضرورة الشرط وجواب الشرط.
القيم الأخلاقية : القيم جمع قيمة، وهي ما يكون به الشيء ذا ثمن أو فائدة، يقول المثل العربي: قيمة كل امرئ ما يحسنه.وتشير القيمة إلى الخصلة الحميدة والخلة الشريفة التي تحض الإنسان على الاتصاف بها كحرصه على اقتناء الأشياء ذات القيمة الثمينة والاحتفاظ بها، والقيمة ثمن الشيء الذي يقوم مقامه. والشيء القيّم الذي له قيمة عظيمة مبالغة، وأصله قويم على رأي الفراء.
وهي عند بعض الفلاسفة حكم يصدره الإنسان على الأشياء وينبع منه الاعتراض والاحتجاج على الوجود كما هو قائم ومفروض لتحويل هذا الوجود وفق ما ينبغي أن يكون.
تبعًا لهذا الأصل اللغوي فإن القيم هي تلك المبادئ الخلقية التي تمتدح وتستحسن وتذم مخالفتها وتستهجن، وباختصار فهي تلك السجايا الكامنة في النفس، وهي أيضًا المظهر الخارجي لتلك السجايا.
الأخلاق : جمع خلق وتعني في الاشتقاق اللغوي حسب «جميل صاليبا» العادة والسجية والطبع والمروءة والدين وعند القدماء ملكة تصدر بها الأفعال عن النفس من غير تقدم روية وفكر وتكلف .فغير الراسخ من صفات النفس لا يكون خلقا كغضب الحكيم وكذلك الراسخ الذي تصدر عنه الافعال بعسر وتامل كالبخيل اذا حاول الكرم ويطلق لفظ الاخلاق على جميع الافعال الصادرة عن النفس محمودة كانت او مذمومة؟. من معجم صاليبا ج 1 ص 49 .
و الخلق يدل على الصفات الطبيعية في خلقة الإنسان الفطرية على هيئة مستقيمة متناسقة . تدل الأخلاق أيضاً على الصفات التي اكتسبت وأصبحت كأنها خلقت مع طبيعته . اصطلاحاً : عرفه ابن مسكويه بأنه : (حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية ، وهذه الحال تنقسم إلى قسمين منها ما يكون طبعياً من أصل المزاج ، كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو غضب ، ويهيج من أقل سبب ... ومنها ما يكون مستفاداً بالعادة والتدريب ، وربما كان مبدؤه بالروية والفكر ثم يستمر عليه أولاً فأولاً حتى يصير ملكة وخلقاً) ويعرفها لالاند في معجمه «الاخلاق هي مجموع قواعد السلوك مأخوذة من حيث هي غير مشروطة «Ensemble des règles de conduite tenues pour inconditionnellement valablesب «LALANDE . p655.
الحقة : أو الحقيقية ما يتطابق مع جوهر الشيء وماهيته وحقيقة القيم الخلقية هنا كما يعلنها نص الموضوع في بلوغ المطلق او تطابق القيم مع المطلق .
المطلق: «المُطلَق» في المعجم الفلسفي (هو عكس النسبي) ويعني «التام» أو «الكامل» المتعري عن كل قيد أو حصر أو استثناء أو شرط، والخالص من كل تعيُّن أو تحديد، الموجود في ذاته وبذاته، واجب الوجود المتجاوز للزمان والمكان حتى إن تجلى فيهما .»المُطلَق» في المعجم الفلسفي (هو عكس النسبي) ويعني «التام» أو «الكامل» المتعري عن كل قيد أو حصر أو استثناء أو شرط، والخالص من كل تعيُّن أو تحديد، الموجود في ذاته وبذاته، واجب الوجود المتجاوز للزمان والمكان حتى إن تجلى فيهما.
والمطلق يعرفه لالاند بأنه: «ما في الفكر كما في الواقع لا يحتاج لغير ذاته يتقوم به»
ce qui dans la pensée comme dans la réalité ne dépend «
d'aucune autre chose et porte en soi-même sa raison d'êtreب
LALANDE .p 5 :
والمطلق عادةً يتسم بالثبات والعالمية، فهو لا يرتبط بأرض معيَّنة ولا بشعب معيَّن ولا بظروف أو ملابسات معيَّنة. والمُطلَق مرادف للقَبْليّ، والحقائق المطلقة هي الحقائق القَبْلية التي لا يستمدها العقل من الإحساس والتجربة بل يستمدها من المبدأ الأول وهو أساسها النهائي. ويمكن وصف الإله الواحد المتجاوز بأنه «المُطلَق»، ويشـار إليه أحياناً بأنه «المدلول المتجـاوز»، أي أنه المدلول الذي لا يمكن أن يُنسَـب لغيره فهو يتجاوز كل شـيء. وقد عرَّف هيجل المُطلَق بأنه «الروح» (بالألمانية: جايست Geist ويُقال «روح العصر» أي جوهر العصر ومطلقه) و»روح الأمة» (جوهرها ومطلقها). وتَحقُّق المطلق في التاريخ هو اتحاد الأضداد والانسجام بينها، والحقيقة المطلقة هي النقطة التي تتلاقى عندها كل الأضداد وفروع المعرفة جميعاً من علم ودين، وهي النقطة التي يتداخل فيها المقدَّس والزمني فهي وحدة وجود كاملة.
والمطلق في الأخـلاق يعني أن معايير القيم - أخلاقيةً كانـت أم جماليةً - مطلقةٌ موضوعيةٌ خالدةٌ متجاوزةٌ للزمان والمكان، ومن ثم يمكن إصدار أحكام أخلاقية. أما في السياسة، فهي تعني سيادة الحاكم أو الدولة بغير قيد ولا شرط. والدولة المطلقة هي الدولة التي لا تُنسب أحكامها إلى غيرها فمصلحتها مطلقة وإرادتها مطلقة وسيادتها مطلقة.
***
فهم أول للموضوع :
ما الذي يفترضه الموضوع ؟
النظر في شروط العلاقة بين الأخلاق الحقة والمطلق .
وهذا يستلزم :
ـ أن نقف عند معنى القيم الأخلاقية ومعنى حقيقتها .
- أن نقف عند معنى المطلق .
- أن نفهم علاقة القيم (الحقيقية) بالمطلق من جهة ما هي علاقة شرطية.
فهم ثان للموضوع :
ما دواعي طرح المشكل ؟
يذهب الفلاسفة في تناول المسالة الخلقية إلى التأسيس للمسالة لا الدعوة لها والتأسيس يستلزم اتخاذ موقف نقدي من الممارسة الخلقية السائدة .ويعتقد كل فيلسوف يريد التأسيس للأخلاق إلى معانقة المطلق في نظره للقيم الخلقية سواء أكان هذا المطلق عقلي كما يتصوره كانط أو فطري كما تصوره روسو أو ذاتي كما تصوره برغسون أو فردي كما تصوره نيتشه ...وعليه فإن أي محاولة نظرية للأخلاق هي محاولة نحو تصور المطلق في القيم مهما كان الأساس الذي نتصوره لهذا المطلق .
ملاحظة :ضرورة الانتباه هنا إلى أن فكرة المطلق تقودنا إلى الغايات إلى الميتافيزيقا إلى البحث في الأسباب الأولى حسب التعريف الأرسطي للفلسفة الأولى (الميتافيزيقا) «العلم بالمبادئ والأسباب الأولى.
ومن ثم فإن البحث في شروط العلاقة بين القيم والمطلق هو مبحث في وجاهة التشريع لفكرة التأسيس الغائي أو البحث في ما يجعل من القيم الأخلاقية قيما أبدية دائمة يشرع لها فلسفيا.
***
فهم ثالث للموضوع :
وفيه نستثمر ما توصلنا إليه في القراءتين السابقتين لنستخلص مشكل الموضوع فما هو مشكل الموضوع إذن على ضوء ما تقدم من فهمنا للموضوع ؟
يستلزم طرح المشكل عناصر قارة لا بد منها ليكون سؤال الموضوع حجاجيا:
- نسأل عن نواة الإشكال .
- نسأل عن الأطروحة ونقيض الأطروحة .
- ننسّب الأطروحة .
- نسأل عن رهان المشكل .
أ / السؤال عن نواة المشكل :
نواة المشكل هنا السؤال عن القيم من جهة وضعيتها أي من جهة كونها قيما وضعية يرغب الإنسان بتأسيسها .عبارة «تكون» هنا تحيل على معنى الرغبة في التأسيس لا على القيم من جهة كونها كائنة فعلا . (القيم التي نؤسسها لا تلك التي ندعو لها .
لذا سيكون سؤالنا هنا:
ما القيم التي نرغب بتأسيسها ؟
ب/ السؤال عن الأطروحة ونقيض الأطروحة:
ويتمثل هنا في رصد العلاقة بين تأسيس قيم حقيقية وبين توقها للمطلق وذلك من جهة تمثل الشروط الضرورية للعلاقة ؟
لذا سيكون سؤالنا هنا:
وكيف تكون هذه القيم قيما بحق: هل متى كانت مطلقة أم نسبية ؟
ج/ السؤال عن تنسيب الأطروحة :
ويتمثل بإبراز أن الموقف الذي نتخذه من المسألة يظل موقفا نسبيا قابلا للمراجعة .
ويكون السؤال هنا :
وإذا سلمنا بأن هذه القيم لا تكون إلا مطلقة فهل لا تتحول هذه القيم بذلك إلى قيم ملزمة للإرادة ؟
د/ السؤال عن الرهان:
ويتمثل في استشراف غاية أو مقصد نظري أو عملي يراهن عليه الموضوع. (لأن الرّهان كما قلنا هو تمثل الخطورة النظرية أو العملية من طرح المشكل فهو ليس نتيجة بل غاية أو مقصد أبعد لحل المشكل.
ويكون سؤالنا هنا :
أليست القيم- بما هي قواعد سلوك غير مشروطة - تستهدف الإنساني في ذاته من جهة ما هو إجلاء للكوني؟
وعندها فإن :
طرح الإشكالية يكون بالشكل التالي :
ـ ما القيم التي نرغب بتأسيسها ؟
ـ وكيف تكون هذه القيم قيما بحق: هل متى كانت مطلقة أم نسبية ؟
ـ وإذا سلمنا بأن هذه القيم لا تكون إلا مطلقة فهل لا تتحول هذه القيم بذلك إلى قيم ملزمة للإرادة ؟
ـ أليست القيم- بما هي قواعد سلوك غير مشروطة - تستهدف الإنساني في ذاته من جهة ما هو إجلاء للكوني؟
منهجية كتابة نص فلسفي
المقدمة:
من المسلمات التي صارت منازعتها لا تخطر على بال أن مفهوم (مثلا الغير) احتل مكانة مرموقة في تاريخ الفلسفة حيث انكب الفلاسفة والمفكرين على دراسته كل من زاويته الخاصة مما أدى إلى وجود تعارض و اختلاف بين مواقفهم و تصوراتهم و النص الماثل بين ناظرنا يندرج ضمن نفس السياق /المفهوم إذ يسلط الضوء على مسألة (………..) ومن هنا بإمكاننا بسط الإشكال التالي : هل................أم....................؟
و منه بمقدورنا إيراد الأسئلة التالية: بأي معنى يمكن القول.....................والى أي حد يمكن اعتبار........................
العرض:
من خلال قراءتنا للنص يتضح انه ينبني على أطروحة أساسية مضمونها............................(ثلاث أسطر على الأقل)
حيث يستهل صائغ النص نصه (بتأكيد أو نفي أو استخدام الأساليب الحجاجية و الروابط المنطقية )..........................
و قد استثمر منشئ النص جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها............................................. ..............................
و في خضم الاشتغال على النص ثم الوقوف على مجموعة من الأساليب الحجاجية و الروابط المنطقية أبرزها.............
تكمن قيمة و أهمية الأطروحة التي تبناها صاحب النص في................................................ .........................
(و لتأيد أو تدعيم أو لتأكيد) موقف صاحب النص نستحضر تصور .................................................. .............
(وعلى النقيض أو خلاف أو في مقابل) موقف صائغ النص يمكن استحضار تصور..............................................
(للتوفيق أو كموقف موفق) بين المواقف المتعارضة السالفة الذكر بمقدورنا إيراد تصور......................................
خاتمة:
يتبين مما سلف أن إشكالية الشخص بين الضرورة و الحرية أفرزت موقفين متعارضين فاذا كان صاحب النص و مؤيده (فيلسوف أو عالم أو مفكر) قد أكد على أن.......................فان معارضهما(فيلسوف أو عالم أو مفكر) قد خالفهم الرأي حيث أقر........................................
أما فيما يتعلق بموقفي الشخصي فإنني أضم صوتي إلى ما دهب إليه من...............................
بعض الصيغ لاستخدامها للمنهجية
الإطار الإشكالي(المقدمة):
الاستهلال:
مما لا يختلف فيه البيان أن............................................
من المسلمات التي صارت منازعتها................................
لا تخطر على بال كون ...............................................
مما لا شك فيه أن .................................................. ...
مما يستحق الذكر أن ..................................................
من المعلوم أن .................................................. ........
السياق العام:
و النص الماثل بين ناظرينا ينضوي ضمن المفهوم .....................................
والنص قيد التحليل يندرج ضمن نفس المفهوم ............................................
و النص الدي بين أيدينا يتأطر ضمن نفس المفهوم ......................................
السياق الخاص:
اذ يسلط الضوء على مسألة ............................................
حيث يعالج مسألة .................................................. ......
و يتطرق الموضوع .................................................. ..
اذ يتناول قضية .................................................. ........
الإشكال العام:
و من هنا بمقدورنا بسط الإشكال التالي هل................... أم ...........................
لذى يجدر بنا طرح الإشكال التالي هل .....................أم ..............................
و في هذا الإطار بمقدورنا وضع الأشكال التالي هل ..........................أم ........................
الأسئلة الفرعية:
و أخيرا ...............................
و منه تنبثق الاستفهامات الجزئية الآتية .............................. ثم ................................ وأخيرا .....................
و بالإضافة إلى هدا الإشكال تنتظم الأسئلة الفرعية التالية ............................ ثم ............................ وأخير........
كما باستطاعتنا بسط الأسئلة التالية ........................ ثم ................................ وأخيرا ........................
الإطار الإشكالي (العرض):
التحليل:
تحديد الأطروحة
ينبني النص على أطروحة مركزية مفادها أن.................................
من خلال قراءتنا للنص يتضح انه ينبني على أطروحة أساسية مضمونها أن............................
يتضمن النص فكرة عامة مبناها.....................................
يتمحور النص حول أطروحة مركزية مغزاها..................................
تحديد الأفكار والأساليب الحجاجية والروابط المنطقية
حيث يستهل صائغ النص نصه ب...................................
يبدأ كاتب النص نصه ب.................................
إذ يفتتح صاحب النص نصه هذا ب...................................
تحديد المفاهيم
- يتضح من خلال النص انه يحتوي على جملة من المفاهيم الفلسفية من قبيل.....................................
- لقد وظف صائغ النص لبناء نصه مجموعة مهمة من المفاهيم و المصطلحات الفلسفة يمكننا إيرادها كالتالي............
تحديد الأساليب الحجاجية
- في خضم الاشتغال على النص ثم الوقوف على مجموعة من الأساليب الحجاجية والروابط المنطقية أبرزها..............
- ولتدعيم موقفه هدا استخدم منشئ النص جملة من الأساليب الحجاجية والروابط المنطقية وقد جاءت في النص كالتالي..
- وبغية إقناعنا بطرحه اعتمد صائغ النص ثلة من الأساليب الحجاجية والروابط المنطقية من أهمها .......................
تحديد قيمة أطروحة النص
- تتمظهر القيمة الفلسفية للأطروحة المركزية للنص من خلال....................................
- تتجلى قيمة أطروحة النص في كونها.........................................
- تكمن قيمة وأهمية الأطروحة التي تبناها صاحب النص في..................................
المناقشة
المناقشة بالتأكيد
- ولتأييد موقف صاحب النص نستحضر تصور...................................
- و لتدعيم موقف صاحب النص يمكننا إيراد.......................................
- و لتأكيد تصور صاحب النص بمقدورنا تقديم موقف
- وفي نفس المنحنى تنتظم أطروحة..........................................
- و في نفس الاتجاه يرى............................................... ........................
المناقشة بالاعتراض
- و على خلاف تصور صاحب النص ومؤيدوه نجد طرح...........................................
- و على النقيض من الطرح الوارد في النص ينتظم موقف.........................................
- و على العكس من تصور منشئ النص يمكننا إيراد موقف............................................
المناقشة بالتوفيق
- للتوفيق بين الطرح الذي تبناه صاحب النص مؤيدوه من جهة وبين الطرح الذي تبناه معارضه من جهة ثانية باستطاعتنا تقديم تصور........................................
- وكموقف موفق بين المواقف المتعارضة السالفة الذكر بمقدورنا إيراد تصور..............................................
الاستنتاج و التركيب(الخاتمة):
صياغة خلاصة تركيبية موجزة
- يتضح مما تقدم أن إشكالية...............................
- يتبين مما سلف أن قضية..................................
- خلاصة القول أن موضوع..................................
- جملة الكلام أن مسالة.......................................
- نستخلص مما سبق أن إشكالية....................................
عن المهارات المنهجيّة التي لابدّ منها لكتابة المقال الفلسفي
المهارة المستهدفة: صياغة مفهوم
❊ تذكير منهجي
الاشتغال على المفاهيم مسألة منهجيّة بالأساس تمرّ بمراحل أربعة هي:
أوّلا: استدعاء تصوّر شائع ونفيه
ثانيا: اتخاذ مرجعيّة فلسفيّة لصياغة المفهوم
ثالثا: تقديم حجج على الصياغة المقترحة.
رابعا: ابراز البعد الإجرائي للمفهوم.
المثال: ما الثقافة؟
إذا كان التصوّر الشائع يعتبر الثقافة خاصيّة تُميّز بعض المجتمعات أو حتّى الأفراد عن غيرهم (المتحضّر هو المثقف بينما نقيضه هو غير المثقف).
فإنّ من الضروري نفي هذا التصوّر الشائع لأنّ هذا الموقف الذي يمرّ علينا مرّ »اللّئام« وليس الكرام ـ يجب أن ننتبه إلى ما في داخله من نفي للعقل عن المختلف والمغاير. وذلك بصبغه بصبغة سلبيّة لمجرّد أنّه ليس مثلي!
❊ ماهي المرجعيّة الممكنة لتحديد مفهوم الثقافة؟
يمكن اتخاذ الأنثربولوجيا البنيويّة لتحديد مفهوم الثقافة على نحو يجعلنا نرفض المركزيّة الثقافيّة الأوروبيّة التي هي ضرب من العنصريّة فتعريف »كلودليفي ستراوس« للثقافة: »بأنّها نمط عيش عام لمجتمع ما« يجعلنا نصوغ مفهومًا للثقافة مفتوحا يعترف بالمختلف والمغاير فلا ينفي عنه العقل، فكلّ مجتمع مهما كانت لغته وعاداته وتقاليده ومقدّساته ونمط غذائه ولباسه هو مجتمع يمتلك ثقافة، فهو مجتمع مثقّف.
الثقافة اذن هي كلّ ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة.
❊ ما الحجج على هذا المفهوم للثقافة؟
ـ إلى جانب الحجج التاريخيّة (لكلّ شعب تاريخه) والحجج الواقعيّة لا توجد ثقافة أفضل من ثقافة أخرى فإنّ من الممكن تقديم حججٍ عقليّة منطقيّة تضع »العقل أعدل الأشياء توزّعًا بين النّاس«. وتشير إلى أنّ المجتمعات الانسانيّة لم تسْعَ إلى التماثل فيما بينها ممّا يجعلنا نستنتج معه أنّ الثقافة مجال الإعتراف بالإختلاف وليست ميدانًا للتفاضل والنفي المتبادل بين الإنسان والإنسان ومجتمع وآخر.
❊ ماهو البعد الإجرائي لمفهوم الثقافة على هذا النحو من المفهمة؟
ـ انّ مفهوم الثقافة، وفق هذه المقاربة يجعل من الثقافات الإنسانيّة تتبادل الإعتراف، وتنظر كلّ ثقافة منها إلى غيرها بأن في الاختلاف أبعادًا ولودة مبدعة.
هذا التصوّر المنفتح للثقافة يجعلنا لا ننظر إلى الاختلاف على أنّه سببا للخلاف والصراع والتناحر أو القتل. أمّا إزاء تصوّر يجعل الحوار بديلاً عن الهيمنة والاتصال بدلاً عن الإنفصال.
❊ المهارة المستهدفة: صياغة مفهوم في سياق قولة
المطلوب: حدّد دلالة الهويّة في سياق هذه القولة: »انّ الإعتراف بالاختلافات ـ الإعتراف المتبادل بالآخر في غيريّته ـ يُمكن أن يصبح أيضا علامة لهويّة مشتركة«.
التمشّيات المنهجيّة
❊ تقتضي هذه المهارة استبعاد دلالة تجعل السياق بلا معنى أو متناقضا.
❊ علينا استحضار دلالة تجعل السياق وجيهًا منطقيّا وواقعيّا.
علينا إذن أن ننظر إلى الهويّة لا كما تُفهم بشكل شائع بل أن نلتزم الدلالة الواردة في القولة وأن نقدّم حججًا عن الهويّة تكون ذات وجاهة.
❊ إذن، ما الهويّة وفق هذه القولة وفي سياقها؟
ـ ليست الهويّة هي ما يُميّز فردا ما أو شعبا ما عن غيره بل هي ما يجعلنا نقف عند حدود الإنساني لنفهم من خلاله أنّ:
ـ الإختلاف بين الهويات المتعدّدة
ـ تنوّع الهويات الفرديّة والجماعيّة
ـ كثرة الهويات الإنسانيّة
هي كلّها عوامل اثراء للإنساني في انفتاحه. وأنّ الإعتراف المتبادل بالآخر في غيريته يستوجب اقامة علاقة بيني وبين الآخر تقوم على:
ـ أن أعترف به وباختلافه
ـ أن يعترف بي وباختلافي.
ووفق ذلك نصل إلى الحديث عن مفهوم للهويّة المشتركة أي الهويّة الإنسانيّة التي تتبادل الإعتراف ولا تنفي بعضها البعض وبالتالي فإنّها تضعنا أمام تبادل الإعتراف أي المساواة بين الناس بصرف النظر عن تعدّد هوياتهم، وننفي بذلك ونستبعد عن مفهوم الهويّة ضمنيات نفي الآخر أو إلغاؤه لي أو إلغائي له.
من الجانب الواقعي فإنّ هذا التبادل للإعتراف والهويّة المشتركة يُقربنا من السلم والحوار والتسامح، كما أنّه على الصعيد المنطقي يضعنا أمام ضرورة إلتزام العقل بحق الإختلاف وواقع التعدّد الإنساني.
❊ المهارة المستهدفة
الإعتراض على موقف ببيان استيباعاته
الموقف: النمذجة هي الباراديغم.
لابد من توضيح ما يلي:
انّ الاستتباع هو ما يترتّب عن موقف معين والاعتراض على موقف ما يستوجب أن نبيّن أن ما يتضمّنه هذا الموقف يتعارض مع نظريّة أو واقع أو موقف منطقي.
❊ المهــام هي:
شرح ماذا يعني أن ننظر إلى النمذجة أنّها هي »الباراديغم«؟
ويكون ذلك بإبراز ما يلي:
انّ مفهوم النمذجة (La Modelisation) يُحيل على التصميم فكما أنّ النمذجة ليست المثال الأفلاطوني (راجع نصّ أصل النماذج لنوال مولود) فإنّها ليست »الباراديغم« وذلك نظرًا للحجج التالية:
ـ »الباراديغم« ينتمي إلى سجل الإبستيمولوجيا الوضعيّة (كوهن: سيرورة العلم وثورة العلم).
ـ »الباراديغم« هو ما يمتلكه أعضاء جماعة علميّة بشكل مشترك
ـ »الباراديغم« يفترض القطيعة والإنتقال من »باراديغم« إلى آخر.
بينما النمذجة تعتبر أنّ العلم علوم وأنّ النماذج تتعدّد وتتعايش ولا توجد قطيعة بين النماذج العلميّة المتعدّدة والمتنوّعة والمختلفة.
لذلك فإنّ اعتبار النمذجة هي »الباراديغم« ينجرّ عنه:
ـ نفي انفتاح النماذج وتعدّدها وتعايشها، على الرغم من اختلافها.
ـ يجعل من الحقيقة العلميّة واحدة تتمثّل في »الباراديغم« القائم مقابل عدم الاهتمام بكثرة النماذج في حياتنا الواقعيّة وفي المستوى المعرفي الإنساني.
ـ لذلك فإنّ علينا فهم النمذجة على أنّها نماذج متعدّدة وتصاميم متنوّعة وأشياء مصغرة سهلة الاستعمال يعاد من خلالها وفق شكل مبسّط ومصغّر انتاج خصائص شيء ذي أبعاد كبرى سواء تعلّق الأمر بمعمار أو بأداة ميكانيكيّة.
استنتاجا من ذلك نعترض على الموقف الذي ينظر إلى النمذجة وحدة وليست نماذج متعدّدة بالقول انّ النمذجة تجعل العلم منفتحا على التعدّد، فلا يوجد العلم بصيغة المفرد بل هو بصيغة الجمع دائما، ممّا ينتفي معه الحديث عن حقيقة علميّة واحدة.
الواقع الانساني والمعرفي يؤكد أنّ العلم علوم وأنّه لا توجد حقيقة واحدة في العلم، ميزة التفكير العلمي الحديث هو النسبيّة التي جعلت من العلم مجرّد برنامج للبحث عن فروض، يقول كارل بوير: »تعلمنا من انشتاين أنّ العلم يعطينا دائمًا فروض أو حدوس افتراضيّة بدلا من معرفة يقينيّة«.
أسطورة الإطار ص 231
❊ المهارة المستهدفة: استخراج ضمنية من أطروحة
الأطروحة: بقدر ما تتقدّم التقنيات يتراجع التأمّل«
المطلوب: استخراج ضمنيّة من خلال هذه القولة.
التمشيات المنهجيّة المطلوبة:
❊ فهم دلالة القولة وابراز معانيها.
❊ استكشاف الروابط المنطقيّة داخل القولة.
❊ استخراج الأبعاد الضمنيّة للأطروحة.
❊ تطبيق التمشّيات على القولة
❊ يمكن أن نفهم من هذه القولة ما يلي:
ـ أن التقنيات بما هي تحويل تطبيقي للتصميم / التصاميم (أي النماذج) التي تتحوّل من أنساق رمزيّة الى منجزات تقنيّة.
ـ أن تقدّم التقنيات يقوم على حساب التأمل الذي يتأخر ويتراجع.
ـ أن النمذجة وانجاز التقنيات كبعد تداولي للنمذجة، تجعل من الانظمة التقنية هي الهدف من ممارسة النمذجة.
ـ أن الحدّ الابستيمولوجي للنمذجة بقدر ما يضعنا أمام أنظمة تقنية متعدّدة بقدر ما يجعل من التقنية وانظمتها أداة تعيق التفكير.
وما تكشفه الروابط المنطقية لهذه الاطروحة هو التأكيد على أن هناك تناقض صارخ وواضح بين التقنية وبين التأمّل، ولذلك فإنّ الضمنيات الممكنة لهذه القولة تتمثل في التالي:
ـ التقنية لا تفكّر بل انّّها اكثر من ذلك إنّها تناقض التفكير.
ـ ان التقنية تُساهم في تأخر التأمّل بماهو ضمنيا تأكيد على فعاليّة الانسان.
ـ ان الحقيقة العلميّة أصبحت في ظلّ هيمنة التقنيات أداة نكوص وتراجع لفعل التفكير، وكأننا أمام تأخر الفعل الانساني (التأمل والتفكير كخصوصيّة انسانيّة) في مقابل تقدّم وهيمنة الأنظمة التقنيّة.
من المهارات الضروريّة للمقال الفلسفي: الإشكاليّة، الأطروحة النقيضة، الحجاج، التأليف
المهارة المطلوبة: تحويل قولة أو أطروحة إلى إشكالية
التوضيح المنهجي
الأشكلة هي روح التفلسف، والإشكالية ليست جاهزة كما السؤال، لهذا فإن صياغة الإشكالية مسألة تحتاج إلى التفكير للكشف عن الاحراجات القائمة من وراء مجرّد الاعتقاد أو التسليم بصحة الأطروحة أو القولة، كما أن الاكتفاء بمجرّد تحويل الجملة الاقرارية الى جملة استفهاميّة بشكل ميكانيكي يُعدم روح الأشكلة.
ماذا علينا أن نفعل إذن
❊ علينا البحث عن دلالة ومعنى وضمنيات القولة أو الأطروحة في مرحلة أولى.
❊ استخراج أبعادها ومراميها
❊ الانتباه الى رهاناتها واحراجاتها.
❊ استدعاء موقف أو أكثر نقيض لها يشترك معها ـ منطقيا في نفس المسألية.
المثال: إن وجود الدولة يضمن حفظ الحياة والامن والسلام.
المطلوب: حوّل هذه القولة إلى إشكالية
الإمكانيات والتمشيات المنهجيّة
تضعنا هذه القولة أمام مُسلمة أن غياب الدولة أو نفيها يؤدي الى الموت والفوضى والحرب.
ان أبعاد هذه القولة هي التأكيد على ضرورة وجود الدولة ولهذا فإن علينا أن نفهم دلالتها من جهة أنّها تعتبر وجود الدولة أمر مُسلم به ولا تطرح أي تساؤل عن امكانيّة أن يحفظ الناس حياتهم (أرواحهم) وينعموا بالأمن والسلام دون الحاجة إلى الدولة.
الدولة، وعلى النقيض من هذه القولة لنا أن نتساءل هل أن وجود الدولة (وسيادتها) أمر واجب وضروري أم بالامكان الاستغناء عن ذلك وتحقيق وضمان حق الحياة والامن والسلام؟
ان الأطروحة النقيضة لهذه القولة هي الاطروحة الفوضوية (باكونين مثلا) التي تعتبر الدولة مجزرة معمّمة وأنها لا هوت سياسي، وأن وجودها يُناقض تحقيق حق الحياة ولا يضمن الامن والسلام.
ان ادراك الاطروحة النقيضة يُمكننا من صياغة الاشكالية على نحو يكشف الاحراجات القائمة ضمنيّا في القولة لهذا من الممكن صياغة الاشكالية على النحو التالي:
هل أن وجود الدولة يضمن للمجتمع حق الحياة والامن والسلام أمّ أنّها تمثل سلبا لهذا الحق؟
علينا الانتباه الى أن الاشكلة تضعنا أمام توتّر أن تكون الدولة ووجودها ضمانا لحق الحياة والسلام والامن وبين ان تتحول هي نفسها الى أداة نفي لهذا الامر.
اذ احراجات القولة التي حوّلناها الى اشكاليّة تتمثل في:
ـ وجود الدولة وسيادتها على المجتمع يتناقض مع سيادة المواطنة.
ـ حصر الغايّة من وجود الدولة في حفظ الحياة والأمن والسلام يجعلنا في نقيض ذلك ننظر الى الشعب الذي تحكمه وتوفّر له حق الحياة والامن والسلام مجموعة من الرعايا وليسوا مواطنين.
ـ رهانات القولة: سيادة الدولة.
ـ رهانات الاطروحة النقيضة سيادة المواطنة يتضح التوتر عبر حُسن صياغة الرهانات وتفكيك مُحكم للمعاني المؤكدة والمناقضة.
❊ ملاحظة:
لأنّ الأشكلة هي »سمة حكم أو قضيّة قد تكون صحيحة (ربّما تكون حقيقية) لكن الذي يتحدّث لا يُؤكدها صراحة.. الاشكالي هو المشكوك في أمره« كما ورد في معجم »لا لاند« (A. lalande ) فإنّه من غير المقبول مُجرّد تقديم صيغة إمية (إمّا... أو...) فقط في صياغة الاشكالية فإن بإمكاننا البحث في الخروج من الثنائية نحو موقف أو مواقف أخرى نضعها موضع تساؤل للتخلص منطقيا وللتجاوز معرفيا ان الاشكلة هي روح المقال الفلسفي اذ استقامت، استقام كلّ المقال!
❊ الاطروحة النقيضة
هذه المهارة تستوجب تمشيات معرفية ومنهجيّة في سلّم أولوياتها التمكّن من المحاور وعناصرها والتوصل الى صياغة أطروحة نقيضة لأطروحة مقترحة ليست عملية تحويل السلب ايجابا ولا التأكيد نفيّا،كما يذهب الى ذلك عديد المترشحين، بل هي فعل منطقي يقوم على بناء مُحكم للمطلوب.
❊ المثال المقترح
قدّم أطروحة نقيضة لهذه الأطروحة »ان النموذج الذي تمّ إثبات صلاحيته ليس الاّ مُقاربة من بين مُقاربات أخرى
❊ ما المطلوب منهجيّا؟
لابد من الالتزام بالتمشيات المنهجية التالية:
ـ على المستوى المنطقي: لنفهم أن النمذجة ليست هي النظرة للعلم على أنه ثابت ونهائي ممّا يفترض القطيعة مع ما سبقه أي ما ليس العلم.
ـ لابد من الانتباه الى أن دلالة القولة تضعنا أمام أن اثبات الصلاحية لنموذج ما ليس أمرا قاطعا للجزم بالتفريق بين العلم واللاعلم.
ـ أن الصلاحيّة نسبيّة فهي مُجرّد رؤية من بين رؤى أخرى للواقع ومقاربة له ولتعقيده وتركيبه فهي لا تنفي امكانية وجود رؤى أخرى ومقاربات وقراءات متعدّدة.
❊ كيف نتوصل الى استخراج الاطروحة النقيضة؟
الانتباه الى ضمنيات القولة (العلم علوم) والصلاحيّة ليست حاسمة أو مغلقة أو نهائيّة.
ولذلك فإنّ نقيض ذلك هو البحث عن الحقيقة العلميّة الواحدة وليست المقاربة من بين المقاربات الأخرى.
❊ لابد من الانتباه الى أن النمذجة العلميّة جعلتنا نشهد استبدال الحقيقة بالصلاحيّة: »النمذجة لا تهتم بالحقيقة بل تهتم بالفعل« كما يقول »نيكولا بولو«.
❊ ان دلالة الصلاحية يتوسّع في القولة ليشمل النجاعة، فماهو صالح لنا هو الناجع والأكثر فعّالية في ضمن دائرة حاجياتنا.
❊ ان الربط بين النموذج وبين الصلاحيّة يتضمن تنزيل النمذجة في سياق اجتماعي لكونها أداة لتحقيق المصالح الاجتماعية ولا نبحث عن الصرامة والدقة النظرية.
❊ مهارة الحجّاج على صحّة / صدق موقف أو أطروحة
توضيح أساسي
❊ ان الحجاج أسلوب في القول يهدف الى الاقناع برأي أو موقف بتوسل جملة من الحجج المدعمة بأمثلة.
❊ لا يوجد أسلوب واحد لبناء الحجاج بل ان الحجاج عمليّة منطقيّة تعتمد أساليب متعددة كالدحض أو المماثلة أو البرهنة بالخلف أو غيرها من الأساليب التي تسعى الى تأكيد صحة الموقف.
❊ المثال المقترح: ان حوار الحضارات يُساعدنا على أن ننفتح على الآخر
المطلوب: قدّم حجة لتأكيد هذه الأطروحة.
ماهي التمشيات المنهجيّة المطلوبة؟
علينا اتباع التمشيات التاليّة:
❊ استخراج دلالة القولة
❊ تؤكد القولة على أن حوار الحضارات تساعدنا على الانفتاح على الآخر.
❊ تضعنا هذه القولة أمام مفهوم الحوار باعتباره مساعدًا على الانفتاح على الآخر.
❊ المفهومان الأساسيان في القولة هما: الحوار والآخر.
❊ علينا التوقف عند دلالة هذين المفهومين فالحوار بين الثقافات / الحضارات لا يعني مجرّد اللّقاء الشكلي بين أفراد ينتمون الى حضارات مختلفة ضمن مناسبات (ندوات، مؤتمرات، الجمعية العامة للأمم المتحدة...) فما الحوار بين الثقافات أو الحضارات؟
دلالة الحوار ـ وفق العقلانيّة النقديّة لكانط ـ تضعنا أمام دلالة الحق »الكوسموبو ليتيك« (الحق الكوني الذي للانسان بوصفه مواطنا عالميّا).
ان الحوار بين الحضارات هو حلّ لمشكلة (واقع) العنف والحرب بين الحضارات فالآخر الذي نتحاور معه ونقيم معه حوارا نقبل بالتالي أن يكون فهمنا له أنه المختلف عنّا ولكن هذا الاختلاف لا يُمكن أن يؤدي الى العداوة والبغضاء وتبادل العنف أو انشاء الحروب لتدمير الآخر في الظاهر ولكنه تدمير للجميع في واقع الأمر.
نقيض الحوار والانفتاح والقبول بالتعايش بين الحضارات هو السقوط في »المذبحة المعممة التي هي الحرب« كما يقول »غاندي«.
❊ الحجج الممكنة على ضرورة حوار الحضارات والانفتاح على الآخر
❊ حججا عقليّة تتمثل في:
ـ ان غاب الحوار بما هو تبادل للاعتراف وقُبول بالتعايش فإن النتيجة الممكنة هي العنصرية والانغلاق والحروب.
ـ ان العنف ان حدث وتمثل في الحروب فإن ضحاياه هم الجميع (كلّ الحضارات).
❊ ان ضمنيّة الدعوة الى الحوار هي الاقرار بمساواة البشر لكل الحضارات، فالآخر المختلف عنا ثقافيا نكتشفه ويكتشفنا من خلال اقامة حوار معه.
ـ من الممكن التأكيد على أن الحوار (شكل من أشكال المعرفة) في حين أن غياب الحوار (تكريس للجهل) ممّا يؤدي الى العداء والحروب والرفض المتبادل بين الحضارات.
كما يمكن الحديث عن حجج واقعيّة من بينها:
❊ الانفتاح على الآخر هو ضرورة انسانية لكلّ الحضارات
❊ الحوار إلتزام بالانسانية يُحقق لنا مطلب الكلي أو على الاقل يُقربنا من تحقيق هذا المطلب.
كما يمكن تقديم الحجج التاريخية التالية:
ـ تاريخ الانسانيّة هو من وجهة نظر ما، هو تاريخ تبادل التجارب والتراكمات المعرفية.
❊ ان أهمّ ما قدّمته البحوث الأنثربولوجيّة كما يقول »كلود ليفي ستراس«: »ان كلّ الانسانية ساهمت ولو بدرجات متفاوتة في الحضارة الانسانية«.
المهارة المستهدفة: التأليف ملاحظات أساسيّة
❊ هذه المهارة هي مهارة تعتبر بمثابة التتويج لمهارات منهجيّة أخرى ضرورية تعرضنا لها، مثل الأشكلة، المفهمة، الحجاج، ابراز الدلالة، صياغة أطروحة بوضوح ودقة.
❊ هذه المهارة تستوجب انجاز بُعدين هما:
أ/ عمل تحضيري، لتفكيك وتحليل المطلوب مفهوميّا ومنهجيّا.
ب/ عمل تخطيطي، لابراز ما يجب اعداده لانجاز التحرير بعد ذلك.
❊ تنقسم هذه المهارة الى عناصر ثلاثة هي:
أ/ بناء مشكل (مقدّمة) تتضمّن.
ـ دواعي الاهتمام بالمسألة ـ السؤال
ـ قيمة المشكل المطروح
ـ استخلاص إشكاليّة فلسفيّة وصياغتها بوضوح ودقة.
ب/ مرحلة بناء الجواب (بلورة الموقف) وهو عنصر يُسمى كذلك الجوهر ويتضمّن:
ـ دلالة الموقف
ـ الاشتغال على الحجاج (راجع الحجاج).
ـ توضيح دلالة المفهوم (راجع مهارة المفهمة).
ـ ابراز الأبعاد المتصلة بالاطروحة المقدّمة أو المؤكدة.
ـ التوقف عند الحدود وابراز جوانب من حدود وجاهة موقف ما.
ـ اقتراح موقف نقيض وابراز وجاهته.
ج/ مرحلة استخلاص موقف (الخاتمة) مع الاشارة الى قيمته.
❊ المثال المقترح: هل العولمة انسانيّة؟
مرحلة بناء المشكل: يمكن اعتماد المبررات التاليّة (أو أحدها) لتبرير الاهتمام بمسألة العولمة من جهة ومسألة الانسانيّة من جهة أخرى وذلك وفق احدى الامكانيات التاليّة:
ـ ما تمثله الانسانيّة من أهميّة في التفكير الفلسفي (سؤال ما الانساني وقيمته بالنسبة لنا جميعا).
ـ خطورة وأهميّة العولمة في واقعنا الانساني اليوم.
ـ تزايد الاهتمام بالحديث عن العولمة وامكانية ان تكون انسانية أو أنها ضد الانسانيّة ونقيض يُهددها!
❊ ابراز قيمة مفهومي العولمة والانسانية وذلك بالتأكيد على ان العولمة من انتاج الانسانية أو أنها احدى نتائجها، كما أن هناك ترحيبا من قبل البعض بالعولمة أو رفضا من قبل آخرين لها.
ـ التساؤل دلالة العولمة؟
أبعاد العولمة؟ وحدود العولمة بالاشارة الى أن التحوّلات التي شهدها العالم اليوم جعلت »الأرض تتحوّل الى قريّة صغيرة« فالعولمة واقعا وفكرا مجال اهتمام وتوتر واحراج يستوجب التفكير فيه والتساؤل بشأنه تحديدا لدلالة هذه العولمة؟
وهل يُمكن اعتبارها انسانية أم أنّها مناقضة للانسانية؟ وهل في التناقض بين الانسانية والعولمة ما يدفعنا الى التساؤل عن حدود هذا التناقض؟
❊ مرحلة بلورة الجواب (الجوهر).
ما دلالة أن نعتبر العولمة انسانيّة:
ـ ابراز دلالة العولمة على نحو ما حققته الثورة الاتصالية المعاصرة من مكاسب شملت كل مجالات الحياة الانسانية (سرعة التنقل، سهولة الاتصال، تبادل المعلومات، تدفق المعرفة...)
يُمكن التوقف عند مواقف الليبراليين الجدد (فوكوياما، مثلا أو هنتغتون...)
ـ ارتباط دلالة العولمة ضمن هذا التصوّر كمرحلة أخيرة ونهائية تتوّج مسار الانسانيّة التي تجاوزت الصراع بين الطبقات وبين الحضارات نحو أفق التقاء كلّ الناس (الانسانيّة) في فضاء اتصالي واحد.
ـ تقديم حجج على المزاعم بأن العولمة انسانيّة وذلك بصياغة دلالة للانسانيّة تتمثل في الحديث عن ثقافة عالميّة واقتصاد عالمي ومواطن عالمي.
ـ ابراز حدود الموقف المؤيد للعولمة بابراز أن العولمة »امبراطورية الفوضى« ـ كما يقول سمير أمين، وانها ليست حلاّ للانسانيّة بل هي حلّ لرأس المال.
ـ ابراز وجاهة الموقف الذي ينعت العولمة باللاانسانيّ من خلال القول أن العولمة تقوم على تفكيك ثلاثي الابعاد: دولة الرفاه في الشمال ودولة العمّال في الشرق ودولة التنمية في الجنوب.
ـ يُمكن الاشارة الى أن العولمة تضعنا أمام مزيد من الاخضاع للدول / الشعوب المجتمعات، »المتخلفة«.
ـ يُمكن ابراز التمييز بين العولمة وبين الكونيّة (بودريار) الذي يرفض التشابه الخادع بين العالمي وبين الكوني ويؤكد على أن »كل ثقافة تتعمم تفقد خصوصياتها«.
مرحلة الاستخلاص (الخاتمة)
التوقف عند الموقف الذي يرفض العولمة أو الموقف الذي يرحّب بها أو ابراز موقف يُميّز بين العولمة وبين الكونيّة باعتبار أنه يُميّز بين ضياع وتلاشي الخصوصيات وبين الانغلاق والرفض.
ـ اقتراح موقف الحوار والتسامح والتحاور كبديل عن السقوط في التماثل أو الرفض والاقصاء.
ـ التأكيد على أنّ الانسانيّة جسما واحدًا تدخل ضمن حضارة كونية واحدة كما يقول »بول ريكور«.
❊ ملاحظات:
ـ ننبه أبناءنا التلاميذ الى ضرورة القيام بعمل تحضيري للمحاولة / المقال الفلسفي فهو أساسي قبل التخطيط.
ـ الاستفادة من مهارة المفهمة ضروري.
ـ تقديم حجج على كلّ أطروحة تقدّم.
ـ ابراز الجانب المنطقي في كلّ عنصر وفي كلّ ما يُقدمونه من عناصر المحاولة.
التدرب على أشكلة موضوع سؤال
المقدمة :
إيمانا منا بأن تحصيل الذات المفكرة للمعارف لا يستقيم إلا باكتساب مقومات التفكير المنهجي دعتنا الوثيقة التي أعدتها وزارة التربية سنة 1999 تحت عنوان «التدريب على كتابة المقال الفلسفي « على ضرورة: «تجنب تقديم دروس نظرية صرف في المنهجية و الاعتماد على جعل حصة المنهجية حصة عمل تطبيقي قصد» انجاز مهام تؤدي إلى تحقيق مقصد مركزي يمكن صياغته كما يلي: « أن يصبح المتعلم قادرا على كتابة مقال فلسفي بأقل ما يمكن من الأخطاء و بأكثر ما يمكن من العمق و الدقة و الوضوح.
و حتى ننجح في تحقيق الهدف من مثل هذه الحصص كان من الضروري العمل في نظام ورشات ومجموعات يطلب إليها الاشتغال على مهام جزئية تسمى مهارات نحرص على أن تكون متكاملة تهدف إلى إنجاز عمل موحد و متكامل نسميه المقال الفلسفي .
غير أن الاستجابة لمثل هذا المطلب قد لا يتجلى بوضوح كاف في اغلب المؤلفات التي صدرت بعد هذا التاريخ و التي تقدم نفسها على أنها «وثائق منهجية» إذ تنزلق في الاسترسال في تكرار وصايا أو مواقف نظرية جاهزة حول المنهج إن لم تكن أصلا حصيلة مجهود صاحبها الذاتي و الشخصي حيث أننا لا نملك للأسف مرجعا نظريا موحدا نلجأ إليه مع اختلاف هذه التجارب وهو في اعتقادي ما يعقد على التلميذ أمام تنوع هذه الوثائق الموازية الاسترشاد و الاهتداء إلى ما يجب أن يكون في حصة المنهج وما يجب أن يقول أو يكتب في مقال فلسفي.
إلا أني اعتقد أن الوثيقة التي أصدرتها وزارة التربية قد تمثلت بوضوح وحددت الهدف المطلوب من تدريس حصص المنهج وإنها قد تمثلت بوضوح روح الوثيقة الفرنسية التي أصدرتها مؤسسة مانيارد سنة 1994 بمعونة ثلة من أساتذة الفلسفة في فرنسا ووضعت لها عنوان: «الفلسفة ـ الأقسام النهائية ـ جذاذة تمارين».
(Philosophie - terminales : fichier d'exercices .édition :MAGNARD-lycées 1994 dépôt légal: juin 1997 n .éditeur 97/2010 .
هذه الوثيقة تأخذ شكل كراس تمارين تقسم العمل المنهجي إلى مهارات جزئية تقدم في شكل جذاذات عمل توجه بأسئلة وتضبط بهدف تنقاد الأسئلة إلى تحقيقه في أخر العمل وهو ما يمكن ترجمته إلى ممارسة منهجية تطبيقية في حصص المنهج التي نخصص لها ساعة واحدة من كل أسبوع مع قسم الآداب .
لذا عملت على هذه الوثيقة ترجمة وتصرفا في بعض التمارين و باشرت بنفسي تنفيذها و لمست مدى نجاعة ما تقدمه.
من بين أهم المهارات المنهجية التي ندعى إلى تدريب التلميذ عليها نذكر :
* الأشكلة : التدريب على الانتقال من السؤال إلى الإشكال.
الأشكلة :
سأعتمد نموذج للمران المنهجي : التدرب على الأشكلة أو الانتقال من السؤال إلى الإشكال .
غالبا ما يتجه جهد التلميذ إن تعلق الأمر بسؤال إلى البحث عن جواب يعتقد انه ممكن أو إن السؤال يفضي إليه ضرورة و ينسى أن الأمر يتعلق هنا «بمشكل فلسفي» لا بمجرد سؤال عادي .
- وهنا نطرح الأسئلة التالية :
- هل السؤال في ذاته مشكلا ؟
- ما الفرق بين السؤال والإشكال ؟
- وكيف لنا أن نحول السؤال إلى إشكال ؟
و حتى نستطيع الجواب عن هذه الأسئلة، يجب أن ننجز جملة من العمليات الفكرية، هي بمثابة مسوّدات عمل، تقوم على
* تفكيك معاني الموضوع : لإظهار ما استشكل منها.
* فهم ما تفترضه صيغة الموضوع :من اجل كشف ضمنيات السؤال.
* من أجل الاقتدار على تبيّن أطروحة الموضوع ونقيض الأطروحة .
* دون أن ننسى في الأخير العمل على تمثل رهان المشكل. (الخطورة النظرية والعملية التي يفترضها السؤال.
السؤال المقترح:
هل لا تكون القيم أخلاقية بحق إلا متى كانت مطلقة ؟
تفكيك معاني الموضوع :
هل لا... إلا ...: هذا السؤال هو سؤال الشرط ستلزم حدين يشترط الواحد منهما الأخر ضرورة الشرط وجواب الشرط.
القيم الأخلاقية : القيم جمع قيمة، وهي ما يكون به الشيء ذا ثمن أو فائدة، يقول المثل العربي: قيمة كل امرئ ما يحسنه.وتشير القيمة إلى الخصلة الحميدة والخلة الشريفة التي تحض الإنسان على الاتصاف بها كحرصه على اقتناء الأشياء ذات القيمة الثمينة والاحتفاظ بها، والقيمة ثمن الشيء الذي يقوم مقامه. والشيء القيّم الذي له قيمة عظيمة مبالغة، وأصله قويم على رأي الفراء.
وهي عند بعض الفلاسفة حكم يصدره الإنسان على الأشياء وينبع منه الاعتراض والاحتجاج على الوجود كما هو قائم ومفروض لتحويل هذا الوجود وفق ما ينبغي أن يكون.
تبعًا لهذا الأصل اللغوي فإن القيم هي تلك المبادئ الخلقية التي تمتدح وتستحسن وتذم مخالفتها وتستهجن، وباختصار فهي تلك السجايا الكامنة في النفس، وهي أيضًا المظهر الخارجي لتلك السجايا.
الأخلاق : جمع خلق وتعني في الاشتقاق اللغوي حسب «جميل صاليبا» العادة والسجية والطبع والمروءة والدين وعند القدماء ملكة تصدر بها الأفعال عن النفس من غير تقدم روية وفكر وتكلف .فغير الراسخ من صفات النفس لا يكون خلقا كغضب الحكيم وكذلك الراسخ الذي تصدر عنه الافعال بعسر وتامل كالبخيل اذا حاول الكرم ويطلق لفظ الاخلاق على جميع الافعال الصادرة عن النفس محمودة كانت او مذمومة؟. من معجم صاليبا ج 1 ص 49 .
و الخلق يدل على الصفات الطبيعية في خلقة الإنسان الفطرية على هيئة مستقيمة متناسقة . تدل الأخلاق أيضاً على الصفات التي اكتسبت وأصبحت كأنها خلقت مع طبيعته . اصطلاحاً : عرفه ابن مسكويه بأنه : (حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية ، وهذه الحال تنقسم إلى قسمين منها ما يكون طبعياً من أصل المزاج ، كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو غضب ، ويهيج من أقل سبب ... ومنها ما يكون مستفاداً بالعادة والتدريب ، وربما كان مبدؤه بالروية والفكر ثم يستمر عليه أولاً فأولاً حتى يصير ملكة وخلقاً) ويعرفها لالاند في معجمه «الاخلاق هي مجموع قواعد السلوك مأخوذة من حيث هي غير مشروطة «Ensemble des règles de conduite tenues pour inconditionnellement valablesب «LALANDE . p655.
الحقة : أو الحقيقية ما يتطابق مع جوهر الشيء وماهيته وحقيقة القيم الخلقية هنا كما يعلنها نص الموضوع في بلوغ المطلق او تطابق القيم مع المطلق .
المطلق: «المُطلَق» في المعجم الفلسفي (هو عكس النسبي) ويعني «التام» أو «الكامل» المتعري عن كل قيد أو حصر أو استثناء أو شرط، والخالص من كل تعيُّن أو تحديد، الموجود في ذاته وبذاته، واجب الوجود المتجاوز للزمان والمكان حتى إن تجلى فيهما .»المُطلَق» في المعجم الفلسفي (هو عكس النسبي) ويعني «التام» أو «الكامل» المتعري عن كل قيد أو حصر أو استثناء أو شرط، والخالص من كل تعيُّن أو تحديد، الموجود في ذاته وبذاته، واجب الوجود المتجاوز للزمان والمكان حتى إن تجلى فيهما.
والمطلق يعرفه لالاند بأنه: «ما في الفكر كما في الواقع لا يحتاج لغير ذاته يتقوم به»
ce qui dans la pensée comme dans la réalité ne dépend «
d'aucune autre chose et porte en soi-même sa raison d'êtreب
LALANDE .p 5 :
والمطلق عادةً يتسم بالثبات والعالمية، فهو لا يرتبط بأرض معيَّنة ولا بشعب معيَّن ولا بظروف أو ملابسات معيَّنة. والمُطلَق مرادف للقَبْليّ، والحقائق المطلقة هي الحقائق القَبْلية التي لا يستمدها العقل من الإحساس والتجربة بل يستمدها من المبدأ الأول وهو أساسها النهائي. ويمكن وصف الإله الواحد المتجاوز بأنه «المُطلَق»، ويشـار إليه أحياناً بأنه «المدلول المتجـاوز»، أي أنه المدلول الذي لا يمكن أن يُنسَـب لغيره فهو يتجاوز كل شـيء. وقد عرَّف هيجل المُطلَق بأنه «الروح» (بالألمانية: جايست Geist ويُقال «روح العصر» أي جوهر العصر ومطلقه) و»روح الأمة» (جوهرها ومطلقها). وتَحقُّق المطلق في التاريخ هو اتحاد الأضداد والانسجام بينها، والحقيقة المطلقة هي النقطة التي تتلاقى عندها كل الأضداد وفروع المعرفة جميعاً من علم ودين، وهي النقطة التي يتداخل فيها المقدَّس والزمني فهي وحدة وجود كاملة.
والمطلق في الأخـلاق يعني أن معايير القيم - أخلاقيةً كانـت أم جماليةً - مطلقةٌ موضوعيةٌ خالدةٌ متجاوزةٌ للزمان والمكان، ومن ثم يمكن إصدار أحكام أخلاقية. أما في السياسة، فهي تعني سيادة الحاكم أو الدولة بغير قيد ولا شرط. والدولة المطلقة هي الدولة التي لا تُنسب أحكامها إلى غيرها فمصلحتها مطلقة وإرادتها مطلقة وسيادتها مطلقة.
***
فهم أول للموضوع :
ما الذي يفترضه الموضوع ؟
النظر في شروط العلاقة بين الأخلاق الحقة والمطلق .
وهذا يستلزم :
ـ أن نقف عند معنى القيم الأخلاقية ومعنى حقيقتها .
- أن نقف عند معنى المطلق .
- أن نفهم علاقة القيم (الحقيقية) بالمطلق من جهة ما هي علاقة شرطية.
فهم ثان للموضوع :
ما دواعي طرح المشكل ؟
يذهب الفلاسفة في تناول المسالة الخلقية إلى التأسيس للمسالة لا الدعوة لها والتأسيس يستلزم اتخاذ موقف نقدي من الممارسة الخلقية السائدة .ويعتقد كل فيلسوف يريد التأسيس للأخلاق إلى معانقة المطلق في نظره للقيم الخلقية سواء أكان هذا المطلق عقلي كما يتصوره كانط أو فطري كما تصوره روسو أو ذاتي كما تصوره برغسون أو فردي كما تصوره نيتشه ...وعليه فإن أي محاولة نظرية للأخلاق هي محاولة نحو تصور المطلق في القيم مهما كان الأساس الذي نتصوره لهذا المطلق .
ملاحظة :ضرورة الانتباه هنا إلى أن فكرة المطلق تقودنا إلى الغايات إلى الميتافيزيقا إلى البحث في الأسباب الأولى حسب التعريف الأرسطي للفلسفة الأولى (الميتافيزيقا) «العلم بالمبادئ والأسباب الأولى.
ومن ثم فإن البحث في شروط العلاقة بين القيم والمطلق هو مبحث في وجاهة التشريع لفكرة التأسيس الغائي أو البحث في ما يجعل من القيم الأخلاقية قيما أبدية دائمة يشرع لها فلسفيا.
***
فهم ثالث للموضوع :
وفيه نستثمر ما توصلنا إليه في القراءتين السابقتين لنستخلص مشكل الموضوع فما هو مشكل الموضوع إذن على ضوء ما تقدم من فهمنا للموضوع ؟
يستلزم طرح المشكل عناصر قارة لا بد منها ليكون سؤال الموضوع حجاجيا:
- نسأل عن نواة الإشكال .
- نسأل عن الأطروحة ونقيض الأطروحة .
- ننسّب الأطروحة .
- نسأل عن رهان المشكل .
أ / السؤال عن نواة المشكل :
نواة المشكل هنا السؤال عن القيم من جهة وضعيتها أي من جهة كونها قيما وضعية يرغب الإنسان بتأسيسها .عبارة «تكون» هنا تحيل على معنى الرغبة في التأسيس لا على القيم من جهة كونها كائنة فعلا . (القيم التي نؤسسها لا تلك التي ندعو لها .
لذا سيكون سؤالنا هنا:
ما القيم التي نرغب بتأسيسها ؟
ب/ السؤال عن الأطروحة ونقيض الأطروحة:
ويتمثل هنا في رصد العلاقة بين تأسيس قيم حقيقية وبين توقها للمطلق وذلك من جهة تمثل الشروط الضرورية للعلاقة ؟
لذا سيكون سؤالنا هنا:
وكيف تكون هذه القيم قيما بحق: هل متى كانت مطلقة أم نسبية ؟
ج/ السؤال عن تنسيب الأطروحة :
ويتمثل بإبراز أن الموقف الذي نتخذه من المسألة يظل موقفا نسبيا قابلا للمراجعة .
ويكون السؤال هنا :
وإذا سلمنا بأن هذه القيم لا تكون إلا مطلقة فهل لا تتحول هذه القيم بذلك إلى قيم ملزمة للإرادة ؟
د/ السؤال عن الرهان:
ويتمثل في استشراف غاية أو مقصد نظري أو عملي يراهن عليه الموضوع. (لأن الرّهان كما قلنا هو تمثل الخطورة النظرية أو العملية من طرح المشكل فهو ليس نتيجة بل غاية أو مقصد أبعد لحل المشكل.
ويكون سؤالنا هنا :
أليست القيم- بما هي قواعد سلوك غير مشروطة - تستهدف الإنساني في ذاته من جهة ما هو إجلاء للكوني؟
وعندها فإن :
طرح الإشكالية يكون بالشكل التالي :
ـ ما القيم التي نرغب بتأسيسها ؟
ـ وكيف تكون هذه القيم قيما بحق: هل متى كانت مطلقة أم نسبية ؟
ـ وإذا سلمنا بأن هذه القيم لا تكون إلا مطلقة فهل لا تتحول هذه القيم بذلك إلى قيم ملزمة للإرادة ؟
ـ أليست القيم- بما هي قواعد سلوك غير مشروطة - تستهدف الإنساني في ذاته من جهة ما هو إجلاء للكوني؟
منهجية كتابة نص فلسفي
المقدمة:
من المسلمات التي صارت منازعتها لا تخطر على بال أن مفهوم (مثلا الغير) احتل مكانة مرموقة في تاريخ الفلسفة حيث انكب الفلاسفة والمفكرين على دراسته كل من زاويته الخاصة مما أدى إلى وجود تعارض و اختلاف بين مواقفهم و تصوراتهم و النص الماثل بين ناظرنا يندرج ضمن نفس السياق /المفهوم إذ يسلط الضوء على مسألة (………..) ومن هنا بإمكاننا بسط الإشكال التالي : هل................أم....................؟
و منه بمقدورنا إيراد الأسئلة التالية: بأي معنى يمكن القول.....................والى أي حد يمكن اعتبار........................
العرض:
من خلال قراءتنا للنص يتضح انه ينبني على أطروحة أساسية مضمونها............................(ثلاث أسطر على الأقل)
حيث يستهل صائغ النص نصه (بتأكيد أو نفي أو استخدام الأساليب الحجاجية و الروابط المنطقية )..........................
و قد استثمر منشئ النص جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها............................................. ..............................
و في خضم الاشتغال على النص ثم الوقوف على مجموعة من الأساليب الحجاجية و الروابط المنطقية أبرزها.............
تكمن قيمة و أهمية الأطروحة التي تبناها صاحب النص في................................................ .........................
(و لتأيد أو تدعيم أو لتأكيد) موقف صاحب النص نستحضر تصور .................................................. .............
(وعلى النقيض أو خلاف أو في مقابل) موقف صائغ النص يمكن استحضار تصور..............................................
(للتوفيق أو كموقف موفق) بين المواقف المتعارضة السالفة الذكر بمقدورنا إيراد تصور......................................
خاتمة:
يتبين مما سلف أن إشكالية الشخص بين الضرورة و الحرية أفرزت موقفين متعارضين فاذا كان صاحب النص و مؤيده (فيلسوف أو عالم أو مفكر) قد أكد على أن.......................فان معارضهما(فيلسوف أو عالم أو مفكر) قد خالفهم الرأي حيث أقر........................................
أما فيما يتعلق بموقفي الشخصي فإنني أضم صوتي إلى ما دهب إليه من...............................
بعض الصيغ لاستخدامها للمنهجية
الإطار الإشكالي(المقدمة):
الاستهلال:
مما لا يختلف فيه البيان أن............................................
من المسلمات التي صارت منازعتها................................
لا تخطر على بال كون ...............................................
مما لا شك فيه أن .................................................. ...
مما يستحق الذكر أن ..................................................
من المعلوم أن .................................................. ........
السياق العام:
و النص الماثل بين ناظرينا ينضوي ضمن المفهوم .....................................
والنص قيد التحليل يندرج ضمن نفس المفهوم ............................................
و النص الدي بين أيدينا يتأطر ضمن نفس المفهوم ......................................
السياق الخاص:
اذ يسلط الضوء على مسألة ............................................
حيث يعالج مسألة .................................................. ......
و يتطرق الموضوع .................................................. ..
اذ يتناول قضية .................................................. ........
الإشكال العام:
و من هنا بمقدورنا بسط الإشكال التالي هل................... أم ...........................
لذى يجدر بنا طرح الإشكال التالي هل .....................أم ..............................
و في هذا الإطار بمقدورنا وضع الأشكال التالي هل ..........................أم ........................
الأسئلة الفرعية:
و أخيرا ...............................
و منه تنبثق الاستفهامات الجزئية الآتية .............................. ثم ................................ وأخيرا .....................
و بالإضافة إلى هدا الإشكال تنتظم الأسئلة الفرعية التالية ............................ ثم ............................ وأخير........
كما باستطاعتنا بسط الأسئلة التالية ........................ ثم ................................ وأخيرا ........................
الإطار الإشكالي (العرض):
التحليل:
تحديد الأطروحة
ينبني النص على أطروحة مركزية مفادها أن.................................
من خلال قراءتنا للنص يتضح انه ينبني على أطروحة أساسية مضمونها أن............................
يتضمن النص فكرة عامة مبناها.....................................
يتمحور النص حول أطروحة مركزية مغزاها..................................
تحديد الأفكار والأساليب الحجاجية والروابط المنطقية
حيث يستهل صائغ النص نصه ب...................................
يبدأ كاتب النص نصه ب.................................
إذ يفتتح صاحب النص نصه هذا ب...................................
تحديد المفاهيم
- يتضح من خلال النص انه يحتوي على جملة من المفاهيم الفلسفية من قبيل.....................................
- لقد وظف صائغ النص لبناء نصه مجموعة مهمة من المفاهيم و المصطلحات الفلسفة يمكننا إيرادها كالتالي............
تحديد الأساليب الحجاجية
- في خضم الاشتغال على النص ثم الوقوف على مجموعة من الأساليب الحجاجية والروابط المنطقية أبرزها..............
- ولتدعيم موقفه هدا استخدم منشئ النص جملة من الأساليب الحجاجية والروابط المنطقية وقد جاءت في النص كالتالي..
- وبغية إقناعنا بطرحه اعتمد صائغ النص ثلة من الأساليب الحجاجية والروابط المنطقية من أهمها .......................
تحديد قيمة أطروحة النص
- تتمظهر القيمة الفلسفية للأطروحة المركزية للنص من خلال....................................
- تتجلى قيمة أطروحة النص في كونها.........................................
- تكمن قيمة وأهمية الأطروحة التي تبناها صاحب النص في..................................
المناقشة
المناقشة بالتأكيد
- ولتأييد موقف صاحب النص نستحضر تصور...................................
- و لتدعيم موقف صاحب النص يمكننا إيراد.......................................
- و لتأكيد تصور صاحب النص بمقدورنا تقديم موقف
- وفي نفس المنحنى تنتظم أطروحة..........................................
- و في نفس الاتجاه يرى............................................... ........................
المناقشة بالاعتراض
- و على خلاف تصور صاحب النص ومؤيدوه نجد طرح...........................................
- و على النقيض من الطرح الوارد في النص ينتظم موقف.........................................
- و على العكس من تصور منشئ النص يمكننا إيراد موقف............................................
المناقشة بالتوفيق
- للتوفيق بين الطرح الذي تبناه صاحب النص مؤيدوه من جهة وبين الطرح الذي تبناه معارضه من جهة ثانية باستطاعتنا تقديم تصور........................................
- وكموقف موفق بين المواقف المتعارضة السالفة الذكر بمقدورنا إيراد تصور..............................................
الاستنتاج و التركيب(الخاتمة):
صياغة خلاصة تركيبية موجزة
- يتضح مما تقدم أن إشكالية...............................
- يتبين مما سلف أن قضية..................................
- خلاصة القول أن موضوع..................................
- جملة الكلام أن مسالة.......................................
- نستخلص مما سبق أن إشكالية....................................
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)